التجديد في الخطاب الإسلامي

التجديد في الخطاب الإسلامي

مختصر كلمة الداعية د. فتحي يكن في إحتفال " مسلمون بلا حدود "

البقاع / الخميس الواقع فيه 9/8/2003

ماذا أعني بالخطاب؟

الخطاب هو مادة الكلام المقال أو المكتوب بين المتكلم وبين السامع وبين الخطيب والمخاطب، وبين الكاتب والقارئ..

والخطاب لغة هو الكلام المنثور المسجوع. ورجل حسن الخطبة أي حسن الكلام..

وفي القرآن الكريم مواقع كثيرة عرضت للخطاب من جوانب مختلفة:

· ففي سورة الفرقان الآية 63 قال تعالى: }وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً{ أي إذا خاطبهم السفهاء بالقول السيء.

· وفي سورة هود الآية 37 قال تعالى: }ولا تخاطبني في الذين ظلموا{ أي لا تشفع للذين كفروا.

· وفي سورة ص الآية 20 قال تعالى: }وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب{ أي آتيناه البيان والمحكم الذي يميز بين الحق والباطل.

· وفي سورة ص الآية 23 قال تعالى: }فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب{ أي غلبني في المكالمة والمناقشة والحوار.

من هنا كان الخطاب الإسلامي الوسيلة الإعلامية الأ فعل في تكوين الرأي العام خطأ وصوابا ، وفي التعامل مع الأمة هدما وبناء ً.

التطور والتجدد سنة من سنن الله في هذه الحياة:

وعدم التطوروالتجدد يعني الجمود والسكون والموت والعدم.

هكذا تنطلق وتتحقق سنة التطور في كل شيء: في الانسان والحيوان والنبات .
وكذا سنة التطور في الرسالات والأديان، حيث بدأت جزئية محلية، ثم اتسعت وارتقت، ثم تكاملت وكمُـلت، وكان ختامها قولُ الله تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً{ (آل عمران).

التطور البشري التزام بالسنن الالهية :

وكما أن التطور والتجدد سنة من السنن الالهية ، فبديهي أن يجري ذلك كذلك ضمن الدائرة البشرية وعلى الحياة الانسانية .

*نلاحظ أن كل شيء في هذه الحياة يتطور، فالعلم يتطور، والاختراع يتطور، والفن يتطور، والوسائل التي يستخدمها الإنسان كالسيارة، والطائرة، والأثاث، والسلاح، والصناعات المختلفة، والعمارة، والزراعة، ووسائل النقل والانتقال، ووسائل الاتصال، ووسائل الإعلام والتعليم، إلى ما لا نهاية له من ضرورات أو كماليات الحياة، كلها تتطور.

* ومبعث التطور لدى الإنسان، أن الله تعالى خلق له عقلاً وقلباً وفطرة تميل كلها إلى تحسين الحياة وتطويرها، وتحسين الأداء وتطويره، وتحسين الإنتاج وتطويره وهكذا، وهذا كله مبعثه الطموح والأمل اللذان استودعهما الله في الإنسان لعمارة الأرض، واستمرار الحياة، وانتقالها من طور إلى طور، وصولاً إلى النهاية المحتومة.

· والاسلاميون حيال التطور والتجديد فريقان اثنان : (1) فريق يعتبره إ بتداعا في الدين وإحداثا فيه ( 2 ) وفريق يعتبره من صلب الدين وضرورة من ضرورات حفظه ن مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم [ يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأنمة أمر دينها ] أنظر دراسة الإحداث والتحديث .

· أما مشاريع التطور والتجديد عند الآخرين ، وبخاصة الذين يكيدون للاسلام ، فإنها تسبق التطور بسنوات عديدة .. " أنموذج [ روبرت كرين ] فاروق عبد الواحد" مدير الأمن القومي في عهد الرئيس نيكسون كان أول كتاب كتبه بعد اعتناقه الإسلام في التسعينات من القرن الماضي : "القيادة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين".

التطور الإيماني والدعوي والحركي لدى المسلم:

وقياساً على أن التطور سنة من سنن الله في كل شيء، إن الإيمان بكل مشتقاته، والدعوة في مجالاتها، والحركة في عموم توجهاتها ومهماتها ووسائلها وأساليبها، يجب أن تخضع لسنة التطور، وإلا كانت متخلفة عن العصر، متراجعة إلى الوراء.

· فالإيمان الذي لا يتجدد، يفتر ويضعف ويتلاشى.

· والعبادة التي لا تتحسن، تسوء وتفقد معانيها وأبعادها، وإن بقيت تؤدي عضلياً وشكلياً.

· والدعوة إلى الإسلام، إن لم تتطور في مادتها وأدائها وأسلوبها تصبح متخلفة عن العصر، عديمة الفائدة والأثر.

· والحركة – وأعني بها حركة التغيير الإسلامي – إن لم تخضع لسنة التطور ستتراجع وتضمحل وتنعدم، حيث يحل محلها المواكب لسنة التطور، ولو كان دونها إيماناً وتقوى، وهذا مناط قوله تعالى: }وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم{.

حتمية تطور الخطاب الإسلامي:

وانسجاماً مع سنة الله في التطور، كان لا بد من تطور الخطاب الاسلامي ..

· وتطور الخطاب الإسلامي، يعني تطوره في كافة المجلات: التربوية التعليمية، الروحية العلمية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية.

· والخطاب الإسلامي لا بد وأن يتطور ككل حتى يلامس الحياة والإنسان ككل، فلا يجوز أن يكون متطوراً من الجانب السياسي ومتخلفاً من الجانب التربوي، أو العكس، أو أن يكون متطوراً من الجانب الاقتصادي ومتخلفاً من الجانب الروحي.

· وتطور الخطاب الاسلامي يفرض تطور العلوم الشرعية والمفاهيم الاسلامية والأدبيات الحركية ، فضلا عن تطور المؤسسات والحركات الاسلامية في ميادين عملها المختلفة.. إن تطور الخطاب جتمية شرعية وضرورة دعوية، اختزلها رسول الله r بقوله: "أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" و "خاطبوا الناس على قدر عقولهم".

مادة تطوير الخطاب وآليته:

لقد حسم القرآن الكريم إشكالية التطور مادة وآلية، حين قرر أن القراءة هي آلية تطور الفهم والفقه والمعرفة .. ولم يكن عبثاً أن تكون "إقرأ" أول كلمة يهبط بها الوحي الأمين على محمد r.

· فالقراءة هي المدخل إلى معرفة كل شيء وتحليل كل شيء، وتقويم كل شيء، ومعالجة كل شيء، إنها المدخل إلى تطوير مناهج التربية والتعليم، إلى تطور مناهج التزكية، إلى تطوير الأداء الإداري، والتنظيمي، والتخطيطي، إلى تطوير الأداء الدعوي والحركي، إلى تطوير الأداء النيابي والسياسي – ومن السهل الممتنع النبوي قوله r: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ويعلمه رشده".

· والخطاب الإسلامي يكشف مدى ومستوى علاقة الفرد والجماعة بالقراءة ، فإذا تراجعت القراءة تراجع الخطاب وتراجع الأداء .

· والقراءة المقصودة لا تقتصر على قراءة الكتب والصحف والمجلات الإسلامية ، وإنما تتعداها إلى قراءة ما يجري في الحياة من شؤون وشجون وأحداث ومتغيراتوتحديات لتحليلها، والتعرف على خلفياتها، وأهدافها، وومن ثم تحديد نمط التعامل معها خطابا وممارسة .

القراءة المطلوبة واللازمة لتطور الخطاب الإسلامي:

لا بد من معرفة وإدراك القراءات المطلوبة التزامها في عملية تطوير الخطاب السياسي وذلك وفق الأولوية والأهمية.

‌أ- قراءة العلوم الشرعية ، بمقتضى فقه ألأولويات ، وبهذا يتعلق المقصد النبوي حين جاء أعرابي يسأل رسول الله r أن يعلمه من غرائب العلم، فسأله النبي r: "وماذا صنعت في رأس العلم؟" قال الأعرابي: وما رأس العلم يا رسول الله؟ قال: "مخافة الله، ثم قال: اذهب فتعلم رأس العلم، ثم تعال إلي أعلمك من غرائب العلم".

‌ب- قراءة في المكان الذي يجري فيه الخطاب: فليس كل خطاب يصلح لأي مكان، فلكل مكان خصوصياته ومشكلاته وطبيعته، كما هي طبيعة الناس الذين يعيشون فيه، فالخطاب في القرية غيره في المدينة، والخطاب في بلد عربي غيره في بلد أجنبي، والخطاب في بلد أحادي الطائفة أو المذهب أو الفكر أو السياسة غيره في البلد التعددي، والخطاب بين الأميين غيره بين متوسطي الثقافة وغيره بين المثقفين، كما غيره بين المسلمين وغير المسلمين. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول [ أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم ]

ج - قراءة في الزمان: حيث إن الخطاب في زمان ما لا يصلح لكل زمان، فالزمان يتغير ويتبدل ويتطور وكما قيل: (إن لكل زمان دولة ورجال)، فخطاب القرن الماضي غير خطاب القرن الحاضر – بل خطاب أول القرن غير خطاب ربعه أو نصفه أو آخره، بل قد يختلف الخطاب بين يوم ويوم أحياناً، ويجب أن نلاحظ هنا قاعدة "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان". وصدق من قال : [ رحم الله امرءً عرف زمانه واستقامت طريقته ]

د- قراءة الظروف والأحداث والقضايا: حيث إن الخطاب يجب أن يلامس الظروف التي

يعيشها الناس، الأحداث التي تجري حولهم، القضايا التي تهمهم، المشكلات التي يعانون منها، الأمراض التي تفتك بهم، والمؤامرات التي تحاك لهم وعليهم...

انموذج تطورالخطاب فيما يتعلق بالعمل الاسلامي :

> في مواجهة ان الاسلام استنفذ أغراضه ، كان الخطاب يركز على أن الاسلام منهج حياة.

> في مواجهة إنعدام أي عمل للاسلام ، كان الخطاب يركز على وجوب العمل للاسلام .

> في موجهة فردية العمل للاسلام ، كان الخطاب يركز على وجوب الجماعية في العمل للاسلام .

> في مواجهة تعددية التنظيمات الاسلامية ، كان التركيز على التوحيد والتنسيق بين العاملين .

انموذج تطور وتجدد الخطاب فيما يتلق بالتحديات العقائدية :

> الخطاب في مواجهة الفكر القومي .

> الخطاب في مواجهة الفكر العلماني .

> الخطاب فيما يتعلق بالفكر الاشتراكي والشيوعي .

> الخطاب في مواجهة المشروع الصهيوني .

> الخطاب في مواجهة المشروع الاميركي ومرحلة ما بعد 11 ايلول 2001

> الخطاب في مواجهة المشروع الاميركي ومرحلة ما بعد الحرب على أفغانستان والعراق.

> الخطاب في مواجهة مشروع التآمر[ الاميركي الصهيوني ] على الهوية والشخصية الاسلامية .

الخطاب واهتبال الفرص السانحة وتوظيفها في خدمة الدعوة :

قد يغيب عن كثيرين ممن يعملون في الحقل الإسلامي الارتباط بين الخطاب الإسلامي والعمل الإسلامي، وبين اهتبال الفرص والسوانح وتوظيفها في خدمة الدعوة والمشروع الإسلامي.

من هنا أرى أنه لا بد من وضع فقه مؤصّل، يتعلق بوجوب توظيف الفرص لخدمة الإسلام، وليس بجوازها، لما لذلك من درء للمفاسد وجلب للمنافع.

وأعداء الإسلام يخلقون الفرص والمناسبات ويصطنعونها اصطناعاً لتوظيفها في خدمة مشروعهم.. والإسلاميون لديهم من الفرص والمناسبات والسوانح الكثير الكثير والتي تمر مرور الكرام أدنى استثمار أو توظيف، ولعل البعض يظن أن في ذلك عيباً، وأن مجرد التفكير فيه معصية والبعد عنه واجب.

نظرة في الخطاب الاسلامي المعاصر :

من خلال متابعتنا لتطور الخطاب الاسلامي المعاصر يمكننا تسجيل التالي :

في دراسة أخير لقضية تطور الخطاب الاسلامي تبين أن نسبة التطور الملحوظ لم تتجاوز الثلاثين بالمائة .
الخطاب الاسلامي ـ بشكل عام ـ لايعتمد العلمية والموضوعية والوثائقية التي تتطلبها طبيعة العصر وخصائصه وروحه .
الخطاب الاسلامي لايطرح البديل في مواجهة مشاريع الآخرين ، وإنما يكتفي بنقدها ومحاول نقضها .
يغوص الخطاب الاسلامي ويغرق ـ أحيانا ـ في جزئيات ومفردات تفقده أثره وواقعيته وشموله .
الخطاب الاسلامي لايرتبط بمشروع سياسي عام ، وإنما يتناول مجريات الأحداث من موقع ردة الفعل ليس إلا ، وأحيانا بحسب الطلب ووفق مصالح مشتهيات مواقع القرار والمرجعيات الرسمية .
قل أن يلحظ الخطاب الاسلامي منطق الأولويات والأهميات ، فيفقد بالتالي أثره وفاعليته في ملامسته نبض حياة الناس، ومصالح الآمة وقضاياها العليا والمصيرية .
في كثير من الأحيان ينحرف الخطاب نحو التجريح الشخصي أو الفئوي والطائفي والمذهبي ، مما يضعف أثره ، ويقوي ضرره .

بالرغم مما تقدم من سلبيات .. فإنه لاينكر أن بات في الأمة اليوم أعدادا ضخمة من ملوك الخطابة ، وأمراء المنابر، من العلماء والدعاة ، يغطون الكثير من سوءات الآخرين، ويقدمون صورة حضارية مشرقة عن الاسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وحركة { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }

المصدر: http://www.daawa.net/display/arabic/efuqh/efuqhdetail.aspx?eid=3&etype=2

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك