النهضة وداعش

صلاح الدين الجورشي

 

لم تكن حركة النهضة تتوقع أن من كانت ترى فيهم قوة احتياط لتعزيز دورها السياسي بعد الثورة سيتحولون إلى لغم ينفجر في وجهها، وقوة مناهضة لهم، وهو ما جعل رئيس الحركة راشد الغنوشي يعتبرهم بمثابة "الكارثة" التي حلت بالحركة وفاجأته شخصيًّا.

على الرغم من أنّ حكومة السيد الباجي قايد السبسي التي تولت إدارة الأوضاع خلال سنة 2011 هي التي عممت العفو التشريعي العام، وأطلقت بموجب ذلك معتقلي مجموعة "عقبة بن نافع" التي رفعت السلاح في وجه نظام بن علي، وهي القضية المعروفة بحادثة مدينة "سليمان"، إلا أنّ حركة النهضة في تلك المرحلة لم تعترض على هذا القرار، بل دافعت عنه وأكدت مشروعيته.

عندما استعدت "النهضة" للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، سعت إلى احتواء حركات الإسلام السياسي الفاعلة داخل البلاد، بما في ذلك المنتمين إلى الدائرة السلفية. هذه الدائرة التي لم تكن موحدة، وكانت تشهد الانقسامات المعروفة نفسها بمنطقة الشرق العربي بين "سلفية علمية" و"سلفية إصلاحية" و"سلفية جهادية". لقد تم الحوار مع جميع المكونات، واستعانت الحركة بمشائخها ودعاتها لإقناع هذه الأطراف بالقول إنّ الإسلام في خطر، وإنّ الفرصة أصبحت سانحة لتحقيق نصر كاسح على العلمانيين بشرط توحد أصوات الإسلاميين ووقوفهم وراء مرشحي "النهضة"، واعتبرت الحركة في تلك الأيام المشاركة في الانتخابات "واجبًا شرعيًّا"، ومن لا يشارك في ذلك فقد "خان الأمانة وساهم في تضييع الفرصة وساعد القوى المعادية للدين في التحكم في مصير البلاد والثورة".

لم يستجب مؤسس تنظيم أنصار الشريعة أبو عياض لرغبة حركة النهضة، وحذر يومها من مخاطر انخراط جماعته في اللعبة السياسية الديمقراطية. على الرغم من ذلك تجنبت حركة النهضة الاصطدام بالسلفيين عمومًا، واستمرت في ترك الباب مفتوحًا لمحاولة احتوائهم، لكن مع تكرار استعمال السلاح من قبل عناصر موالية لهذا التنظيم، حدث خلاف في صفوف النهضويين بين من اقتنعوا بأنّ الاستمرار في مهادنة هؤلاء والدفاع عنهم ستكون له تداعيات خطيرة على الحركة، لكن في المقابل هناك من دافع بحماسة شديدة على إبقاء شعرة معاوية مع عموم السلفيين بمن في ذلك "أنصار الشريعة". وقد اعتبر هذا الطرف أنّ أعداء حركة النهضة يريدون جرها إلى ممارسة القمع ضد منافسيها من الإسلاميين، وذلك بهدف توريطها وتعميق الفجوة بينها وبين بقية مكونات "الإسلام السياسي".

انتهى هذا الانقسام والجدل عندما اقتنع وزير الداخلية ثم رئيس الحكومة علي لعريض بمجمل التحريات التي عرضتها عليه الأجهزة الأمنية حول النشاطات السرية والخطيرة التي يقوم بها "أنصار الشريعة"، وهو ما جعله يندفع نحو تأييد الدخول في مواجهة مع كل من يثبت تورطه في العنف، قبل أن يعلن تصنيف هذه الجماعة "حركةً إرهابيةً". حتى في تلك اللحظة هناك من كوادر الحركة من انتقد القرار واعتبره خطأً سياسيًّا يجب تصحيحه. لكن بعد اغتيال رمز اليسار الراديكالي "شكري بلعيد"، اهتزت حركة النهضة وكادت تجد نفسها في ورطة لا مخرج منها، وهو ما دفعها نحو الانخراط الكامل في المواجهة السياسية والأمنية والشاملة ضد هذه الجماعة.

على الرغم من ذلك استمرت الحملة المناهضة لها من قبل أطراف سياسية عديدة، وكلما حدثت عملية إرهابية داخل تونس، تم تجديد اتهام حركة النهضة وتحميلها مسؤولية تغذية هذه الظاهرة والوقوف وراءها. ويمكن تلخيص الاتهامات في النقاط التالية:

أولاً: تتهم حركة النهضة بكونها وفرت المناخ المناسب لانتشار أنصار الشريعة، وذلك بغض النظر عن افتكاك هؤلاء لمئات المساجد، وتنظيم خيام دعوية، وإقامة العشرات من الجمعيات الدينية والخيرية، والسماح بدخول "دعاة قريبين من السلفية الجهادية"، وتأسيس عدد كبير من الروضات القرآنية المدعومة من هذا التيار.. حصل ذلك عندما كانت حركة النهضة في الحكم.

ثانيًا: عدم قيام حكومة الترويكا برد أمني سريع عندما تم رصد عناصر مدنية قريبة من أنصار الشريعة تتدرب في بعض الغابات والجبال على أنواع من الرياضات العنيفة والتحركات القتالية.

ثالثًا: لا تزال الجبهة الشعبية تتهم حركة النهضة بالوقوف وراء اغتيال زعيمها شكري بلعيد، وتطالب بإدراج وزير الداخلية السابق علي لعريض ضمن قائمة المورطين في هذه القضية المعروضة على القضاء منذ 6 فيفري 2013. ويعود ذلك إلى الخلاف السياسي الحاد الذي كان بين الرجلين قبل الاغتيال، وعدم توفير الحراسة الضرورية لشكري بلعيد على الرغم من شعور هذا الأخير بأنّه مراقب من قبل أشخاص لم يتمكن من تحديد هويتهم.

هل يكفي ذلك للقول بأنّ حركة النهضة وتنظيم داعش هما من الفصيلة نفسها، وأنّهما حليفان يعملان من أجل تطبيق أجندة مشتركة؟

لقد سبق للظوهري أن تبرأ من الغنوشي وحركة النهضة في أكثر من مناسبة، وقد هاجم في آخر مناسبة الإخوان المسلمين والسلفيين السياسيين ومن وصفهم بـ "الغانشيون" نسبة إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشى، قائلا إنّ هؤلاء "خسروا الدين والدنيا". وفي المقابل سبق لهذا الأخير أن اعتبر أيمن الظواهري "كارثة على الإسلام" واعتبر تيار القاعدة كلما دخل إلى مكان حوله إلى خراب، دخل العراق فاحتلت، ودخل أفغانستان فخربت ودخل الصومال فخرب، وبناء عليه اعتبر تنظيم القاعدة مشروع هدم لم يأت بخير للإسلام، ووصف الظواهري بكونه "أنموذجًا للتطرف الإسلامي".

وبتاريخ 17 جويلية 2015، هددت خمس تنظيمات موالية لداعش باغتيال عدد من قادة الأحزاب التونسية في مقدمتهم الباجي قايد السبسي ورئيس حركة النهضة وحمّى الهمامي الناطق باسم الجبهة الشعبية، وهو ما دل على أنّ "داعش لا تميز بين الغنوشي واليساري"، وتعتبرهم جميعًا خصومًا يجوز قتلهم. كما جدد التنظيم تهديده لحركة النهضة والغنوشي بعد تبنيه الهجوم المسلح على مدينة بن قردان، وذلك في شريط تم بثه من مدينة "الرقة"، هدد فيه بالانتقام لقتلاه وتوعد برد كاسح.

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D...

 

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك