الإسلاميون والعولمة العالم في مرآة الهوية

الدكتور رضوان السيد

 

I

 

يملك أبو الأعلى المودودي (-1979 ) تصوراً لحضارات العالم  ، يشبه تصور ابن خلدون العضوي للدول . واستناداً إلى هذا التصور كتب عام 1941 مقالةً عنوانها : " انتحار الحضارة الغربية "(1) وازى فيها بين المشاهد القرآنية لمصائر الأمم والقرون الغابرة من جهة ، وحضارات العالم القديم المنقضية من جهةٍ ثانية . فلمّا بلغ في خريطته الملحمية للتاريخ البشري الحقبة الحديثــة ؛ قال : " إنّ سُنّة الله هذه نراها تتكرر اليوم أمامنا ، فوبالُ الأعمال السيئة الذي ذاقته الأُمَمُ السالفة يحيقُ اليوم بالأمم الغربية … فآفات الحرب العالمية ، ومشكلات الاقتصاد ، وازدياد التعطل ، وانتشار الأمراض الفتاكة ، وتبدُّد النظام العائلي ، كلُّ  أولئك ، آياتٌ بيَّناتٌ لو تأملوها لعلموا أنّ كلَّ ذلك ثمرة ظلمهم وعتوّهم واتّباعهم للشهوات وإعراضهم عن الحق … " .  ومع أنه يذهب إلى أنّ تلك الظواهر  كانت – وما تزال - نُذُراً بين يدي عذابٍ شديد ؛ فإنه يعودُ للقول إنّ الغربيين حتّى لو نبّهتْهم الأماراتُ والفتنُ والملاحــمُ النازلةُ بهم ؛ فإنّ مصير حضارتهم الهائلة محتومٌ ؛ ذلك أنه قد سُلِّط على تلك الحضارة – في نظر المودودي – شيطانان قويان يجرانها حتماً إلى الهلاك ؛ أولهما شيطان تضاؤل النسْل ، وثانيهما شيطان القومية . أما الأول فقد غلب على عقول أفرادها رجالاً ونساءً فجعلهم يستأصلون أنسالهم بأيديهم ، وأما الشيطان الآخر فقد استولى على عقول أممها وحكوماتها . و سبيل الخروج من هذا القطار السائر إلى الهاوية ؛ تبدأ بالتخلص من " عبوديتنا الفكرية "  للنموذج أو المثال الغربي ، والعودة لأصالة الإسلام .

 

لكنّ المودودي الذي يستدلُّ لوجهة نظره في الحضارة الغربية بأمثلةٍ ووقائع ومقولات من تاريخ تلك الحضارة ، لايذكر في مجال عرض البديل نماذجَ ووقائعَ من الحضارة الإسلامية العريقة ، بل يلجأُ إلى القرآن في مجال  بناء النموذج ، كما لجأ إليه في مجال النقد الناقض (2).

 

ويتبنّى سيد قطب تصوُّر المودودي  والنُدْوي لمشكلات الحضارة ؛ أو بالأحرى مشكلات المسلمين مع الحضارة الحديثة . بل إنه يسْلُكُ مسلكه أيضاً في  الاستدلال  القرآني من جهة ، والغرْبي النقدي من جهةٍ ثانية . فهو يكثر من الاستــشهاد بألكسيس كاريل في كتــابه المــترجم إلـــى العربيــة بعنـــوان : " الإنسان ذلك المجـــهول " وصولاً إلى تشـــخيصه للحضارة الغـــربية بأنها حضارةٌ مريضة (3) . ويعودُ مرضُها في نظر كاريل إلى " تخلُّف علوم الإنسان عن علوم المادة " . لكنّ سيداً الذي يوافقُهُ في مرض الحضارة لا يوافقُهُ فيما ذهب إليه من تشخيصٍ لأسباب ذلك المرض . إنّ داءَ تلك الحضارة القاتل في نظر سيد قطب يرجع إلى قيامها على قاعدةٍ لا دينية : " ومن هذه الثغرة جاءتها كل الآفات . وجنايتُها  الحقيقية على الإنسان تنبع كلُّها من هذا المصدر الخبيث ، وإهدارها للقيم الإنسانية ، والخصائص النوعية والفردية مردُّهُ كلُّه إلى هذا المنبت  النكِد … " (4) . ويمضي سيّد قطب قُدُماً فيُماهي بين الدين والفطرة الإنسانية ذاهباً  بذلك إلى  أنّ الحضارة الغربية مضادّة للفطرة (5) . فإذا بلغ الأمر المستوى العالمي ( وسيد قطب يعتبر الحضارة الغربية عالميةً ويسميها دائماً الحضارة الحديثة في حين يُصِرُّ المودودي ومن بعده الندوي على نعتها بأنها أوروبية أو غربية ) ؛ فإنّ سيداً يعلّل شقاء الإنسان في العالم المعاصر باستيلاء الحضارة الحديثة وقيمها عليه ، وهي قيمٌ ماديةٌ مناقضةٌ للفطرة الإنسانية ، تنشر النزاع بين الأفراد ، بل داخلها ، وتتحول نزاعاتٍ عالميةً بين الجماعات والشعوب والأُمم ، كما حدث في الحربين العالميتين ، وفي مــئات النزاعات الــتي تتسبَّبُ بها الحضارة الحــديثة في سائر أنحاء العالم (6) .

 

ولا يختلف أبو الحسن علي الحسني الندوي عن المودودي وسيد قطب في فهمــهما للحضارة الأوروبية أو الغربية ، وعلائقها الصراعية مع الإسلام ؛ لكنه بخلافهما يركّز في كتابيه – الصادرين في النصف الأول من الخمسينات – على الأبعاد التاريخية والتحليلية للحضارتين الإسلامية والغربية . ومن أجل ذلك فإنّ صورته هذه هي التي سادت بين الإســلاميين المعاصرين ؛ في حين تركّز تأثير المودودي وقطب على الجوانب الجدالية والنضالية للعلاقة بين المجالين الحضاريين .

 

صدر كتاب الندوي الأول : " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ " ، بالعربية عام 1950 (7) . وهو ينقسم إلى قسمين متساويين في الحجم تقريباً . ينصبُّ النصف الأول على عرض تاريخ التجربة الحضارية الإسلامية ، وظروف ظهورها باعتبارها تمرداً على ظلامية المجتمع العربي الجاهلي ، وعبثية الصراع الساساني / البيزنطي . ولا يبدو الفصل الخاصُّ بالظروف والبيئات المحيطة بظهور الإسلام وحضارته تمهيدياً ؛ إذ إنه يمتدُّ على مساحة أربعين صفحةً تقريباً  تجري فيها إدانة الثقافات و الحضارات والتقاليد الدينية التي كانت موجودةً في سائر أنحاء العالم في القرنين الخامس والسادس للميلاد ؛ من اليهودية والمسيحية وإلى الزرادشتية والبوذية والهندوكية ، بعد أن كان قد أدان التقاليد الإمبراطورية الكسروية والقيصرية السائدة حول الجزيرة العربية آنذاك ، ويأتي عرض " منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير " مفتتحاً الباب الخاصّ بالحضارة الإسلامية. والملفت أنَّ التركيز فيه على الجوانب التربوية والأخلاقية والثقافية (8) . في حين يعود للسياسة مقامها عند الحديث عن انحطاط الحضارة الإسلامية بالتأكيد على أنّ الانحطاط أدى إلى فصل الدين عن السياسة ، وأوصل غير أكفاءٍ إلى الإمامة ، كما أوصل إلى قلّة الاحتفال بالعلوم المفيدة . وقد شهدت العصور المتأخرةُ لحظاتٍ مضيئةً أيام صلاح الدين وبعض المماليك والعثمانيين ؛ بيد أنّ تلك كانت لحظاتٍ وحسْب ، ثم إنها انصبّت على النبوغ العسكري ، لا الثقافي أو الحضاري .

 

أما بالقسم المتعلّق بالحضارة الأوروبية فيبدأ عند الندوي بربط تلك الحضارة بالأصول اليونانية التي حددت من وجهة نظره عناصرها الأساسية حتى اليوم ؛ وتلك العناصر هي : الإيمان بالمحسوس ، وقلة الدين ، وشدة الاعتداد بالحياة الدنيا ، والنزعة الوطنية أو القومية (9) ؛ فيمكن معه القول إنّ المفتاح لفهمها أنها " مادية " ، كانت كذلك  وما تزال . وقد دار صراعٌ بين الروحانية والزهدية المسيحية من جهة ،  والمادية الحضارية من جهةٍ ثانية ، انتصرت فيها أخيراً المادية فعزلت المسيحية الشرقية أو سلبتها روحها فما تنصرت الروم ، لكنّ النصرانية تروَّمت ؛ على حدّ قول ابن تيمية . وهكذا كان مرض الحضارة الأوروبية الأشد فتكاً : المادية الغرائزية التي سيطرت على الأفراد ، والجنسية ( يقصد القومية ) و الوطنية التي قامت عليها الدول والشعوب . ولذا فإنّ أوروبا ( ومعها الغرب كلّه ) سائرة إلى انتحارٍ للنوازع الفردية  والجماعية الانفصامية والانفصالية السائدة فيها ، كما تشهد على ذلك الحربان العالميتان ، ومئات الحروب الاستعمارية الأخرى .

 

إنّ مســار عالم اليوم ، الــذي تسُوده الحضارة الغربية ، هو مســارٌ جاهليٌّ (10) أو أنه يقود إلى ذلك . فمن جهةٍ هناك الزحف الغربي لإكمال السيطرة على العالم ، ومن جهةٍ أخرى هناك الصراع الداخلي في قلب حضارة المسيطرين نفسها للنوازع المادية الغلاّبة التي تتحكم بالأفراد والجماعات والدول . فالمسلمون مدعوون اليوم لإنقاذ العالم من تلك الحضارة المستبدّة القاهرة ، وإعادة الأمور إلى نصابها . والفوضى التي تسودُ العالم تكشف عن هول الخسارة التي نزلت به عندما انحطّ المسلمون ، وفقدوا السيطرة على مقدرات العالم ومقدراتهم هم . وعلى العرب – في نظر الندوي – قبل غـــيرهم أن يهبــوا لإنقاذ المسلمين والعالم ، كــما فعلوا أول مرةٍ حين أنقذوهُ بالإسلام .

 

ولايستسهل الندويُّ هذه المهمة النهضوية والإنقاذية . فالفكرة أو الأيديولوجيا الغربية (11) اخترقت العالمين الإســلامي والعربي ، وصارت جزءً ا مهماً في نسيج حيوات الأفراد والجماعات والدول ، وعلى المستويات كلّها : التــقنية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والســــياسة . والندوي يســـتعرض وقائع " التغريب " في سائر نواحي العالم الإسلامي  ، ويستنتج أن التأثيرات الغربية كانت أعمق في الأُطر السياسية ، وتنظيمات الدول ؛ فيضع أمله في المجتمعات التي احتفظت بتقاليدها وأصالتها ، ويتصور دوراً رائداً لمصر في إنشاء حضارةٍ إسلاميةٍ جديدةٍ تشارك في التغيير العالمي الجاري والمتمثل في تمرد شعوب العالم على المستعبدين والمستكبرين (12) .

 

  *           *          *

 

يصل المودودي إذن نتيجة تحليلٍ سريعٍ للموقف الثقافي والسياسي  السائد في العالم الإسلامي عشية الحرب العالمية الثانية وإبّانها إلى وضع برنامجٍ للانفصال بين الحضارتين الغربية والإسلامية . ويشملُ هذا الانفصال الجوانب العقدية والثقافية والسياسية . وهو يتصور إمكان قيام متحدٍ متعيِّنٍ للثقافية الإسلامية ( دولة باكستان مثلاً ) ، يكون منطلقاً لحضارةٍ إسلاميةٍ زاهرةٍ وجديدة ، تصبح مهوى أفئدة مسلمي العالم ؛ فتشكل منافساً حقيقياً للحضارة الغربية في عيونهم ، وربما تصبح مثالاً  للعالم الحديث كلِّه (13) .

 

ويبدو هذا النموذج شديد الجاذبية لسيد قطب ؛ لكنْ في جوانبه العقدية والتصورية بالذات . فهو لم يفد كثيراً من نقد المودودي للحضارة الغربية ، بقدر ما أفاد من تصوره للتفرد العقدي الإسلامي في رسالة المودودي السلفية المسمَّاة : " المصطلحات الأربعة " (14) ؛ وهي : الإله ، والربّ ، والعبادة ، والدين . وقد عاد لشرح ذلك بطريقته البلاغية المحشِّدة في كتابه : خصائص التصور الإسلامي ومقوماته . فالحضارة بحسب المودودي وقطب تملك خصائص أساسية أو مقوّمات تظهر في بداياتها ، ومقوِّم الحضارة الإسلامية الرئيس هو الدين الإسلامي ، فإذا أردنا التعرف على الحضارة الإسلامية ، يكون علينا أن نعود للنص التأسيسي لتلك الحضارة وهو بالدرجة الأولى القرآن الكريم . كما أنه يكون علينا لفهم الحضارة الغربية أو الحديثة العودة لليونان لأنها تأسّست عندهم أو أنهم هم الذين صنعوها  . وإذا أفاد ذلك في معرفة حضارةٍ ما باعتبارها جوهراً ثابتاً لا يتغير إلاّ شكلياً ؛ فإنه مفيدٌ أيضاً في التمييز بين الأصيل والدخيل في تلك الحضارة . وهكذا كان التصحيح العقدي لدى المودودي وسيد قطب هو معيار قيام الحضارة الإسلامية من جديد ، وهو الذي يحدّد ويبلور تجوهرها وانفصالها عمّا حولها على أساس هذا التجوهر . المودودي يريد الانفصال عن الحضارة الغربية ، للتنقية والتطهير من جهة ، وإمكان تحقيق النموذج من جهةٍ ثانية . أما سيد قطب فلا يشغلُهُ التبلورُ السياسي للنموذج المنفصل بدايةً ، أو أنه لا يعتبره أولويةً ، بل إنّ الأولوية للتطهير العقدي أو صفاء التصور ؛ لذا فهو يسعى لتكوين جماعةٍ منــفصلةٍ عقدياً ، تشــكل النموذج الجــاذب ، وســـط حنادس الجاهلية وظلامها (15) .

 

أمّا الندوي الذي يتفق مع المودودي وقطب – قدّم قطب للطبعة العربية الأولى من كتابه : ماذا خسر العالم ، الصادرة عام 1950 – في صورتيهما عن الحضارة الغربية ، والأخرى الإسلامية ؛ فقد اختلف عنهما منذ البداية  في استنتاجاته . فهو لا يرى أنَّ المسلمين منحرفون عقدياً ، كما أنه لا يرى  في مؤلفاته الأولى ضــرورةَ قيــام دولةٍ عقائدية لتطبيق النموذج الحضاري الإسلامي . فالخصوصيةُ الحضارية الإسلامية تطعَّمت بجهود وبحوث المصلحين المسلمين في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين (16) . وبنتيجة ذلك فإنّ المســلمين يعيشون في هذا العصر وليس خــارجه ، وبوسعهم إن احتـفظوا بتــقاليدهـم وجدَّدوها  أن لا يدخلـوا في الجاهلية الأوروبيــة ( وهي أخــلاقيةٌ وسلوكيةٌ أكثر مما هي اعتقادية ) ، وأن يقيموا حضارةً مستقلةً ، وتنميةً مستقلةً ، بالاشتراك مع الحضارات غير الأوروبية ، والأمم غير الغربية ، التي تعاني من استيلاء الغربيين ما يعانيه المسلمون أنفسهم وربما أكثر .

 

ويصل تصور الندوي ، الذي يمثّل رؤية مثقفٍ إسلاميٍّ غير حزبي ، إلى نتائجه المنطقية على يد مالك بن نبي ، المفكّر الجزائري ، الذي عاش في مصر في الخمسينات ، واستجاب بحماسٍ كبيرٍ لثورة 23 يوليو وخطواتها الأولى . كان  الندوي قد رحّب بالنهضة  المصرية (17) – كما سمّاها – المتمثلة بثورة الضباط الأحرار ، بتحفظ . أمّا مالك بن نبي فحوَّل خطوات الثورة المصرية في المجال الدولي إلى نظريةٍ في الحضارة الإسلامية . فقد أثارت دوائر عبد الناصر الثلاث خيال ذوي الثقافة الإسلامية وأحلامهم ، ثم جاءت باندونغ عام 1955 ، ومبادرات  مصر  في دعم  حركات التحرر الإفريقية  ، لتُعطي مصداقيةً لما عُرف فيما بعد بجبهة عدم الانحياز (18) . يفر‍ّق مالك بن نبي بين الثقافة والحضارة ؛ فتــدنو  رؤيته للحضارة إلى أن تكون نظريةً في الإنسان ، وفي طرائق تحقيقه لمقتضيات إنسانيته ضمن محيط طبيعيٍّ معين (التراب ، والزمن ) . لكن الذي يَهَبُ الحضارة روحها المعيَّن أربعة أمور تدخل في الثقافة وهي : التوجيه الخُلُقي ، والتوجيه الجمالي ، والمنطق العملي ، والصناعة . وبسبب المرونة التي تميّز هذا التصوُّر ؛ فإنّ مالك بن نبي لم يكن يرى تميزاً للحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية ، وإنما هناك تمايُزٌ أقامه الغربيون من خلال استعمارهم واستغلالهم للعالم كلِّه . والواقع أنَّ المتحد الحضاري الغربي من وجهة نظره ( واشنطن – موسكو ) تتعاون وتتساند أجزاؤه رغم صراعها على الموارد والأسواق والنفوذ ، بينما لا يتعاون المسلمون ذوو الحضارة الواحدة . وقد تصور مالك بن نبي إمكان التعاون والتنسيق بين وحدات الحضارة الإسلامية الست : العالم الإسلامي العربي ، والعالم الإسلامي الإيراني ، والعالم الإسلامي الماليزي ، والعالم الإسلامي الإفريقي ، والعالم الإسلامي  الأوروبي ، والعالم الإسلامي الصيني – المغولي . ومالك بن نبي لا يقيم تصوره التعاوني هذا على أساس ديني بحت  ، بل يتصور له  فضاءين أحدهما ثقافي ، والآخر سياسي . فالوحدات المذكورة متشابهة في الثقافة أو بعض عناصرها ، وبينها جامعٌ آخر سياسي هو محاولتها الخروج من إسار الاستعمار الغربي والسوق الغربي (19) . لذا فهناك إمكانيةٌ لقيام حضارةٍ جديدةٍ أسيوية إفريقية ، تتعدد مراكزها بين القاهرة ودلهي وبكين وجاكرتا وكوناكري ولاغوس ، وتستطيع بعراقتها وتجددها ، والقيم الإنسانية الكبرى التي تدافع عنها ، وتسعى لإنجازها ، لا أن تشكّل البديل للحضارة الغربية ، بل أن تصل إلى الندية والمشاركة الفعالة في حاضر العالم ومصائره .

 

II

 

شهدت الستينات في نطاق الفكر الإسلامي تحولاً باتجاه نضالية وحركية المودودي وسيد قطب (20) . بل إنّ الندويَّ نفسه ما تردَّد في الانضمام إلى النضالية الإسلامية  في مواجهة الغرب (21) ؛ في حين تردد مالك بن نبي طويلاً قبل أن يصغي لنداآت  الأصالية التحشيدية في المجال الثقافي (22) . وما تغيَّرت الإشكالية الإحيائية التي سادت ذاك الفكر منذ الأربعينات ، بل حدث تطورٌ في الأولويات . فقد داخلت الفكر الإسلامي الإصلاحي في العشرينات قضية الهوية ، حالّةً تدريجياً محلّ أُطروحة التقدم التي سادت ذاك الفكر منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر . إذ أحدث زوال الخلافة الإسلامية ، وقيام نظام الدولة الوطنية تأزماً في وعي النُخب الإسلامية في سائر أنحاء العالم الإسلامي وبخاصةٍ الهند ومصر . وفي ظلّ بروز مسألة الهوية المنكمشة الخائفة على نفسها ، ظهرت الجمعيات الإسلامية المعنية بالحفاظ على الذاتية الإسلامية وشعائرها ورموزها وسلوكها ، والفكر الأصالي الإحيائي المصاحب لتلك النزعة . وفي نطاق فكر الأصالة والتأصيل كُتبت رسائل وأطروحات  كثيرة في نقد الحضارة الغربية ، وتفضيل الحضارة الإسلامية عليها ، كما كُتبت مقارناتٌ في مسائل وقضايا ومنظومات ضمن الحضارتين توصلت إلى نتائج مقررة سلفاً حول تفوق حضارة الإسلام (23) . وكان من بين تلك المحاولات ما عرضناه في الإيجاز السابق . وجاءت الستيناتُ بمستجداتٍ بعدما أحاط بالخمسينات من آمالٍ ووعود . انتهت الوحدة  بين سورية ومصر ، وبدأت معالم  النزاع العِرْقي بين باكستان الشرقية والغربية ، وتنامى التحول نحو الاشتراكية ، وتفاقمت القطيعة بين الإسلاميين والدولة الوطنية . صحيحٌ أنّ الإسلاميين الجدد ما تقبلوا أصلاً فكرة قــيام الدولة على القوميــة أو الجــنسية ( كما كان يسميها رشيد رضا والندوي )(24) ؛ لكنّ المحاولة الباكستانية التي كان من المفترض أن تقوم على الإسلام ما بدت أكثر نجاحاً ، كما أنّ مصر الناصرية التي اعتبرها بعضُ غير الحزبيين منهم مشروعاً حضارياً واعداً تحولت إلى دولةٍ قطريةٍ عادية. لذلك تضاءلت تدريجاً لدى الإسلاميين الحزبيين وغير الحزبيين الخطط الكبرى ذات الأبعاد الحضارية ، لصالح فكرة النظام الإسلامي المتكامل ، وخصيصته  الرئيسية تطبيق الشريعة الإسلامية فيه ، وليس مجرَّد الإطار الثقافي أو الحضاري الذي وعدتْهم به " فلسفة الثورة " . وقد استمرّ نقد الغرب ونقْضُهُ بل تعاظم ، لكنه ما كان بغرض المقارنة أو التفضيل ؛ بل من أجل مهاجمة أنظمة الحكم السائدة في العالم الإسلامي باعتبارها مستتبعةً ومخترقةً من إحدى المنظومتين الرأسمالية أو الشيوعية (25) . فالتصورات التآمرية والنضالية لدى الإسلاميين عن العالم في الستينات والسبعينات ما عاد هدفها تقديم معرفةٍ ولو ذاتيةٍ عنه ، بل استخدامها باعتبارها استراتيجيات في الصراع على المجتمع والدولة في بلدانهم .

 

هكذا اضطربت  صورة العالم لدى الإسلاميين المتشددين  في الستينات والسبعينات أشدّ الاضطراب . فما عادت هناك دولٌ ولا حضارات , بل إيمانٌ وكفر . وفي حين كان الكفر متعيِّناً – إن صــحَّ التعبير – فهو يُطْبِقُ على العالم كله ؛ فإنّ الإيمان تضاءل وجوداً وأثراً بحيث صار قاصراً على الجماعة الصغيرة التي تُقاتلُ باسمه ، متسلِّحةً إلى جانب الحديد والنار ، بآياتٍ من آي القرآن ، أو شذراتٍ من ابن تيمية وابن كثير والمودودي وسيد قطب (26) .

 

استند الفكر الإسلامي الإحيائيُّ النضاليُّ منه وغير النضالي في رؤيته للعالم ودور الملسمين فيه منذ الستينات إلى  ثلاث مقولات  يصعب معها  النظرُ إلى  المتغيرات نظر معرفةٍ وتفهم : مقولة الاستخلاف ، ومقولة التكليف ، ومقولة الحاكمية  (27) . فالإنسانُ حسب القرآن مستخلَفٌ في هذا العالم لإعماره وإصلاحه ، والمسلمون أتباعُ آخر الديانات وخاتم الرسل مكلَّفون – في فذلكةٍ طويلةٍ – بالقيام على أمر هذا الاستخلاف ، بإنفاذ حاكمية الله في الأرض . ولكي يحقّقوا مقتضى هذا التكليف بالحاكمية ، يكون عليهم ما وسِعَهُم أن يقيموا نظاماً نموذجياً عمادُه الشريعة الإسلامية . ولأنّ الدولة الإسلامية دولةُ فكرةٍ أو عقيدةٍ في الأساس ، يكون عليها أن تصنّف الناس الذين تحت سيطرتها ، وسائر الناس ، على أساسٍ من هذه العقيدة. فهناك مؤمنون ، وهناك أهل كتاب ، وهناك كفارٌ أو مشركون . ومادامت فكرةُ الدولة الوطنية أو القومية مرفوضةً في هذا التصور ؛ فإنّ مسألة المواطنية القائمة على التساوي في الحقوق والواجبات غير معتبرة . وبالمنظار نفسه يُنظَرُ إلى النظام العالمي وآلياته ؛ إذ هو قائمٌ على قوانين وأنظمةٍ وضعية تناقضُ مبادئ الشرعية الإسلامية ، وتصنيفاتها (28) .

 

وبلور  الفكر الإحيائي الإسلامي  بداخله  في الثمانينات  والتسعينات تياراً رئيسياً حاول الخروج من حتميات الستينات والسبعينات ؛ لكنه  ما استطاع القطيعةَ مع تلك الحتميات ، كما سبق له أن قطع مع مقولة التقدم لدى الإصلاحيين المسلمين (29) . وربما عاد ذلك إلى بقايا التأزم بداخله ، ونقص المعرفة بالعالم ، والافتقار إلى ثقافة النقد الذاتي ،  والضغوط المتناقضة التي ما يزال يتعرضُ لها من الأنظمة من جهة ، وجماهيره هو ، من جهةٍ أخرى .  على أنني أحسب  أنّ مشكلة الفكر الإحيائي الإسلامي  الأساسية تكمُنُ في قيامه  على مقولة الهوية ومن حولها ، وفكر الهوية القائم على الرموز والشعائر يستبعد التغيير سواءٌ أكــان قومياً أم دينياً .

 

وعلى أي حال ؛ فإنّ جماعات التيار الرئيسي لجأت في العقدين الأخيرين إلى تسوياتٍ تحفظ لها ذاتيتها من جهة ، وتمدُّ لها جسوراً – حسب اعتقادها – مع العالم والعصر . فهناك نظامٌ إسلاميٌّ  كاملٌ لرؤية العالم والذات والدور ، وهذا النظام لا يناقضُ نظامَ العالمَ تماماً – كما قيل سابقاً – بل إنه يتلاقى معه في أمورٍ ويختلف عنه في أمور . فالمواطنيةُ ليست مرفوضةً تماماً ، بل هي مقبولةٌ في الأساس ، أمّا الفروقُ التي يفرضُها نظام أهل الذمّة مثلاً فإنها فروقٌ تصنيفيةٌ وليست تمييزية (30) . ومنظومة حقوق الإنسان مقبولةٌ إجمالاً ، لكنّ فلسفتها الليبرالية مرفوضة ، وكذا بعض تفاصيلها (31) والديموقراطية نظامٌ وضعيٌّ غربيٌّ ؛ لكنه يتلاقى مع الشورى الإسلامية في أمورٍ إجرائيةٍ كثيرة ؛ وإن اختلف عنها في الأساس الليبرالي للنظام (32) . أمّا النظام العالميُّ فيمثل هيمنةً غير مستحبةٍ في  حقبة القطبية الثُنائية ، وفي حاضر القطب الواحد . لكنّ مناضلة ذلك النظام لا تتمُّ باسم الجاهلية ، بل باسم الحرية والعدالة ، ولذا يُفيدُ فيها التضامُنُ بين المسلمين ، والتحالُفُ مع شعوبٍ وأُمَمٍ غير إسلامية تملك المشكلات نفسها مع  ذلك النظام (33) .

 

وبسببٍ من المساحة المتزايدة للإحيائية الإسلامية في الثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع ؛ فإنّ أدبياتها وممارساتها  تعود لتتخذ الطابع الدعويَّ والأخلاقيَّ الذي يمكنُ أن يكون مقبولاً داخل المجتمعات الإسلامية ، وفي بعض الخارج . ومن هنا فقد عادت تلك الأدبيات للمقارنة بين الحضارات ، واعتبار الإسلام بديلاً بمسِّوغاتٍ أخلاقية وإنسانية . وتكاثرت مشروعات الدولة والدساتير الإسلامية ، ورؤية إسلامية المعرفة ، وتنــظيمات ومصارف الاقتصاد الإسلامي ، والإعلانات الإسلامية لحــقوق الإنسان ، والتصورات الإسلامية لنظامٍ عالميٍّ عادلٍ وإنساني (34) . 

 

III

 

يضع الباحث الأميركي Benjamin Barber في عنوان كتابٍ له صدر عام 1996 مفرد الجهاد في مواجهة العولمة (35) . وهو لا يعالجُ فيه المفهوم الإسلاميَّ للجهاد قديماً وحديثاً ، بل مقصِدُهُ الرمز بالجهاد إلى ردّ فعل المجتمعات العالمثالثية على ظاهرة العولمة التي تحمل في طياتها الهيمنة الغربية . والعولمةُ عنده تتمثل في اقتصاد السوق ، وهيمنة النظام المالي والمصرفي على العالم كلّه ، وهيمنة التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام والاتصال المتطورة ؛ وهو ما يدفعُ الإنسان في العالم الثالث بل وخارجه إلى الإحساس بأنه مَسوقٌ بقوىً عمياء إلى مجهولٍ يخشاهُ ويواجهه بعنفٍ قاتل، شأن الضعيف المحاصَر في ردود فعله على عملاقٍ يجلب هلاكاً محتَّماً . وبغضِّ النظر عن فهم  B. Barber للجهاد ، وعن تقويمه لطبائع ردود الفعل ؛ فاللافتُ أنَّ تأزُّماً ما ظهر في الفكر الإسلامي في القرن التاسع عشر كردّ فعلٍ على الاستعمار الأوروبي ، استعاد خلاله الفقهاء المسلمون تجربةَ ضياع الأندلس حينما عادوا لوضع المسلم الذي يواجه الغزوَ الاستعماريَّ بين أحد خيارين : الجهاد أو الهجرة ! الجهاد لحفظ الشرعية بحماية دار الإسلام ، أو الهجرة إن تعذرت المُجاهدة (36) . ذلك أنه لا يجوزُ للمسلم أن يقيم في ولاية غير المسلم . هكذا حدث في الهند ، وفي إندونيسيا ، وفي الجزائر ، والسودان ، وصولاً إلى ليبيا أثناء الغزو الإيطالي عام 1911(37) . بيد أنّ هذه الرؤية للعالَم : دار إسلام/ دار حرب أو كفر تعرضت لزلزالٍ مدمِّر عندما أُلغيت الخلافةُ عام 1924 ، التي عنت للاستراتيجيين والمؤرّخين قيامَ نظامٍ عالميٍّ جديد ، لكنها عَنَت للفقيه المسلم نهايةَ الشرعية الإسلامية كلِّها بزوال دار الإسلام ! ولا يعنينا هنا مباشرةً استكشاف أو تحليل محاولات تكييف الحالة الجديدة (38) ؛ لكنْ ما يهمنا هنا أنّ ردَّةَ الفعل تجاه العالم المُعادي تمثلت في عودةٍ للذات ، ومحاولات صونها بحسب الثقافة والوعي للفئات الاجتماعية المختلفة وطنية أو قومية أو إسلامية . فالمسألةُ ليست في عقليتين مختلفتين أو متناقضتين – كما يحاولُ Barber  أن يُصوّر الإشكاليات المحيطة بوعي المسلم لمستجدات العالَم المعاصر . ذلك أنه إذا اعتبرنا الثقافةَ معطىً مؤثّراً في طرائق الإدراك والتصرف ؛ فإنه لا يمكن اعتبار الوعي الذي يعملُ على صياغة ردود الفعل ، واتخاذ القرارات نتيجةً مكيانيكيةً للثقافة التي تتضمن فيما تتضمن رؤيةً للعالم ، وموقع الذات الجمعية فيه . وليس بالوسع إنكار أنّ مسألة الهوية في الأساس مسألةُ وعيٍ بالضرورات ، لا تلبثُ أن تُحاط برموزٍ وشعائر مستمدّة من الثقافة تُعطى معانيَ  ووظائف جديدة. بيد أنَّ وعي المسلم والعربي للذات والهوية – شأنه في ذلك شأن أيّ وعيٍ مُشابهٍ – شهد تجاذُباً بين حدَّي الذات والدور ( أو رؤية العالَم ) ، طوال أربعة عقودٍ إلى أن حدث الانفصامُ بين الأمرين داخل ثقافة الهوية في الستينات ؛ فاتّجه القوميون إلى أصاليةٍ ماركسية ، واتجه الإحيائيون المسلمون إلى أصاليةٍ إسلامية . وكلا الوعيين تعبيرٌ عن تأزم في رؤية العالم والعصر ، يستدعي رموزاً ثقافيةً مضْفياً عليها سِمات  الاعتقاد و الحتمية لإكسابها يقينيةً ما كانت لها في حقلها التاريخي والشعوري ؛ كما يبدو في أطروحتي الغزو الثقافي من جهة ، والإمبريالية الجديدة من جهةٍ ثانية (39) .

 

يذكر الباحث التركي خلدون غولالب في ورقةٍ بعنوان : " تعددية ما بعد الحداثة والنقد الإسلامي للديمقراطية " (40) وجوه اللقاء بين الإسلامية الجديدة ، وتيارات ما بعد الحداثة . ومن بين نقاط التلاقي أنَّ الطرفين يتفقان في الحملة على الديمقراطية ، والدعوة إلى البراءة الأصلية . ثم إنَّ الإسلاميين يقدمون " الجماعة " على الدولة ، في حين يؤكد كتّاب ما بعد الحداثة على المجتمع المدني . والإسلاميون يقدمون رؤيةً للعالم أساسها الجماعات الدينية ( وليس المجتمع ) تقيم استقلالاً ذاتياً تحكمه قيمها وشعائرها ومصالحها ، بينما يعمد الحداثيون الجدد إلى الكلام عن التعددية الثقافية ؛ حيث لكل جماعةٍ ثقافيةٍ منظومتها المختلفة والمعترف بها .

 

فإذا كانت ثقافةُ الهوية من جهةٍ ثقافةَ صَونٍ وحفظٍ للذاتية التي تتوهَّمُ تهدُّدها ؛ فإنها من جهةٍ ثانيةٍ ثقافةٌ طهوريةٌ ، ثقافةُ المقدَّس والمدنّس ، وهي من أجل ذلك ثقافةٌ انفصالية . إنها تحاولُ الانفصال عن العالَم لحفظ الذات ، لكنَّ مصدر التهديد للذات ليس محدَّداً بحيث يمكنُ سحقُه أو مقاومتُهُ على الأقلّ ، إنه العالم كُلُّه ! ومن أجل ذلك فإنّ رموز الخيرية التي تُستعمل للذات ( التقوى والجهاد والاستشهاد ) تقابلُها رموزُ الشرّ التي تدلُّ على العالم ، على الآخر ( الجاهلية ) (41) .

 

لكنْ إذا تأملْنا هذا الانفصال جيداً نجدُ أنه في الحقيقة بسبب العقائدية الطهورية – انفصالٌ عن الذات في تاريخيتها ، أي عن المجتمع الأقرب ، والبلاد الأقرب . فهو انفصامٌ داخليٌّ تحولُ عقائديته وطهوريته دون اعتباره أيديولوجيا سياســية . وهم يعــللون ذلك بالاستــناد إلى هجرة الرسول (ص) ( البعد الرمزي و الشعائري ) في نهجٍ استرداديٍّ يستدعي إلى جانب الهجرة أو في سياقها مفردات حقلٍ تاريخيٍ منقضٍ في توظيفٍ جديد . فالهجرةُ خروجٌ من الجماعة ( الكافرة ) ، ومحاولةٌ لتأسيس جماعة ( المدينة ) ، من أجل العودة لمجاهدة ( دار الشرك ) .

 

وهو أخيراً انفصالُ القلّة القليلة عن الكثرة الضالة . فالقلّةُ تعني اصطفاءً لا تُوحيه الكثرةُ أو لا توافقُه . لكنّ الطريف أنّ هذا التصور الذي يحوّل العالم بجماعاته إلى مساحاتٍ لكفران النعمة ، وجحود العبودية ؛ لا يستغني عن تفصيلٍ معيَّن . فهو ما يزال يعتبر أهل الكتاب جماعةً منفصلةً عن بقية الجماعات الكافرة . وهكذا يتكون العالم من ثلاث جماعاتٍ أو مجموعات : المسلمون ، وأهل الكتاب ، والمشركون والكفّار (42) .

 

إنّ التغيّر المهمّ الذي طرأ على هذه الرؤى أو اللارؤى في الثمانينات , كما سبق أن ذكرت , عودة العالم بنظمه وتركيباته السياسية ومشكلاته المتعددة إلى الظهور عبر فكرة النظام الإسلاميّ الكامل والمستقلّ ، والذي يمكنه أن يتعايش مع النظم الأخرى الشاملة. وتتميَّزُ التأمليةُ الجديدةُ بالاستقلالية النسْبية عن الصراع الدائر على المجتمع والدولة في العالمين العربي والإسلامي ؛ على الرغم من الرغبات الدعوية المعلنة والقائلة إنّ العالَم لو أصغى لمصلحته الحقيقية لكان النظامُ الإسلاميُّ هو البديل . لكنّ هذا التطور الدالّ في رؤية العالَم ما يزال يقوم على فكرة الهوية الخاصّة ، ويؤصّل جزئياته عليها . كما أنّ الدين في هذا التصور ما يزال يستوعب الحضارة كلّها بداخله ؛ بحيث ما تزال الدنيوية الجديدة (أو العولمة ) مُعتبرةً بمثابة الدين المضادّ الواجب المكافحة ، لدى الإسلاميين الإحيائيين – أو بمثابة القومية المضادّة ، الوجه الآخر للإمبربالية ، لدى القوميين ، في المجال الثقافي العربي (43) .

 

وإنني أرى أنّ التحديات والمستجدات على الساحتين السياسية والثقافية منذ مطلع التسعينات ما كانت عاملاً مساعداً في توسيع آفاق الرؤية للعالم المعاصر لدى الإسلاميين والقوميين على حدٍّ سواء . فقد جرت حرب الخليج الثانية التي رأى فيها الإسلاميون  والقوميون عدواناً على العرب والإسلام (44) .  وتلت ذلك خلال التسعينات تدخلات الحلف الأطلسي ، وأقطاب النظام العالمي الجديد في نواحٍ مختلفة من العالم تركّز أكثرها في منطقتنا وجوارها مع استمرار الحصار بدرجاتٍ متفاوتة على العراق وليبيا والسودان وإيران . وعلى الساحة الثقافية ما قصّر المستشرقون الجدد , وهواة الرؤى الشاملة في أميركا وأوروبا في رسم خرائط وتخطيطات وأنتروبولوجيات الإلغاء ( رمزها فوكوياما ) أو الصراع التهميشي ( رمزها هنتنغتون (45) .  وقد أدّى ذلك كلُّه إلى ثَوَرانٍ  جديدٍ للهوية المتجوهرة ، التي  يرى الأنتروبولوجي   Clifford Geertz أنها مثل الزائدة الدودية إن سكنت نُسيت ، وإن هاجت أقلقت  وأضرَّت – فتعملقت من جديد على المستوى الثقافي فكرتا الغزو الثقافي ، والتجدد الذاتي ، وسارع القوميون التقدميون إلى إمداد الإسلاميين بالحُجج الاقتصادية والثقافية لمواجهة العولمة (46) . وأحسب أنّ المفاوضات المقبلة مع إسرائيل ، وسط الاختلال المعروف في توازُن القوى ، ستكون لها آثارٌ سليبةٌ أيضاً على إمكانيات الرؤية المختلفة أو المتنوعة للعالم والعصر .

وهناك مشكلة واضحةٌ ضمن النُخَب الثقافية العربية المعاصرة لا تُسَهِّلُ توجهات وعمليات الانفتاح ؛ تتمثل في القوميين التقدميين ، وفي الليبراليين الجدد . فالقوميون الأكثر معرفةً بالعالم ومتغيراته من جمهور الإسلاميين ، ما عادوا متميزين عنهم في المعالم الكبرى للتوجهات بعد خروجهم من حواشي السلطات ،  وتأثرهم الشديد بتغير المشهد العالمي ، ولذا ما عادت عروضهم وأطروحاتهم تشكّلُ إضافةً معتبرةً في التعرف على العالم ومتغيراته . والليبراليون الجدد وضعوا أنفسَهُم منذ البداية في سياق العولمة ، وهم لا يقومون بمهمةٍ معرفيةٍ تنويريةٍ تجاه الجمهور ، بل يتخذون مواقف تعليمية وتوجيهية تشي بالاستخفاف ، وتدعو لتغييراتٍ جذريةٍ في الثقافة والوعي .       

     *   *    *

يرى أحدُ  كتّاب الإسلامية الجديدة أنَّ مسألة : مَن نحن ؟ وهي سؤال الهوية الأساسي ، تبقى في رأس الأَولويات (47) . أما علي المزروعي ، الأستاذ الكيني  - الأميركي ؛ فيرى أنّ مدخل المصالحة مع الأوضاع الجديدة في العالم  ، مع العولمة ، يتمثل في ثلاثة أمور (48) ؛ أحدها معرفيٌّ إنساني ، والثاني رؤيويٌّ تغييري ، والثالث استراتيجي . أما الأمر الأول فيتمثّل بإمكان بل ضرورة الاعتراف بالقيم الإنسانية الشاملة التي لا تتناقضُ والروح السائدَ في حضارتنا وإن لم يكن منصوصاً عليها . وأما الأمر الثاني فيتمثّل بالإصغاء لمتغيرات العيش مع العالم وفيه من خلال المجموعات الإسلامية الكبيرة التي نشهد اليوم جيليها الثالث والرابع في أوروبا وأمريكا وأستراليا ، والتي استطاعت الاحتفاظ بذاتيتها ، والمشاركة بفعالية في المجتمعات الجديدة في الوقت نفسه . والأمر الثالث تطوير رؤى لقراءة العالَم المعاصر ومتغيراته الثقافية والسياسية وليس التكنولوجية وحسْب ؛ بطرائق تتجاوز ( ولا تتجاهل ) الصراع على المجتمع والدولة في العالمين العربي والإسلامي .

 

ليست المشكلة في تبنّي هذا التفسير أو ذاك العولمة كما يحاول القوميون واليساريون القدامى والإسلاميون إقناعنا . بل المشكلة في الرؤية المتأزمة السائدة في مجالنا الثقافي للعالم وعنه (49) . أما الرؤية الجديدة أو المتجددة فأساسها ثقافةٌ ووعيٌ يحول دون تبلورهما بيُسْرٍ  عدوانية الهيمنة الأميركية والأصالية الثقافية والدينية ، والهوية المتأزمّة :

فيا دارها بالحَزْنِ إنّ مزارها                               قريبٌ ولكنْ دون ذلك أهوالُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)        جمعت هذه المقالة مع مقالاتٍ أخرى مشابهة في مجلدٍ أُعطي عنوان : نحن والحضارة الغربية . وتُرجم إلى العربية عام 1955 . وأرجع هنا إلى نشرة دار الفكر ، الطبعة السابعة ، الصادرة ببيروت عام 1970 ، ص ص 70-81 .

(2)        قارن : نحــن والحــضارة الغربية ، مرجع سابق ، ص 52 وما بعدها ،  وص 242 وما بعدها .

(3)        سيد قطب : الإسلام ومشكلات الحضارة . دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي وشركاه ، القاهرة 1962 ، ص 116-117 .

(4)        الإسلام ومشكلات الحضارة ، مرجع سابق ، ص 117 .

(5)        سيد قطب : السلام العالمي والإسلام . الطبعة العاشرة . دار الشروق . 1992 ، ص 167 وما بعدها ، والإسلام ومشكلات الحضارة ، مرجع سابق ، ص 119 وما بعدها .

(6)        سيد قطب : السلام العالمي والإسلام ، مرجع سابق ، ص ص 196-199 .

(7)        السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين . وأرجع هنا إلى الطبعة السادسة الصادرة في دار الكتاب العربي ببيروت ، 1965.

(8)        الندوي : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، مرجع سابق ، ص ص 27-66 .

(9)        الندوي : ماذا خسر العالم ، مرجع سابق ، ص ص 78-111 .

(10)      ماذا خسر العالم ، ص 258 .

(11)      أبو الحسن علي الحسني  الندوي : الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية . دار الندوة للتــوزيع ، لبنان 1965 ، ص ص 9-36 .

(12)      الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ، مرجع سابق ، ص 120 وما بعدها .

(13)      قارن بالمودودي : نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور ، دمشق ، دار الفكر 1969 ، ص ص 70-86 ؛ وانظر Ahmad S. Mossalli , The Views of Islamic Fundamentalism on Epistemology and   Political Philosophy; In Islamic Quarterly. Third Quarter.1993.P.175-189

 

(14)      المودوي : المصطلحات الأربعة في القرآن . الطبعة الأولى . الدار الكويتية 1969 ، ص 8-9 . وسيد قطب يعرف الكتاب في نشرته الإنجليزية منذ مطلع الخمسينات ، وقد اعتبره أحد أهمّ منجزات الفكر الإسلامي الحديث . أمّا الندوي فقد هاجمه في : الصراع بين الفكرة الإسلاميـــة والفــكرة الغربـية في الأقطار الإسلاميــة ، مرجـــع سابق ، ص ص113 – 114 .                                                                  

(15)      سيد قطب : خصائص التصور الإسلامي ومقوماته . دار الشروق . الطبعة الخامسة ، 1981 ، ص ص 82-95 .

(16)      الندوي : الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ، مرجع سابق ، ص 120 وما بعدها .

(17)      الندوي : الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ، ص ص141-142 .

(18)      مالك بن نبي : فكرة كومنولث إسلامي (1955) ، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (1956) ، ميلاد مجتمع (1956) ، مؤتمر باندونع أو فكرة الأسيوية الإفريقية (1956 ) ، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة (1960 ) ، مشكلة الثقافة (1962) ، شروط النهضة (1965) ، نقد الاقتصاد السياسي (1966) .

(19)      قارن بشايف عكاشه : الصراع الحضاري في العالم الإسلامي – دراسة تحليلية في فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي ، دار الفكر بدمشق 1986 ، ص ص 91-122 .   

(20)      قارن برضوان السيد :حركات الإسلام السياسي المعاصرة : تأملات في بيئاتها الأيديولوجية والسياسية ؛ في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مراجعاتٌ ومتابعات ، دار الكتاب العربي ببيروت ، 1997 ، ص ص 184-204.

(21)      قارن بالندوي : الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ، نشرة العام 1970 ، بيروت ، ص ص 36-48 . وانظر محمد جمال باروت : يثرب الجديدة ، الحركات الإسلامية الراهنة ، رياض الريس للكتب والنشر ، بيروت 1994 ، ص ص 145-147 . بيد أنّ الندوي ظلّ مصراً على أنّ الإسلام بخير ، وأنّ المشكلة في العدوانية الغربية وليس في ضلال المسلمين أو تخاذلهم ؛ قارن بكتابه : التفسير السياسي للإسلام في مرآة كتابات المودودي وسيد قطب ، والذي صدر لأول مرة عام 1978 .

(22)      قارن برضوان السيد ، أحمد برقاوي : المسألة الثقافية في العالم الإسلامي ، دار الفكر ، دمشق 1998 ، ص ص 46-47 .

(23)      رضوان السيد : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 171-183.

(24)      رضوان السيد : المصطلح السياسي العربي الحديث ؛ في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 49-76 .

(25)      قارن على سبيل المثال بيوسف القرضاوي : الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا ، مؤسسة الرســالة ، الطبــعة الحادية عشـر ، بيروت 1985 ، والمؤلف نفسه : الحلّ الإسلامي فريضةٌ وضرورة ، مكتبة وهبة ، الطبعة الخامسة ، القاهرة 1993 ، ومحمد قطب : رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصـر ، مكتبة السنة ، بدون تاريخ ، ومحمد محمد حسين : أزمة العصر ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية ، بيروت 1985 . وانظر قراءةً نقديةً لوجوه النقض تلك لدى حازم صاغية : ثقافات الخمينية ، موقفٌ من الاستشراق أم حربٌ على طيف ، بيروت 1995 ، ورضوان الســـيد : " ما وراء التبشير والاستعــمار : مــلاحظاتٌ حول النقد العربي للاستشـــراق " في : سياســـيات الإســلام المعـــاصر ، مرجـع ســـابق ، ص ص 323-336 .

(26)      قارن برضوان السيد : المسيحيون وجماعات الإسلام الإحيائي والسياسي في الوطن  العربي ، بمجلة آفاق ، العدد العشرون ، بيروت 1998 ، ص ص 77-101 Reinhard Schulze , “How Medieval is Islam ? Muslim Intellectuals and Modernity” , in : Jochen Hippler and Andrea Lueg  (ed.), The Next Threat : Western Perception of Islam, 1995, P.64-78.

وانظر كلاماً لمحمد البهي – وهو ليس حزبياً إسلامياً – يقول إنّ الإسلام ليس رأسمالياً وليس شيوعياً وليس اشتراكياً عربياً ، بل هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ( الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر ، مشكلات الحكم والتوجيه ، 1965 ) . 

وعن الإسلام الإحيائي وطبائعه ورؤيته للعالم ؛ قارن : Jacques Waardenburg, The Puritan Pattern in Islamic Revival Movements;  in Schweiz. Z. Sozio. Rev.suisse social .3 (1983)P.687-702.

وقارن برؤيةٍ معتدلةٍ للتيار الرئيسي في الإخوان المسلمين ؛ في : دُعاة لا قُضاة ، 1977 – يخالف توجه المودودي وسيد قطب . لكنّ الاختلاف بين وجهتي النظر يتركز على عدم تكفير المسلمين ، ولا يقدّم وجهة نظرٍ أخرى في رؤية العالم ؛ انظر :Ibrahim M.Abu Rabi', Intellectual Origins of Islamic Resurgence in the Modern Arab World, 1996, P.248-264.

(27)      ربما كان الأستاذ عبد القادر عودة (-1954) أول من استخدم فكرة الاستخلاف في سياقٍ أيديولوجي ، في كتابه : الإسلام  وأوضاعنا السياسية (1951) . وعاد الشيخ محمد عبد الله دراز للتأصيل لها في كتابه المعروف : دستور الأخلاق في القرآن (1959) . ثم شاعت في الستينات والسبعينات وحتى اليوم في سائر كتابات الإسلاميين . قارن على سبيل المثال ؛ أحمد حسن فرحات : الخلافة في الأرض ، دار الأرقم بالكويت 1986 ، ورضوان السيد : مسألة حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر  بين الخصوصية والعالمية ؛ في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص 252-253 ( التأسيس أو التأصيل لحقوق الإنسان على أساسٍ من نظرية الاستخلاف ) . أمّا فكرتا الجاهلية والحاكمية فيُنظر على سبيل المثال : سيد قطب : معالم في الطريق (1964) ، ومحمد قطب : جاهلية القرن العشرين (1966) ، وعبد الجواد يس : مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة ، (دار الزهراء 1986) ، وعبد الغني عماد : حاكمية الله وسلطان الفقيه ، قراءة في خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة (بيروت 1997) ، Y.Choueiri

Islamic Fundamantalism, 1992,P.125-140.

(28)      قارن بيوسف القرضاوي : الحل الإسلامي ، فريضةٌ وضرورة ( الطبعة الخامــسة 1993 ) ، ومحــمد محــمد حســين : أزمة العــصر (1971)، وعبد الجواد يس : مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة (1986) , وأحمد موصللي : الأصولية الإسلامية والنظام العالمي ( بيروت 1992) . وانظر قراءةً نقديةً لأطروحة الحلّ الإسلامي للقرضاوي من جانب خليل عبد الكريم في : من آفات الفكر العربي الإسلامي ؛ كتاب قضايا فكرية ، يوليو 1995 , ص ص 259-268. وانظر عن آراء الإسلاميين في النظام الـــدولي ، أحمد موصـللي : الأصــوليـــة الإسلاميـــة والنظام العــــالمي ( بيروت ، 1992) .

(29)      رضوان السيد : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 171-183.

(30)      قارن على سبيل المثال بعبد الكريم زيدان : أحكام الذميين والمستأمنين (1973) ، والقرضاوي : غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (1979) ، وفهمي هويدي : مواطنون لاذميون (1985) ، Sana Abed-Kotob , The Accomodationists Speak. Goals and Strategies of the Muslim Brotherhood of Egypt, Vol.17, Agust 1995 , P. 321-339.

(31)      قارن برضوان السيد : مسألة حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 243-261 Ann Elisabeth Mayer, Islam and Human Rights, Tradition and Politics. Westview Press . London 1991 .

(32)      قارن برضوان السيد : مسألة الشورى بين النص والتجربة التاريخية للأمة ؛ في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 262-278، وفهمي هويدي : الإسلام والديموقراطية (1993) ، وغودرون كريمر G. Kramer  : الإسلاميون والحديث عن الديموقراطية ؛ بمجلة الاجتهاد ، السنة الخامسة ، 1993 ، م21 ، ص ص 101-112 ،John L. Esposito , John O.Voll, Islam and Democracy , 1996.

(33)      قارن بسيار الجميل : العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط ، مفاهيم عصرٍ قادم ، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق ، بيروت 1997 ، ص ص 25-38 ،46، 255-267، وأحمد موصللي : الأصولية الإسلامية والنظام العالمي ، مرجع سابق ، ويوسف القرضاوي : أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة ، الطبعة الرابعة ، 1992 .

(34)      قارن على سبيل المثال بسيد قطب : السلام العالمي والإسلام ، مرجع سابق ، Karen Pfeifer, Is There an Islamic Economics; in : Political Islam. Essays from Middle East Report. Ed. J. Beinin and Joe Stork. 1997. P.154-165. ورضوان السيد : مسألة حقوق الإنسان ، في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق .

(35)      Benjamin R. Barber, Jihad vs. Mcworld, How Globalism and Tribalism are Reshaping the World? 1995.

وانظر عنه وعن أطروحته ؛ محــمد أركون : قضايا في نقــد العقل الديني ، كيف نفهم الإســلام اليوم ؟ نشر دار الطليعة ببيروت 1998 ، ص ص 153-198.

(36)      قارن عن ذلك :Rudolph Peters , Islam and Colonialism – The Doctrine of Jihad in Modern History, 1979, P. 39-104.          

ورضوان السيد : دار الإسلام والنظام الدولي و الأمة العربية ؛ في : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 77-111.

(37)      بل وهناك إعلان الجهاد من جانب السلطان العثماني حين شاركت الإمبراطورية في الحرب الأولى (1914) ، وهناك فتوى الندوي بالهجرة من الهند (1920) ؛ قارن بالمرجعين السابقين في الملاحظة رقم 36.

(38)      قارن بردود الفعل الإسلامية في صورة كتب وفتاوى ومؤتمرات ؛ عند وجيه كوثراني : الدولة والخلافة في الخطاب العربي إبان الثورة الكمالية في تركيا ، دار الطليعة ببيروت ، 1996 ، ورضوان السيد : سياسيات الإسلام المعاصر ، مرجع سابق ، ص ص 157-226 .

(39)      من مثل ؛ محمد الغزالي : الغزو الثقافي يمتد في فراغنا (1985)، ويوســــف القرضاوي : الحلول المســــتوردة وكيـــف جنـــت على أمتــنا ( الطبعة الحادية عشر ، 1985 ) ، والقرضاوي : بينات الحلّ الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين  (1988) ، ومحمد محمد حسين : حصوننا مهدَّدة من داخلها (1967) ، وعلي محمد جريشة ومحمد شريف الزيبق : أساليب الغزو الفكري للعالم الإســــلامي . وقارن بقراءةٍ نقديةٍ لدى سمير أمين : نحو نظريةٍ للثقافة ، نقد التمركز الأوروبي والتمركز المعكوس ،1989  .

(40)      Haldun Gulalp, Postmodernism , Pluralism and the Islamist Critique of Democracy ; in The Turkish Studies Association Bulletin , Spring 1995, Vol. 19.N.1. P.36-46. وانظر عن الإســــلام الإحيـــــائي وخطاب الحـــداثة الآن :Armand Salvatore, Islam and the Political Discourse of Modernity, 1997.

(41)      قارن عن وجوه تفتح الهوية وتأزُّمها ورموزها :Manuel Castells, The Power of Identity.Vol.II. 1997 , وسهير لطفي علي ( تحرير ) : ندوة الهوية والتراث ( القاهرة 1998 ) . وانظر في هذا السياق أطروحة محمد قطب عن " الجاهلية " : رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر (1992) .

(42)      قارن بمقالي السالف الذكر بعنوان : المسيحيون وجماعات الإسلام السياســـي في الوطن العربي ؛ في : آفاق ، العدد العشـــرون ، 1998 ، ص ص 77 –100.

(43)      قارن بوقائع مؤتمر " العرب والعولمة " الذي أقامه مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت أواخر العام 1997 ، ونُشرت أهمّ بحوثه في عددين من مجلة المستقبل العربي ، رقم 228 ، و229 ،  , وصدر في كتاب بعنوان : العرب والعولمة ، في حزيران 1998 . وانظر روجيه غارودي : وعود الإسلام ، الترجمة العربية ، 1984 ، ووحيد الدين خان : الإسلام والعصر الحديث ، 1983 ، وفيلفريد مـــراد هوفمان : الإسلام هو البديل ، الترجمة العربية ، 1993 .

(44)      قارن : James Piscatori (ed.) Islamic Fundamentalists and the Gulf Crisis.

1991.

(45)      تُرجمت مقالة هنتنغتون " صدام الحضارات التي نشرها في المجلة الفصلية  Foreign Affairs عام 1993 إلى العربية عدة مراتٍ ثم طوَّرَها إلى كتاب :Samuel P.Huntington , The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order. 1996.

وانظر ترجمةً جيدةً لكتاب فرانسيس فوكوياما بعنوان : نهاية التاريخ والإنسان الأخير . مركز الإنماء العربي 1993 . وقارن بالرؤى الغربية القديمة للعرب والإسلام : N.Daniel, Islam and the West , 1980. وكتــاب ريتشارد سوذرن : صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى . ترجمة رضوان السيد . بيروت 1983 . وانظر برنارد لويس وإدوار سعيد : الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية من وجهة نظر أمريكية . دار الجيل ببيروت 1994 . وأخيراً كتاب فريد هاليداي : الإسلام والغرب ، خرافة المــواجهة – الدين والسياسة في الشرق الأوسط . ترجمة عبد الإله النعيمي ، دار الساقي 1997 . وانظر فواز جرجس : أميركا والإسلام السياسي ، صراع الحضارات أم صراع المصالح ( بيروت  1998 ) . وانظر عن بعض نتاج المستشرقين الجدد:

Yahya Sadowski , The New Orientalism and the Democracy Debate; in : Political Islam.

Essays from Middle East Report (ed. J. Beinin, J. Stork ), PP.33-50.1997.

وقارن بوجهات نظر إسلامية وقومية تختلف مع هنتنغتون وفوكوياما ؛ في : صدام الحضارات ، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق ، 1995 ، وهادي مدرّسي : لئلا يكون صدام حضارات ، الطريق الثالث بين الإسلام والغرب ، بيروت 1996.

(46) قارن برؤيً قومية راديكالية أو تصالحية للعولمة في مجلة المستقبل العربي ، العدد 228, 229 (1998) ( السيد ياسين ، محمد عابد الجابــري ، جلال أمــين ، بول سـالم ، عبد الإله بلقزيز ، محمد الأطرش ) ، ومجلة الاجتهاد ، العدد الثامن والثلاثون ن السنة العاشرة ، 1998 ، ( حازم الببلاوي ، عبد اللطيف الحمد ، ناصر السعيد ، رمزي زكي ، أحمد ثابت ) . وهناك كتابٌ مترجَمٌ حديثاً صارت له شعبية هائلة لدى القوميين والإسلاميين ؛ هانس – بيتر مارتن . وهرالد شومان : فخ العولمة ، الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية , ترجمة عدنان عباس علي ، ومراجعة وتقديم  رمزي زكي ( سلسلة عالم المعرفة ، 1998 ) . وانظــر للماركسي سمــير أمين : نقد روح العصر (1998) ، وللإسلامي  عبد الحي زلوم : نُذُر العولمة (1999) .

(47)   هو مــنير شفــيق في : الإســلام في معركة الحضارة ، بـــيروت 1980 ،

ص 171

(48)      ذكر علي المزروعي ذلك في محاضرةٍ ألقاها بمركز الدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، بجامعة القاهرة ، في نوفمبر  1997 . وقارن بأطروحاتٍ تصالحيةٍ مشابهة لعبد العزيز بن عثمان التويجري : الثقافة العربية الإسلامية وعلاقتها بالثقافات الأخرى  (جريدة الحياة ، السبت في 4 أبريل ، 1998 ، ص 21 ) ، وناجية الحصري : الجامعات العربية أمام تحديات القرن الحادي والعشرين : دخول عصر العولمة ؛ في جريدة الحياة ، 12 أبريل ، 1998 ، ص 13 , وهيام الملقي : ثقافتنا في مواجهة الانفتاح الحضاري (1995) .

(49)      قارن برؤيةٍ بديلة لإدريس هاني في : العرب والغرب ، أية علاقة , أي رهان ؟ (1998) .

المصدر: http://www.ridwanalsayyid.com/ContentPage.aspx?id=76#null

الأكثر مشاركة في الفيس بوك