مشكلاتنا مع تسييس الإسلام والعنف باسمه

الدكتور رضوان السيد

 

كنتُ لعدة أيام في أسبانيا أستاذاً زائراً بدعوة من "كرسي دراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني" بغرناطه لأحاضر في جامعتي إشبيلية وغرناطه والمؤسسة العربية الأوروبية، في موضوعات تتعلق بالإسلام والآخر، وإمكانيات التجديد في الفكر الإسلامي، و"الإسلام السياسي، أُطروحاته ومستقبله". واعترف أنني كنتُ متهيباً في الموضوعين الأولين (أي الآخر، والتجديد)، أمّا الإسلام السياسي فقد اعتبرته موضوعاً ميَسراً نسبياً لأنني تابعتُ حركاته وأفكاره على مدى رُبع قرن، وأصدرتُ بشأنه أربعة كتب وهي: الإسلام العاصر (1987)، وسياسيات الإسلام المعاصر(1997) والصراع على الإسلام (2004)، وأزمنة التغيير، الدين والدولة والإسلام السياسي(2014).

لقد ثبت بعد البدء من إشبيلية والوصول إلى غرناطه أنني كنتُ مخطئاً. فطريقة الكرسي الذي دعاني هو الإعلان عن المحاضرات والأساتذة، ويتسجَّل الطلاب لها من سائر جامعات أسبانيا، وإذا كان الاهتمام كبيراً يجري تنفيذ الفكرة. وقد تسجّل الأكثرون لسمينارَي الإسلام السياسي، وهم من الأسبان والمغاربة والإماراتيين والفرنسيين والأميركيين. وما فهمتُ السبب إلاّ بعد أن بدأتُ بالمحاضرات في هذا الأمر، ثم تلقيت الأسئلة والاستفسارات والتعليقات بعد كل محاضرة. لقد تبين أنّ اهتمام طلاب الدراسات العليا هؤلاء، وهم آتون من كليات الحقوق أو العلوم السياسية أو العلوم الاجتماعية، وبينهم كهولٌ معنيون بالعلاقات الإسلامية – المسيحية، أو بالشأن السياسي الأوروبي والعلاقات العربية- الأوروبية، تبيّن أنهم مهتمون بالإسلام السياسي ومستقبله، رغم ارتعابهم من العنف باسم الإسلام. فهم يقولون بصراحة، هل من المعقول أن لا يكونَ في العالم العربي خارج منطقة الخليج غير تيارات الإسلام السياسي والجهادي أو العسكر؟ وقد قال لي واحدٌ منهم في مداخلةٍ طويلة: الجهاديون زائلون رغم تخريباتهم الهائلة، لأنّ العالم كله ومنه العرب والمسلمون ضدهم. إنما المشكلة، أنه خارج منطقة الاستقرار في الخليج، ليس هناك خيارٌ ظاهرٌ غير جماعات: الإسلام هو الحل، وتطبيق الشريعة، والتمكين، والمرجعية الإسلامية للدولة، أو أنّ الإسلام دينٌ ودولة! وقلتُ: بالفعل فإنّ المشهد العربي غير واعد بعد اضطراب العام 2011. وقد بدا لشهورٍ عامي 2012 و2013 أنه ما عاد هناك غير أحد ثلاثة خيارات: الإسلام السياسي، أو الجهاديات والإرهاب والحروب الأهلية، أو أن يعودَ العسكريون لفرض الاستقرار إن استطاعوا. لكنّ المشهد تغير رغم بقاء الصعوبات والأهوال. وأتى التغيير من ناحيتين: الناحية الأولى هدوء المشهد نسبياً في المغرب العربي في البلدان الثلاث: المغرب وتونس والجزائر رغم وجود إسلام سياسي في السلطة، ووجود جماعات إرهابية  هنا وهناك. والناحية الثانية:  المبادرات الخليجية لاستعادة الاستقرار في المنطقة من البحرين إلى اليمن إلى سورية. وتقديم دعم كبير لمصر، والعمل الدبلوماسي الدولي، والعمل على الأرض لمقاتلة الإرهاب. إنّ هذين المؤشّرين يفيدان أنه في المدى المنظور، سيكون من الممكن الخروج من السيطرات العسكرية والأمنية، ومن الإسلام السياسي أيضاً. ولا داعي للتدليل على أنّ العسكريات قد استنفدت مدتها منذ زمن. ولننظر في البلدان العربية التي كان أو ما يزال يحكمها العسكريون، فهي تغصُّ بالاضطراب والنزاعات التي تشبه الحروب الأهلية. أما تيارات الإسلام السياسي فلديها مشكلة أساسية لا أعرف إن كانت ستتمكن من حلِّها، وهي مقولة: الإسلام دينٌ ودولة. ولا بد لاستعادة الشرعية من تطبيق الشريعة بقوة النظام السياسي الذي يسيطرون فيه وعليه. وبالطبع إمّا أن نأخذ هذه الأقوال على محمل الجد، فيعني ذلك أنّ مشروعهم إقامة دولة دينية مثل النظام الإيراني أو لا نأخذهم على محمل الجد باعتبار أنهم ما نفّذوا شيئاً من ذلك في المغرب وتونس والجزائر، وهم جميعاً في تلك البلدان في السلطة أو قريبون منها. وقد قرأتُ قبل أيام أنّ راشد الغنوشي الزعيم الإسلامي التونسي والذي غادر حزبه واجهة السلطة اختياراً قبل سنتين، يريد في المؤتمر العام لحركة النهضة اقتراح إنشاء حزب سياسي بحت، والتخلّي التام عن العمل الدعوي، اتباعاً لفلسفة الدستور، وقانون الأحزاب. وبنكيران رئيس وزراء المغرب يتحدث دائماً عن طاعة الملك، وأنه لا سلطة له إلاّ ما تعطيه إياه الانتخابات.

إنما لو قلنا بالفعل إنّ هؤلاء عمليون أو براغماتيون أو ما هو أسوأ، يبقى أنه لا نهوض ولا تجدد ولا آفاق حقيقية مفتوحة لديهم لمطالعة الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية. وحتى مشكلة العنف باسم الدين الذي تمارسه الجماعات الإرهابية، لا نلمس تفكيراً جدياً لدى الإسلاميين (المعتدلين!) للتدبير والمعالجة!

لقد تابعتُ في غرناطه مشهداً مؤثراً وواعداً لبرنامج الماستر في كرسي دراسات الحضارة الإسلامية وتجديد الفكر الديني بالمؤسسة العربية الأوروبية. وهو برنامجٌ يستحق الدعم العربي بإرسال طلاب ممنوحين إليه من أجل تنمية العلاقات العربية الأوروبية، ومن أجل التجدد الفكري والحضاري.

جريدة الاتحاد في صفحة وجهات نظر يوم الأحد 15/5/2016

المصدر: http://www.ridwanalsayyid.com/ContentPage.aspx?id=2823#.V1M79dUrLIU

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك