ثقافة التفاوض في الأعمال بين الصين والغرب

مع تزايد الانفتاح الاقتصادي في الصين على العالم، عرضت تريزيا تاوبر في مقالة لها في نشرة البنك الدولي لثقافة التفاوض في مجال الأعمال، واختلافاتها الكبيرة في الصين عن ما هي عليه في الغرب.
الموضوع الذي ترجمه للقافلة عبدالحفيظ جباري، موجه أساساً إلى رجال الأعمال. ولكنه يكتسب بعداً ثقافياً عاماً من خلال إظهار عمق الأثر الذي يتركه الاختلاف الثقافي في التفاوض في مجال العمل والاقتصاد.

يقوم أسلوب التفاوض على افتراضات وسلوكيات مستمدة من ثقافة المفاوض نفسه. وبما أن الثقافة الغربية تختلف جذرياً عن ثقافات الشرق الأقصى، فقد أدت كل واحدة منهما إلى ثقافة تفاوض مختلفة جداً عن الأخرى.

أصل الاختلاف
بتطور ثقافات الغرب نشأت وتطورت معايير أُسست على قوانين وقواعد وتنظيمات غايتها أن تنفَّذ على الفرد. ولهذا يرغب الغربيون في أن تكون العدالة عمياء ونزيهة وغير متحيّزة. أما في الجانب الآخر، أي في ثقافات الشرق الأقصى، فقد نشأت معايير استندت إلى كل ما هو في نظر أبنائها ضروريٌّ للإبقاء على حُسن العلاقات داخل مجموعاتهم المكونة لمجتمعاتهم (القرية فيما سبق وحاضراً وحدة الأعمال). ففي نظمهم يجب ألاَّ تكون العدالة عمياء بل مفتوحة العينين، يصحبها فهْمٌ واضح لما يكون في المتناول من أوضاعٍ لجميع تبعاتها وللفاعلين فيها، وينسحب ذلك على العلاقات القائمة بين هؤلاء الفاعلين وأيضاً العواقب المترتبة عن النزاعات بالنسبة للمجموعة بمجملها. ويتضح أن الفرق الأساسي القائم ما بين القواعد و العلاقات يقود إلى ثلاثة اختلافات: أسلوب تفكير المجموعة مقابل أسلوب تفكير الفرد، التركيز على الأفراد مقابل التركيز على المهمات، والتطوير مقابل التراتبات السطحية. إن هذه الفروق لا تزال في الوقت الحاضر تقود إلى نشوء وتشكُّل افتراضات وسلوكيات مختلفة في عالم الأعمال. الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف بين الجانبين فيما يخص طرق ضمان وتأمين وطمأنة كل جانب للآخر إلى حسن نواياه وبشعوره الودّي، مردّه تباين الأدوار المنوطة بالقواعد وبالعلاقات في إطار ثقافة كل جانب.

المجموعة مقابل الفرد
عند التقاء وفدين صيني وغربي يتبيّن لهما أن ثمة اختلافاً بيّناً في تركيبة كل طرف. فالغربيون هم أكثر استعداداً للتعبير عن آرائهم الفردية. في حين أن الصينيين لا ينزعون إلى معارضة المجموعة المنتمين إليها على نحو صريح وغير متحفظ. وتجدر الإشارة إلى أن الثقافتين لديهما مشكلات في التعامل مع العمل الجماعي بفاعلية. فالغربيون يرون أن الأفراد يمكنهم أن يتصرفوا مثل الذئاب المنعزلة ، أي أن يتعاملوا مع الأمور بحسب ما تفرضه الأوضاع التي يتواجدون فيها. أما بالنسبة للصينيين فإن التفكير في ظل المجموعة ينطبق على تلك المجموعات المعينة لمدة طويلة، ولا ينطبق ذلك على أي وفدٍ جُمع أعضاؤه حديثاً ولأسباب تقنية محضة لا غير.

التركيز على الأشخاص مقابل التركيز على المهام
وبدرجات متباينة ومتفاوتة، ينزع الغربيون إلى التركيز على المهام أكثر من تركيزهم على الأشخاص. ويبلغ الأمر أقصى مداه لدى الألمان والسويسريين. فهم يرون أن البراهين والحجج المستخدمة للاتفاق بشأن معاملة أو صفقة ما يجب أن تستند إلى حقائق معقولة. ويعتقدون أن أكثر ما يفضله الزبون، حين تعامله مع وكيل مبيعات أو خدمات، هو أن يتسّم هذا الأخير بالخبرة والفورية.

أما الأشخاص الذين يركِّزون على الأفراد فيلجأون إلى قلة الحديث بوصفه أساساً مهماً في الأعمال. فعلاقات المرء ومعارفه الشخصية المتبادلة، وبشاشة الوجه، وكذا الثقة المتبادلة هي أكثر الأمور التي يُعولون عليها بدلاً من التعويل على التكلّم والتحدث وطرائقه. فهم يبحثون عن وكلاء أعمال بمقدورهم أن يُنشئوا وإياهم علاقة جديرة بالثقة والائتمان. وينطلقون من فرضية أن الغربيين جميعاً أُناس مقتدرون في الجانب التقني للاستفادة من خدماتهم. وأن الأهم في نظرهم معرفة مدى استعداد أي شخص يرغب في القيام بتلك الخدمة لصالحهم وكيفية ذلك.

وحين البدء في التفاوض يظهر الفارق القائم بين الشركاء الذين يركزّون على المهام والشركاء الذين يركزّون على الأشخاص من خلال أسلوب تعاملهم مع مفهوم الوجه .

التطوير مقابل التراتبات السطحية
نظرياً، يعتقد المفاوضون من كل ثقافة ذات الخلفية المختلفة أن مقاربة المفاوض الآخر ستجعل اتخاذ القرار أكثر استطالة وبذلك تكون النتائج أقل وثوقاً. وما يسبب الإحباط لدى الغربي أنه بعد كل جولة من المفاوضات عليه أن يسعى إلى إقناع المستوى الأعلى الموالي في الجانب الصيني.

ويُحبَط الصينيون أيضاً لأن العديد من نظرائهم في الجانب الغربي يجب أن يُوافقوا، فيتبدّى وكأن هذه المفاوضات ستستغرق وقتاً طويلاً. عكس ما يستغرقه صدور قرار يتخذه رئيس أو مدير قوي. والحقيقة أن نظامي كلا الثقافتين يضمّان أطواراً سمتها السرعة حيناً والبطء حيناً آخر هي التي تشكّل في مجملها سيرورة اتخاذ القرار.

أخيراً بعض التلميحات للطرفين
أولاً: الصينيون
إن التحجج بمقولة إن هذا الأمر يؤدي (أو لا يؤدي) وفق هذه الطريقة في الصين يتعيّن استخدامها فقط في حال استنادها إلى الواقع. إن الغربيين، وباهتمام زائد، يكونون قد استنفدوا جهدهم في تحضير سفرتهم إلى الصين وعَنوا بها كل العناية وباستطاعتهم أن يُخبروكم متى استخدمتم هذا التحجّج لأسباب تكتيكية لا غير.
ثانياً: الغربيون
إن التحجج بمقولة إن هذا الأمر ممارسة مقبولة ومعمول بها دولياً لا بدّ أن تستخدموها في حال كونها حقيقة وواقع. فالصينيون بدورهم، وباهتمام زائد، مطلّعون على الإجراءات الدولية في عالم الأعمال وواعون بالأمر إلى أقصى مداه وبالتالي بمقدورهم أن يُدركوا حقيقة مخادعتكم في حينها.

وبالنسبة للجانبين فإن حسن التعامل المتبادل يلقى قبولاً طيّباً بين الطرفين، سواء فيما يخصّ صياغة العقد أو حين مباشرة تنفيذه. وفي منعطف القرن الماضي، تم إكراه الصينيين على معاهدات غير متكافئة من طرف إمبرياليين غربيين. ومنذ ذلك الحين حصل تغيّر، وأضحت البنود المتبادلة مهمة لدى المفاوضين الصينيين ويتعيّن إدراجها كلما تيسّر ذلك. وعند حلول آجال تنفيذ بنود عقد ما، فإن الغربيين سيُقصرون اهتمامهم أصلاً على الالتزام بوعودهم التي قطعوها على أنفسهم إذا ما جرّبوا وخبروا بأن شركاءهم الصينيين يفعلون الشيء نفسه.

ونخلص إلى القول أنه ما دام أن الغرض من ثقافتي الشرق الأقصى والغرب هو الوفاء أساساً بمتطلبات وحاجيات وضرورات شعوبهما فإن المشكلات تنشأ دوماً حين التقاء الطرفين.

وليس هناك قواعد عامة تُمكّن من معرفة ما يفضله كل طرف. فالأمر الأساسي هو أن كل لقاء يُعقد بين الطرفين سينشئ ثقافته المصغّرة التي تخص هذا اللقاء. ويُعدّ صقل هذه المسيرة وتحسينها أمراً حاسماً إن كانت الغاية منها إنجاح المفاوضات. وبالتالي فمن الضروري أن يحاط كل طرف علماً بخصوصيات الطرف الآخر بهدف تطوير استراتيجيته تحقيقاً لمحادثات ناجحة وموفقة.

الجدول (1): 
إيلاء الاهتمام لدور «القواعد» و«العلاقات»
نصائح للمفاوضين الصينيين
أعلنوا عن النقاط الأساسية المتعلقة بالأعمال المشتركة بينكم في شكل عقد مبكراً. سيدل هذا على جدية اهتمامكم. اجعلوا النقاط ذات البعد الذاتي واضحة لأن الجانب الغربي سيندهش من حصول أي تغيّر لاحقاً.
إذا ما شرع الغربيون في تناول أشد المواضيع حرجاً ربما يُعدّ هذا مؤشراً إيجابياً. إنهم يفضلون استبعاد المشكلات الرئيسة مبكراً حتى يضمنوا وجود أساس مشترك، ولا يضيّعون وقتهم وجهدهم في تناول حالة أو قضية متعذرة ومستحيلة.
إذا ما قام شريككم بالإشارة إلى مطلب شرعي وقانوني في بلده، فليس ثمة مجال للانفلات من ذلك لأن القوانين الغربية لا تمنح مهلة كبيرة.

يعتقد الغربيون أن عقداً موقعاً يجعل من اليسير رسم مساعٍ أخرى تدور في فلك هذا الفعل الثابت (أي توقيع العقد) وأن فكرة معاودة التفاوض بشأن اتفاقية مكتوبة يعد أمراً مروّعاً لهم ويُنشئ ارتياباً عميقاً في نفوسهم.

نصائح للمفاوضين الغربيين
لا تحاولوا إدراج كل الإمكانيات الممكن تصورها في عقدكم أو عقودكم. هذا يُبديكم وكأنكم تتوقعون الأسوأ من علاقتكم مع الجانب الآخر. ركزوا اهتمامكم على الاحتمالات الأكثر أهمية.
الصينيون أمْيل إلى تسوية النقاط السهلة أولاً. إن تحقيق تقدّم جزئي أو كما يُقال – إلى منتصف المسافة – مع أي شريك سيجعلهم يشعرون بتحفز أكبر لإتمام المسائل الأكثر صعوبة أيضاً.

إذا ما أشار شريككم إلى مطلب شرعي وقانوني وأتى على ذكره، تحققوا من ذلك على مرتين. فالقوانين في الصين تشهد تغيراً وتعديلاً متواصلاً ومطرداً. فقد يجهل شريككم آخر التنظيمات سارية المفعول أو قد يستغل هذا الشريك هذا الوضع المبهم وغير الواضح لأغراض تكتيكية.
في الصين لا يُعدّ توقيع العقد نهاية للمفاوضات بل يُعدّ نقطة انطلاق جديّة. ويعتقد الصينيون أن في هذه المرونة تكمن فرصة لاستغلال أفضل لما يطرأ من أوضاع جديدة.

الجدول (2): 
الأخذ في الاعتبار دور الفرد ودور المجموعة
نصائح للمفاوضين الصينيين
إذا أردتم أن ينظر الطرف الآخر باحترام وتقدير وجديّة لبعض أعضاء فريقكم المفاوض، حاولوا أن تُهيئوا الأمر لهؤلاء الأعضاء حتى يتحدثوا بشكل كافٍ. فالأعضاء الذين يظلون صامتين سيُبخسون قدرهم.
إذا ما شعرتم بأنكم على توافق حسن مع أحد أعضاء الفريق الآخر، في وسعكم أن تتصلوا بهذا الشخص باعتباره «حلاّل عُقَدْ» عند الضرورة والاقتضاء. هذا الفرد سيشعر بعدها بالمسؤولية فيتصرف بوصفه وسيطاً (طبعاً لا تتوقعوا أن يتصرف تصرفاً يُعارض المصالح الجوهرية لفريقه أو لفريقها).
نصائح للمفاوضين الغربيين
أوقفوا في الحال أي نزاع ينشب في حضور زبون أو شريك محتمل! فكروا مسبقاً في الاتفاق مع أعضاء فريقكم المفاوض على التحدث بواسطة القليل من الإشارات التي في وسع أي عضو من الفريق استخدامها ليَبِين عن فكرته معناها «بروز الحاجة لوقت مستقطع».
إذا ما شعرتم بأنكم على توافق خاص مع عضو من الفريق الآخر، فلا تُبدوا ذلك علناً وبشكل واضح. فهذا أمر قد يُعرّض وضع ذاك الشخص للاهتزاز والارتياب في شأنه من قِبل فريقه المفاوض، وقد ينحى الأمر إلى استبعاده من الوفد.
الجدول (3): 
الأخذ في الاعتبار دور «الحقائق» مقابل دور «الوجه»
نصائح للمفاوضين الصينيين
خذوا في حسبانكم أن إراقة ماء الوجه أمر لا يخشاه الغربيون كثيراً. وفي أحيان كثيرة، لا يتنازلون عن إثبات نقاط أساسية في تعاملاتهم وعقودهم لمجرد صون ماء الوجه.
توقعوا من الغربيين أن يسعوا لإفقادكم ماء وجهكم وهم جاهلون ذلك تماماً. لأنهم غير معتادين على هذا المفهوم غير المعهود في ثقافتهم. أخبروهم إذن بأن ما قالوه وتلفظوا به أو فعلوه يُعدّ فظاً وغير لائقٍ في ثقافتكم وأضيفوا لهم على نحو مهذّب أنكم متأكدون من أن تصرفهم هذا غير مقصود وغير متعمّد.
إن الغربي الذي يُسمّي شيئاً ما «تافها» تفضّل أنت أن تُعيّنه بتفصيل في مضمون العقد، فالاحتمال الغالب أنه لا يقصد أن يشتمك لكنه يعتقد بأنه يعينك على تجنب الوقوع في الخطأ (فالغربيون يسلكون هذا السلوك فيما بينهم أيضاً). إذن تجاهل هذا التعليق.
نصائح للمفاوضين الغربيين
لا تجيزوا على نحو متعمد أو دون دراية منكم أن يبذل الآخرون ماء وجههم. فهذا أمر مؤلم للصيني وللصينية أكثر مما تظنونه وأكثر مما يبديه أو تبديه.
توقعوا أن يقوم الصينيون وعن قصد وتعمّد منهم بإفقادكم ماء وجهكم، خصوصاً قبل الإعلان عن الشروع في العلاقة العملية. إن أردتم دوام العلاقة، أكّدوا لهم أن الشيء الذي يرغب شريككم أن تفعلوه غير مقبول، لأن ذلك سوف يُفقدكم ماء وجهكم داخل مؤسستكم التي تعملون فيها.
إذا كان الجانب الآخر يُفضّل أن يتناول شيئاً ما يُعدّ تافهاً في رأيك أنت، وطالما أن هذا لا يؤلمك فاقبله ولا داعي لإيذاء وإيلام الطرف الآخر. ما عليك فعله هو أن تشرح لرئيسك بعد عودتك سبب ذكر هذا البند في العقد.
الجدول (4) 
الأخذ في الحسبان دور التراتب
نصائح للمفاوضين الصينيين
ستلقى مستويات عدة من التراتب تختلف عن ما هو سائد في ثقافتك. اعلم أن كل شخص ترسله شركة غربية للتفاوض في الصين هو اعتيادياً مرخّص كليةً لاتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة حتى وإن كان شابّاً.
لأجل مساعدة نظيركم على فهم وإدراك مدلول وظيفتكم داخل شركتكم، قدّموا له توضيحاً حول الهيكل التنظيمي الذي يشرح تركيبة وحدة الأعمال التي تتبعونها. فالغربيون يلتبس عليهم الأمر بسبب كثرة التسميات أو الألقاب المهنية.
نصائح للمفاوضين الغربيين
ستلقى الكثير من مستويات التراتب تفوق ما هو سائد في ثقافتك. ويتوقّع كل واحدٍ من نظرائك أن تقدّم العديد من التنازلات. فإن تعيّن عليك منحها فليتم ذلك على نحو يُرضي كل طرف. واعلم أن القائد الأعلى سيتخذ قرارات غير مناقضة للمشاعر القوية الصادرة عن مرؤوسيه.
توقّع أن تقابل ببطاقات الأعمال المثيرة للإعجاب (فبالتقريب كل شخص تقابله إما أنه مدير شركة أو نائب مدير شركة)، ثم قُم بترجمة وتوصيف وظيفتك في صيغة مقبولة.

المصدر: http://qafilah.com/ar/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك