تعزيز الحوار بين الثقافات

شارك وفد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت في «الملتقى الأول للمفكرين العرب»، الذي استضافه مركز الإمارات للدراسات والبحوث خلال المدة 17-18 يناير الماضي في أبوظبي، بمشاركة نخبة من المفكرين ورجال الدين، وشخصيات علمية وأكاديمية عربية وعالمية، وعلى رأسهم مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث د. جمال السويدي ووزير الأوقاف المصري د. محمد مختار جمعة، ورئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الإمارات د. محمد مطر الكعبي، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، والأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية د. أحمد عبادي، وسكرتير المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان الأب ميغيل أنخيل أيوسو غيسكو، وعلي بن السيد عبدالرحمن آل هاشم مستشار الشؤون القضائية والدينية، ووزارة شؤون الرئاسة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

تناول الملتقى قضايا الإرهاب والتطرف، وسبل التصدي لها على الصعد العربية والإسلامية والعالمية كافة، ودور الثقافة الصحيحة في ذلك، مع استشراف أبرز التحديات التي تواجه الأمتين العربية والإسلامية والعالم في هذا المجال، ووضع الحلول العلمية للتعامل معها.

 

وقد ضمت أجندة الملتقى خمس جلسات، وقامت أعماله، في مجملها، على النقاش المفتوح والعصف الذهني بين المفكرين ورجال الدين والمشاركين، الأمر الذي ساعد على طرح الكثير من الأفكار والقضايا والحلول بشأن تحديات الإرهاب والتطرف.

 

وخرجت أعمال الملتقى بحزمة كبيرة من التوصيات المهمة وعلى رأسها:

 

- ضرورة بلورة مناهج وبرامج مشتركة لبناء القدرات، وتأهيل القائمين على الشأن الديني في مختلف دول العالم، والعناية بالطفولة والنشء والشباب، والاستثمار في هذه الفئات المهمة.

 

- التأكيد على أهمية تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة، والعمل على ردم الفجوة بين المثقفين وعلماء الدين.

 

- اقتراح تشكيل لجنة ثلاثية أو خماسية لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات، برئاسة مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وإنزالها على أرض الواقع على النحو الذي يتناسب وطبيعة المركز.

 

وقال الوكيل المساعد للشؤون الخارجية في وزارة الأوقاف الكويتية خليف الأذينة، إن عصرنا يختلف اختلافا جذريا عما سبقه من حقب تاريخية، فالواقع المعاصر فاق كل التوقعات، وهذه المستجدات تحمل معها تحديات كثيرة لعالمنا العربي والإسلامي.

 

وأوضح الأذينة أن التحديات الداخلية تتمثل في ظاهرة التخلف الشاملة لشتى النواحي العلمية والفكرية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى الفهم الخاطئ للإسلام، ووجود اتجاهات تفسر الإسلام على هواها، وتريد أن تشده ناحية اليمين أو ناحية اليسار بتفسيرات خاطئة.

 

وأكد أن التحديات الخارجية تتجلى في الخوف من الإسلام في الغرب، حيث اختلطت الأوراق وتاهت الحقائق وسط التدفق الإعلامي الغربي في هذا التيار الجارف.

 

إلى جانب صدام الحضارات وأن هذا الصدام أمر حتمي، وكذلك العولمة، فلم يعد يخفى على أحد أن هناك تيارا جارفا تقوده بعض القوى في العالم يتمثل في الترويج للقيم والمعايير التي تعتمدها الحضارة الغربية القائمة، ولاشك أن هذه الظاهرة فيها ما يتلاءم مع الداخل العربي والإسلامي، ثقافة وتعايشا، وفيها ما يتنافى معه بالكلية، مما يتسبب بتكوين تحد واضح من التحديات الخارجية المعاصرة.

 

وبين الأذينة أن مواقع التواصل الاجتماعي عندما يساء استخدامها؛ فإنها تشكل أحد التحديات الكبيرة التي تنمي الإرهاب في الداخل والخارج، تاركة أثرا سلبيا على فكر الناشئة خصوصا، والأمة عموما.

 

من جهته، قال مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية د. جمال السويدي، إن الفكر المتطرف يؤدي إلى هدم الدول وسيادة النزاعات الطائفية وزعزعة الاستقرار في المجتمعات، وهناك واجب عربي وإسلامي ودولي لمواجهة هذا الفكر الضال، ووأد النزعات الطائفية، التي نتج عنها نزوح آلاف الأشخاص وتشريدهم من أوطانهم وديارهم، وتسببت في مشكلات الهجرة غير الشرعية، وما يرتبط بها من مشكلات ممتدة.

 

وذكر السويدي أن من أهم ما نحتاج إليه في وقتنا الراهن إقناع العقل، والرقي بالمشاعر، وتنمية المواهب الإبداعية، وإشاعة روح التسامح، واحترام التعددية الفكرية، واحترام الآخر، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، خصوصا بين الشباب وصغار السن، مع تفعيل الدور الذي يقوم به العلماء في مواجهة الفكر المتطرف، والأفكار المنحرفة.

 

وأكد أنه على يقين بأن توصيات أعمال هذا الملتقى ستتحول إلى واقع ملموس يتمثل في سياسات وقرارات فعالة تحقق آمال شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، وشعوب الأمة العربية.

 

في السياق نفسه، أكد وزير الأوقاف المصري د. محمد مختار جمعة، ضرورة ضبط المصطلحات، وضرب مثالا على ذلك بالجهاد، فمن له الحق في أخذ قرار الجهاد؟ ومن له الحق في تكفير الآخرين؟ ومن صاحب الحق في إصدار حكم كافر على الناس؟ مشيرا إلى أن هناك أكاديمية متخصصة لتدريب الدعاة والأئمة بأكثر من لغة، وهناك مجموعة من المواقع التي تخدم الدعوة الإسلامية بأكثر من لغة، تابعة لوزارة الأوقاف المصرية.

 

بدوره، شدد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، على أهمية الرجوع إلى النهج المستنير الذي أسسه الأزهر الشريف؛ بصفته مدخلا مهما لمواجهة التطرف والإرهاب، لافتا النظر إلى أن منطقة الشرق الأوسط تتسم بالثراء والتنوع الثقافي والديني والعرقي، وليس من المقبول أن يتم الحكم على الدين الإسلامي من خلال الجماعات المتطرفة التي تقدم صورة مشوهة عن سماحة هذا الدين. وشدد على أهمية التوصل إلى توصيات عملية قابلة للتنفيذ من أجل التصدي للفكر المتطرف.

 

وتطرق إلى جذور ظاهرة التطرف في الإسلام، التي تحولت إلى عنف باسم الدين، مشيرا إلى أن هناك تحولات فكرية كبيرة حول مفاهيم عدة في الإسلام، منها: الشرعية والشريعة والجهاد والدولة.

 

فيما أشار رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الإمارات د. محمد مطر الكعبي، إلى ضرورة العمل على تحصين مجتمعاتنا العربية من مخاطر الفكر المتطرف، وذلك من خلال الوصول إلى أفكار جادة لتفويت الفرصة على قوى التطرف والإرهاب التي تحاول التأثير في المواطن العربي.

 

ولفت الكعبي النظر إلى مسألة مهمة، هي ضرورة تقصي الأسباب التي أدت إلى ظهور الجماعات المتطرفة في العالم العربي، وتشخيص العلاج لمواجهتها، وضرورة الاستعانة بالمفكرين والمثقفين العرب في هذا الشأن.

 

من جانبه، أشار الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب د. أحمد العبادي، إلى أن الدول الإسلامية مجتمعة لديها من القدرات والإمكانات ما يتيح لها مواجهة التطرف، والتصدي للتنظيمات التي تشوه الدين الإسلامي، لافتا النظر إلى أنه في سياق الحرب مع هذه التنظيمات من المهم والضروري تفكيك الفكر المتطرف لها وتعريته، خصوصا أمام الشباب الذي قد يعجب بأفكارها.

 

واقترح العبادي أن يطلق هذا الملتقى مشاريع لخدمة العالم الإسلامي، مع ضرورة الاتفاق على مجموعة من المضامين التي تفيد فئات المجتمع كافة، وتسهم في الوقت نفسه في تصحيح صورة الدين الإسلامي.

 

من جانب آخر، شدد علي بن السيد عبدالرحمن آل هاشم، مستشار الشؤون القضائية والدينية، وزارة شؤون الرئاسة في دولة الإمارات، على أهمية التعليم في تنشئة الشباب وتحصينهم في مواجهة الفكر المتطرف، كما دعا إلى ضرورة دعم الأزهر في هذه المرحلة.

 

وسلط المستشار آل هاشم الضوء على نقطة أخرى مهمة، وهي قضية استيراد القوانين من الخارج وتطبيقها في الدول العربية والإسلامية، على الرغم من أنها لا تناسب خصوصيتها الثقافية والحضارية والدينية.

 

أما د. عبدالحميد الأنصاري، فاقترح تضمين الأوراق التي قدمت في هذا الملتقى في كتاب؛ حتى تعم الاستفادة منها، والعمل على عودة الثقة بالعلماء، والبعد عن النقد المشوه، وضرورة إصلاح الفكر الديني، والعمل على تقوية المؤسسات الدينية وتفعيل دورها، ولابد من العمل على ضبط المفاهيم والمصطلحات، ووضع المسمى الصحيح في مكانه المناسب.

 

ودعا الوزير المصري د. مختار إلى ضرورة التواصل بين المثقفين وعلماء الدين، وكذلك دعا إلى عدم الانكفاء على الذات والانفتاح على المنتديات العالمية لإيصال رسالة الإسلام السمحة إلى المغرب.

 

من جانبه شدد رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي حمدان المزروعي، على ضرورة إعلاء قيمة الإنسانية، مشيرا إلى دور العمل الخيري في التصدي للتطرف، وإبراز الصورة الإيجابية عن الإسلام والمسلمين.

 

ودعا المزروعي لتطوير برامج المناصحة لتأهيل المضللين، والتنسيق بين المؤسسات المعنية بالشأن الديني (الدولية والمحلية، حكومية وغير حكومية)، ومراكز البحوث والدراسات في المنطقة، ضمانا لجودة وفاعلية أكبر، عبر تكامل الجهود وتعاضدها.

 

أما الأب ميغيل أيوسو غيسكو، سكرتير المجلس البابوي للحوار بين الأديان في دولة الفاتيكان، فقد أشار إلى أنه بغض النظر عن الاختلافات في الثقافات فالإنسان واحد، إما في طريق الخير وإما في طريق الشر. وللأسف، فإن بعض الشباب يميلون إلى ارتكاب الأعمال التي تندرج ضمن الشر.

 

ولفت الأب ميغيل أنخيل النظر إلى أن هناك نقاط التقاء كثيرة بين الإسلام والمسيحية، ولابد من الاتفاق على أننا -بني البشر- مؤمنون مواطنون نعيش في عالم واحد لخدمة الإنسانية.

 

وفي ختام الملتقى أشاد السويدي بالحضور من رجال دين وعلماء ومفكرين وأكاديميين، الذين قدموا عصارة أفكارهم خلال أعمال الملتقى، والذين ألقوا الضوء على الواقع الحالي الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية، وكل المجتمعات في العالم، في ظل تنامي مظاهر الإرهاب والتطرف، التي باتت بمنزلة الآفة التي تهدد استقرار العالم كله.

 

وأوضح أن التوصيات البناءة والرؤى الهادفة؛ من شأنها أن تساعد على مواجهة التحديات المحتملة جراء تنامي تلك المظاهر الضارة، وفي رسم خريطة طريق تساعد الدول والمجتمعات على تخطي هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها الآن، والانتقال بشعوبها إلى مستقبل آمن، يقوم على التسامح والانفتاح، وصون المكتسبات، والبناء عليها.

 

وقد أشاد وفد «الأوقاف» المشارك، ممثلا في الوكيل المساعد للتنسيق الفني والعلاقات الخارجية والحج خليف الأذينة، والمراقب المالي والإداري في مجلة «الوعي الإسلامي» د. صالح النهام، ورئيس قسم في مجلة «الوعي الإسلامي» د. سلطان المطيري، بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعبا، مقدرين ما بذله مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ومديره العام د. جمال السويدي، من جهود واضحة في التنظيم والترتيب للملتقى الذي جمع نخبة متميزة من المفكرين العرب.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك