اللغة والحضارة

سلطان الحويطي

 

لقد ابتليت الأمة الإسلامية بفئة من أبنائها فقدوا هويتهم وباتوا يركضون خلف ما يسمى الحضارة الغربية منبهرين متقزمين. يحذون حذوهم ويتعلمون لغتهم بل الأدهى والأمر أنهم قاموا بمحاربة الحضارة الإسلامية وعندما تسأل أحدهم عن الحضارة الإسلامية تجده لم يقرأ عنها شيئا، فقط هو يرى الحضارة في تقزيم ذاته وتعلم لغة غير لغته وكأن تعلم اللغة الإنجليزية هو من يفتح المصانع وينهض بالأمة، ولم يكتب التاريخ أن أمة نهضت على لغة غير لغتها، حتى أوروبا كانت تدرس الكتب الإسلامية في جامعاتها لا سيما كتاب القانون لابن سينا باللغة العربية وقد انتبهت لهذه النقطة وعدلت عن منهجها.

أيضا تجد هؤلاء المستغربين تملؤهم الجهالة والفراغ، ويفترضون معطيات تاريخية حسب تقزيمهم لذاتهم فمثلا يعتقدون أن اليابان نهضت بارتمائها في أحضان الغرب وهذا خطأ فادح يروج له المستغربون، فنهوض اليابان تم بالاتجاه الرأسي أي بتنمية الإنسان حسب معتقداته وتاريخه وحضارته، وتم بالتربية ومنهجية التعليم بحيث كان للمعلم وزنه في المجتمع ولا يتم تعيينه إلا بعد اختبارات شاقه جداً، ولا ننكر أن اليابان ابتعثت أبناءها ولكن بشكل مقنن، ولا ننكر استفادتها من الخبرات الأوروبية فيما يتوافق مع نهجها وتراثها، وإلا لماذا تقوم أمريكا بإرسال بعثة لتقف على نهضة اليابان وتستفيد منها لو أنها كانت مستوردة؟ أما اللغة فقد حسم أمرها مبكرا فكانت اليابانية بلا تردد، ولقد كانت لديهم الرغبة في التقدم وليس في التقليد.

نحن نريد حضارة تتفوق على الحضارة الغربية، حضارة ترتكز على القيم الإسلامية، ولا نريد أن نسير في كنف الحضارة الغربية، ولا نريد أن نصبح نسخة كربونية منهم، وقد فكر الخديوي إسماعيل بذلك فأراد أن يجعل مصر قطعة من أوروبا ولم يحصل إلا على المظاهر.

إن اللغة هي وعاء الحضارة بلا شك، لذا حافظت اليابان وكوريا والصين على لغاتهم الأم رغم تعقيدها ولكنهم يدركون أن العالم لن يسمع لمن يتحدث بلغة غير لغته، فكان الاهتمام بمدرس اللغة الأم وإعطائه المحفزات والمميزات.

وعلى النقيض حدث في مصر عندما افتتح دنلوب مدارسه، كان تهميش مدرس اللغة العربية واضحا، بل إنه في بعض الأحيان يتقاضى أجرا أقل من أجر حارس المدرسة لماذا؟ إنها باختصار حرب حضارات.

يقول أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى 1967:

«يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية».

لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي.

ولكن للأسف بات من يقود هذه الحرب من أبناء جلدتنا يستخفون بالحضارة الإسلامية ويتحينون الفرص للنيل منها ويبجلون كل ما هو غربي، وفي نظرهم أن الابتعاد عن اللغة العربية هو التقدم بعينه، ونسوا أو تناسوا أنها لغة القرآن وشعار الإسلام، بل نسوا كلام عمر رضي الله عنه: إياكم والرطانة.

انصرفوا عن تعليم أبنائهم القرآن بتعليمهم الإنجليزية! أي خدمة يقدمها هؤلاء لأعداء الأمة!؟

لقد أصبحت حضارتنا في المأكل والمسكن وأدوات التكنولوجيا والمواصلات ولكن بلا فكر أو هوية، أما التعليم فحدث ولا حرج، فقد عزز الجهل في الإنسان العربي لأن المعلم في الأصل لا يحمل أي مقومات تساعد في صناعة جيل واع ومثقف، وما يزيد الفؤاد حرقة هو توجه أولياء الأمور إلى تعليم أبنائهم الإنجليزية، ويرون أنهم بذلك يفتحون أمامهم أبواب المستقبل المزهر، ولكن هذا المتحمس لمستقبل طفله هل علمه القرآن؟ هل زرع فيه الاعتزاز بالذات والطموح؟

إن مجتمعنا يعج بالتناقضات! فتجد الرجل يتشنج بمجرد ذكر قيادة المرأة، وتجده في الغد يراجع في إحدى السفارات لابتعاث ابنته، ألا يعلم أن مفرزات الابتعاث تتجاوز احتياج المرأة حد القيادة؟ ولكم في هدى شعراوي أسوأ مثال! ذهب والدها ليستقبلها بعد أن عادت بالشهادة من فرنسا، فوجدها متبرجة فأشاح بوجهه، إلا أنها توجهت لميدان التحرير ووقفت أمام ثكنة عسكرية للجيش البريطاني، وأمرت رفيقاتها بخلع حجابهن وأحرقن الحجاب هناك، وكأن الحجاب هو من أتى بالاستعمار وأن خلعه سيجبر البريطانيين على المغادرة.

نحن أمام محك حقيقي فإذا تنازلنا عن هويتنا سنبقى أسفل السافلين إلى الأبد.

المصدر: http://www.alhwiti.com/news/details/43/2015-02-16

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك