الإصلاح والثورة فض اشتباك

إسلام العدل

 

يرتاح الناس لاستقرار الأحوال ودورانهم في فلك ثابت من تكرار الأفعال تحت ما يسمي الروتين اليومي أو رتم الحياة أو ما يسمونه: ” سنة الحياة” ليصبح مصبوغا بلغة متجاوزة تخاطب عاطفة دينية نائمة وضمير في الأعماق غافل فألفت إليها قلوبهم وتعلقت بثبات دورانها نفوسهم, وانشغلت عن مثالبها عقولهم, وغفلت عن مساوئها عيونهم حتى صارت جزءًا من حياتهم اليومية يدافعون عن استمرارها بأرواحهم إذا لزم الأمر ولسان حالهم أن هذا الحال هو صمام أمان حياتنا فإذا تغير هانت في سبيل استقراره الأرواح وربما تعبر مقولة: “التاريخ يعيد نفسه” إلى ارتكان الناس إلى صيرورة الدوران وأن هناك من يدير الأمر باستمرار بما لايتطلب تدخلنا.

وأمام هذا الحال يخرج ثلة من الشباب (شباب القلب والعقل، شباب الروح)[1] عن المألوف ويرفضون واقع الظروف ويعلوا مع ذلك الشباب الغريب وسط ذلك الركام النائم أناشيد بصوت هامس ابتداءا وما تلبث أن تكون صدحًا بالغناء بالفكرة الجديدة؛ ذلك الغناء الذي يضج مضاجع العواطف النائمة ويقلق نوم الضمائر الخاملة ويمس إلهًا مزعومًا صُنع علي مدار الأيام اسمه “الاستقرار” ويظهر مع العمل والتفاعل مع الأحوال الجدل المعتاد هل ما نقوم به إصلاحا أم تمهيدًا لثورة والسؤال الأصعب ايها أولى الإصلاح أم الثورة؟!

والحقيقة أن هذا السؤال منطقي وهام في ظاهره ملتبس وبائس في باطنه؛ إذ أن الإصلاح والثورة ليسا طرفي نزاع وليسا نقيضين يعرف أحدهما بالأخر وفقا لقاعدة الأمر يعرف بنقيضه، فالإصلاح نقيضه الإفساد والثورة نقيضها الثبات علي الحال، وكلاهما خروج عن المألوف ورفض لواقع الظروف.

فالثورة تُعرف علي أنها: “التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وإيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية”.

والإصلاح يُعرف علي أنه: “إزالة الفساد أو تحسين وضع أو تعديل ما هو خطأ، أو الفاسد، أو غير المرضي، وما إلى ذلك وهو لا يعني تغيير الواقع بالكامل بل تحسينه او تعديله”.

وكلاهما يتضمن اعترافًا صريحًا برفض الوضع القائم وهذا محل اتفاقهما أما اختلافهما فيقع في أمرين أساسيين:

الأول: الكلية والجزئية: أن رفض الوضع القائم في حال الإصلاح يكون رفضًا جزئيًا لفساد موضعي فيه ويكون الرفض في حال الثورة رفضًا كليًا على إطلاقه فسد الحال أو صلح (فتصير هناك ثورة وثورة مضادة).

الثاني: الإمكان والتمكن: إذا كان الفساد يمكن إصلاحه كانت القاعدة “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت” وإن كان الفساد أصل ثابت في الحال متمكن منه متجزر راسخ فيه وإصلاحه ضربا من المُحال فالأصل الثورة عليه وتغييره من الجذور وإبداله من الأصول كشجرة خبيثة أجتثت من فوق  الارض.

بهذا نخرج إلى زعمين:

الأول: أن صلاح الحال هو الغاية وهذه الغاية تؤتى بالإصلاح كما تؤتى بالثورة والإصلاح مرتبط بالصلاح بينما الثورة ترتبط به وبغيره لذا كان من جمال وكمال الثورة تدارك أخطاءها ومفاسدها بالإصلاح وأن اختيار أحد المسارين يرتبط بقاعدة الكلية والجزئية وقاعدة الإمكان والتمكن.

الثاني: أن اللجوء إلى أحد المسارين لا يعني الاستغناء طوعًا عن الآخر أو استعداء صاحب الطرح الآخر، فهما ليسا غايتين قائمتين بذاتهما بل أسلوبي تغيير للحال نحو حال أكثر رشدًا يليق بمقام الاستخلاف وبسعي العمران والثورة ذاتها قد تحتاج إلى إصلاح؛ ولأن دوام الحال من المحال فبتبدل الحال يتبدل الأسلوب وتتبدل الأفعال، وما لا يراد له ثورة ما قد يعز إصلاحه وما يراد له ثورة يومًا ما قد يكون من الأولى إصلاحه.

وإن الأمر مُختصر في نفسك أنت أولاً فكما يقول مالك بن نبي [2] “غير نفسك تغير التاريخ” مُستندًا في ذلك إلى قول الله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم “[3] ،  فأصلحوا تلك النفوس أو ثوروا عليها -حسب حالها- حتي يغير الله بنا هذا التاريخ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] يُراجع مقال: دولة العواجيز وروح الشباب.

[2] مالك بن نبي: مفكر جزائري، ولد سنة 1905 م وتوفي سنة 1973 م.

[3] سورة الرعد، الآية 11.

المصدر: http://feker.net/ar/2014/01/25/22698/

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك