الاستشراق والمستشرقون بين الغلو والمغالاة
الدكتور رضوان السيد
I
في أوائل شهر مايو من العام 1983 احتفلت فيينا بالذكرى الثلاثمائة لتراجع الترك أمام أبوابها . وقد استمرت الاحتفالات شهراً كاملاً تخلّلتها محاضراتٌ مستفيضة عن صمود سكان المدينة العريقة ، وعن التنظيم العسكري العثماني ، وأوضاع الدولة العثمانية وعلاقاتها بالغرب إبّان الزحوف الإسلامية باتجاه أوروبا (1400-1683 م ) . وقد حاول منظمو المهرجانات أن يخفّفوا من الطابع التحريضي للمسيرات ، والاحتفالات عن طريق فتح المجال لأحاديث شبه موضوعية عن القواسم المشتركة بين المسيحية والإسلام ، وعن العلاقات الإنسانية بين المسلمين والمسيحيين – رغم الصراع العسكري – في العصور الوسطى . وبرزت في النقاش على هامش الذكرى الفخور مسائل مثل الاعتراف بالإسلام كدين ، وبالمسلمين كمجمـــوعة ســياسية بأوروبا المعاصرة ( في النمسا اليوم نصف مليون عامل تركي وفي أوروبا الغربية عشرة ملايين مسلم من أصول تركية وعربية وهندية وبلقانية وأوروبية ) . ورغم ذلك كلّه ما استطاع المعتدلون أن يكبتوا صرخات المحرِّضين الذين رأوا في القوة الإسلامية العاملة بالغرب " زحفاً " من نوع جديد يُهدِّد مصائر " الحضارة الغربية " المعاصرة ؛ كما هدّدها من قبل .
قبل ذلك بقليل كان مؤتمر المستشرقين الألمان قد انعقد بمدينة توبنجن ؛ وسط إصرار المنظِّمين على الطابع الكلاسيكي للاستشراق . وعندما ارتفعت أصواتُ بعض شُبانهم مطالبةً ببحث العلاقات الإسلامية المسيحية ، وقضايا المشر ق الإسلامي اليوم –ذهب كبارهم إلى أنّ ذلك كله " سياسة " بحتة ؛ لا شأن للاستشراق بها . وتباينت حُجَجُ هؤلاء في هذا الصدد . فمن قائل إنّ دراسة القضايا المعاصرة تقتضي ضرورةً اتخاذ موقف ؛ والموقف بحدّ ذاته مُضِرٌّ . ومن قائل إنّ صراعات المشرق المعاصر مختلطةٌ وغير واضحة بحيث يتعذّر طرحُها الآن في نقاشٍ علميٍّ هادئ . ورأى فريقٌ ثالثٌ أنّ بحوثاً من هذا النوع هي من مهامّ أساتذة العلوم السياسية والاستراتيجيين ؛ ولن يستطيع المستشرقون أن يقولوا في شأنها جديداً .
وفي 7/7/1999 أصدرت وزارة الخارجية الأميركية ما سمته " بيان حقائق " جاء فيه : " يعتقد بعض المسلمين وغيرهم أنّ الولايات المتحدة بدأت تربط في بعض الأحيان بين الإرهاب والإسلام . وهذه ليست سياسة الولايات المتحدة . إنّ من المهمّ إدراك أنّ الإرهابيين مجرمون ، ولا يتم تعريفهم بالعنصر أو القومية أو العرق أو الدين …" . ويمضي المتحدث باسم الخارجية قائلاً : " الإسلام والغرب ليسا في وضع مواجهة .. وإنّ معظم الأميركيين ومعظم المسلمين يشتركون في قيمٍ أساسية مثل السلام والعدل والأمن والاقتصاد والحكم الصالح … " .
هذه الأمثلة قصدْتُ من ورائها التدليل على أمرين : الحضور المتّصل للمسألة الإسلامية بالغرب من جهة ، وصيرورة كل بحثٍ استشراقيٍّ عن قضيةٍ معاصرةٍ على الخصوص ؛ إلى تأمُّلٍ في علاقات الشرق بالغرب ، والمسيحية الغربية بالإسلام ؛ من جهةٍ ثانية . وما عدا ذلك يدخل في نافلة القول ، ومُماحكات الغفلة أو التجاهل المتعمّد ذي الأغراض السياسية .
II
وقد كان كتابا إدوار سعيد : الاستشراق ؛ وتغطية الإسلام ؛ الدافع في الأصل للمرحلة الجديدة في التساؤل عن الاستشراق . فالكتابان المذكوران أثارا نقاشاً حامياً لم يخمُدْ أوارُهُ بعد مُضِيّ حوالي العشرين عاماً على صدورهما ؛ وبخاصةٍ الأول منهما ؛ فهو كتابٌ سياسيٌّ من الطراز الأول ، كما أنه كتابٌ حضاري . فإذا لم يكن ممكناً لنا أن نحصُرَ علاقات الشرق بالغرب في مسألة التبعية السياسية والاقتصادية . فليس ممكناً في الوقت نفسه بالنسبة للمستشرقين الأحياء ( والذين يمارسون منهم الكتابة في الموضوعات الكلاسيكية بخاصة ) أن يقَزِّموا المسألة الحضارية ( الثقافية ) بحيث يُزاحُ منها زهاء المليار إنسان من المسلمين الأحياء في العالم اليوم .
ولكي لا يبقى الأمر في حيّز الأحكام العامة والمسبقة يحضُرُني مَثَلا لويس ماسينيون وبرنارد لويس ( اللذان درسهما إدوار سعيد في كتابه السالف الذكر ) . كلا الرجلين عمل في المجال التاريخي . أمّا أولهما فاهتم بالتاريخ العقدي والفكري للإسلام ؛ في حين اهتم ثانيهما بالتاريخ الاجتماعي والسياسي . لكنّ ماسينيون مؤرّخ الفكر عمـل في الشرق المعاصر ، وأثّر في سياسات دولته ( فرنسا ) في التعامُل مع هذا المشرق . ثم انتابه قلق روحيٌّ غلاّبٌ اندفع في خضمّه فكتب كتاباتٍ رائعةٍ ( تُفهم على أكثر من مستوى ) عن اللقاء المصيري بين أتباع ديانات التوحيد ( الإسلام والمسيحية على الخصوص ) ؛ وقضى مع ذلك ممزَّقاً بين الصورة المرتجاة ، والواقع المخيِّب للآمال . وأصرّ الثاني على البقاء على أرض الواقع حتى وهو يكتب عن الأصناف ( الجماعات المهنية المدينية في الإسلام الوسيط ) ، وعلاقات العرب بالتُرك في عصور الإسلام الزاهية . لقد ظلّ الرجل صهيونياً يتعامَلُ مع النصّ التاريخي العربي القديم ، وسجلاّت الضرائب العثمانية ، وعينه على الزحف الصهيوني المعاصر على أرضنا . حتى إذا غادر بريطانيا إلى الولايات المتحدة حسر عن وجهه اللثام تماماً فلم يَعُدْ حاضراً عنده من الإسلام وحضارته غير المفهوم الأميركي للشرق الأوسط الذي أسهم هو وغيره في صياغته ، ولم يَعُدْ حاضراً من المسألة السياسية الإسلامية غير مواقف اليمين واليسار الإسلاميين من الكيان الصهيوني بفلسطين ، والمصالح الغربية في العالم الإسلامي . ولسنا من التعنُّت بحيث لا نحترمُ قلق كلاسيكيي المستشرقين بألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا من انكماش صورتهم في أذهان الشرقيين بحــيث أصبــحت بُحوثهم ( مهما بعُدت اهتماماتُها عن الحاضر ) تُرى بالمنظار نفسه الذي تُرى به بحوثُ لويس وزويمر ولامنس . فدارسان ألمانيان كهلموت ريتر ورودي بارت أبدع أولهما في مجالات تاريخ الفكر الديني الإسلامي والدراسات الأدبية العربية والفارسية والتركية . ونذر ثانيهما نفسه في العشرين سنة الأخيرة من حياته للدراسات القرآنية – لا شأن لهما فعلاً بصراعات الشرق والغرب ، لكنّ الاستخدام الوظيفي للمعرفة لا تحدّده نوايا الفرد الكاتب . ثم إنهم يعرفون أنّ مجتمعاتهم هم تُحيطُهُم بالشكوك مثلما يفعل المسلمون ؛ وإن اختلفت الأسباب . والدولة الغربيةُ الحديثة من السطوة وأسباب التحكُّم بحيث تستطيع – وهم يعلمون ذلك – أن تستخدم نتائج دراساتهم في القنوات التي تُريد ، والتي تخدم مصالحها في بلادنا . والغِرُّ فقط – منا ومنهم – هو الذي يرى في دراسات وات ( البريطاني ) ومومبين ورودنسون ( الفرنسيان ) وبارت ( الألماني ) عن نبيّ الإسلام ؛ اختلافاتٍ منهجية أو مُصادفةً بحتة .
ولسنا من قِصَر النظر في الوقت نفسه بحيث نعتبرهم المسؤولين الرئيسيين فكرياً عن صورتنا وصورة الإسلام المعاصرة بالغرب . وقد أوضح إدوار سعيد في كتابه : تغطية الإسلام ، أنّ وسائل الإعلام الحديثة هي التي تصنعُ الصورةَ والرأي ؛ بحيث يتعذّر على الشجعان والموضوعيين والمعتدلين منهم ( إن وُجدوا ) التصدّي لوسائل صناعة الرأي العامّ في قضايا الشرق الإسلامي وأحداثه .
III
يفضي بنا هذا كلّه إلى طرح التساؤل الكبير المُضْمَر والظاهر في الوقت نفسه : ما هو الاستشراق ، ومَنْ هم المستشرقون ؟! إنّ المهتمين بالمشرق قديماً ( لنقل : منذ القرن الثامن عشر ) كان منهم الرحّالةُ والمبشّرون والضُبّاط ، ورجال الإدارة الاستعمارية ، واللغويون ، واللاهوتيون ، والانتروبولوجيون ، ومؤرّخو الحضارات ، والرحالة الرومانسيون ، والأركيولوجيون . وأضيف إليهم منذ مطالع هذا القرن : التربويون ، ورجال المُخابرات ، والمؤرِّخون الاقتصاديون ، ومتدرِّبو الشركات ، وخبراء الأسواق التجارية ، والسياسيون ، وذوو النوايا الطيّبة من المهتمين بحوار الشرق والغرب ، وعلاقات المسيحية بالإسلام . وطبيعيٌّ – ما دامت زوايا الاهتمام ودوافعه متباينة ؛ أن تتباين نتائج الدراسات ، ووجوه استغلالها . أفليس من حقّ الشرقيّ ( موضوع الدراسة ! ) أن يقرأ الأسباب والمناهج قبل أن يقرأ البحوث نفسها ؟ وقد سادت بين المشرقيين في عقود السنين الأخيرة نظرةٌ ذات بُعْدٍ واحـد تُريدُ أن تسوقَ الجميع بعصا واحدة ؛ وهو أمرٌ مؤسفٌ ولا شك . فغران وتيرنر وأندرسون – على سبيل المثال – يختلفون فعلاً عن لاكير وهرفيتز ورابينوفتش . وهؤلاء جميعاً – بمقياس كلاسيكيي الدارسين للإسلام – ليسوا من المستشرقين . ويذكر سوذرن في مطلع كتابه : صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى _ أنه لا يضع نفسه في مصافّ دارس الإسلاميات الكبــير ؛ نورمان دانييل ( صاحب مجلّدي : الإســـلام والغرب ، والعرب وأوروبا ) . لكنّ قراءةً متأنيةً لسوذرن ودانييل تضعهما معاً خارج مفهوم الاستشراق إذا كان يعني معرفةً جيدةً بالعقيدة والحضارة الإسلاميتين . فالرجلان يقرآن الصورة الغربية الوسيطة عن الإسلام قراءةً نقديةً كاشفة ؛ لكنهما عندما يحاولان عرض ما يعتبرانه صورة الإسلام الحقيقية يقعان في أخطاء فاضحة لا يمكن أن يقع فيها ماسينيون أوغب وحتّى لامنس .
IV
وتنعى الاستشراق اليوم أوساطٌ كثيرةٌ ؛ ليس منها خصومه التقليديون من الأنتروبولوجيين والسياسيين بالغرب ، والمتشدِّدين المسلمين بالشرق . ويمكن التماسُ الظواهر الدالّة على ذلك في قلة ما صدر ويصدر منذ ثلاثة عقود من دراساتٍ وبحوثٍ استشراقية كلاسيكية . وفي تضاؤل عدد الذين يعرفون لغات الشر ق من الدارسين الغربيين للإسلام وحضارته . ثم في قلة الاهتمام بتطوير معاهد الاستشراق ، وتناقُص عدد كراسي الأستاذية فيها ، وفي وجود بعض شبّان الدارسين للمشرقيات دونما عمل . في مقابل ذلك تتجدّد ظواهر مطالع هذا القرن في بعض الأوساط الاستشراقية بفرنسا وأميركا ؛ إذ يتحوّل الدارسون الاستشراقيون الكلاسيكيون عن كراسيهم الجامعية ليعملوا مستشارين وخبراء في مؤسساتٍ حكومية أو قريبة من الحكومة وصناعة القرار . والضجة التي أُثيرت أواخر الثمانينات حول الباحث ناداف صافـــران ؛ الذي تقاضى إعاناتٍ مالية من وكالة المخابرات المركزية الأميركية ؛ تلقي ضوءًا كاشفاً ، على هذا التقارب الذي تحدثنا عنه . أمّا الشبان منهم فيعملون مخبرين صغاراً وكَتَبة تقارير في إدارات الخارجية والحرب ، وفي الشركات .
بيد أنَّ للأمر وجهه الآخر . فالاستشراق في حالة ركودٍ فعلاً ؛ ولا ينفصل ذلك عن حالة الركود الاقتصادي والثقافي بالغرب القديم . لكنّ ذلك لا يعني نهايةً له إذ إنّ الظواهر السالفة الذكر تبقى خارجية لا تمسُّ جوهر التخصُّص ومتفرعاته ؛ إنما يتهدَّد الاستشراق حقيقةً مسائل أخرى . فالذين يتحدّثون عن نهاية الاستشراق الوشيكة يذكرون ثلاثة أسبابٍ تُسوِّغ ذلك من الداخل:
أولاً- تخلُّف المناهج ؛ فقد شهدت الكتابة العلمية بالغرب ؛ وفي العلوم الاجتماعية على الخصوص تطـوراتٍ ثـــورية تناولت مسائل " الصورة التاريخية " ، وبنية النصّ ، وعلاقة النصّ القديم بالدارس المعاصر وبالمجتمع الذي ظهر فيه . وما تزال التاريخانية تسودُ أوساط الدارسين الكلاسيكيين من المستشرقين ؛ والتاريخانية نهجٌ ذو طابع أخلاقيٍّ كانت له ثمراتٌ كثيرةٌ قبل ماية عام خصوصاً في مجال نشر النصوص نشراً نقدياً ، وفي تقديم عروضٍ شاملةٍ واسعةٍ عن بعض الحِقَب والأشخاص والأحداث(1). بيد أنّ كل عودةٍ لذلك اليوم ليست غير تكرارٍ يظلُّ في أحسن حالاته تذكـــيراً بالقديم دون أن يغيّر من الصورة شيئاً أو يعين على جلاء الغموض . وربما كانت دراسةُ فلهاوزن بعنوان : " الدولة العربية وسقوطها " نموذجاً صالحاً لما نقصده . فقد صدرت عام 1902 بالألمانية ، ثم صدرت بعد ذلك بالإنجليزية ، ولغاتٍ أخرى منها العربية . ويمكن القول إنها شكّلت صورةً معينةً عن الأمويين ؛ بل وعن طبيعة الخلافة الراشدة ما تزال سائدةً في أوساط الدارسين حتى الآن . والذيـــــن كتبـــوا عن صــدر الإســلام أو عن الأمويين ( خلافةً وأفراداً ) من بعد لجأوا دائماً لاقتباس رؤية فلهاوزن مع حشوها ببعض التفاصيل الخاصّة بالموضوع . يرجعُ ذلك إلى أنّ النصّ التاريخي الإسلامي عن الأمويين ما يزال يُقْرأُ بالمنهج نفسه القائم على الجمع والتقميش ثم ترتيب الروايات دونما فحصٍ للنصّ من الداخل ، وللكاتب وراء النص – هذا فيما عدا الكلام العام عن ميول هذا الراوية أو ذاك سياسياً وعقدياً . وقد حاول رجلٌ كمحمد عبد الحيّ شعبان أن يتجاوز فلهاوزن – لا باستعارة مناهج العلوم الاجتماعية – بل عن طريق الإغراب ؛ فجاءت دراساتُه الثلاث عن صدر الإسلام والخلافة الأموية ، والخلافة العباسية ، والفاطميين باعثةً على الاستهجان لتضخيمها للجزئيات ، واعتمادها في التجديد على التأويل المُغْرق في الغرابة لبعض المصطـلحات والمُفْرَدات .
إنّ الأزمة المنهجية في الاستشراق ؛ وبعض فروع العلوم الإنسانية بالغرب مصيريةٌ بالفعل . وهناك كثرةٌ من المستشرقين اليوم ما تزال تجمعُ وتجمعُ وتدقِّقُ في الجزئيات ، وتبحث عن تواريخ وفيات بعض الأشخاص ، وتزدرد وتمضغ ما سبق لجولدزيهر ونولدكه ومرجليوث أن مضغوه ولفظوه . وربما كان هذا الإحساس بانسداد الطُرُق واللاجدوى هو الذي دفع أُناساً من المستشرقين لتلمُّس طُرُق أُخرى للجدية والتجديد . فهناك محاولاتٌ اليوم في نطاق الاستشراق الكلاسيكي لاستخدام طرائق العـلوم المعاصــــرة ( تاريخ العلوم ، وفلسفة العلوم ، والرؤية الهرمونويطيقية للنصّ ) ؛ ولأنّ المحاولات جديدة وقليلة لا يمكنُ الحُكْمُ على مدى جديتها وجدْواها . أمّا المتوسِّلون بالبنيوية فما أفاد منهم الاستشراق غير الإحصاء الدقيق للكلمات والحروف ؛ وما نحْسبُ أنّ المسألة تستحقُّ المتابعة .
لكنّ انسداد الطُرُق دفع جماعةً من العاملين في حقل الدراسات الإسلامية بالغرب للعودة إلى الوراء تماماً . فإذا كان رجالٌ مثل بيرتون ونوت ودونَّر قد عمدوا إلى التوسُّل بطرائق غير طرائق الكلاسيكيين بحثاً عن مزيدٍ من الموضوعية والجدَّة ؛ فإنّ آخرين من مثل وانسبورو وكوك وكرون وهاوتنج وتسِمّرمان وباورز يعودون إلى ديكارتيةٍ بدائيةٍ مستخدمين في ذلك طرائق نقد النصّ في الدراسات اللاهوتية ( دراسات العهدين القديم والجديد ) . يعودُ هؤلاء شأن تاريخانيي القرن التاسع عشر إلى بحث قضايا البدايات في الإسلام : ظهور القرآن ، وظهور التدوين ، وظهور علم الكلام ، وظهور الحديث النبوي ، وتكوُّن الأيديولوجية السائدة . وهم يبدأون بتكذيب كل شيءٍ وإنكاره وإعادته إلى حقبٍ متأخرةٍ جدّاً عمّا تذكره المصادر . وكان رجالٌ من مثل جولدزيهر وفولّلر ومرجليوث وشاخت قد حاولوا تغيير الصورة السائدة في المصادر العربية القديمة عن هذه القضايا محتجّين بفقد الوثائق أو نقصها أو انتحالها فيما يتصل بالقرنين الأول والثاني للهجرة . لكنّ العقود الثلاثة الماضية أظهرتنا على وثائق ونصوص بالغة القِدَم والأصالة بحـــيث أصبحت صُوَرُ جولدزيهر وشاخت وسِواهما غير ذات موضوع . وقد أسهم في نشر تلك النصوص وتأصيلها باحثون غربيون وشرقيون من مثل نبيهة عبود وغروهمان وفؤاد سزكين ومحمد مصطفى الأعظمي ومحمد حميد الله ويوسف فان اس . والباحثون عن تخريب الصورة القديمة / الجديدة يلجأون إلى الشكّ المطلق دونما تعليل أو تدليلٍ واضحين ؛ معتبرين الشواهد العبرية والبيزنطية والسريانية الأولى بالقبول والاعتبار . أمّا ما يلجأون إليه من نصوص خارجية غير عربية فمتأخّرٌ غالباً عن الحقبة الإسلامية الأولى بما لا يقلّ عن القرنين من الزمان . فإذا وجدوا نصاً عربياً يخرج على المألوف السائد قبلوه واعتبروه حُجّةً لا رادَّ لها ناقضين بذلك موضوعتَهم الأولى في عدم اعتبار النصّ العربي الإسلامي المبكِّر (2) . وللسيدة أنجليكا نويفرت دراسةٌ نقديةٌ عن هذا الاتجاه في مؤتمر المستشرقين الألمان عام 1980 . هكذا تبرز من جديد في استشراق الدراسات الإسلامية الكلاسيكية موضوعات الاستشراق التبشيري القديم عن اشتقاق الإسلام من اليهودية والنصرانية ، وعن تزوير المسلمين المتأخرين لشواهد الأديان السابقة في الإسلام الأول .
إن الأمر بوجهيه : التاريخاني المكرور ، والديكارتي النافي ؛ يدلُّ بوضوح على المأزق المنهجي للاستشراق ، ويدعم شكوك الذاهبين إلى إفلاس هذا التخصُّص ، ومصيره إلى التواري والزوال . لكنّ الإنصافَ يقتضينا أن نقرّر أنّ هذين الاتجاهين ليسا سائدين في الاستشراق المُعاصر . فاستناداً إلى النهج الهرمونويطيقي ( النهج التحليلي في نقد النص ) نفسه دافعت دارســة متمـــكنةٌ هي السيـــدة أنجـــليكا نـــويفرت – عــن أصالة النصّ القرآني ووحدته وقدمه في بحثها في السُوَر المكية من القرآن .
ثانياً – فقدان الخصوصية ؛ فالاستشراق – في نظر النُقَّاد المعاصرين من مسلمين وغربيين – قام على أساس خصوصيةٍ معيَّنةٍ افترضها لهذه المنطقة من العالم . وهذه الصورةُ الخاصّة اقتضت تضامّها في تخصُّصٍ مشترك ، وإجراء دراسات خاصـة بها لكشف وجوه تميُّزها في تاريخ الشرق ، وتمايُزها عن الغرب . والنقد ينصبُّ على نقطتين ؛ فالصورة المفترضة غربيةٌ بحتةٌ لا شأن لهذه المنطقة بها إلاّ من بعيد ، وفي جزئيـــاتٍ معـــينة . إنّ المثقفــين الغربيين ( والمهتمين منهم بالشرق على الخصوص ) ميَّزوا الشرق بصورة متخيّلةٍ إرضاءً لميول ومصالح وأحـــــلامٍ ، وتمييزاً له عن الغرب الذي يبقى هو بدوره مفهوماً
غائماً شديد العمومية (3) . والدليل على ذلك أنه في ظلّ هذا المفهوم للشرق ظهرت رؤى انتروبولوجية وإثنية وفكرية تُحوِّلُ الشرق هذا إلى حقل تجارب لفروضٍ ونظرياتٍ متخلفة من وجهة نظر تاريخ العلوم وفلسفتها ، ومن وجهة نظر علوم الحياة والاجتماع . لقد ظهر العرق السامي بخصائصه الخلْقية والعقلية فظهرت في المقابل الإثنياتُ الأُخرى . وبرز في هذا المجال إرنست رينان وجوتييه وجوبينو . ومع ماكس فيبر وعلم الاجتماع الوظيفي وأنثروبولوجيا المجتمعات البدائية (4) ، والرؤية الماركسية لما سُمِّي نمط الإنتاج الآسيوي (5) ، برزت فرضيةُ المجالات الثقافية المتمايزة في العالم ؛ تلك التي طوّرها استشراقياً كارل هينرش بيكر وشيدر (6) ؛ وبلغت ذروتها في الدراسات الإسلامية على يد ليفي ديللافيدا وجوستاف فون غرينباوم .
والنقطة الثانية تتضمن نقائض تكشف خطورة أطروحة الخصوصية من الناحيتين العلمية والسياسية . إنها النقطة الخاصة بمفهومي العالم الثالث والشرق الأوسط في الاستشراق الأميركي . فإذا خصصنا مفهوم الشرق الأوسط هنا بالتأمُّل لأتّصاله المباشر بموضوعنا لاحظنا أنه تبلور تماماً في عالم الاستشراق الجديد على يد أربعةٍ هم : غرينباوم ، وبرنارد لويس ، وهاملتون غب ، وفاتيكيوتس . والمفهوم جيوبوليتيكي في الأساس يبدأ من خصوصية المجال الثقافي الشرق أوسطي ليصل إلى تجريد هذا المفهوم المبتدع في النهاية من كلّ خصيصةٍ تاريخيةٍ أو فكريةٍ فيبقى مجالاً جغرافياً للمصالح الغربية والأميركية على الخصوص ؛ وبؤرةً للصراع على الثروة بين القوى الكبرى . إنّ موضوعة الشرق الأوسط في الاستشراق ، ودراسات العالم العربي المعاصر بأميركا ( خصوصاً ) وفرنسا وإنجلترا ؛ سياسيةٌ بحتة . وهي تتصاغرُ في النهاية بحيث تصبحُ تقارير لإرشاد الساسة الغربيين في التعامُل مع هذه المنطقة . ويحتلف الدارسون فيما عدا ذلك من تفاصيل ؛ ويبقى الهدف مع ذلك واضحاً . فهناك أناسٌ من بينهم ذوو ميول كلاسيكيةٍ واضحةٍ في رؤية الأمور يؤكّدون على الاستمراريــة الثقافيــة في المنــطقة توصُّلاً لإنكار المستجدّات واعتبارها غير إسلامية ، وغير أصيلة ؛ بحيث تكون نصيحتُهم للساسة في الغرب أن يقفوا إلى جانب أنظمة معينة في المنطقة لأنها الممثِّلة للثقافة الأصيلة ، والأبقى ، والأقدر على رعاية المصالح الغربية . وهناك ذوو النزعات السياسية والاستراتيجية من بينهم ؛ وهؤلاء يعتبرون الظواهر القومية والإقليمية اتجاهاتٍ للتماثل مع الغرب تستحقُّ الدعم والتشجيع لأنها تعني انخراطاً في المعاصرة التي صنعها الغرب وهي الأقدر بالتالي على حماية مصالحه في الحاضر والمستقبل . ويرى هؤلاء أنّ مشكلات الغرب في الشرق الأوسط ناجمةٌ عن تعثُّر التحديث في بعض المناطق ، وفشله وتراجعه في مناطق أُخرى . وفي حين يقفُ محلِّلو الاتجاه الأول حائرين أمام الظواهر الإسلامية غير التقليدية والمعادية للغرب في الشرق من مثل الثورة الإيرانية ، والحركات الإسلامية المُعاصرة ؛ يعتبر أنصارُ الاتجاه الثاني هذه الظواهر النافرة بالذات دليلاً على ضرورة تحديث الشرق الأوسط بالقوة إن اقتضى الأمر ؛ حفاظاً على مصالح الغرب فيه (7) .
إنّ نُقّاد الاستشراق القائم على الخصوصية من مثل أنور عبد الملك وتيرنر وغران وهاليداي وإدوار سعيد وشولخ وفلورس ؛ على ما بينهم من تمايُزات ؛ يرون في صُوَر الشرق الإسلامي ، والعالم الثالث ، والشرق الأوسط عند الدارسين الغربيين ( بغضّ النظر عن تاريخية الثقافة والحضارة في المنطقة ؛ وهي مسائل لا يمكن إنكارُها ) تجليات للنرجسية والمركزية الغربيتين لا بد أن تزول في سياق علميات التحرر الجارية بعمق وعلى المدى الطويل في هذه العوالم الجغرافية والحضارية والسياسية المتغيرة والناهضة . ولا يستطيع الاستشراق أن ينكر هذه المتغيرات ؛ لكنه يزول حتماً بمعناه التقليدي عندما يضطر للاعتراف بها .
ثالثاً - تعدُّد مجالات الاهتمام ؛ فمستشرقُ هذا القرن اعتبر نفسه ، واعتبره مجتمعه إلى حدٍّ ما ؛ خبيراً مطلق الصلاحية في شؤون الشرق الإسلامي . لكنّ هذا الخبير Per excellence كان – وما يزال – بمقتضى الإعداد الذي تزوَّد به محدود المعرفة ، ومحدود القدرة على الفهم . وليس هذا عيباً في الأساس . فرجلٌ كبروينلش ( كتب رسالته للدكتوراه عن بسطام بن قيس الشيباني – زعيم شيبان إبّان الإسلام ) ، ودارسٌ كمارتــن هارتمـــــان ( اهتمَّ
باليمن قبل الإسلام ) ، ودارس ككاسكل اهتم باليمن القديم ، وبقبائل الفرات ما كان منتظراً منهم أن يستطيعوا فهم التركيبة الاجتماعية / السياسية في الإسلام الوسيط ؛ فكيف إذا حاولوا إرشاد حكوماتهم في قضايا مثل التعامُل مع القبائل العربية مطالع القرن العشرين ، أو صراع المصالح بين ألمانيا وفرنسا في الشرق قبل الحرب الأولى ، وفي فترة ما بين الحربين . لكنّ هؤلاء حاولوا كما حاول غيرهم ؛ وكانت النتائجُ مضحكة . وقد بدا ذلك بوضوح في النقاش الذي دار على صفحات المجلات الاستشراقية إبّان الحرب الأولى بين الألمــاني كارل هاينرش بيكر والهولندي سنوك هورغرونـيه . والأول دارسٌ للتركيبة الاجتماعية / الاقتصادية في صدر الإسلام ؛ والثاني دارسٌ لتاريخ مكة وناشرٌ لبعض النصوص القديمة المتصلة بذلك التاريخ . وقد حاول هورغرونيه أن يُساعد حكومته في السيطرة على الإسلام الأندونيسي ؛ بينما حاول بيكر أن يفهم لألمانيا القيصرية الإسلام العثماني . وقد تبادلا اتهامات العداء للإسلام الحديث ، واستخدام العلم في السياسة الاستعمارية . بيد أنّ الرجلين فشلا كخبيرين استعماريين ، ولم يبق من اسهامات بيكر غير تحليله لنظام الخراج بمصر الإسلامية ، وجدليات علاقة الإسلام بالهيللينستية . كما لم يبق من إسهامات هورغرونيه غير نشراته لبعض النصوص الكلاسيكية . وما يُقالُ عن هؤلاء الذين ذكرتُهم يقال عن كثيرين غيرهم ؛ من مثل هاملتون غب الدارس الجيد لكلاسيكيات الإسلام في مُحاولته لفهم التيارات المعاصرة في الإسلام لصالح الشركات الأميركية . ومن مثل يوسف شاخت الدارس الجيد للفقه الإسلامي في محاولاته لفهم بعض الظواهر السياسية بإفريقية الإسلامية الثائرة . وتاريخ كامبردج للإسلام آخر هذه المحاولات المفلسة . فقد صدر التاريخ المذكور في أربعة أجزاء كتب فصولها مستشرقون مشهورون بإشراف هولت و لامبتون ولويس . بيد أنّ هؤلاء الذين ما زالت أوهام الشمولية الاستشراقية القديمة تحتلُّ رؤوسهم فشلوا فشلاً ذريعاً في استقصاءاتهم وتعميماتهم ذات الطابع الكلاسيكي / التاريخاني . فشبولر الدارس المشهور للتاريخ السياسي الفارسي ما استطاع أن يفهم نظرية الخلافة الإسلامية فاكتفى بجمع سريعٍ لرؤى فلهاوزن وغب وروزنتال . ولامبتون الدارسة المعروفة للتشكيلات الاجتماعية والسياسية الفارسية المبكّرة فشلت في فهم متغيرات إيران الصفوية والقاجارية . وزين نور الدين زين عاد لتكرار رؤيته المتسرعة للاجتماع العثماني المتأخر . بينما كتب روبسون فصلاً عن التأثير الغربي في الشرق أجزم بأنه لم يستغرق من اهتمامه غير أمسيةٍ واحدة . ويطول بنا الحديث إن لجأنا للتعداد التفصيلي لنقائص هذا المشروع الضخم ذي الطابع الأكاديمي .
V
وإذا كان نقدنا قد انصبّ على الدارسين الكلاسيكيين من المستشرقين الذين يُحاولون دارسة الاجتماع الإسلامي الحديث والمعاصر ؛ فلا يعني ذلك أنّ خبراء الاستشراق المعاصر متمكِّنون أو يتجنبون نقائص الشمولية القديمة . إنّ الأمر على العكس من ذلك تماماً . فكثيرٌ من هؤلاء الذين يقرأون الإسلام المعاصر من خلال بعض الظواهر السوسيولوجية أو الاقتصادية لخدمة إدارات دولهم أو شركاتهم ( التي تُموِّلُ بحوثهم غالباً ) لا يعرفون في أكثر الاحيان لغات الشعوب التي يدرسونها . وهؤلاء يتحولون أحياناً إلى خبراء بعد إذ تعذّر عليهم التخصُّصُ في مجالات أخرى . وهم يتهربون من التعمُّق بإحدى طريقتين ؛ إمّا أن يلجأوا للإحصاء والتعداد في مجال الظواهر ثم يقفزون إلى النتائج ذات الطابع السياسـي ؛ وهي نتائجُ مفترضةٌ منذ البداية . وإمّا أن يلجأوا للتاريخ مستعرضين قراآتهم للمراجع الثانوية لكلاسيكيي المستشرقين توصُّلاً للنتائج نفسها .
فإذا كان الفريق الأول يقدّم صورةً شموليةً ساذجةً ؛ فإنّ الفريق الثاني لا يقدّم أكثر من تقريرٍ مخابراتيٍّ متسرِّع .
إنّ مأخذ نُقّاد الاستشراق هذا يتركّز في النظرة إلى ظواهر المشرق نظرةً لا تختلف عن ظواهر الغرب . فدارسُ الاجتماع الغربي في حقبةٍ معينةٍ ليس حُجّةً في غير تلك الحقبة . بل إنّ رجلاً كبروديل لا يُنتظرُ منه أن يقول جديداً في غير العوالم الاجتماعية للعصور الوسطى الأوروبية . فلماذا يستطيع برنارد لويس أن يكتب عن كل شيء في الشرق خلال خمسة عشر قرناً ؟! وبغضّ النظر عن تلك الرؤية للشرق المستندة إلى مركزية غربيةٍ ظاهرةٍ سبق أن عرضنا لها ؛ يقدمُ نُقّادُ الاستشراق تفنيداً أداتياً علمياً لهذا الشمول الخادع للاستشراق . كيف يكونُ ليفي شتراوس انتروبولوجياً فقط ؛ بينما يستطيع تشنر وجاك بيرك أن يكونا مؤرّخين وسيوسيولوجيين وسياسيين واقتصاديين عندما يتعلق الأمر بالمشرق الإسلامي ؟!
إنّ الاستشراق – في نظر هؤلاء النقّاد – يتناثر وينحلُّ في تخصّصاتٍ متباينةٍ كالتاريخ والسوسيولوجيا والأنتروبولوجيا والاقتصاد والسياسة . لم يعد هناك عالم واحدٌ اسمه الاستشراق ؛ بل هنا عوالم متباينةٌ يحملُ كلٌّ منها عنوان المجال الذي يهتُّم به . فإذا كانت مفاهيم الشرق والعالم الثالث والشرق الأوسط ضبابية وغير علمية ؛ فإنّ مفهوم الاستشراق صار اليوم كذلك . وهناك مثالٌ دالٌّ من السنوات الاخيرة يتعلق بالمرجعية ، إنه أطروحة هنتنغتون حول صدام الحضارات . فقد أصدر فيها حكماً على طبيعة الإسلام ديناً وحضارةً , وما نزال نجاهد منذ خمس سنوات لتصحيح ذلك دون جدوى . والرجل من أساتذة العلوم السياسية ، وكتّاب الحرب الباردة ، ولا علاقة له بالاستشراق .
VI
أمّا النقدُ الإسلاميُّ والعربي والمشرقيُّ للاستشراق فأقدم من ذلك ، ومختلف المنطلقات والأهداف . وربما كان جدل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مع إرنست رينان وهانوتو أول فصول هذا النوع من النقد . وقد ظلّ منذ ذلك الحين دينياً سياسياً بالغ العنف والتشكُّك . هذا الموقف القاسي من الاستشراق لا يعرف منه غير أنه مظهرٌ من مظاهر سوء أو اضطراب علاقة الشرق بالغرب ؛ بل هو أكثر هذه المظاهر تفجُّراً وعدائية في المجال الثقافي . فإذا كان الغرب قد غزا الشرق والإسلام عسكرياً منذ قرون ؛ فإنّ الاستشراق – في نظر نُقّاده المسلمين – رافق هذا الغزو بل تقدّمه ومهّد له الطريق على الجبهة الثقافية والفكرية . والحقُّ أنّ هذه الرؤية للاستشراق لا تُفْردُهُ دون سائر ظواهر الغرب ؛ بل ترى فيه فصلاً في مؤامرةٍ كبرى على الإسلام والمسلمين اسمها الغرب ؛ أياً كانت هويةُ هذا الغرب . فهو عندما كان مسيحياً أراد ضرب الإســلام لنشــر المسيحــية بالقــوة والتــبشير . وهـــو عنــــدما صــار علمانياً أراد " تخريب " عقائد المسلمين لتضعُف مقاومتُهم فيسهُل استغلالُهم . ويرى القائلون بذلك أنّ اليهودية العالمية كانت وراء ضرب الدين بأوروبا من أجل السيطرة والتغلغل ؛ ولا يُنتظَرُ أن تكون اليهوديةُ المسيطرة أكثر رأفةً بالإسلام . وللشيوعية التي كانت مسيطرة في أجزاء كبيرة من العالم – في نظر هؤلاء – مصحلةٌ كبرى في ضرب الإسلام . فالماركسية اللينينية ضد كل دين على أي حال والروس بالذات اليوم لديهم مشكلةٌ إسلاميةٌ كبرى بالداخل حيث يتوطن الملايين من المسلمين في الأقاليم التي ورثتها روسية الاتحادية عن الأخرى السوفياتية والقيصرية .
وإذا كان نقض الأفغالي وعبده للرؤية الغربية للإسلام والشرق قد انصبّ على النواحي المبدئية العامّة ذات الطابع الشمولي من مثل : العقلية السامية والعقلية الآرية ، وإسهام الإسلام في تقدُّم المسلمين أو تخلُّفهم ، والتعامل مع المرأة . فإن مطالع هذا القرن شهدت معالجاتٍ أكثر تحدُّداً ؛ إذ ردّ محمد رشيد رضا على كتاب أميل درمنغهام عن النبي ، وحمل أحمد شفيق باشا على الرؤية الغربية الاستشراقية لمسألة الرقّ في الإسلام . وانصرف محمد فريد وجدي وطنطاوي جوهري لإثبات " عقلانية " الحلّ الإسلامي للمشكلات المعاصرة في مواجهة ما اعتبراه موقفاً استشراقياً غير عقلاني من الإسلام المُعاصر وقضاياه . حتى إذا كانت ثلاثينياتُ هذا القرن فقد النقاش طابـعه الهادئ نسبــياً ليتحوَّل إلى اتهامٍ مجردٍ للاستشراق الغربي في كل شيءٍ ؛ وما تزالُ هذه النزعةُ سائدة حتى اليوم عند العرب والمسلمين .
وهناك ملاحظاتٌ لا بُدّ من إيرادها بشأن هذا الموقف الإسلامي من الاستشراق . فهناك اقترانٌ دائماً في أذهان الناقضين للاستشراق والمشكّكين في علميته بين الاستشراق والتبشير . وكتاب محبّ الدين الخطيب : " الغارة على العالم الإسلامي " ، وكتاب فروخ والخالدي : " التبشير والإستعمار " ؛ مثلان واضحان على ذلك . وهناك إحساسٌ دائماً بأنّ الغربيّ المستشرق لا يمكنُ أن يكون حسن النية أو علمياً عندما يتعلق الأمرُ بالإسلام ؛ فالثناءُ على أمر معيَّنٍ في الإسلام أو الشرق من جانب بعض المستشرقين لا يُنجي المُثْنين من التشكيــك في نواياهم من وراء ذلك ، ويبدو ذلك في كتاب محمد البهي : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ، كما يبدو في كتيبات الشيخ عبد الحليم محمود ، ورسالة مالك بن نبي المعروفة . وهناك إحساسٌ مُسـتديمٌ بأنّ المستشرق لا يمكن أن يكون مستقلاً في بحوثه وتوجهاته ؛ فهو لا بُدّ تابعٌ لجهة رسميةٍ مُعادية للإسلام والمسلمين بالغرب أو هو رأس الحربة في منظمةٍ سريةٍ متآمرة على دين المسلمين وحضارتهم ؛ ويظهرُ ذلك في دراسات محمد محمد حسين وأنور الجندي ومحمد الغزالي . ثم هناك أخيراً اقتناعٌ جازم بأنّ النزاع بين الثقافتين الشرقية ( الإسلامية ) والغربية مصيريٌّ ليس للمشتركات فيه أُفقٌ ويبدو ذلك في كتابات المودودي والندوي ومحمد قطب . فموضوعة كبلنج القائلة إنّ الشرق شرق ، والغرب غرب ؛ ولن يلتقيا ؛ أمرٌ مسلمٌ به في نطاق الرأى الإسلامي السائد .
ويظلُّ الوجه الآخر للقضية محوطاً بالغموض إن لم نلحظ أنّ جزئيات هذا الموقف الحادّ دفاعية الطابع . فالكاتبون الإسلاميون جميعاً يرون أنفسهم في مواجهة زحفٍ حضاريٍّ جارف لا يستطيعون إزاءه غير الوقوف موقف الدفاع المتشنِّج . وتزداد المسألة تعقيداً إذا أخذنا في الاعتبار تقدير هؤلاء الناقضين لبعض بحوث المستشرقين واستشهادهم بها ، واعتزازهم بثناء بعض المستشرقين على بعض الظواهر والأفراد بالشرق الإسلامي الحديث . ففي الوقت الذي كانت فيه قضيةُ الانتحال في الشعر الجاهلي تحتدمُ بالقاهرة على يد طه حسين المتأثر بمارجليوث ، وتتناثر فيه التُهم على رؤوس الاستشراق والغرب كله ؛ كان هؤلاء الناقضون لطه حسين ومارجليوث وسواهما يحرصون علـى حضــور محاضـرات جويدي ونللينو بالجامعة المصرية ، كما كانوا يجهدون سراً وعلانية للتعاون مع فلايشر وفيشر وسواهما في مشروع المعجم التاريخي للغة العربية . وكان مجيء جارودي ورودنسون إلى القاهرة أواخر الستينات حَدَثاً ثقافياً ضخماً ليس لدى اليساريين من مثقفي الجامعات المصرية فقط ؛ بل لدى الأزهريين أيضاً . حتى إذا كتب هؤلاء في قضيةٍ ما متصلة بالإسلام في الشرق أو في بعض المجتمعات العربية الإسلامية اختفى التقدير الشفوي وعادت المواقف القديمة للبروز . والملحوظ أنّ الأمر لا جديد فيه عندهم . فالاتهامات نفسها التي صبّها الشيخ رشيد رضا على رأس أميل درمنغهام ؛ يصبّها محمد البهي وتلامذته وعبد الله العروي وقاسم السامرائي ومحمد أركون وهشام جعيط في الستينات والسبعينات وحتى اليوم على رؤوس مونتجومري وات ورودي بارت ورودنسون ووانسبورو فيما يتصل بالقضية نفسها . ومع أنّ الكُتّاب في المسألة من المسلمين يتقنون غير لغةٍ أجنبيةٍ في الأعمّ الأغلب ؛ فالملحوظ أنهم يستندون في نقضهم للاستشراق إلى القليل الذي تُرجم في أربعينات وخمسينـــات هذا القرن . وقد قرأتُ بمـجلة الحقـــــوق الكويــتية مقالــين عن " المستشرقين ومصادر التشريع الإسلامي " ( 1981-1982) ما عرف الكاتبان لهما من أولئك الذين عرضوا للموضوع من بين المستشرقين غير جولدزيهر وشاخت ؛ وهذا على الرغم من أنّ دراسات هذين في مسائل التشريع تجاوزها البحث الاستشراقي منذ عدة عقودٍ من السنين(8) .
والواقع أنّ إصرار نقاد الاستشراق من العرب على عدم تجديد معلوماتهم عنه ، وتحويل القضية إلىنمطية مكرورة تتجاهل حتى الاسماء وعناوين الكتب ، لا يعود إلى اليأس من المستشرقين وحسب ، بل وإلى أمرين آخرين ؛ أولهما الحملة على التغريب والغزو الثقافي بغضّ النظر عن القول والقائل ، وثانيهما الحملة على الأنظمة السياسية ، وفئات المثقفين باعتبارهم الممثلين الحاضرين للغرب واستشراقه على أرضنا (9) .
الاستشراق إذن عند الكثرة الكاثرة من كتاب العرب والمسلمين المحدثين والمعاصرين هو الوجه الثقافي للسياسة الاستعمارية في الشرق . وما أفعله هنا هو وصفُ الظاهرة وصفاً تقويمياً . ولا تستعصي القضية على الفهم على أي حال . فإذا كان الاستشراق ( حتى من وجهة نظرٍ متقدمةٍ كنظرة إدوارد سعيد ) بُعداً من أبعاد العلاقة المعقدة والصراعية بين الشرق والغرب ؛ فإنَّ قُنّة جبل الجليد هذا تبدأ بالظهور للعيان . إنّ المثقفين المسلمين المعاصرين ( السلفيين والليبراليين ) يعيشون مخاضاً عسيراً وسط الاستنزاف المستمرّ على أرضهم وكياناتهم السياسية ؛ ولا ننتظر من جريحٍ ينزف أن يحدّد مُطلق النار عليه بين المهاجمين . هكذا يرى هؤلاء المسألة . وللقضية بعدٌ تاريخيٌّ ونفسيٌّ لا ينُكرُ . فهناك تقاربٌ شديدٌ بين الحضارتين العربية والإسلامية ، والغربية . ولهذا التقارب تاريخُهُ ومشكلاته . والمسلمون يرون أنهم في أصل الحضارة الغربية ؛ لذا تبدو أحداث القرنين الأخيرين للكثيرين منهم بمثابة طعناتٍ في الظهر يعسُرُ نسيانُها أو تجاهلها . وقد كانت كتاباتُ أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل ومحمد كرد علي وأحمد أمين وعبّاس محمود العقاد في الثلاثينات والأربعينات تُبشر بأنّ الجراح ستأسو ، وأنّ الناقة سيأوي في النهاية إلى شيءٍ من الاطمئنان والاتزان وسط مظاهر انحسار الاستعمار القديم . ثم برزت المأساة الفلسطينية ، ومشروعات الكيانات الإقليمية والطائفية ، واستمرار عوامل الضغط الغربي على الإسلام في آسية وإفريقية ؛ فعاد وهج الجرح ونغل ، وآل الأمر إلى مواقف جامـــدةٍ بـــدا معها " الاتزانُ " سذاجةً أو خيانة . فالمثقفون المسلمون كانوا حتى وقتٍ قريب بين جامدٍ وحاقدٍ وتعب ويائس . ولا أفق في المنظور لديهم لعلاقة سليمةٍ وصحيةٍ بين الشرق والغرب . وقد حاولتُ في جدلٍ استمرّ أياماً مع دارسٍ إسلامي مخضرم أن أنتزع شيئاً إيجابياً ؛ فقال بعد لأي إنّ هناك أفراداً بين المستشرقين ذوي نظافةٍ وشرف ؛ لكنهم هامشيون في الاستشراق المعاصر ، وهامشيون في نطاق الثقافة الغربية ؛ وواجب المسلم المثقف ذي الإحساس بالمسؤولية اليوم أن يقيم حواراً جاداً ومتزناً ومتفهماً مع مواطنيه من المسيحيين المشرقيين تلمُّساً لوحدةٍ مجتمعيةٍ لم تتحقق ؛ أما الحوار مع المثقف الغربي – حتى لو كان مستشــرقاً صـــــديقاً ؛ فـــأمرٌ ســـابقٌ لأوانــه . وعبد اللطيف الطيباوي رحمه الله – وهو الذي قضى أكثر سنيّ كهولته وشيخوخته بالغرب عاملاً في جامعاته ؛ كان يرى أن لا يكتب في الإسلام غير المسلمين .
VII
والتبشير في الاستشراق انتهى أو كاد منذ أكثر من جيل . وأتباع مفهوم " الشرق الأوسط " في الدراسات الإسلامية بأميركا ؛ ما يزالون قلةً بين المستشرقين لحسن حظنا وحظ الاستشراق . والأزمة المنهجية والحضارية التي تتهدد الاستشراق الكلاسيكي تفاقمها رؤيةٌ عدائيةٌ له من جانب الشركات الكبرى ، والمسؤولين الحكوميين بالغرب الذين يرون أنه ليس ذا فائدة مباشرةٍ لمصالحهم ؛ وبالتالي لا جدوى من استمرار الإنفاق على معاهده وكراسيه . بيد أن الركود الذي تشهده عوالم الاستشراق اليوم بالغرب لا ينبغي أن يصرف أنظارنا عن ذلك التُراث الضخم من النصوص والبحوث الذي أنتجه المستشرقون منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم . ففيما عدا نصوص قليلة نشرت ببولاق أو حيدر أباد نشر المستشرقون أكثر النصوص الإسلامية والعربية الضخمة التي ما تزالُ العُمدة في مجال قراءة الإسلام الوسيط (10) . وأياً تكن قيمةُ بحوث المستشرقين في مجال القرآن والسنة ؛ فقد كانت أول تأمُّلٍ تحليليٍّ لذلك استند للمصادر بشكلٍ مباشر . ثم إنّ بحوثهم في مجالات التاريخ والجغرافية والفكر والمجتمع والسلطة ، وعلاقات الشرق بالغرب ؛ رائدة ولا غنى عنها حتى اليوم في أي بحث علمي بتلك المسائل ثم إنّ مسائل ركود الاستشراق ، وأزمته المنهجية ، ولا مبالاة الحكومات الغربية إزاءه اليوم لا ينبغي أن تصرف أنظارنا عن مشروعاتٍ كبرى في نطاقه أُنجزت قبل عقدين أو ما تزال . فقد أتم فرانز التهايم مع زوجته روت شتيل قبل عقدين المشروع العلمي الضخم بعنوان : " العرب في العالم القديم " . والنشرة الثانية من " دائرة المعارف الإسلامية " ما تزال تخطو إلى الأمام بعد أن صدر مجلدها التاسع . ولن تقع في أقلّ من أحد عشر مجلداً . ولا أهمّ من الأنسيكلوبيديا الإسلامية هذه في مجال التعرف على الإسلام وحضارته ؛ كما نعرف نحن الذين نختبر ذلك يومياً . وقام الدارسون الالمان ضمن المشروع المعروف باسم " مجال البحث الخاصّ " طوال ثلاثة عقود بمسحٍ شاملٍ جغرافي وتاريخي واجتماعي وسياسي وديني للشرق منذ أقدم العصور وحتى اليوم . وقد صدرت في نطاق المشروع خرائط موضعية ، ودراسات طوبوغرافيةٌ واقتصادية وتاريخية واجتماعية تتميّز بالجدّة والاستقصاء والاستناد للمصادر . وتهتم بالاستشراق بمعناه الكلاسيكي ( الدراسات الإسلامية ) مجلاتٌ علميةٌ فصليةٌ أو حولية يبلغ عددها الخمسين في الولايات المتحدة وكندا واستراليا واليابان وروسيا والنمسا ، وتشيخيا ، والمجر ، وهولندا ، والدنمارك وبولندا والمانيا الاتحادية ، وفرنسا ، وانجلترا ، وإيطاليا واسبانيا . وتنعقد مؤتمرات وحلقاتٌ دراسيةٌ لقضايا استشراقية مختلفة بألمانيا وأميركا وانجلترا تصدر بحوثها في كتبٍ ومجلات متخصصة . وما تزال الكتب التذكارية الصادرة مهداةً لمستشرقين شيوخ أو حديثي الوفاة تأتي بجديد كثير . وما يزال فؤاد سزكين يدأب في إصدار عمله العظيم المعروف باســـم : " تاريخ التراث العربي " . وقد بدأ المشروع إلحاقاً وتصحيحاً وتطويراً لعمل كارل بروكلمان : " تاريخ الأدب العربي " ؛ ثم تحول واتسع ليصبح قراءة توثيقيةً مستقصيةً وجديدةً للثقافة العربية الإسلامية كلها .
وذكرُ سزكين يدفعنا لذكر " معهد تاريخ العلوم العربية " الذي أُنشىء حديثاً في نطاق جامعة فرانكفورت بالاشتراك بين بعض الدول العربية والجامعة المذكورة ؛ ويرأسه اليوم فؤاد سزكين الذي كان صاحب الفكرة في الأساس . والاتصال بين الشرق والغرب في نطاق الاستشراق لا يقتصر على عمل سزكين ( التركي الأصل ) ؛ ففي الجامعات الغربية اليوم دارسون كثيرون عربٌ ومسلمون يمارسون العملين التدريسي والبحثي ضمن النهج الاستشـراقي المعروف ؛ وبينهم المتميزون الذي يُحسُّون عمق الازمة المنهجية ، واختلال علاقة الشرق بالغرب . وتدعم دولٌ عربيةٌ معاهد وكراسي للدراسات الإســـلامية ، ودراسات الشرق الاوسط بالغربين الأوروبي والأميركي . وما يزال الاستشراق يحيا في عشرات المعاهد ومئات الكراسي بأوروبا الغربية والأميركتين . ولن نستطيع معرفة رأي عبد اللطيف الطيباوي في إقبال بعض المستشرقين في العقدين الأخيرين على اعتناق الإسلام .
وسط هذا كله يصعب التنبؤ بما سيكون عليه الأمر بعد عقدين من السنين . فهناك احتمالٌ في أن تتطور المسالة تحت ضغط الحكومات والشـــركات فيسود الحلّ الذي فُرض سابقاً في المجال السياسي الماركسي اللينيني ؛ إذ انتهت " الدراسات الإسلامية " كعلمٍ أو تخصُّص بالاتحاد السوفياتي السابق وشرق أوروبا ! وقامت معاهد وكراسٍ للبحوث السياسية والاجتماعية والاقتصادية يهتم بعضها بالمشرق من وجهة نظر المادية التاريخية ذات المراحل الأربع المعروفة . ويعني انتصار ضغوط الحاجات السياسية والاقتصادية بالغرب الرأسمالي زوال مفهوم الاستشراق بمعناه الكلاسيكي ؛ لصالح مفهوم " الشرق الأوسط " بمعناه الأميركي . أما إذا قاومت " المؤسسة التقليدية " – خصوصاً باوروبا الغربية ( بألمانيا وانجلترا ) - ؛ فربما أدّى ذلك إلى انقسام العلم إلى علمين : دراسات الشرق الأوسط ، وتخصص الدراسات الإسلامية ؛ مع طغيان الأول على الثاني . ولدينا من الدلائل في مجريات الأمور بالحاضر ما يُرجِّع هذا المصير الثاني ؛ لكنّ الظواهر ما تزال مختلطة .
VIII
والجديد في الاستشراق مصيره في العقود الأخيرة إلى تأمُّل نفسه تأمُّلاً نقدياً . وكانت مقالة أنور عبد الملك (11) عام 1963 : " الاستشراق في أزمة " قد أثارت بعض الردود والنقاشات . ثم نُسيت المسألة حتى شعر الجميع بثقل وطأة الأزمة المنهجية في مجال العلوم الإنسانية أوائل السبعينات فتجدّد النقاش حول مفهوم الاستشراق وموضوعه ، وعلاقة المستشرق بمجال بحثه ؛ ومفاهيم الشرق والغرب والإسلام والعرب في الاستشراق . وجاءت دراسة إدوارد سعيد عام 1978 فدفعت كثيرين للإدلاء بدلوهم في المسألة . كان مقال أنور عبد الملك قد أثار اهتمام مستشرقين كثيرين أشهرهم فرانشسكو غابرييلي وماكسيم رودونسون . واستمر اهتمام رودنسون بالمسألة من وجهة نظر تاريخ الفكر ، والاتجاهات الأنتروبولوجية والإتنولوجية المعاصر ؛ حتى صدر كتابه : " جاذبية الإسلام " الذي ترجم للعربية ؛ كما نُشرت له مقالات في بعض كتب المؤتمرات عن قضايا الأنتروبولوجيا والاستشراق ، والاستشراق ونمط الإنتاج الآسيوي ، والاستشراق والمركزية الأوروبية . وتأمّل فاردينبورج عام 1970 في كتابه : " الإسلام في مرآة الغرب " تطور مفهوم الإسلام أو صورته لدى كبار المستشرقين في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين . وجرت منتصف السبعينات نقاشات بين تشارلز آرمز وبيـــللفيلد عــــن الدراسات الإسلامية وتاريخ الأديان . بينما رأى A.O.van Nieuwenhuijze المسألة رؤيةً نقديةً راديكاليةً داعياً لاستبدال السوسيولوجيا بالاستشراق (12) . وعاد عام 1978 فتأمّل الاستشراق الألماني المعاصر من وجهة نظر فلسفة العلوم . وكنتُ وزميلاً لي قد اقترحنا على بعض أساتذة الدراسات الإسلامية بإحدى الجامعات الألمانية عام 1976 : " الاستشراق " كتخصص معرفي موضوعاً للنقاش في ندواتٍ جامعيةٍ ؛ فتخوفوا وترددوا . أما اليوم ؛ فإنّ مسائل التاريخ والصورة والمنهج في الاستشراق طرحت في كل مكان ؛ بحيث لم يتردّد فرانز روزنتال الدارس المحافظ للكلاسيكيات الإسلامية بمؤتمر المستشرقين الألمان عام 1980 في إلقاء محاضرةٍ بعنوان : " أزمة الاستشراق " . وقد عاد فاردينبورج لاقتراح منهــجٍ جديدٍ للدراسات الإسلامية لتجاوز الأزمة الحاضرة ؛ في المؤتمر نفسه . ونشر شارناي مقالةً عن الاستشراق والمنهج عام 1981.
وكان نورمان دانييل قد نشر في الستينات والسبعينات مجلديه الضخمين بعنوان : " الإسلام والغرب ، والعرب وأوروبا " ويشكل الكتابان وثيقةً مهمةً عن تطور صورة الإسلام والعرب بالغرب عبر العصور . وجاءت محاضرات سوذرن في الموضوع نفسه برؤية " جديدة " للقضية . ومن ناحيةٍ ثانيةٍ اتخذ هذا التأمُّل الذاتي الغربي أبعاداً جديدةً في الإقبال على معرفة صورة الغرب في الشرق وبالعـكس ؛ بـــدا ذلك في ملاحـــظات هــشام جعــيط بالفرنسية التي لاقت انتشاراً واسعاً بعنوان : " أوروبا والإسلام " . وكان أنور عبد الملك في مقالة السالف الذكر قد نوَّه بدعوة جوزف نيدهام لسماع رأي آسية وإفريقية بأوروبا والغرب . وقامت الباحثةُ الألمانية روتراود فيلاند بدراسة " صورة الاوروبي في الروايات والمسرحيات العربية الحديثة " في مجلدٍ ضخمٍ مستقصٍ ودقيق أصدره المعهد الألماني للأبحاث الشرقية ببيروت . وصدرت عن معهد الإنماء العربي ببيروت دراسة لخالد زيادة بعنوان : " تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا " . وكانت السيد نازك سابا يارد قد نشرت دراسةً واسعةً بعنوان : " الرحّالون العرب وحضارة الغرب " (1979 ) يعيبُها رغم استقصائها إيثار المراجع الغربية على النصوص الأصلية . ونستطيع الآن الإشارة إلى دراسات ذات منهجيةٍ مختلفة حول الصور التاريخية لدى الطرفين ، منها كتاب إدريس بني هاني الصادر عام 1998 ، وكتاب نور الدين أفاية بعنوان : " الغرب المتخيَّل " الصادر قبل شهر . بيد أنّ عمل برنارد لويس التاريخاني النزعة ، والصــادر قبل عشر سنوات ما يزال يتصدر للأسف القائمة الطويلة نسبياً حول مسائل الصورة والعلاقة والمعرفة والاكتشاف .
IX
ذكرت مجلة المانية أن صحفياً سأل المستشار الألماني الأسبق هلموت شميت عن " مشاريعه " للمستقبل بعد أن ترك العمل السياسي الرسمي ؛ فأجاب بعد طول تردُّد : أريد أن أكتب عملاً عن اللقاء الإنساني والحضاري في ديانات التوحيد ؛ على الخصوص : المسيحية والإسلام !!
والحقّ أنّ مسائل علاقة المسيحية بالإسلام ، والحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية ، ومستقبل الحياة على هذه الأرض في ظلّ صراعات الشرق والغرب ؛ هذه المسائل كلّها تشغل منذ أكثر من قرن أناساً بالغرب ليس منهم السياسيون الاستعماريون أو الانتهازيون أو المبشرون . هذه المسائل حاضرةٌ بقوةٍ في تاريخ الفكر ، والرؤية الإنسانية للعالم ، والتطلُّع لشرقٍ وغربٍ متقاربين بعد إذ أعطى هذا الشرق الغرب دينه وأساس حضارته الحالية . ويتزايد الاتصال اليوم على المستويات كافة ؛ فهناك نقاشات حوار الحضارات التي أثارتها رؤية روجيه جارودي في كُتيّبه بالعنوان نفسه / وهناك الحوار العربي الأوروبي (13) . وهناك المؤتمرات الإسلامية المسيحية بالتنسيق مع الكنيسة الكاثوليكية أو مع مجلس الكنائس العالمي . وكانت الأجهزة السياسية الغربيةُ في الأربعينات والخمسينات قد سيطرت على بعض قنوات الاتصال من أجل " الدفاع عن الشر ق الأوسط " و " حرية الثقافة " و"اتحاد الإيمان " في مواجهة الاتحاد السوفياتي ؛ فشكّل ذلك نكسةً للقضايا المطروحة ، وزاد شك المشاركين المسلمين في نوايا القائمين على الاتصال من الغرب ، وأعوانهم من بيننا بالمشرق . لكنّ العقدين الأخيرين شهدا مؤتمراتٍ وندواتٍ بلغت درجة " عالية " من التفهُّم والصراحة والعلمية ، وجرت فيها دراسةُ قضايا مصيرية من مثل : حقوق الإنسان في المسيحية والإسلام ، والعلاقات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين ، والتعايش الإسلامي المسيحي اليوم ، وإمكانيات الأديان في الإسهام في السلام العالمي ونزع السلاح ، وصون العائلة والبيئة . ويُسهم بعض المستشرقين في ذلك بشكلٍ مباشر في المجلة المعروفة التي تصدر بروما منذ عام 1975 باسم : إسلاميات مسيحيات ؛ ويكتب فيها دارسون مسلمون ومسيحيون في مسائل الحوار والعلاقات الثقافية . وتكثر تصريحات المسؤولــين السياســـيين الغربيـــــين الإيجــابية عـــن الإســـلام في انجــــلترا وبلجيــكا والســويد وأميركا ، في السنوات الأخيرة ، ونحن نعلم أنّ المستشرقين الكلاسيكيين يكتبونها لهم غالباً وليس دارسو الشرق الأوسط . لكنّ المقصود بها الجاليات الإسلامية الكبيرة اليوم في بلدانهم بالدرجة الأولى ؛ دون أن يعني ذلك تقليلاً من شأنها . وقد صرّح مسؤول وزارة الخارجية الأميركية بذلك في بيانه السالف الذكر عندما ذكر المليار مسلم في العالم ، كما ذكر تزايد عدد المسلمين الأميركيين ، وتزايد فعاليتهم في المجتمع الأميركي .
* * * *
عندما سأل أحمد الشيخ جاك توبي دارس العثمانيات المعروف : هل أنت مستشرق ؟ أجاب : مستشرق لا ، كما أنني لا أعرف إذا كان ما يزال هناك وجود لبعض المستشرقين ! المستشرق ، هذا مصطَلَحٌ قديم … لستُ مستشرقاً ولكني مؤرِّخٌ للعلاقات الدولية (14) . وعندما سأل أندريه ميكيل ، الدارس المعروف للثقافة والأدب العربيين عن الأمر نفسه ، قال : لستُ مستشرقاً ، اهتمامي يدور حول اللغة والأدب العربيين وبصفةٍ خاصةٍ الكلاسيكي . فأنا متخصص في اللغة والأدب العربيين كآخرين في فرنسا متخصصين في الآداب واللغات الإنجليزية والإيطالية والألمانية .. لذا أُفَضِّل أن يطلقوا عليّ لفظ مستعرب أكثر من مستشرق (15) .
يبدو من هذين التصريحين أنّ الاستشراق ظلّ أسير التاريخانية ، وقد فتتت المناهج المعاصرة تلك المدرسة الفكرية الكبيرة . لكن لم يتحرر من الاستشراق المؤرخون ورجالات نظرية الأدب وحسْب ، بل والدراسات الدينية الإسلامية ؛ فكليات اللاهوت بالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا تعرض كراسي لدراسات الدين الإسلامي ، مميّزةً بذلك بين تخصص الدراسات الإسلامية الموروث عن الاستشراق الأوروبي الكلاسيكي ، وتخصص الدين الإسلامي الذي يتعاطى مع النصوص الدينية الإسلامية ، والعلوم الدينية الإسلامية مثل الفقه وعلم الكلام وعلم التفسير والحديث . ولهذا الأمر دلالته . فهذا يعني الاعتراف بالإسلام باعتباره ديناً مثل الديانتين الأُخريين اليهودية والمسيحية ، ويعود ذلك كما هو معروف إلى تطوراتٍ في العقود الماضية في علمي اللاهوت لدى البروتستانت والكاثوليك ( كارل بارت ولاهوت الأديان ) ومع المُضيّ قُدُماً في الاعتراف بالإسلام تفرعت على دراسات الأديان ، التي تختلف جذرياً عن مقارنات الأديان السابقة ، معاهد ومراكز ومجلات للدراسات الإسلامية المسيحية تُعنى بتاريخ العلاقات وحاضرها على المستويات كافة ؛ فلا يخسر الاستشراقُ هذا المجال أيضاً ، بل يخسرُهُ التبشير الذي نمت طفيلياته على هوامش الاستشراق وحواشيه . بيد أنّ هناك مسائل تبقى بدون حلّ أو أنها عُرضة للتطورات . فالدراسات الإسلامية تُعنى بلغات الإسلام وحضارته وثقافاته ، لكنها لا تتوقف حتى اليوم عن تعليم الدين الإسلامي لطلابها ، وتتميز بعنايتها بالفيلولوجيا ولغات الحضارة الإسلامية . لكن سيطر عليها في العقدين الأخيرين دعاة النقدية الجذرية الذين سبق أن ذكرناهم . وهناك أخيراً دراسات الشرق الأدنى والأوسط التي تخلط بين القديم والحديث ، ولكنْ تغلب عليها الجوانب الحديثة والمعاصرة في السياسة والاقتصاد . بيد أنّ التخصص الشديد الذي تتجه إليه هذه الدراسات يتهدد الفهم العميق للإسلام وتجلياته الحديثة والمعاصرة . فرجالات دراسات الشرق الأوسط هم وراء الاستخدام الوظيفي المُسْرف لهذا المفهوم ، ولنظرية التحديث ، وللحركات الإسلامية والإرهاب .
يعنون الأستاذ المغربي المعروف سالم بن حميش مجموعة دراساتٍ صدرت له عام 1991 بـ : " الاستشراق في أفق انسداده " ، ويربط ذلك بعدة عوامل : الخطاب الاستشراقي التاريخاني ، والمواريث الاستعمارية ، وجمود رؤية الإسلام والعرب ، والتخلف المنهجي في خضمّ ثورة العلوم الإنسانية والاجتماعية .
فإذا كان ذلك صحيحاً ، وهو في الغالب صحيح ، فهناك عدة مسائل بدأت تترتب على ذلك . أولى تلك المسائل أن الأطروحات الأساسية في علمي الاجتماع والأنتروبولوجيا ، والمتعلقة بطبائع مجتمعاتنا ، وخصوصيات تطورها ما تزال متجذرةً في العلوم الاجتماعية الغربية ، وفي فلسفة التاريخ وعلوم الإنسان ، مما يدلُّ على أنّ الاستشراق لم يكن هو المؤسِّس لها (16) . وقد صار واضحاً الآن أنّ النقد العربي – والإسلامي للاستشراق ، ليس هو الذي كسف شمسَهُ – فهل نطمحُ أن نتمكن من ذلك في العلوم الأخرى الغربية الأصل ، والتي ما تزال بالغة السيطرة في جامعاتنا ؟! وثانية تلك المسائل أنّ هذا الاستشراق الملعون الذي يمر بمتغيراتٍ تُنهي صِيَغَهُ التقليدية المعـــروفة لدينا ، يوشـــكُ زوالُهُ أن يخلّف فراغاً في مجالنا الثقافي
ففيما عدا باب نشر النصوص المخطوطة ، وبعض المحاولات الفقهية ، ما برزت
إلى العَلَن جهودٌ عربيةٌ كبيرةٌ في شتى مجالات الدراسة مثل علم التاريخ ، والتاريخ الثقافي الإسلامي ، والفن الإسلامي ، واجتماعيات الإسلام ، وعلوم الحياة .. الخ . وثالثة تلك المسائل أنه إذا كنا قد فهمنا الاستشراق دائماً باعتباره مظهراً من مظاهر علاقاتنا المضطربة بالغرب ، وبالثقافة الغربية – كما حاولتُ أن أُبرهن في هذه المحاضرة ، فهل يعني تراجعُ هذا التخصص المعرفي أو الأيديولوجي تغيراً في العلاقة مع الغرب ، أم أنّ التغير الحاصل فعلاً هو الذي نحّى الاستشراق عن الواجهة أو مكان الصدارة . لقد قلتُ في مقدمتي على الترجمة التي قمتُ بها لكتاب ريتشارد سوذرن : " صورة الإسلام في أوروبا في العصور الوسطى " عام 1983 : إنّ الاستشراق كفَّ منذ زمنٍ طويلٍ عن أن يكون النافذة التي ينظر من خلالها الغربُ إلينا : فهل كففنا نحن عن النظر إلى الثقافة الغربية من غير منظار الغزو الثقافي ؟! إحساسي أننا سنظلُّ نحن المثقفين مشغولين آماداً وآماداً بمشكلات العلاقة المعقَّدة هذه في ظلّ الخلل الفاضح في وجوه موازين القوى والفعالية . وآخر تلك المسائل أنّ الاستشراق سيطلُّ حاضراً في سائر تخصصاتنا ذات البُعد التاريخي باعتباره جزءً ا من تاريخ الفكر . وآمُلُ أن يصبح كذلك فعلاً ، لكنّ هذا الأمل لن يتحقق إلاّ بتحقُّقِ شرطين اثنين : تغير علائقنا بالغرب لصالح الندية والمشاركة الفاعلة ، وظهور أجيال من الباحثين العرب ينتجون معارف حضارية وتاريخية تصبح مراجع لشبابنا وللمراكز البحثية الغربية على حدٍّ سواء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وأقرأ عن التاريخانية في الفكر الأوروبي كتاب ماينكه المهم Die Entstehung des Historismus
(2) انظر نقاشاتٍ حول ذلك في مجلة معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن BSOAS1978-1981 . والتقويم الشامل الذي كتبه فاغنر بمجلة جمعية المستشرقين الألمان ZDMG ، م132/1982).
(3) قارن على سبيل المثال بمقالة غسّان سلامة الجيدة بعنوان : عَصَب الاستشراق ؛ في مجلة المستقبل العربي ؛ العدد رقم 32/1981 وبكتابي برايان تيرنر : ماركس ونهاية الاستشراق ، والإسلام وعلم الاجتماع .
(4) قارن عن ذلك كتاب الأنتروبولوجيا والاستعمار لجيرار لكلرك الذي نشرته مجلة الفكر العربي مترجماً عام 1982 وكتابي طلال أسدColonial Encounterو Genealogy of Religions .
(5) انظر عن ذلك أيضاً كتاب تيرنر : ماركس ونهاية الاستشراق .
(6) قارن بدراسة يوسف فان اس عن فلهاوزن وبيكر في : الدراسات الإسلامية ؛ نشر مالكولم كير ، 1981 .
(7) انظر كتاب برنارد لويس القديم : الغرب والشرق الأوسط ، وكتابه الصادر عام 1997 : مستقبل الشرق الأوسط .
(8) وأقرأ عرضاً شاملاً لآراء المسلمين بالاستشراق في مقالة G. Alleaumeبمجلة الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط/1982 ، وأطروحة دكتوراه لأكهارد رودلف عن النقد العربي للاستشراق 1994 ، ومقالتي عام 1997 عن العرب والاستشراق .
(9) قارن بمقالتي السالفة الذكر في كتابي : سياسيات الإسلام المعاصر 1997 ، وكتاب Ekkehard Rudolph الصادرعام 1994 .
(10) انظر عن ذلك المستشرقون لفيليب عقيقي .
(11) أعدتُ نشرها مترجمة في ملف مجلة الفكر العربي عن الاستشراق عام 1983 .
(12) انظر عن الرؤية السوسيولوجية للإسلام مقالة إدموند بورك في كتاب : الدراسات الإسلامية- نشر مالكولم كير ، 1982 .
(13) قارن على سبيل المثال بالعدد رقم 28 من مجلة شؤون عربية .
(14) أحمد الشيخ : حوار الاستشراق : من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب ، 1999 ، ص 160 .
(15) المرجع نفسه ، ص 83 .
(16) قارن عن ذلك برايان تيرنر : الإسلام وعلم الاجتماع ، وأطروحات غلنر وغيرتز ، وكتاب آصاف حسين وروبرت أولسون (1984) بعنوان :Orientalism , Islam and Islamists
المصدر : http://www.ridwanalsayyid.com/ContentPage.aspx?id=98#.VyPFjXErLIU