التغيير بين الماضي والحاضر والمستقبل

محمد الشهاب

 

change2إن التغيير سنة من سنن الله في كونه ومن طبيعة الحياة عامة والبشر خاصة ولكل مادة من مواد الحياة طبيعة خاصة تتفرد بها عن باقي المواد الأخرى، يطول بنا الحديث في شرحها والتعمق في تفاصيلها، وسنتحدث في مقالتنا هذه عن معنى التغيير وفكرته.

إن لنا نحن معشر المسلمين نصوص دينية كثيرة تتحدث عن التغيير، أبرزها قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). والتغيير كما جاء في المعجم الوسيط هو «جعل الشيء على غير ما كان عليه».

وللتغيير أنواع كثيرة ومتشعبة منها الجذري والتدريجي والنسبي والضعيف، حسب طبيعة المغير والمتغير وظرفيه الزماني والمكاني.

وقد شاع الاعتقاد بأن التغيير يؤدي إلى الإرباك والاضطراب، وربما يصل الأمر إلى حدوث الأزمات والكوارث، خاصة أن الإرباك والتخلخل الذي ينتج عن ظاهرة التغيير لا يقتصر تأثيره السلبي على الجوانب غير الملموسة المعنوية بل يتعداه ليطال المجال المادي أيضاً.

تعد ظاهرة التغيير القضية الأولى في عالم اليوم، عالم المتغيرات السريعة، عالم لا تهدأ حركته أو تتوقف، و تتجلى ظاهرة التغيير كذلك في حياتنا اليومية، ومن حولنا، وقد يظهر في صور متعددة، كالتغيير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية وفي أنماط التفاعلات الدولية بمختلف أشكالها، والتي تعد جزءًا من هذا العالم المتغير بصفتها نظاما مفتوحا على البيئة الموجودة فيها، هذا ما يجعلها تتفاعل مع التغيرات الجارية فيه، وذلك لتحقيق التوازن المطلوب، من خلال التغيير.

إن الإسلام كحركة تاريخية كبرى، غيّرت وجه التاريخ الإنساني ليس على المستوى السياسي وحسب، بل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضا، حيث لم يكن هدفه التغيير ولكن التغيير كان هو الإسلام.

فالإسلام منذ اليوم الأول لظهوره كان حركة تغييرية بدءًا من قوله تعالى: «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم». ففي سورة «العلق» -وهي أول سورة نزلت في القرآن- نرى تلخيصاً كثيفاً ودسماً لمعنى خطاب التغيير الذي جاء به الإسلام.

وكذلك جاءت سورة الأنفال، تبشّر بالتغيير السلمي والثقافي، وذلك عن طريق إحقاق الحق (التغيير) بالكلمات، وهي أعلى أساليب التغيير رقياً ورفعة «ويريد الله أن يحقَّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين» [الأنفال: 7]، و»ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون» [يونس: 82]، وكذلك «ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته» [الشورى: 24].

وتبع هذه السورة سور وآيات كثيرة في القرآن الكريم تقول بالتغيير السلمي والحضاري، وكما قلنا سابقاً أول هذه العوامل هي الإيمان بأن التغيير في أي مجتمع يجب أن يبدأ من الإيمان بالتغيير نفسه، ودون هذا الإيمان لن يتم التغيير «يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به» [الأحقاف: 21] وداعي الله هنا هو دعوة التغيير الشاملة التي جاء بها الإسلام.

التغيير والثورات العربية

عند الحديث عن الثورات العربية التي سميت بالربيع العربي بسبب الظرف الزماني الذي سرت فيه هذه التغييرات لا بد من الوقوف على أسباب وعوامل هذا التغيير ومبرراته، والتي ساقت الشباب العربي للتضحية بكل غال من نفس ونفيس، وإن من المهم أن تدرك مجاميع الشباب «التغييري» أن هذه الثورات ما كانت لتحصل لولا التراكمات الكثيرة المتلاحقة للمعاني التي أوردها الإسلاميون في كتاباتهم، والتضحيات التي قدموها لعشرات السنين في مقارعة الأنظمة الاستبدادية في أقطار عدة، ثم لجمهرة عظيمة واسعة من البحوث والتقارير والقصص والأشعار التي قدمها آخرون من غير التيار الإسلامي، فكل أحد من الإسلاميين أو من هؤلاء أضاف معنى نافعاً صواباً حتى تراكمت المعاني فعصفت، فكل الأحرار شركاء في التأجيج.

إن أول هذه العوامل هي الإيمان بالتغيير: وهو الذي بقيت شعلته متقدة عند قلة قليلة، نتيجةً لدماء وتضحيات الصادقين من أبناء أمتنا الإسلامية من علماء ودعاة ومفكرين وسياسيين واجتماعيين وتربويين، كيف لا وهم الذين قدموا لنا الفكرة والخبرة لنعرف الدرب ونتابع من خلالهم المسير نحو الهدف المنشود، إنه الهدف الذي قد نشترك به مع الجميع رغم الاختلاف الفكري والسياسي وربما العقدي والديني أيضاً وهو التغيير للأفضل. وحيث إننا كمسلمين نرى أن التغيير من ديننا وشرعتنا، إذ إن رسالة الإسلام نفسها هي رسالة تغيير ديني واجتماعي واقتصادي وثقافي وأخلاقي. ولعل مجموعة القيم الجديدة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية، والتي بها غيّرت وجه التاريخ ووجه العالم منذ مطلع القرن السابع الميلادي وحتى الآن، لَبرهان كبير على أن الرسالة الإسلامية كانت حركة تغيير تاريخية شاملة نقلت العرب في مطلع القرن السابع الميلادي من طور القبيلة إلى طور الأمة، ومن طور القرية إلى طور الدولة، ومن طور الأعراف إلى طور القانون (الميزان والقسطاس)، ومن طور الكفر إلى طور الفكر، ومن طور الثبات الذي كان متجسداً بشكل كبير في عبادة أحجار الأصنام الثابتة غير المتحركة إلى طور التغيير.

وقد تجلى التغيير الإسلامي بالتغيير السلمي الفكري المتحضر قبل بزوغ الفجر العلماني الذي يهاجم الإسلام وحامليه، إذ نادى الإسلام بتغيير النفس دون قتلها، كأخذ العسل من الخلية دون قتل النحل، وكما تأخذ النحلة الرحيق من الزهرة دون قتل الزهرة. في حين أن كثيراً من الرسالات الأرضية التي جاءت على شكل ثورات سياسية، أو اجتماعية كانت في معظم الأحيان تزيل النفس بدل أن تزيل ما بها، وتغير الأنفس بدل أن تغير ما بداخلها.

المصدر: https://alfajrmg.net/2013/02/19/238/

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك