جهاد الفساق والظلَمة

محمد عادل فارس وعامر غضبان

 

يكون جهاد الفساق والظلمة باليد واللسان والقلب لقوله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.

 

فالكلمة واجبة على كل مسلم إن كان بوسعه التكلم، والدعوة واجبة على المسلمين {ولتكُنْ منكم أمَّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…} [سورة آل عمران: 104].

 

وقال تعالى: {الذين إن مكَّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة وأَمَروا بالمعروف ونَهَوا عن المنكر…} [سورة الحج: 41].

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: “ما من نبيٍّ بعثَه اللهُ في أمَّةٍ قَبلي إلا كان له مِن أُمّته حواريُّون وأصحابٌ يأخذون بسُنَّته ويَقتَدون بأمره. ثم يأتي من بعدهم خُلوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمن جاهَدَهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. ليس وراءَ ذلك مِن الإيمان حبّةُ خَردَل” رواه مسلم.

 

وهذه النصوص تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة المقصودة بجهاد الفاسقين والظالمين الذين يَظهَرون في الأمّة أو يتمكَّنون فيها، والمقصود من هذه الفريضة هو حفظ الأمة في دينها وأعرافها وسلوك أفرادها، وقد يكون ذلك بمنع هؤلاء من إفسادهم، أو بإصلاح الخلل الذي تؤدي إليه دعواتُهم المفسدة.

 

وعندما يتمكَّن المفسدون والظالمون فإن جهادَهم قد يَصِل إلى وجوب خلعهم بفتوى أهل الحل والعقد من علماء الأمة الثقات. ومِن أَولى الظلمة الذين يجب قتالهم الحاكمُ الكافر الذي تسلط على بلد من بلاد المسلمين، والحاكمُ الظالم الذي اتفق أهل الحل والعقد على خلعه، والحاكمُ الذي ارتكب جرائم بحق المسلمين واستباحَ محارمَهم، وجنّد المجرمين لذبح الأطفال وانتهاك الأعراض وهدم المساجد وامتهان كتاب الله تعالى.

 

 

متى يجوز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

 

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثُ قد يُفهم منها أن هناك أوقاتاً وحالات يجوز فيها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من هذه الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي جاء فيه: قيل: يا رسول الله، متى نَدَعُ الائتمارَ بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال صلى الله عليه وسلم: “إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا كانت الفاحشةُ في كباركم، والملكُ في صغاركم، والعلم في رُذّالكم”. أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وأخرجه الإمام الطحاوي في “شرح مشكل الآثار بلفظ: “إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم”. ومعنى الإدهان: اللِّين والمداهنة مع من لا ينبغي أن يكونَ معه اللِّين، ومن ذلك قول الله عز وجل: {ودوا لو تدهن فيدهنون} [القلم: 9].

 

والسؤال: هل تعني هذه الأحاديث تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو زوال فرضيتها في عصر من العصور؟

 

إن الناظر والباحث في نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي آراء العلماء وأبحاثهم حولها يدرك بجلاء أن هذه الفريضة أصل من أصول الإسلام التي يستبعد أن يتوقف وجوبها على الأمة كلها في عصر من العصور.

 

أما ما في هذه الأحاديث فهو إشارة إلى أوقات أو مواضع تهدَّدُ فيها الأمة في قِيَمها وموازينها، إلى درجة قد لا يكون فيها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة التناصح العام والوعظ والإرشاد ثمرةٌ كبيرة، والنصح بالقول والوعظ والإرشاد هو المعنى المتبادر الأكثر وضوحاً من معاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

لكن وقوع الأمة في هذا الواقع، بما فيه من خلل في الموازين وانحراف في الأعراف، لا يلغي الصور الأخرى الواجبة على الأمة لإصلاح ذاتها، ولا يمنع العاملين المخلصين من بذل جهدهم وجهادهم لإحقاق الحق وبيان طريق إعادة موازين العدل والقسط، في بناء المجتمع، وفي أعرافه وسلوك أفراده. بل لعل هذه الصورَ الأخرى تصبح أوجبَ الواجبات وأصحَّ الطرق لإصلاح الأمة، ليعود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة الإصلاح الدائمة المؤثرة، التي تقع على المؤسسات، ولا تسقط عن الأفراد.

 

 

 

آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

 

أياً كانت صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لهذا الفعل أحكاماً وآداباً يجب التقيد بها، من أهمها:

 

أ- أن يكون الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر عالماً بحقيقة ما يأمر به من أنه معروف في الشرع، وعالماً بحقيقة المنكر الذي يريد تغييره كذلك.

 

ب- أن يكون ورعاً لا يأتي الذي ينهى عنه، ولا يترك الذي يأمر به، لقوله تعالى: {يأيها الذين آمَنوا لِمَ تقولون ما لا تفعَلون، كَبُرَ مَقْتاً عند اللهِ أنْ تقولوا ما لا تفعَلون} [سورة الصف: 2، 3]. وأن يوافق قولُه عمَلَه، وإلا فما قِيمة كلامِه؟! قال تعالى: {أتأمُرون الناسَ بالبِرِّ وتَنسَون أنفسَكم وأنتم تَتلُون الكتابَ أفلا تعقلون} [سورة البقرة: 44].

 

عن أسامةَ بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلقُ أقْتابُ بَطنه، فيَدُور بها كما يدور الحمار في الرَّحى، فيجتمعُ إليه الناس، فيقولون: يا فلانُ مالَك؟ ألم تكن تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنتُ آمُرُ بالمعروف ولا آتِيه، وأنهى عن المنكرِ وآتيه” متفق عليه.

 

جـ – أن يكون حسَن الخلُق ليناً يتحمل السوء إذا ناله جرّاء أمرِه أو نهيِه. قال تعالى: {وأْمُر بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبرْ على ما أصابك…} [سورة لقمان: 17].

 

فالداعية المسلم الذي يريد أن يغيِّر المجتمع إلى الأفضل لا بدَّ أن يواجه المحنة والابتلاء، وأن يصبرَ لله على أذى الناس له. وليعلمْ أن كلَّ مَن سلك طريقَه من الأنبياء والصالحين تعرض للأذى الكثير. وهذا الأذى والابتلاء سنة الله فيمن يدعي الإيمان والعمل لله عز وجل.

 

قال تعالى: {ألم. أحَسِبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فلَيعلمَنَّ اللهُ الذين صدَقوا ولَيعلمَنَّ الكاذِبين} [سورة العنكبوت: 1، 2].

 

وكما يُطلب من الناصح (الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر) أن يكون رفيقاً ليناً دمثاً.. يُطلب من المنصوح أن يوطِّن نفسه على قَبول النصح والأمر والنهي، ولا تأخذه العزة بالإثم، والانتصار للنفس، فيرد النصيحة بحجة أنها لم تأتِه بأسلوبٍ حسن، أو بحجة أن الناصحَ غيرُ ملتزم بما يدعو إليه.. بل ينبغي أن ينظر في موضوع ما يُدعى إليه ويُنصح به، فإن كان خيراً أخذ به، أياً كان الناصح، وأياً كان أسلوب النصح… بل ينبغي أن يشكر للناصح جهدَه.

 

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

المصدر: https://alfajrmg.net/2014/12/18/%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك