دور الفرد في تكوين ثقافته

فريق تحرير مجلة الفجر

 

حالة الموت السريري التي أدخلتنا فيها أنظمة الفساد التي استبدت بحكم بلادنا بدأنا الخروج منها -بحمد الله تعالى- مع تفجّر ثورات الربيع العربي، والصحوة المرافقة لها، والشعور المتولّد عند كل واحد منا بأنّ له دورا لا بدّ أن يقوم به، وأن يشارك في بناء أمته، ويكون فاعلا فيها.

وحالة الوعي هذه المرافقة لحالة الثورات كما كشفت عن مواطن قوة فينا كنّا في غفلة عنها، كشفت أيضا مواطن ضعف لم نكن ندرك مدى عمقها وتأثيرها، ومدى صعوبة الخروج منها.

لقد عملت أنظمة الفساد على إفساد جميع البنى «الفوقية» للمجتمع، البنى المنوط بها تكوين ثقافة الفرد ووعيه الفكري ونظرته إلى الحياة ودوره فيها، فأفسدت النظم التعليمية وكرستها لتدجين الشعب، وحجّمت دور المساجد وقيدتها لتكون مجرد دور للعبادة، وحوّلت الإعلام إلى مؤسسة لتغييب الوعي وتمجيد السلطة وتشويه المجتمع وحياته؛ وكل ذلك كان له أثر كبير على الأسرة -المحضن الأول والأهم للفرد ومنبت ثقافته وفكره- التي كانت تنافح وتقاوم لتنجو من السهام المصوبة نحوها، ولم تكن النجاة باليسيرة.

ومع تفجّر الثورة المباركة وانعتاق الناس من سلطان هيبة النظام، قامت جهود مباركة في المجتمع تسعى لرأب هذه الصدوع التي خلّفها النظام بعد نصف قرن من الحكم الفاسد، فظهرت مؤسسات التفتت إلى أهمية العمل التربوي، فأقامت مدارس في مواطن النزوح أو اللجوء، ونقّحت المناهج التعليمية من بعض ما فيها من أدران، حلاً مؤقتًا إلى أن يمكن وضع مناهج جديدة؛ وأنشئت بعض مراكز البحوث والدراسات، ومراكز لدورات التوعية والدورات التخصصية في مجالات شتى، كالدعوة والإعلام والسياسة والتربية؛ وصدرت بعض الصحف والمجلات والنشرات؛ وتأسست بعض الروابط ومؤسسات المجتمع المدني، كروابط العلماء والفنانين والإعلاميين؛ وانتبه عدد من المشايخ إلى ضرورة الدعوة المباشرة والفتيا، فكرسوا أنفسهم للتنقل من مسجد لآخر ومن قرية لأخرى، يعقدون الدروس ويجيبون عن أسئلة الناس… إلخ

وعلى الرغم من أن هذا الحراك صار واضحا جدا، وعلامة فارقة من علامات ثورتنا المباركة، إلا أن الساحة ما زالت تستوعب مزيدا من هذه الجهود الطيبة، والمجتمع ما زال عطشا لمن يبلّ صداه؛ إذ إن هذه المؤسسات لم تستطع أن تغطي إلا فئات قليلة، ممن أمكنها الوصول إليهم، أو أسعفتها إمكاناتها لسد حاجاتهم.

لكن يجب ملاحظة أن ما سبق لا يغني عن دور الفرد نفسه في تكوين ثقافته وتنمية وعيه ومعرفته، ولعل العبء الأكبر يقع عليه، وليست تلك الجهود والمؤسسات إلا عوامل تساعده في بناء ذاته.

نعم، إن على كل فردٍ منّا مسؤولية تجاه نفسه، إصلاحها وتثقيفها وتنميتها، والمرء إذ يصلح نفسه فإنه يساهم في بناء مجتمعه بناء سويّا، فما لبِنات الأمة إلا أفرادها، إن صلحوا صلحت الأمة، وإن فسدوا فعليها السلام.

ولقد يُسّرت وسائل المعرفة في عصرنا أيما تيسير، خصوصا مع اتساع نطاق النشر الإلكتروني، وانتشار الوسائط الإلكترونية من حواسيب وهواتف ذكية وغيرها، فضلا عن انتشار الكتب وأن أسعارها باتت معقولة، بعد أن كان المرء يضطر للتوفير من راتبه شهرا إثر شهر ليشتري كتابا واحدا!

فلا يقعدنَّ الكسل بنا أن نثقّف أنفسنا، فمواقع الإنترنت مليئة بالكتب الإلكترونية التي يمكن تحميلها بسهولة، وذلك في كل علمٍ من العلوم، فضلا عن المقالات المبثوثة فيها، خصوصا في المواقع التخصصية.

كما أن موقع يوتيوب يزخر بآلاف المحاضرات، وبعضها محاضرات جامعية على درجة عالية من التخصص والحرفية، فضلا عن الدروس القصيرة التي يعقدها بعض الهواة في موضوعات شتى، إنسانية أو علمية أو ثقافية أو تقنية.

ومن الأفكار الجيدة التي يقوم بها بعض الناس، خصوصا من كان وقته ضيقا لا يتسع للتفرغ للقراءة والدراسة: تحميل مواد صوتية، كالمحاضرات أو الندوات أو الدروس أو بعض الكتب المقروءة التي يجدونها في مواقع شتى على الإنترنت، ورفعها على هواتفهم أو حوافظ الـ»سي دي» أو الـ»يو إس بي» أو غير ذلك، بحيث يمكنهم سماعها وهم ينجزون أعمالهم أو يقودون سياراتهم؛ مع مراعاة أنها ليست كالقراءة المباشرة أو الدراسة المتأنية.

ويجب التأكيد على الحرص على جودة المادة، والبحث عن المواد التخصصية التي يقدّمها أصحابها بموضوعية وحرفية علمية، ففي الإنترنت الغثُّ كما فيه السمين، وهذا يحتاج بعض الجهد في البحث، وتحري المواد المنصوح بها.. وهذا أيضا يمكن التحقق منه ببعض البحث عن الآراء المتداولة عن المادة نفسها، إن كان منصوحا بها أم غير ذلك.

هذه أفكار بسيطة يمكن للمرء القيام بها بنفسه، مع التأكيد أنها لا تغني عن التلقي عن متخصص عارف بدقائق العلم وتفريعاته وخباياه، أو الدراسة المتأنية المتدرجة التي تبني حجرا على حجر.

إن على المرء نفسه واجب بناء ذاته وتنمية معارفه وتوسيع مدارك ثقافته، فلا يألُ جهدا دون ذلك، ولا يقعد به الكسل عن نصرة مجتمعه بإصلاح نفسه، فإنه أقل مطلوب.

والحمد لله رب العالمين

المصدر: https://alfajrmg.net/2013/06/03/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك