طاعة الولاة: استبداد أم استقرار

طاعة الولاة: تكريس للاستبداد السياسي أم تعزيز لاستقرار الدولة

إبراهيم العلبي

 

ليست الدولة في حقيقتها، ووفقاً للأسس التي ينبغي أن تبنى عليها، إلا عبارة عن عقد اجتماعي بين أفراد جماعة بشرية تربطهم مجموعة من الروابط المشتركة، يفوضون بمقتضى العقد أو المبايعة من يحكمهم باختيارهم، معتمداً على معتقداتهم، وتفصيل ذلك في بحث نشأة الدولة ودراسة النظريات المطروحة في تحديد هذه النشأة وتفسير تطورها، وما نريد بيانه هنا هو أن الدولة تمثل الكيان السياسي الذي ينبثق في خصائصه وميزاته عن الكيان الاجتماعي في روابطه وقيمه، وكلا الكيانين يشكلان مفهوم الجماعة كما كانت تسمى قديماً، وكما تسمى حديثاُ في علم الاجتماع.

فإذا كان الكيان السياسي يستمد مشروعيته من المجتمع المنبثق عنه فهو ما نصفه بالدولة القائمة على التعاقد بين الحاكم والمحكوم، تعاقد يفوض الحاكم صلاحيات التشريع لما يصلح حال المحكومين في شؤونهم العامة، وهذا ما يعرف بالتقنين، أي سن القوانين، على أن ينطلق من معتقدات المحكومين وفلسفتهم الجمعية، وذلك لكي يصح التكليف بحق الأفراد ويترتب على ذلك مشروعية محاسبة المكلف.

ومن شأن الدولة أن تتطور أدواتها ووسائلها في تنفيذ ما تسنه من قوانين، وقد بدا ذلك التطور واضحاُ في ظهور شكل تنظيمي جديد للدول في شتى أنحاء العالم، وهو ما يسمى بالوزارة، وهي الجهاز الإداري الذي ينفذ القوانين ويحميها، وتتفرع عنها مجموعة وزارات تحمل كل منها على عاتقها تنظيم وإدارة مهمة من مهام الدولة، حتى بات أصغر موظف في أقل الوزارات أهمية يمثل الدولة في واجباتها ومسؤولياتها بحسب ما تنيط به وتكلفه مما يتعلق بتنفيذ القانون.

إذا كان ذلك يمهد الطريق لمشروعية «التكليف» كما يسميه أهل القانون، في شتى الدول، على اختلاف عقائدها وموروثاتها الاجتماعية وأديانها، بما يتضمنه من التزام تترتب عليه آثار كثيرة، فإن شذوذ الدول قديماً وحديثاً عن هذه القاعدة وتعظيم مبدأ الطاعة الملازم للتكليف حد التقديس أحياناً يعود في حقيقته إلى جملة أسباب؛ لعل من أبرزها تمسك السلطان بسلطانه، وسعيه لحماية وتوسيع نفوذه، ما يقوده دوماً إلى حالة الاستبداد أو الملك الطبيعي، حيث يكون الملك هو الدستور «المتعاقد عليه» جبراً، وتعليماته الشخصية القانون المتبع، وإن لبس الملك ثوب الرئيس مؤخراً وأضفى على ملكه صبغة الجماهيرية .. وأدى هذا النمط من الحكم في نهاية المطاف، وفي معظم الحالات، إلى ثورات متفاوتة القوة والتأثير لكنها غيرت وجه الدولة وأسهمت في تأسسيس عقد جديد وفق صيغة جديدة.

فإذا انتقلنا إلى الحديث حول ما تقرر في الفقه السياسي في الإسلام في إطار مبدأ التكليف وعلاقته بطاعة ولي الأمر فإن التساؤلات الجديرة بالإجابة هي: ما حقيقة طاعة ولي الأمر في الإسلام؟ ومن هو ولي الأمر؟ وهل تصل الطاعة الواجبة له حد السكوت على ظلمه على مبدأ «اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» ؟

في نظرة عامة يمكن لنا أن نفهم جميع النصوص التي جاءت في حث المسلمين على طاعة ولي الأمر في إطار التكليف المبني على التعاقد، كقوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) على أن تفسير «أولي الأمر» غير مقتصر على الحكام بل يشمل العلماء وذوي الاختصاص، كما جاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنه، ما يوحي بأن الطاعة المطلوبة مقيدة بحدود ما هو من صلاحيات واختصاص كل صنف من أصناف أولي الأمر. ويؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فالطاعة مقيدة لا مطلقة.

وفي التفصيل نجد أن التحذير النبوي من مفارقة الجماعة والخروج عليها جاء مغلظاً في حالة الخروج المسلح على الإمام المنعقدة بيعته شرعاً، فعن ابن عمر رضي الله عنه في الحديث المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا)، وشمل التحذير النبوي كذلك نكث العهد والعقد المبرم بين الحكام والمحكومين، اتباعاً للهوى وبدافع التعصب الجاهلي والفئوي بشتى أنواعه مع ما يرافق ذلك من استحلال للدماء البريئة، فقال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات: مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية: يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل، فقتلةً جاهليةً، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه)، ومن أبشع هذه العصبات تلك العنصرية المستندة إلى اللون أوالعرق فخصها الحديث النبوي بالذكر، فقال صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعُوا وأطِيعُوا، وَإنِ استُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشيٌّ، كأنَّ رأْسَهُ زَبيبةٌ) ولا يخفى مافي كلمة «استعمل» الفعل المبني للمجهول من معنى دقيق يؤكد بأن الحاكم أياً كان منصبه ما هو إلا عامل، لم يتول بنفسه وإنما وُلي بإرادة مشروعة مهاماً تتعلق بعامة الناس.

كما حث الهدي النبوي على الصبر على الحكام إذا ما أظهروا أثرة أو ميلاً عن جادة العدل محذراً من المسارعة إلى الخروج عليهم وإسقاط العقد الذي أبرم معهم، مهما كانت وجاهة الأسباب إذا كان بالإمكان احتمالها، ما لم تضر بصيغة العقد الاجتماعي بصورة جوهرية، وقد بين عليه الصلاة والسلام ذلك فيما رواه أحمد: (أيما رجل كره من أميره أمراً فليصبر، فإنه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية) وفي كلمة السلطان ما فيها من الإشارة إلى سلطة الدولة، وفي اللغة لا يقال فلان خرج من الأمير، بل خرج عليه، ويتضح المعنى المشار إليه برواية أخرى للحديث نفسه أخرجها بالإضافة إلى أحمد كل من البخاري ومسلم، جاء فيها: (ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية) والجماعة هي الكيان الاجتماعي الذي انبثق عنه الكيان السياسي كما بينته في مقدمة المقال.

وينبغي هنا التشديد على أن الحث على الصبر الذي يمنع صاحبه من نقض العهد ليس حثاُ على السكوت على الظلم وطاعة الظالم في ظلمه أو معصيته، ولا أوضح في بيان هذا التمييز من قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن أم سلمة:

(إنه سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضى وتابع، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا)

ومن ثم فإن هذا الصبر محدود بسقف معين وليس على إطلاقه، فهو مشروط بشرطين اثنين:

الأول: عدم الإخلال بالعقد المبرم بين الحاكم والمحكومين، وفي هذا قال صلى الله عليه وسلم: (خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وشِرَارُ أئِمَّتِكُم الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ)، قَالَ : قُلْنَا : يَا رسول اللهِ ، أفَلاَ نُنَابِذُهُم بالسيف؟ قَالَ : (لاَ، مَا أقَامُوا فِيْكُمُ الصَّلاَةَ. وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَة) فقوله «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» يؤخذ منه بأن منابذة هؤلاء الحكام بالسيف – بغرض عزلهم – مباح إذا منعوا الصلاة، بل ربما كان واجباً في بعض المواضع، أما حكمة تعليق الصبر على مدى التزام السلطان بأحكام الشرع الظاهرة لا سيما إقامة الصلاة فتتمثل في رمزية الصلاة وشعائريتها، وارتباطها الوثيق بمنظومة القيم والأخلاق والأحكام الكبرى في الإسلام، فمهما انحرف السلطان في سلطته فهو أهل للتصحيح والتصويب ما دام يظهر تقيده بالشريعة، إذ لا مفر له وهو متقيد بها، ظاهرياً على الأقل، من التزام العدل إذا توفر له من يزجره من عامة المسلمين وخاصتهم ولم تقابله الرعية بالتزلف والمديح وإخفاء العيوب، فإنما الدين النصيحة كما قال صلى الله عليه وسلم، وذكر «أئمة المسلمين» فيمن تجب لهم النصيحة التي جعلها عين الدين في مختلف مناحيه، كما أن «إقامة» الصلاة وليس مجرد أداء الصلاة تعبر عن اجتماع المسلمين في المقام الأول، وفي التزام السلطان بإقامتها استناد إلى هذا الاجتماع، والتزام أيضاُ بما اجتمعت عليه الجماعة، وبهذا المعنى يتضح بأن الحث على الصبر على انحراف السطان عن جادة العدل ليس من باب الإقرار بظلمه أو إعلاء شأنه إلى درجة اعتباره نائباً عن دين الله كما توهم البعض، بل من باب وضع معيار واضح بالإمكان تتبعه والقياس به والمفاصلة عنده، إذ يمكن من خلاله قياس مدى تغول سلطة الحاكم وفشو ظلمه وإسقاطه للمشروعية التي وصل إلى سدة الحكم على أساسها.

الثاني: أن لا يستشري ظلمه بما ينسف جوهر فكرة الدولة من أساسها، لأن الدولة التي يبلغ ظلم حكامها حد استعباد الناس وإسقاط كرامتهم الإنسانية تستحيل ضرراً يضاهى ضرر عدمها، وهذا الضرر سيكون عقوبة يعاقب الناس بها أنفسهم إذا تهاونوا في السكوت على الظلم واستمرؤوا سياط الظالم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)، ونحن هنا نتكلم عن الظلم لا عن الفسق الذي قد يقع من الحاكم، إذ بالإمكان احتماله، بخلاف الظلم والاستعباد والإخلال بالعقد الذي لن يؤدي إلا إلى الثورة بتوفر أسبابها عاجلاً أم آجلاً.

لا بد لنا ونحن نستعرض النصوص الشرعية المتعلقة بطاعة الولاة من الحديث عن النص الذي وردت فيه العبارة الشهيرة (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، إذ بعد دراسة الحديث المروي في صحيح مسلم يتبين التالي:

روى الحديث عن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان كل من أبي إدريس الخولاني وأبي سلام، أما رواية الخولاني فقد خلت من هذه الإضافة تماماً وهذا نصها:

(كان النَّاس يسأَلون رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن يُدركني، فقلت: يا رسول اللَّه إنا كنا في جاهلِية وشرّ فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قَال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قَال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قَال: قَوم يستنُّون بغير سنّتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الْخير من شَرّ؟ قَال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أَجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول اللَّه صِفهم لنا قال: نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول اللَّه فما ترى إن أدركني ذلك؟ قَال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قَال: فاعتزِلْ تلك الفرق كلها ولو أن تعضَّ على أصل شجرة حتى يُدركك الموت وأنت على ذلك)

وأما رواية أبي سلام التي انفردت بزيادة «وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» فهي لا تصح لأن في سندها انقطاعاً، وإن جاءت في صحيح مسلم، فالمعروف عن مسلم أنه يأتي بالصحيح من الحديث ما كان على شرطه في صدر الباب ثم يتبعه بالشواهد والمتابعات مما قد لا يصح بنفسه لكنه يصلح في باب الاعتبار والاستقصاء، ومنهج مسلم هذا في تقديم الأصول ثم إتباعها بالشواهد والمتابعات مما هو دون الأصول في الصحة معلوم لدى علماء الحديث مشروح في كتبهم.

وقد علق النووي على هذه الرواية في شرح مسلم بالقول: «قال الدارقطني: هذا عندي مرسل (منقطع) لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة. وهو كما قال الدارقطني، لكن المتن صحيح متصل بالطريق الأول – طريق الخولاني – وإنما أتى مسلم بهذا متابعة كما ترى» انتهى كلام النووي. وهكذا أكد النووي ضعف السند بناء على ما قاله الدارقطني، ولكنه صحح المتن دون الخوض في الزيادة موضع البحث وذلك نظراً لتقارب المتنين، ويؤكد عدم التفاته إلى مضمون هذه الزيادة أو اعتباره لها ما عنون به الباب الذي أورد مسلم فيه هذا الحديث، فكان عنوانه: «بَاب وُجُوبِ مُلَازَمَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَفِي كُلِّ حَالٍ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَى الطَّاعَةِ وَمُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ) فاستنبط النووي من الحديث ضرورة التزام الجماعة وحرمة الخروج على الطاعة، وذلك من باب الحفاظ على الجماعة والإعلاء من شأن ما تعاقدت عليه مع حكامها، لا من باب تمكين المستبد وتقديس ملكه، ويزيد هذا المعنى تأكيداً ما علق الطبري به على هذا الحديث بروايتيه قائلاً: «والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة»

على أنه فيما لو ثبتت هذه الزيادة فإن معناها لا يعدو المبالغة في التأكيد على أن الجماعة أولى في الاتباع من الفرق المختلفة في أوقات الفتن الكبرى، والمبالغة تفيد المجاز لا الحقيقة، وهي من أساليب البيان المعروفة والمستعملة في غير نص من النصوص الشرعية، ومما يدعو إلى حملها هنا على المجاز هو تعارض حقيقتها بنصوص أخرى في مقدمتها الحديث المشهور: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فإن لم يكن الظلم معصية، ورده عن النفس والأهل عبادة، والموت دون ذلك شهادة فماذا يكون إذاً ؟

وكتلخيص لما سبق؛ نقول:

إن الجماعة الواجب على المسلم التزامها وعدم مفارقتها هي ذلك الكيان السياسي المنبثق عن الكيان الاجتماعي، ويتجلى ذلك الالتزام أولاً: في وجوب إبرام عقد اجتماعي مع الحاكم، وهذا مفاد «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» عقد قائم على التخير لا على الإذعان، ويتجلى ثانياً: في الوفاء بمتطلبات هذا العقد، كالتزام قوانين الدولة التي يسنها السلطان بحكم التفويض الذي تمتع به بعد إبرام العقد، وهذا جوهر مفهوم طاعة ولي الأمر الذي نسبت إليه الطاعة تارة، وإلى السلطان تارة أخرى، مع ما يتضمنه مفهوم السلطان من شمولية معنى الدولة، وذلك مع وجوب النصح للسلطان أو السلطة القائمة وإنكار منكرها وظلمها كلما وقع، وبعيداً عن منازعة الدولة صلاحياتها حتى لا تكون شؤون الناس فوضى تحكمها قوة القوي لا عدل الدولة، ولهذا جاء الهدي النبوي ناهياً عن منازعة الأمر أهله، الذين ائتمنوا عليه ولم يغتصبوه أو يتغلبوا عليه، ولهذا بحث آخر.

ويتجلى ذلك الالتزام ثالثاً: في حرمة نقض العقد والنكول عن العهد لمجرد ظهور الأثرة أو الشدة أو أي وصف يعكر صفو العدل ويخل بالإخلاص الواجب على الحاكم التمتع به، ففي مثل هذه الأحوال ينبغي على الناس الصبروإنكار المنكروحمل الحاكم بكل الوسائل الممكنة – في إطار العقد – على العودة إلى جادة الصواب والعدل، وحد هذا الصبر إخلال الحاكم بالعقد إخلالاً يفقده مشروعية التفويض الممنوح له بموجبه، فإن فارق دين المجتمع ولم يؤتمن على مرجعيته فحري به أن لا يؤتمن على مصالحه ولهذا جاء في الحديث النهي عن الخروج إلا في حالة الكفر البواح، وكذلك إذا فشا ظلمه وعم الناس بما يؤدي إلى تحويل الدولة إلى أداة استعباد وإضرار بعد أن كانت موئل العدل ومورد المصالح، ولهذا قال ابن تيمية: «إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة»، وذكر الغزالي في الإحياء: «إن السلطان الظالم عليه أن يكف عن ولايته، وهو إما معزول أو واجب العزل … وهو على التحقيق ليس بسلطان»

إذن، فجواز عزل السلطان في كلتا الحالتين السابقتين لا غبار عليه، أما وجوبه ومنابذة السلطان المفترض عزله بالسيف والقتال، أي خلعه بالقوة فله حديث آخر إن شاء الله.

المصدر: https://alfajrmg.net/2013/09/01/%D8%B7%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك