المرونة والثبات.. فض اشتباك

إسلام العدل

المرونة والثبات .. أيهما أولي بالتقديم ؟ وهل تعتبر المرونة تنازلا ؟

سؤالان مركزيان في أعمالنا اليومية وتفاعلاتنا المستحدثة مع الواقع من حولنا. سؤالان يحملان مساحات متداخلة تحتاج  إلى توضيح لتداخلها ببعضها من ناحية وتشابكها مع الواقع المحيط من ناحية أخرى. فما يراه البعض مرونة يراه البعض الآخر تنازلا، وما يظنه البعض في حاجة إلى ثبات صارم يحسبه الآخرون تعنتا مذموما وأولى به المرونة، وربما يكون الواضح أن هنالك شعرة فاصلة بين كل منهما لكن الحقيقة أن هناك مساحة متسعة لا تري للوهلة الأولى، لكن إذا دققنا النظر سندرك وجود تلك المساحة وسندهش لاتساعها.

أزمة ذلك التداخل الحقيقية ليس فقط في تعريف كل أمر علي حدة، إنما في تداخل مجالات الحكم في كل حال وهذا ينقلنا إلى أساس الإشكال وهو: عدم القدرة على التفريق بين الغايات والوسائل، بين الجوهر والمظهر، بين الشكل والمقصد، بين المبادئ والمنهجيات، بين الاستراتيجيات والتكتيكات، خلاصة القول عدم قدرتنا علي التفريق بين ما هو ثابت وما هو متغير مكمن تلك الأزمة ومصدرها الأول.

والخطوة الأولي لتجاوز ذلك هي استيقان الغاية بسؤال: ماذا؟ واستبيان السبيل بسؤال: كيف؟ وهي نقطة التفريق بين الغاية والوسيلة بين المقصد والشكل الناتج. فالمقصد حقيقة هو الغاية. أما الشكل فتحدده الوسائل والمناهج التي تحقق هذه الغاية وأحيانًا تتحول الأشكال بما يكونها من وسائل ومناهج في أذهان الناس إلى غايات ومقاصد، خصوصًا إذا أثبت الشكل نجاحًا في خدمة المبدأ لفترة زمنية معتبرة، حينها ترتفع في أذهان الناس الي مرتبة الثوابت التي بتغييرها يظنها البعض تنازلا بينما الحقيقة أن الأمر أشكل علي عقولهم التي خلطت بين غاية ووسيلتها فضاقت بالتغيير، فإذا كانت الغايات والمقاصد والمبادئ أقرب للثبات فإن الوسائل والأشكال والمنهجيات أقرب للتغير وفي اللحظة التي يحدث فيها تغييرا للثوابت فاحتمال كونه تنازلا لا مرونة أكبر، واللحظة التي يحدث فيها تغيرًا في الوسائل والأشكال والمنهجيات هي أقرب للمرونة لا التنازل.

والمرونة الحقيقية تحتمل ثلاث مسارات:

  • مرونة وظيفية:  وهي تغيير الأهداف المرحلية والوسائل واستبدالها بما يناسب المرحلة من ظروف ودوافع وأحداث ومعطيات وأدوات.
  • مرونة إجرائية:  وهي تتعلق ببنية المؤسسة ومنهجياتها أو منهجية عمل الفرد طبقًا لأهدافه.
  • مرونة عملية:  تقتضي أن تتعامل المؤسسة أو الفرد علي السواء مع المتغيرات والتحديات بسلاسة ويسر.

وكل من المسارات الثلاث لا يعمل إلا في ظل غايات كبرى ومبادئ عامة للفرد أو المؤسسة.. فيصيرا على السواء (الفرد أو المؤسسة) كشجرة أصلها ثابت وفروعها في السماء فلا تقلب الجو يكسر رفعتها إذ تتأقلم الفروع بمرونتها مع هبات الرياح وقطرات المطر وذرات الغبار وتبقيها الجذور ثابتة إذا ما كانت الريح عاتية ترغب في كسرها أو تغيير موقعها وثباتها.

خلاصة فض الاشتباك بين المرونة والثبات في التفريق بين سؤالي: ماذا؟ وكيف؟

الأول: ماذا نريد؟ وبماذا نؤمن؟ والثاني: كيف نصل إلى مانري؟ وكيف نحقق ما نؤمن به على أرض الواقع؟

سؤال ماذا؟ يعطينا الثبات، وسؤال كيف؟ يتيح لنا المرونة، والمرونة في مساحة الثبات تنازل والثبات في مساحات المرونة غباء.

 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك