دائرة الإرهاب النسائي!

هالة القحطاني

 

لا يمكن أن يُولد التفكير الإجرامي النسائي في لحظة، بل يتم توقيته لا شعورياً منذ الصغر بممارسات خاطئة، حين تُعتمد تغذيته في البيئة المتشددة على الترهيب بالنار، والتحريم من مبهجات الطفولة، لتكبر المرأة متشددةً دينياً على باطل، فتكفِّر كل مَنْ يخالفها بصمت

لا توجد دراسة تحدد دوافع ارتكاب المرأة الجريمة في السعودية، ربما لأن واقع الجريمة ارتبط بالرجل في فترة من الزمن عبر جرائم كبرى، ولم تدخل النساء في العالم العربي بصفة عامة في دائرة الخارجين عن القانون بجرائم كبرى، أو بشعة منذ كارثة «ريا وسكينة» على سبيل المثال، ولكن التجربة الماضية كشفت أن السلوك الإجرامي، ونزعة الشر في الإنسان لا يفرِّقان بين رجل، وامرأة، بل تكمن نقطة الاختلاف في الأسلوب فقط، فحين يُحاصر الخوف المجرم، يتخفى، ويتنكر بحلق لحيته، أو شعره، أما المجرمة فلا يحتاج الأمر منها سوى أن تسدل خمارها على حزام ناسف، أو رشاش تخبئه تحت قدميها، وتجلس كملكة تواري جريمتها خلف طيات إضافية من السواد لإضفاء مزيد من القدسية والورع على هيئتها لتفر ولكن ليس من العقاب. حتى المطلوبون أصبحوا يستخدمون العباءة وسيلة للهروب والتهريب، وعلى الرغم من كشف أغلبهم إلا أن بعضهم لايزال تستحوذ عليه فكرة أنه أذكى، وأمهر من قوات الأمن حتى بعد محاصرتهم في الداخل، وهذا دليل على تخبط ومحدودية التفكير الإجرامي.

ومن الناحية المقابلة، لا يمكن أن يُولد التفكير الإجرامي النسائي في لحظة، بل يتم توقيته لا شعورياً منذ الصغر بممارسات خاطئة، حين تُعتمد تغذيته في البيئة المتشددة على الترهيب بالنار، والتحريم من مبهجات الطفولة، لتكبر المرأة متشددةً دينياً على باطل، فتكفِّر كل مَنْ يخالفها بصمت، وما إن تسنح لها الفرصة حتى تنفجر معلنة جاهزيتها، فالأمر لا يتطلب إلا كلمتين لتقنعها بأن تكفير الدولة، وقتل المصلين في بيوت الله، يعدان خدمتَين لدينها! فبعد أن تمكنت أروى البغدادي، من الهرب والانضمام إلى «القاعدة» في اليمن، قامت ريما الجريش، بالتحريض ضد الدولة، والدفع بابنها البالغ 15 عاماً للمشاركة في القتال بسوريا في جنوح عن فطرة الأم الطبيعية، التي تخاف على أبنائها، ثم فاجأتنا المعلمة المعروفة بـ «مطلقة ساجر» بالهروب برفقة 3 من أبنائها إلى مناطق الصراع منتصف العام الماضي، كما أعلنت ندى القحطاني، المعروفة بـ «أخت جليبيب» عن التحاقها بصفوف «داعش»، ومبايعتها البغدادي، وهربت مي الطلق، وأمينة الراشد، من القصيم بعد أن جمعتا مبالغ مالية، وكمية من الذهب، لتتمكن أجهزة الأمن في جازان من القبض عليهما وبصحبتهما 6 أطفال أثناء محاولتهما عبور الحدود الجنوبية إلى اليمن، هذا ناهيك عن وفاء الشهري، زوجة نائب زعيم تنظيم القاعدة، التي اختفت من منزل أسرتها في عام 2009، مصطحبة أطفالها الثلاثة معها إلى اليمن، حيث اضطر زوجها الأول، وكذلك الثاني إلى رفع عدد من الدعاوى للسلطات، يطالبان فيها باسترداد أبنائهما من السلطات اليمنية. أما هيلة القصير، فقد وجَّهت لها السلطات 18 تهمة من ضمنها الانضمام إلى «القاعدة»، وتحويل مليوني ريال، وكمية من الذهب إلى عناصر من «القاعدة» داخل السعودية وخارجها، ومساهمتها في تهريب وفاء الشهري. ولا ننسى أستاذة قسم أصول الفقه في جامعة الملك سعود، التي هجرت حياتها، وتسللت مع أبنائها الثلاثة عبر الحدود إلى اليمن، ومنه إلى العراق. وبعد القبض على عبير الحربي، تتسع دائرة الإجرام النسائي، وترتفع من 9 إلى 11 امرأة متهمة بالمشاركة في الإرهاب. وربما لا يعرف بعض الناس قصة المتطرفة العاشرة، الملقبة بـ «المهاجرة»، التي حكمت عليها المحكمة الجزائية المتخصصة الأسبوع الماضي بعد إدانتها بالسجن ست سنوات، ومنعها من السفر ست سنوات أخرى بعد خروجها. المهاجرة التي لم تفصح الجهات الأمنية عن اسمها بعد، لم تعتنق المنهج التكفيري فحسب، عندما كفَّرت الحكومة، والأسرة الحاكمة، بل أيَّدت، وبايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ومجَّدت البغدادي، رئيس عصابة «داعش» من خلال تغريدات، شجعته فيها على الاستمرار في نهجه الإرهابي، كما استبشرت بخروج شقيقها إلى أحد أماكن الصراع في اليمن، وفي تغريدات أخرى، تحدثت عن تلقيها اتصالاً من «أحد المطلوبين المدرجين ضمن قائمة الـ47 التي أصدرتها وزارة الداخلية»، يطمئنها على وضع المطلوبة أمنياً أروى البغدادي، ولم تكتفِ المهاجرة بكل تلك الممارسات الخارجة عن القانون، بل حرضت على قتل وزير الداخلية.

حين تتسع دائرة الإجرام النسائي بمشاركة بعضهن في خدمة، وتمويل الإرهاب، ينبغي أن نحذر، ولا نستهين، أو نقلل من أهمية ما يحدث، وندعي أن هذا أكبر ما يمكن أن تفعله المرأة، بل يجب أن نحسب حساب أن المرأة في مجتمعنا تعيش في عالم سري، «ترتع» في ثغراته بعضهن بمعتقداتها، ومبادراتها الشخصية، التي تفرضها على أُخريات دون أن تُسأل عنها، خاصة أن فخ التبرعات في ذلك العالم تسقط فيه كثيرات بحُسن نية، فعلى النساء أن يتوخين الحذر، ويأخذن الأمور بجدية، ويفكرن ألف مرة قبل أن يتبرعن في التجمعات النسائية طمعاً بالأجر، وعليهن أن يتأكدن أولاً من أنهن بذلك لا يموِّلن جهات مشبوهة.

المصدر: http://www.ajel.sa/opinions/1702406

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك