إصلاح المجتمع والقلب

قبل الثورات العربية كانت أغلبية الشعوب العربية تترك السياسة للسياسيين، والعمل العام للمتنفذين والمؤثرين، ومن كان يسعى للتغيير في سياسات المجتمع أو ينتقد توجهات قياداته كان ينظر إليه على أنه يسعى للمتاعب، ويشغل نفسه فيما لا يعنيه.

وبعد الثورات العربية وجد معظم الأفراد أنفسهم مطالبين بالمشاركة في الحراك الشامل والشأن العام، وجد كل فرد في المجتمع نفسه مطالباً بصوت في انتخابات، أو برأي في ترشيح، أو بإسهام في تحرك سياسي أو إصلاحي، أو بفعل ظاهر في تيار اجتماعي.

وكثيرون أصبحوا في مراتب المسؤولين والقادة في التجمعات والهيئات الكثيرة التي ظهرت.

ومع هذا الحراك شاعت نظرة تربط المشاركة والمبادرة مع مظاهر وظواهر الصراع غير الشريف، ومع الخلل في بواطن القلوب والنوايا، فيفترض أصحاب هذه النظرة أن جو العمل العام يملي على المشارك أن يُبعد حسن النية من مقاصده، وأن يستبعد التوجيه القلبي لمواقفه ومشاركته.

وأحياناً يؤدي هذا الافتراض إلى فساد كبير، فربما حسب المرءُ أنه يعمل وفق المصلحة وتختلط مصلحته الشخصية بمصلحة المجموع، وربما أقرّ بأن جو الصراع يفرض عليه بعض المعارك، لكنه يحارب إخوانه أكثر مما يحارب أعداءه وأعداء أمته، وربما ادعى أنه ينطلق من انتماءه لجماعته، لكنه ينطلق في الحقيقة من تعصبه لمجموعته.

قد يكون الحفاظ على طهارة النفوس وصفاء القلوب في هذه البيئة المضطربة …

قد يكون صعباً، لكنه ليس مستحيلًا، وهو يسيرٌ على يسره الله عليه.

إننا نرى في الواقع نماذج من العاملين والمشاركين لم يتركوا إصلاح قلوبهم مع أنهم شاركوا في إصلاح مجتمعاتهم، مع ملاحظتنا أن هؤلاء قد يكونون قلة، وقد يكون تأثيرهم ضعيفاً.

لكن وجودهم وثباتهم يبقى برهاناً يؤكد أن الإخلاص ممكن مع العمل العام، وينفي حجج الذين يكيدون ويظهرون في الأرض الفساد، والذين يتحولون إلى صفوف أعداء الأمة، وكذلك حجج الذين يعتزلون ويتركون حق نصيحة إخوانهم المسلمين.

إن فساد القلوب ليس من لوازم المشاركة والمبادرة، ومن صَدَقَ في نية اخلاص عمله، ولزوم جماعة المسلمين، والتزام مناصحة عامتها وقادتها، فإنه سيضمن تخلص قلبه من رواسب الغل ونكد الكراهية، وستكون تحركاته ومواقفه قائمة دائماً على بصيرة.

ولنتأمل معاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدًا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم”.

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المصدر:https://alfajrmg.net/2014/04/22/%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%AD%D9%...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك