شرف الوثبة

سحبان مشوح

 

 شرف الوثبة أن ترضي العلا … غلب الواثب أم لم يغلبِ

ظلّت محاولات “الجهاد الأمميّ” لفتح القسطنطينية مستمرةً مدّة ثمانية قرون حتى تمكّن السلطان محمد خان من فتحها والسيطرة عليها .. وما فتئ المسلمون يجّهزون بعوث “جهاد الطلب” إلى مشارق الأرض ومغاربها رغبة بإبقاء جذوة الجهاد مستعرة برغم ما كانت تُمنى به في مواطن عديدة من خسائر وخيبات .. وقد اندحرت هذه البعوث مرارًا .. فلم يصفها واصف بالتجارب الفاشلة برغم ما جرّته أحيانًا من أزمات اقتصادية كما حصل أيام الدولة العثمانية التي أكثرت من الغزو والتوسّع .. حتى أتى على الناس في إثر ذلك سنون شداد أكلت من قوتهم وأرزاقهم .. إذ إن انشغال الأمة بالجهاد أمر لا معدل عنه .. كما أن انشغالهم عنه صورة من صور الرّكون إلى الدنيا وارتضاء للقعود مع الخالفين .. وهذا محلّ سخط من الله ورسوله وتغرّة أن تقع الأمة بمسالك مردية ..

 

ظلّت الأمة على هذا الأمر حتى شاءت مقادير الحكمة أن تحل منظومة الدولة الحديثة محل المنظومة التي فرضها الإسلام خلال قرون سيادته .. فتبدل حكم الناس تبعًا لذلك على الجهاد وصوره .. وصار للحدود التي رسمتها أيادٍ عابثةٌ حقٌّ واجب الأداء .. وقداسة تستتبع التحصين .. وتكاثرَ حولها المنافحون عنها وعما أفرزته من واقع تقسيمي بين الأعراق والإثنيات وبين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية .. وصارت كل منجزاتها من تجريف للوعي وتخريب لثقافة الناس وتغيير لطبائع الشعوب وزرع لقابلية الاستعمار الثقافي محلًّا للثناء وموطنًا للتقدير .. كما أصبح من يحاول نقض هذه المنظومة أو يسعى إلى حل عراها موصوفًا بالجهل والرجعيّة ومحلًا للعيبة والذمّ ..!

بل وصل الأمر ببعضهم إلى وصف العمود الفكري لجماعات الجهاد برمّتها بأنه “لا يتعدى الأدبيات التحريضية والتعبوية الركيكة للسلفية الجهادية، وسمتها المشتركة الضمور التام للبعد الروحي والإيماني للتدين الإسلامي ذاته، فضلاً عن كل ما له علاقة بالعالم الثقافي والأخلاقي الحديث”..!!

هذا كلام كبيرهم .. فدعك من صغارهم .. الذين لا شغل لهم اليوم إلا إذكاء نار الفتنة والنفخَ فيها لتبلغ شأو التي في صدورهم .. وقد أشرت قديمًا إلى حالة نفسيّة تعتري صدور هؤلاء القوم .. هي ما يكون اليوم من وراء فعلهم هذا ..!

وقد كان من فضل الله على عباده أن سخر لهذه الأمة رجالًا باعوا أرواحًا يضنّ بها المنخوبون والأنكاس واليراع .. من أجل إيقاد جذوة الجهاد .. وإحاطتها بالمهج خوفًا عليها .. ورأفة بعباد الله من سخطه عليهم .. وإشفاقًا من أن يستعبدهم المحتل بثقافة تمسخ هويتهم وتجتث جذرهم وتبيد خضراءهم .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لن يَبرحَ هذا الدّينُ قائمًا يُقاتِل عليه عصابةٌ مِن الْمسلمين حتّى تقومَ السّاعة” رواه مسلم.

والدفاع عن المشروع الجهادي جهاد بحدّ ذاته .. بعيدًا عمن ينتحل اسمه ويتخلى عن رسمه .. أو يسوّغ لنفسه بالتوسّل به القتلَ وسفكَ الدَماء وارتكاب المجازر وتمزيق الصفّ وحلّ العُرى .. إلا أنّ العقلاء يعرفون أن النّقدَ أمر والطعنَ أمر آخر .. وأن الكشفَ عن فصيل تزيّا بزيّ المجاهدين ولم يكن منهم .. يباين كل المباينة .. جعل هذا الفصيل أنموذجًا ليضرب من ورائه كل حركات الجهاد .. بل المشروع الجهاديّ كلّه ..

ثم يأتي زمان على النّاس يصير فيها المجاهد متّهمًا ملاحقًا لا من أعدائه فحسب .. بل من الأقربين الذي يحملون الهمّ الواحد والملامح المشتركة والسّمت القريب ..!

ولذا خاطب عمر أبو ريشة ذوي الشرف .. الذين يعرفون مهر “عروس المجد” دون غيرهم من فاقديه:

 شرف الوثبة أن ترضي العلا … غلب الواثب أم لم يغلبِ

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك