نهج الإبداع ونهج الاتباع بين الدين والمعرفة والإيديولوجيا

محمد الشتيوي

 

يحظى موضوع الإبداع بأهمية قصوى في العصر الحديث؛ لأنّه هو الذي تأسس عليه التقدّم العلمي والحضاري بمعناه الشامل، والإبداع هو جوهر الحداثة، وهو النهج الذي تعولمت به العولمة.

وإذا كانت الدول المتقدّمة تعيش إشكالية الإبداع وهي تمارس فعل الإبداع -الذي يزيدها قوة وتقدّما- فإنّ العالم الإسلامي مازال يعيشها وهو يتطلّع إلى رسوخ القدم في نهج الإبداع، والتحرّر من نهج الاتباع الذي يثقل خطواته.

وهذا يعني أنّه يوجد فرق جوهري بين مجتمع سؤاله كيف نبدع؟ ومجتمع سؤاله: نبدع أم نتبع؟

ويمكن تلطيف هذا السؤال الثنائي بأن نضع الإشكالية على أرضية إبداعية تحسينا للظنّ بطموحاتنا، فتصير الصياغة كالتالي:

إننا أمّة تريد تجديد حيويتها المفقودة، وتريد أن تبدع لتحقيق ذاتيتها، وللارتقاء بوضعها في عالم الحداثة المتسارع؛ لكنّ نهج الإبداع الذي تريده وسارت فيه خطوات -وإن كانت غير كافية- يثقل ممشاه نهج اتباعيّ ينكر الإبداع أصلا ويراه من محدثات البدع، أو على الأقل يتوجس منه خيفة كأنه ينتظر من يقول له كما قال ربّ العزّة لموسى: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾ (طه: 21).

وتخوّفُ بعض الخائفين من الإبداع له جملة من المنطلقات المتعلّقة بالدين والمحافظة على هوية الأمة وثوابتها؛ لأنّهم -أي الخائفين أو المبدّعين للإبداع- يلاحظون أنّ أرفع الأصوات المنادية باقتحام مجالات الإبداع هي أصوات إيديولوجية معادية للدين أو تريد تحييده على أقل تقدير؛ لأنّه في نظرها نهج وثوقيّ يرفض التطوّر بسبب بعده الميتافيزيقي الذي لا علاقة له بالمعرفة العلمية الموضوعية ولا بالإبداع.

إنّ هذا الطرح يضع الدين في خطّ اتباعي ثابت يقابله خطّ إبداعي متطوّر هو خطّ الإيديولوجيا.

غير أنّه يوجد طرح آخر يضع الدين والإيديولوجيا في نهج اتباعيّ واحد مناقض للمعرفة والإبداع.

ونحن لا نسلّم بالطرح الأوّل ولا بالذي يليه، وإنّما نرى أنّ الإشكالية مركّبة وشديدة التعقيد، وحسبنا أن نلامس بعض عناصرها المتداخلة في ضوء جملة من الأسئلة مثل: هل الإيديولوجيا معرفة نهجها الإبداع، أم هي نهج اتباعي؟ بل هل الدين إيديولوجيا؟

والذي يعنينا أكثر هو الدين الإسلامي الذي أدخله كثير من العلمانيين والمستشرقين في قفص الاتهام، ووضعوه في خانة الاتباع والجمود، ورشقوه بألسنة حداد سهل عليها الاستناد إلى أوضاع تاريخية متخلّفة، وإلى أفواج من المتديّنين الذين يعيشون في هذا العصر بعقليات ماضوية أو إسمنتية -كما يقولون- تقدّس التراث بغير نقد، وتحرّم الإضافة والتفكير المبدع.

ولكن قبل مناقشة ذلك، ما المقصود بنهجي الإبداع والاتباع؟

نهج الإبداع ونهج الاتباع:

عرّف المسلمون الإبداع بأنّه "إحداث شيء على غير مثال سابق"(1) فهو بهذا المعنى إنتاج لا يتقيّد بسابق متقدّم ولا بمثال متبّع، إنّه ابتكار جديد ليس فيه مطابقة لنموذج قبلي يحتذى. ومعلوم أنّ المسلمين إنّما وضعوا هذا التعريف انطلاقا من إيمانهم بأنّ الله تعالى هو الخالق و﴿بديع السموات والأرض﴾ (البقرة: 117) فهو مطلق القدرة ليس قبله شيء، وهو الأوّل والآخر، وبناء على ذلك فليس قبله أمثلة ولا أشياء ولا نماذج سابقة يتبعها؛ بل هو الذي يبدع الأوائل على غير سوابق، ويحدث الأشياء من العدم أي من غير أشياء لذلك عرّف الجرجاني الإبداع بأنّه "إيجاد الشيء من لا شيء"(2).

لكنّ موضوع بحثنا هو الإبداع البشري الذي لا علاقة له بإيجاد الشيء من اللاشيء، بل هو بالمعنى الإسلامي الذي أفهمه إبداع على الإبداع. فالله تعالى لمّا أبدع الكون والحياة التي فيه سوّاه على سنن وقوانين قابلة للتسخير، ثمّ استخلف الإنسان بما ذرأه فيه من حبّ للمعرفة، ومن مواهب عقلية وإرادية تمكنه من فهم السنن واستكشاف العلاقات الرابطة بينها؛ ليبدع الممكنات من خلال الضرورات، وليتجاوز الطبيعة الجاهزة بابتكار ما يريده أن يكون انطلاقا ممّا هو كائن.

فليس الإبداع رفضا لكلّ ما هو منجز سابق؛ بل هو إنتاج توليدي تراكميّ يزيده عمق المعرفة بالموجود سلطة تسخيرية وقدرة على التجديد والإثراء. فالذي يبدع شعراً -مثلا- أو يبدع أسلوبا أدبيا متميّزا ليس هو الذي أبدع اللغة التي يبدع فيها وبها، بل هو يمارس إبداعا جديدا على إبداع سابق يتجاوز به الأنساق السائدة دون أن يتمرّد على بنية اللغة وقواعدها الأصلية. إنّه -بحكم تمكّنه المعرفي وحسّه الإبداعي- يفجّر طاقات لم يفجّرها قبله أحد، ويحرّك ثوابت لم يسبق أن حرّكها أحد، ويستكشف مساحات بكرا ظلّت قبله عجافا؛ لينبت فيها حدائق غلبا، وجنات ألفافا، بتصميمات جديدة ورؤى مختلفة. وهكذا الأمر في كل مجال من مجالات الإبداع؛ إذ لا إبداع من فراغ، ولا إبداع من غير معرفة.

وتأكيدا لما ذكرناه وجدنا من الباحثين من يرى أنّ الإبداع هو "القدرة على رؤية علاقات جديدة بين حقائق الحياة الموروثة وتصوّرها... إنّه تنظيم كلّي أوّلي لخبرة سابقة من المدركات، ومن آثار الذاكرة وصور الأشياء والحركات"(3). وقد أكّد محمد وقيدي -وهو يتكلّم على الإبداع الفلسفي- أنّه "لا وجود للجدّة المطلقة في تاريخ الفلسفة دون أن يعني ذلك أنّه لا وجود للإبداع في هذا التاريخ"(4).

ومع أنّه يصعب حصر الإبداع في تعريف واحد متفق عليه فلا مانع من الاستئناس بتعريف أحد المتخصّصين في دراسته. يقول ألكسندر روشكا: "الإبداع حصرا هو النشاط أو العملية التي تقود إلى إنتاج يتّصف بالجدّة والأصالة والقيمة من أجل المجتمع"(5)، وهذا يعني أنّ الجدّة ليست معيارا وحيدا للإبداع، فهي شرط لازم؛ لكنّها ليست مطلقة ولا كافية، بل لابدّ من الأصالة التي قد تعني الخصوصية والطرافة أو التفرّد بحيث ينسب الإنتاج الإبداعي إلى صاحبه فردا كان أم مجتمعا أم حضارة دون تبعية وتقليد. ولا بدّ كذلك أن يكون هذا الجديد الأصيل ذا قيمة مضافة؛ أي مفيدا وناجعا في ميدانه، وقابلا للاستثمار والتوظيف.

ثمّ إنّ الإبداع الذي نتكلم عليه لا نريده أن يكون مجرّد فلتات عابرة أو انبثاقات استثنائية يقوم بها بعض الأفراد أو بعض فرق البحث، فالذي نقصده هو أن يكون الإبداع نهجا اجتماعيا شاملا وخيارا حضاريا في سياق مناخ عام يشجّع المبدعين على تفجير طاقاتهم في جوّ من الحرّية المسؤولة.

إنّ نهج الإبداع منهج في التفكير والإنجاز، وعقلية اقتحامية تُحْسن طرح الأسئلة الحاسمة. وهو كذلك خيار تربوي وعلمي يقصد به تكوين الشخصية الإبداعية على مستوى الفرد، وتأسيس وضع إبداعي على مستوى المجتمع.

أمّا نهج الاتباع فهو نهج آسر للفكر معطّل لنموّ المعرفة، ومجمّد لحركة التاريخ. وهو منهج في التلقّي قوامه التقليد والأخذ بلا دليل؛ لأنّه اعتراف صريح بالعجز واستقالة معرفية تمجدّ النماذج المتّبعة وتنبهر بالآخر سواء أكان هذا الآخر سلفا قد مضى أم خلفا معاصرا.

وليس من الضروري الاسترسال في سرد النعوت السلبية لهذا النهج، فالمهمّ أنّه مناقض لنهج الإبداع، وقد نجد بعض الواقفين -ولا أقول السائرين- على هذا الدرب يرفعون شعار التجديد؛ بل يحتكرونه؛ لكنّ تجديدهم لا إبداع فيه؛ لأنّه خال من الأصالة والقيمة؛ إذ هو محض اتباع للآخر، ودعاية إيديولوجية غريبة عن المعرفة الموضوعية. وهذا يقتضي منّا النظر في علاقة الإيديولوجيا بالإبداع والمعرفة.

الإيديولوجيا والمعرفة:

تكلّم الكثيرون على مدى حاجة الخطاب العربيّ إلى الإيديولوجيا؛ لأنّها أداة التغيير الاجتماعي، فهي ضرورة تفرض ذاتها؛ إذ ليس المهمّ -كما يرى ماركس- أن نعرف قوانين العالم معرفة موضوعيّة نكتسب بها قدرة على تفسيره؛ بل المهمّ استخدام هذه المعرفة من أجل تغييره. ويرى هؤلاء أنّ مفهوم الإيديولوجيا استحوذ على جزء كبير من المناقشات الكبرى في هذا القرن؛ لأنّها تعد أداة مهمة للدولة والأمّة في الحفاظ الذاتي على الجماعة، ومن دونها نكون تقريبا دون ضمير ودون قانون أو نظام. ودون مرساة أو ميناء، أيضا من دونها لا يمكن أن تكون لدينا رؤية للعوالم الأخرى التي نريد استشرافها، فهي التي تصوغ دوافعنا واتجاهاتنا ونظمنا السياسية، وتشكّل قيمنا(6).

ولكن رغم هذه الضرورة المدّعاة فقد لاحظ الكثيرون -مثل محمد إسماعيل عليّ الذي لخّصنا بعض كلامه في الفقرة السابقة- أنّ الإيديولوجيات العربية مثّلت "إيديولوجيات اصطناعية، لا تنبع من جوهر الواقع وهوية الشعب العربي، فهي إمّا إيديولوجيات مستوردة، وبالتالي غريبة عن حقائق الحياة العربية، وإمّا أنّها تلهمها الحكومات دون أن تنبع من روح الجماهير العربية وتعبّر عن ثقافتها ومشاكلها الفعليّة"(7). 

غير أنّ هذا الكلام النقديّ لا يعترض على الإيديولوجيا في ذاتها؛ بل يقوم على التسليم بضرورتها مع التمييز بين إيديولوجيا ناجحة وأخرى غير ناجحة، رغم أنّ النجاح ليس مقياسا كافيا للدلالة على الصدق والموضوعية، فقد ينجح الاتباعي في ترسيخ نهجه في حين يفشل المبدع في الإقناع بما أبدعه، وقد ينجح تيار إيديولوجي في الانتشار رغم زيف أفكاره التي تسوّق تحت لافتة الإبداع والتطوّر.

فالإشكال لا يكمن في التطبيقات الإيديولوجية فحسب؛ بل هو موجود في بنية الإيديولوجيا ذاتها بوصفها نهجا اتباعيا مستوردا ولو كان يلبس لبوس الجدّة والتغيير؛ وذلك لأنّه مناقض للمعرفة الموضوعية وللعلم. يقول عبد الله العروي: "يتعارض الفكر الإيديولوجي مع الفكر الموضوعي الذي يخضع للمحيط الخارجي فيتشبّع بقوانينه. إنّ عصرنا -الذي يعبد العلوم الطبيعية- يرى الفكر الإيديولوجيّ بامتعاض كبير"(8)، وليست الإيديولوجيا في نظره "الفكرة المجرّدة أو العقيدة؛ وإنّما هي الفكر غير المطابق للواقع، رغم أنّ الفرد المفكّر يظنّ عكس ذلك"(9) والمشهور عن الإيديولوجيا الماركسية أنّها تنقد الإيديولوجيا، وترى أنّها وعي زائف؛ لكنّها تتغافل عن كونها هي ذاتها إيديولوجيا وثوقيّة تدّعي العلمية وتتدخّل في توجيه المعرفة. وهناك من يرى أنّ الإيديولوجيا ليست مجرّد معرفة خاطئة؛ بل هي ليست معرفة أصلا(10)، فهي -بناء على ذلك- "ليست معرفة بظروف العيش الواقعية. إنّها تكرّر المباشر (المظاهر الخدّاعة)، وتدرك الوهم الموضوعي فتدخله داخل نسق تعتقد أنّه الحقيقة، فإذا كان العلم معرفة بالواقع، ووسيلة لتحويله فإنّ الإيديولوجيا تعمل ضدّ نشوء المعرفة"(11).

تدلّ هذه الآراء التي نقلناها -وغيرها كثير جدّا- على أنّ الإيديولوجيا نهج فكريّ سيّء السمعة في الأوساط العلمية؛ لأنّه لا يرجى منها إبداع أصيل؛ بل هي محض اتباع وثوقيّ يحتكر امتلاك الحقيقة، ويناضل أصحابه بشتّى الوسائل من أجل فرض أفكارهم على الواقع وتحويل جماهير الناس إلى تابعين لهم تخدّرهم الأوهام الإيديولوجية تحت غطاء الثورية والتجديد.

الدّين والإيديولوجيا:

من الإسقاطات الإيديولجية الشائعة في الخطاب العربي وضع الدين في خانة واحدة مع الإيديولوجيا بدعوى أنّهما نهجان وثوقيان مبنيان على اعتقادات قبلية، ويرفضان الانتقاد، وينبذان الإبداع المعرفي، ورغم وجوه الاختلاف التي بينهما فهما يشتركان في عدّة خصائص منها كونهما فكرين خلاصيين، غير أنّ الدين خلاصه أخروي غيبي، والإيديولوجيا خلاصها دنيويّ، فهما تعبيران متباينان عن قضية واحدة هي الرغبة في الخلاص(12)، وإذا كان الدين أساسه التعالي والكلام المقدّس القائم وراء حدود العقل فإنّ الإيديولوجيا تعقلن المقدّس وتقدّس العقل(13). وبناء على هذا الخلط صارت الإيديولوجيات تُنقد على أساس أنّها أديان وإن كانت أديانا محايثة، كما صارت الأديان تنقد على أساس أنّها إيديولوجيات وإن كانت غيبيّة أو ميتافيزيقية، وظهرت في التحاليل التي تسم نفسها بأنها علمية وموضوعية مقارنات ساذجة بين أصول بعض الإيديولوجيات وأصول العقائد الغيبية، فالبورجوازية مثلا هي قوى الشيطان، والبروليتاريا هي الملاك المخلّص والاستغلال هو الخطيئة الأولى، والثورة هي القيامة، والمجتمع اللاطبقي هو الجنّة، المجتمع الرأسمالي هو الجحيم، والحتمية هي القدر(14) إلى غير ذلك من المقارنات اللاعلمية بين الماركسية والدين.

والغريب أنّ كثيرا من الإيديولوجيين يتناسون عمدا أو سهوا -إذا أحسنّا بهم الظنّ- أنهم إيديولوجيون مرّتين على الأقل: إحداهما حين ينقدون الإيديولوجيا عموما بأنّها وعي زائف، ويستثنون إيديولوجياتهم التي يرونها إبداعا للواقع الموضوعي. والمرّة الأخرى حين يضعون جميع الأديان في سلّة واحدة، ويرون أنّها جميعا تعبيرات إيديولوجية، وابتكارات ثقافية تروّج عالما خياليا مزوّرا مرصودا لإخفاء تزوير العالم الواقعي(15).

وإذا جرّدنا هذا الكلام وأمثاله من الأوصاف القدحية كالزور والزّيف نحوهما فإنّ هؤلاء يشتركون في الجزم القاطع بأنّ الدين -مطلق الدين- هو إنتاج بشري وإفراز من إفرازات الحياة الاجتماعية، أو هو تعبير ثقافي كالأساطير والسحر والفنون وغيرها(16).

ومثل هذا الكلام ترد عليه كثير من الأسئلة من أهمّها في خصوص موضوعنا هو سؤال الإبداع، بمعنى أين الإبداع في وصف الدين بأنّه إنتاج بشريّ أوّلا، ثمّ في وصفه بأنّه إيديولوجيا ثانيا؟

إنّ جميع الذين أنكروا الدين ورفضوا دعوات الرسل على مرّ التاريخ كانوا يرون أنّه إنتاج بشريّ، فقديما قال قوم نوح عليه السلام: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ، وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ﴾ (المؤمنون: 33-34) فقد كانوا أصحاب ديانة وثنية من وضعهم ظنّوا أنّ نوحا عليه السلام جاءهم بدين بشري من إنتاجه، وبما أنّه لا يتميّز عنهم بشيء -بحكم أنّه بشر مثلهم- فليس هناك ما يوجب ترك ما وضعوه من دين وثنيّ واتباع ما وضعه لهم من دين توحيدي. وكذلك كان يقول عامة المنكرين لدعوات الرسل. والذين يقولون اليوم إنّ الدين إنتاج بشريّ يكرّرون ما قال الأقدمون نفسه ولكن بصياغات جديدة مغلّفة بأسماء علمية فخمة يستعملها غير أصحابها استعمالات إيديولوجية تخرجها من علميتها، مثل الاستقواء الفكري بتوظيف علم الأنتروبولوجيا، مع أنه لا يعسر على الناظر المستقلّ أن يفرّق بين أنتروبولوجيّ محايد لا يجازف بإلقاء الأحكام القيميّة العامة ويهتمّ بعلمه اهتماما معرفيا، وبين من ليس في كلامه غير التزيّن بالاسم للإيهام بأنّه باحث موضوعيّ، في حين أنّه يوظّف هذا العلم توظيفا إيديولوجيا دون أن يكون قد مارسه؛ بل إنّك تجده يتكلّم كذلك في السوسيولوجيا والإتنولوجيا والسيكولوجيا وغيرها من العلوم كلام المقلد المتبع ليقول في الدين ما لم يقله جميع العارفين بهذه العلوم، وإن قاله بعضهم انطلاقا من سياقاتهم الفكرية والاجتماعية الخاصة.

أمّا وصف الدين بأنّه إيديولوجيا فهو ليس من إبداعات الخطاب العربي؛ بل هو من ابتداعاته الاتباعية؛ لأنّه محض اتباع لمصطلح نشأ خارج سياق الفكر العربي والإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.

ثمّ بأي معنى يجوز أن نطلق مصطلحا جديدا على مظاهر الانتماء الفكري أو الدينيّ التي عرفتها القرون السابقة؟ "أو بعبارة أخرى هل يرتبط نشوء اللفظ بنشوء الظاهرة أم إنّه منفصل عنها؟"(17).

وإذا تجاوزنا هذا السؤال المفهومي المتعلق بالتسمية الاصطلاحية للظواهر القديمة فأين التفريق بين الدين السماويّ المنزّل والدين الذي هو من إنتاج البشر؟ ثمّ أين التفريق بين الدين في ذاته وأدلجة الدين؟

والواقع -كما يقول أحمد حيدر- أنّ الاستلاب الإيديولوجيّ قد انصبّ على الدين أكثر ممّا انصبّ على أيّ نشاط روحيّ آخر مثل الميتافيزيقا والفنّ... والسبب في ذلك أنّ الدين هو النزوع الأشدّ تجذّرا في النفس البشرية، والأشدّ فعالية وتحريكا للمجتمع"(18)، وقد استولى هذا الاستلاب على الدين منذ بدايات الحضارة الإنسانية بحيث صار يصعب العثور على الدين في حالته النقية الأصلية، ولابدّ مع ذلك من افتراض حالة دينية نقية متقدّمة على أدلجة الدين، ولو لم يكن الدين فطرة فطر عليها الإنسان وحاجة من حاجاته الأساسية "لما انصبّ عليه الاستلاب الإيديولوجيّ، وما كان لهذا الوهم، وهم الخلاص الدينيّ -كما يراه ماركس- أن يضلّل البشر ويستلب وعيهم طيلة التاريخ"(19).

وإذا جاز وصف الديانات الوضعية والتحريفات التي أدخلت على رسالات الأنبياء بأنّها إيديولوجيات فكيف يجوز لمن ينتسب إلى الحضارة الإسلامية أن يصف الإسلام بأنّه إيديولوجيا؟

ولقد قرأنا لكثير من أبناء جلدتنا ممّن يرفعون شعار الإبداع فوجدناهم يسقطون على الإسلام ما يرونه من خصائص الإيديولوجيا. فعلى سبيل المثال هناك من يرى أنّ الإسلام إيديولوجيا تأسيسية أو عضوية؛ لأنّه رؤية شمولية تهب الأتباع نظرة مختزلة للعالم ولوجودهم فيه، وله قدرة تعبوية ودفاعية قوامها العنف الكلاميّ إن كان كافيا، أو العنف الفعلي في آخر المطاف. وهو إنّما نشأ في البيئة العربية، وفي سياق سيرورة تاريخية هي التعبير عن الوجود الجمعيّ، أو رغبة القبائل العربية في تشكيل مجموعة قادرة على أن تحفظ هويتها بين قوتين عظميين هما الروم والفرس، ويعود الفضل إلى نبيّ الإسلام في الكشف عن تلك الرغبة وتجذيرها بإسنادها إلى أسس ما ورائية، وهكذا فالمنطق الديني في الإسلام يقوده توتّر وجودي يعبّر عن خطاب إثباتي "المجهود فيه منصبّ ليس على المعرفة الحقّة لنظام الحقيقة؛ بل على بناء نظام حقيقة"(20).

وخلاصة هذا الكلام وأمثاله أنّ الإسلام ليس وحيا ربّانيّا مطابقا للحقيقة؛ بل هو إنتاج بشريّ أفرزته ظروف تاريخية مخصوصة، وهو بالتالي إيديولوجيا اتباعية مسقطة على المعرفة؛ لأنّه "يضع الحقيقة لا كموضوع بحث واستبار، بل كسابقة على كل شكل معرفة"(21).

ومع أنّ المجال يضيق عن التوسّع في تفصيل مناقشة هذه الدعاوى الإطلاقية فمن اليسير دفعها من خلال الإطار الإشكالي الذي ضبطناه بين ثنائية الإبداع والاتباع؛ وذلك لأنّ هذا الخطاب اتباعيّ لا يضع الإسلام في موضع البحث المعرفي قصد الكشف عن حقيقته، وإنّما يدخل عليه مزوّدا بأفكار جاهزة وتصوّرات قبلية يسقطها عليه قسرا تأسيا بنماذج إيديولوجية مستوردة صار لها سلطان على عقول مستقيلة يظنّ أصحابها أنّهم مستقلون مبدعون.

ولست أدري أين يكمن الإبداع في سلخ أمّة من هويتها الحضارية، فالإبداع ليس هدما بل بناء وإضافة وابتكار في ضوء ثوابت الهوية.

الإسلام والإبداع:

إنّ الذي ألصق شبهة الاتباع غير المبدع بالإسلام هو النهج الاتباعي الذي ساد في عصور التخلف والتقليد، وانقسام المسلمين إلى طوائف متدافعة وفرق يدّعي كلّ منها احتكار الحقيقة الإسلامية، وهو ما عبّر عنه الأشعري بقوله: "اختلف الناس بعد نبيهم صلى عليه وسلّم في أشياء كثيرة ضلّل فيها بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين وأحزابا متشتّتين"(22) فليس الاختلاف في ذاته هو الذي أصّل نهج الاتباع؛ بل سوء إدارته والتكتّل المتوتر داخل ولاءات مذهبية منغلقة تقدّم الولاء للمذهب المتبع على الولاء للإسلام الذي يشمل الجميع.

إنّ الاختلاف القائم على الاعتراف بحقّ الاختلاف، وعلى أصول منهجية في النظر عامل ثراء، ومسلك اجتهادي كفيل بتأسيس نهج إبداعي يقدّم المعرفة العلمية على التحزّب، والاستدلال الكاشف على التبعية العمياء.

ولقد عرف التاريخ الإسلامي مدّا إبداعيا في مختلف المجالات قامت عليه حضارته التي تقدمت وفاقت الحضارات السائدة التي عاصرته؛ لكنّ هذا المدّ المعرفيّ في العلوم الشرعية والإنسانية والكونية تراجع بسبب غلبة نهج الاتباع والتقليد، ومازالت الآثار السلبية لهذا النهج قائمة إلى اليوم فيما نراه من طائفية بغيضة وتعصّبات جامدة، ودعوات إلى التأسّي المطلق بمن مضى، وتخويف من الاجتهاد، وتبديع لكلّ من ابتكر رأيا أو أحدث قولا يناسب ظروف العصر ولو كان قائما على منهج من المعرفة لصاحبه حظّ ظاهر من البرهنة والاستدلال.

ومكمن الخطر في هذا النهج الاتباعي الذي يبدّع التجديد أنّه يسوّق نفسه باسم الإسلام، ويشهر سلاح النصوص بفهم ظاهري يجعل اتباع السابقين إلزاما مقدّسا يخرج المجتهدين المبدعين من دائرة الالتزام الإسلامي.

وهذا النهج هو الذي جعل الخطاب الإيديولوجي العربي يتكلّم على ظاهرة أدلجة الإسلام في العصر الحديث، وهناك من قسّم هذه الأدلجة إلى صنفين: أدلجة تقليدية تشدّد على شمولية الإسلام وتستحضر الله في جميع قضايا البشر، وأدلجة ثورية تبرز قيم التحرّر، وتركز على الأبعاد الاجتماعية وقضايا العدالة خلافا للأدلجة التقليديّة التي تؤكّد قيم التقوى والولاء للأوضاع السائدة(23).

وظاهر أنّ هذا التحليل ليس نظرا علميا محايدا؛ لأنّه يقوم على خلفية إيديولوجية خائفة من الإسلام، وتجتهد في تأويله تأويلا يسحبه من الحياة العامة، ويلغي بعده الشمولي الأصيل اتباعا للنهج العلماني الذي يقوم بقسمة ضيزى تجعل الدين لله وتحصره في الضمائر والمساجد، وتجعل الوطن بل الدنيا للجميع يفكرون في قضاياها بعيدا عن الله تعالى ودينه الذي ارتضاه للناس.

وبقطع النظر عن النهج الاتباعي التقليدي الذي يخاف من الإبداع وعن النهج الاتباعي الإيديولوجي الذي يخاف من الإسلام؛ فإنّ النظر المعرفي في نصوص الوحي وفي تراث المسلمين الإبداعي يؤدي بنا إلى استنتاج نراه واضحا هو أنّ الإسلام نهج إبداعي يتأسّس على نمط مخصوص من الاتباع المبدع يرفض الاتباع الآسر المقيّد لخط الاجتهاد المعرفي.

والذي نقصده بالاتباع المبدع هو اتباع صراط الله تعالى ورسوله الكريم، أمّا الاتباع الآسر فهو تقليد البشر بغير حجّة، فالعلماء المسلمون حين عرّفوا التقليد كانوا يفهمون أنّه مأخوذ لغة من القلادة التي تجعل في العنق بحيث تلزم صاحبها حتى تكاد تخنقه، وقد أخرجوا اتباع سنة الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- من المفهوم الاصطلاحي للتقليد فهو عند بعضهم "العمل بقول الغير من غير حجّة" أو هو "قبول رأي من لا تقوم به الحجّة بلا حجّة"، وبناء على هذا التعريف لا يعدّ العمل بقول الرسول تقليدا؛ لأنّ قوله حجّة ودليل خلافا لقول غيره(24).

ومن تتبع مادة الاتباع في القرآن الكريم يجدها مستعملة في صنفين أحدهما اتباع محمود يحث عليه القرآن، والآخر مذموم ينهى عنه.

وأنواع الاتباع المنهي عنه كثيرة منها اتباع الأهواء، واتباع الظنّ بغير علم ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام: 148) ومنها اتباع الجبابرة مثل فرعون وغيره ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ (هود: 59) ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ (الرعد: 37) ومنها اتباع الآباء تقليدا لهم بغير حجّة معقولة ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 170) فكل هذه الأنواع من الاتباع هي سير في نهج معطل للعقل والمعرفة؛ لأنّها محض تقليد بغير برهان.

أمّا الاتباع المحمود فهو اتباع الله تعالى واتباع الوحي المنزّل على الرسول صلى الله عليه وسلم، والآيات الدالة على ذلك كثيرة منها ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ (طه: 123) ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: 153) ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ (الأعراف: 3)... الخ.

فهذا الاتباع ليس تقليدا وليس نهجا معطلا لحركة الإبداع؛ لأنّه اتباع لنهج المبدع العظيم الذي أبدع الخلق كلّه، فما من شيء في الكون البديع الذي يشاهده الإنسان ويستكشف بدائعه الجليلة والدقيقة إلا وهو منبثق من كلمة إبداعه التي تحدث الكائنات من العدم ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (البقرة: 117).

ثمّ إنّ هذا الاتباع ليس اتباعا بلا وعي وبحث معرفي؛ لأنّ آيات القرآن تأمر الإنسان بالنظر في سنن الكون والحياة، وهذا النظر إلى جانب وظيفته الإيمانية التي تنقل الناظر من الكون إلى الإيمان بالمكوّن يؤدي وظيفة علمية تمكّن الإنسان من استكشاف قوانين الطبيعة قصد توظيفها توظيفا إبداعيا في ابتكار كلّ ما يرتقي بوضعه في الكون، فإيمان المسلم بربّ العالمين واتباع هداه هو دافع كبير من دوافع الإبداع وليس مانعا في طريقه.

أمّا اتباع الوحي والنصّ فهو اتباع لكلمات الله التي لا تنفد معانيها، وتتسع دلالاتها لتكون مصدرا يمدّ الإنسان بما يساعده على صناعة تاريخ تطوري لا نكوص فيه ولا جمود. لكنّ ذلك مشروط بأنّ تكون قراءة القرآن قراءة إبداعية قائمة على التدبّر كما قال تعالى ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ (ص: 29) فهو لم ينزل ليستنفد أغراضه في عصر دون عصر؛ بل ليفهمه أبناء كلّ عصر في إطار ظروفهم التاريخيّة وفي حدود سقف معارفهم العلمية، ولا ينبغي للذين يلونهم أن يقفوا عند حدود القراءات الماضية؛ بل هم مطالبون بإعادة القراءة قصد استكشاف دلالات جديدة ورؤى إبداعية مناسبة لواقعهم الجديد، ومرتفعة إلى مستوى السقف المعرفي المتسع بتراكم الكشوفات العلمية والابتكارات المتلاحقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون، دار قهرمان، إستانبول، 1984، 1/134. 

2) التعريفات: دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد-العراق، 1406هـ/ 1986 م، ص13.

3) المختار ولد سعد: الإبداع في الثقافة العربية بين العوائق الذاتية وتحدّيات العولمة، المجلة العربية للثقافة العدد 43، سبتمبر 2002، ص70. 

4) الإبداع في الفلسفة العربية المعاصرة: الوحدة السنة الخامسة، العدد 6، سبتمبر 1989، ص50. 

5) الإبداع العام والخاص: سلسلة عالم المعرفة، العدد 144، الكويت، 1410هـ/ 1989 م، ص19. 

6) محمد أحمد إسماعيل علي: الإيديولوجيا العربية والتنمية المجتمعية، الوحدة، السنة 7، العدد 75، ديسمبر 1990، ص87.

7) م. ن: ص96.

8) مفهوم الإيديولوجيا: المركز الثقافي العربي، بيروت-لبنان، الدار البيضاء-المغرب، ط4: 1988، ص10.

9) الإيديولوجيا العربية المعاصرة: دار الحقيقة، بيروت-لبنان، ط4: 1981، ص12.

10) عبد السلام بنعبد العالي: الميتافيزيقا العلم والإيديولوجيا، دار الطليعة، بيروت-لبنان، ط2: 1993، ص93.

11) م. ن: ص94.

12) محمد مزوز: الوظيفة الرمزية للإيديولوجيا، الوحدة، السنة 7، العدد 75، ديسمبر 1990، ص7. 

13) محمد سبيلا: الإيديولوجيا نحو نظرة تكاملية، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء ط1: 1992، ص194-195. 

14) م. ن: ص183

15) أحمد حيدر: من الإيديولوجيا إلى الفلسفة والدين، دار الحوار، اللاذقية-سوريا، ط1: 2002، ص106. 

16) بنسالم حميش: التشكّلات الإيديولوجية في الإسلام، دار المنتخب العربي، بيروت-لبنان، ط1: 1413هـ/ 1993 م، ص214.

17) محمد سبيلا: الإيديولوجيا والحداثة، الوحدة، السنة 7، العدد 75، ديسمبر 1990، ص27. 

18) من الإيديولوجيا إلى الفلسفة والدين: ص108.

19) م. ن: ص109.

20) بنسالم حميش: التشكلات الإيديولوجية في الإسلام، ص221-222.

21) م. ن: ص222.

22) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين: النشرات الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمانية، تصحيح هلموت ريتر، فيستبادن-ألمانيا: 1400هـ/ 1980 م، ص1-2. 

23) محمد سبيلا: الإيديولوجيا نظرة تكاملية، ص195-196. 

24) الشوكاني: إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ من علم الأصول، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت-لبنان، ط8: 1428هـ/ 2007 م، ص442-443.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/2/34

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك