الإسلام والعلوم: الطريق إلى التجدد

  • مهى قمر الدين
  • مجلة‭ ‬الإكونومست:

    هل هناك صحوة علمية إسلامية حقاً؟ هذا هو الموضوع الذي طرحته مجلّة الإكونومست في مقال يتطرّق إلى تطوّرات علمية واعدة يشهدها العالم الإسلامي.
    بين‭ ‬القرنين‭ ‬الثامن‭ ‬والثالث‭ ‬عشر‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬ترزح‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الانحطاط‭ ‬والتخلّف،‭ ‬وكانت‭ ‬العلوم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬الإسلامية‭ ‬تزدهر‭ ‬وتتطوّر. ‬فقد‭ ‬أغدق‭ ‬الخلفاء‭ ‬الأمويون‭ ‬والعباسيّون‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬العلوم. ‬ووضع‭ ‬المسلمون‭ ‬أسس‭ ‬العلوم‭ ‬الحديثة‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر. ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬كتاب‭ ‬الطبّ‭ ‬الّذي‭ ‬وضعه‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬بعنوان ‬‮«‬القانون‭ ‬في‭ ‬الطّب»‬‭ ‬يعدّ‭ ‬المرجع‭ ‬الطبّي‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مئات‭ ‬السنين. ‬وفي‭ ‬القرن‭ ‬التاسع،‭ ‬وضع‭ ‬محمد‭ ‬الخوارزمي‭ ‬مبادئ‭ ‬الجبر‭ ‬في‭ ‬كتابه ‬‮«‬كتاب‭ ‬الجبر‮»‬. ‬وعدّل‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬الهيثم‭ ‬دراسة‭ ‬الضوء‭ ‬والبصريات‭ ‬تعديلاً‭ ‬كبيراً. ‬كذلك‭ ‬نجح‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬محيط‭ ‬دائرة‭ ‬الأرض،‭ ‬وسمح‭ ‬النظام‭ ‬الرقمي‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬الرقم‭ ‬صفر‭ ‬بالقيام‭ ‬بحسابات‭ ‬متقدّمة‭ ‬جداً. ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المفكرين‭ ‬المسلمين‭ ‬قدّموا‭ ‬إسهاماً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬إرث‭ ‬اليونان‭ ‬القديمة‭ ‬الفكري‭ ‬فساعدوا‭ ‬بعد‭ ‬عدّة‭ ‬قرون‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬الثورة‭ ‬العلميّة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.‬

    وبعد‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬مجرّد‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬الأطلال،‭ ‬والافتخار‭ ‬بمنجزات‭ ‬الماضي‭ ‬وإقامة‭ ‬المعارض‭ ‬والاحتفالات‭ ‬التي‭ ‬تستذكر‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭ ‬للعلوم‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بدأ‭ ‬بعض‭ ‬الحكام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬يدركون‭ ‬القيمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬وراحوا‭ ‬يتصرّفون‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس. ‬فقد‭ ‬افتتحت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬جامعة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬للعلوم‭ ‬والتقنية‭ ‬في‭ ‬عام ‭ ‬2009م،‭ ‬وأنشأت‭ ‬لها‭ ‬وقفاً‭ ‬بقيمة‭ ‬20‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬لتضاهي‭ ‬الأوقاف‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬لأهم‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬العالم. ‬ثم‭ ‬راحت‭ ‬تستقطب‭ ‬أهم‭ ‬العلماء‭ ‬الأجانب‭ ‬ومن‭ ‬أبرزهم‭ ‬جون‭ ‬فريشيه،‭ ‬المرشح‭ ‬لجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الكيمياء،‭ ‬وقد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬البحثي‭ ‬مع‭ ‬الجامعات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬أوكسفورد‭ ‬وكمبريدج‭. ‬وبدأ‭ ‬حكام‭ ‬قطر‭ ‬المجاورة‭ ‬بزيادة‭ ‬الموازنة‭ ‬المخصّصة‭ ‬للأبحاث‭ ‬من‭ ‬0‭,‬8‭ ‬إلى‭ %‬2,8‭ ‬من‭ ‬الدخل‭ ‬القومي،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬القيمة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬حسب‭ ‬معدّل‭ ‬النمو،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الإنفاق‭ ‬المخصّص‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬ازداد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنوياً‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2005‭ ‬و2010م‭.‬

    أعطى‭ ‬هذا‭ ‬الضخ‭ ‬المادي‭ ‬نتائج‭ ‬رائعة. ‬إذ‭ ‬ازدادت‭ ‬الدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2000‭ ‬و2009م‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬إلى‭ ‬22‭,‬000‭ ‬وفي‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬1‭,‬300‭ ‬إلى‭ ‬15‭,‬000‭ ‬دراسة. ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬لم‭ ‬يرتفع‭ ‬عددها‭ ‬فقط،‭ ‬وإنّما‭ ‬تحسنت‭ ‬نوعيتها،‭ ‬إذ‭ ‬أخذت‭ ‬المجلات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬تستشهد‭ ‬ببعضها،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الدراسات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬إيران‭ ‬ومصر‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالحساب‭ ‬والكيمياء‭ ‬والدراسات‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالهندسة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬تركيا‭.‬

    وهناك‭ ‬اعتراف‭ ‬عالمي‭ ‬بهذه‭ ‬الصحوة‭ ‬العلمية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الجديدة. ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬2010‭ ‬نشرت‭ ‬الجمعية‭ ‬الملكية،‭ ‬وهي‭ ‬الجمعية‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التي‭ ‬تعنى‭ ‬بتطور‭ ‬العلوم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬تقريراً‭ ‬يفيد‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬علمي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي. ‬وقد‭ ‬خلص‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أن ‬‮«‬هناك‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬والوقائع‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬عصر‭ ‬تنوير‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي. ‬وإنما‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات. ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬سينمو‭ ‬ويزدهر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬استثمارات‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الأشخاص‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬المادية‭ ‬والفكرية. ‬كذلك‭ ‬يجب‭ ‬تدعيم‭ ‬ذلك‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‮»‬. ‬لذلك‭ ‬نقول‭ ‬إنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المؤشرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬طويلاً‭ ‬لكي‭ ‬يسهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية. ‬لأن‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬تخطي‭ ‬عقبات‭ ‬كبيرة‭ ‬مثل‭ ‬تدني‭ ‬الأجور‭ ‬وضعف‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬وندرة‭ ‬المنح‭ ‬البحثية،‭ ‬وعليها‭ ‬كذلك‭ ‬محاربة‭ ‬هجرة‭ ‬الأدمغة. ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والأطباء‭ ‬والمهندسين‭ ‬الموهوبين‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬أن‭ ‬يستثمروا‭ ‬مواهبهم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هنالك‭ ‬مسألة‭ ‬أساسية‭ ‬أخرى‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬انفتاح‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬والنقاش‭ ‬الجاد‭ ‬لكي‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬حاضنة‭ ‬للمخترعات‭ ‬والمبتكرات‭ ‬الجديدة.

  • المصدر: http://qafilah.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%...

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك