لا تسرق ضوء داخلك

 

نجوى هاشم

    تلتقي أحدهم وتسأله كالمعتاد عن حاله: فيجيبك انه مريض ويعاني.. وعندما تستفسر عنه وتدعو له بالشفاء.. مكرراً.. سلامات..

وتكمل من ماذا تشتكي..؟ يرد مريض وكل شيء يوجعني.. طيب ماهو بالتحديد.. يقول: قل ماهو ما يوجعني.. وأنت تسمعه تقول في داخلك.. الحمد لله على كل شيء.. الحمد لله على نعمة الرضا.. الحمد لله الذي شافانا وعافانا.. تتوقف عن السؤال.. متأكداً أنه بخير وعافية ولكنه إعتاد على التشكي وكسر العين كما يعتقد وكما يتصور.. واعتاد أن يقول للناس انه ليس على مايرام حتى لا يمرض.. أو يحسدونه على نعمة العافية.. والصحة.. رغم أنه لو تحمّد الله على ماهو عليه لزاده منه..!

مثله كثيرون وتستغرب على امتداد معرفتك لهم لماذا لم يتغيروا ولماذا هم كذلك؟ وتحاول أن تبحث أو تتذكر إحدى المرات التي سألتهم فيها عن صحتهم أو حالهم وأجابوك بإيجابية.. ستتعب من البحث ولن تجد.. لأن هذه الإجابات هي سيستم حياة كاملة.. ولا يمكن تغييرها.. أتذكر إحدى السيدات كانت تشتكي المرض وكل من حولها يقول إنها بخير وعافية.. ومع ذلك تجدها في كل المناسبات وعندما تسألها: طالما أنتِ مريضة فلاداعي للذهاب؟ تقول وهي تأن.. ماذا أفعل سأموت لو لم أذهب.. وها أنا أحاول أن أتماسك وأضغط نفسي من أجل أن أتعايش مع الناس وأتلهى لأنسى المرض.. هذه الأفكار السلبية التي يدّعيها البعض إما خوفاً من الآخرين أو خوفاً فعلياً من المرض.. كما هو حال الفئة الثانية التي تعيش وهي تعتقد أنها قد تمرض في أي لحظة.. تعيش في دائرة الخوف.. محاصرة بالاضطراب والتردد والقلق.. وهي هنا تستقطع جزءا كبيرا من لحظات الحياة الحقيقية والطبيعية والتي من المفترض أن تعيشها.. ولكنها تبددها في التفكير السلبي.. وتُخضع نفسها لضغوط نفسية تفسد بها الحياة السهلة والمرنة وتحرمها من النظر إلى مباهج الحياة وملامستها.. في ظل جهلها من أنّ تراكم الضغوط عادة مهما كانت بسيطة تنتقص من عمر الإنسان..!

المشكلة أنّ هؤلاء لا يعرفون أيضاً أنّ الأفكار السلبية تصيب الإنسان بالاكتئاب وهو مرض العصر.. حيث ثبت أنّ الأشخاص الذين يصابون بالاكتئاب يكون لديهم مخزون من الأفكار السلبية تجاه أنفسهم وتجاه العالم من حولهم وبالتالي كلما يتعرضون لضغوط أو مواقف صعبة أو تفكير محدود لا يمكنهم تجاوز ذلك بسبب ما يحملونه من أفكار سلبية تزيد من رد الفعل العضوي للتوتر.. ولا يمكن تجاوز ذلك إلا بتغيير رؤية الفرد للأفكار والمعتقدات والمشاعر التي ينغمس فيها ليستطيع أن يحدث تغييراً في حياته نحو الأفضل.. ومن أجل ذلك على الفرد أن يتعرف على أفكاره ويقيمها ويجعلها أكثر إيجابية ليتمكن من التفكير بطريقة أكثر واقعية الأمر الذي يراه المختصون يساعد الإنسان في أن يعيش حياة أفضل.. مهما كانت صعوبة التخلص من الضغوط النفسية.. لكن من الممكن أن يغير الإنسان من نفسه ليصبح أكثر مرونة وتقبلا ًلكل مايمر به من صعوبات.. وفي المحصلة كلما تخلص الإنسان من الأفكار السلبية التي تحاصر عقله كان أكثر سعادة وتفاؤلاً والأهم في ذلك أنه ينعكس على حالته الصحية فيستمتع بصحة أفضل!

قد يقول أحدهم إنه ليس من السهل التخلص من الأمور السلبية في الحياة أو تجاوزها.. وأنّ من ينظر بعيدا تمام البعد عن واقع من يتعايش مع همومه.. فعندما تمرض فعلياً أو تخاف المرض.. أو تتهرب منه.. لا تتفهم مفردة كيف لك أن تكون إيجابياً.. وكيف تخضع لمفهوم "انتقاء الأفكار الإيجابية"؟

وكيف تستخلصها من اللاوعي من أجل أن تسهم في تقليل رد الفعل غير المرغوب فيه عند التعرض للضغوط النفسية التي يتعرض لها الفرد بشكل يومي؟

كنْ إيجابياً.. بخطوتين عليك اتباعهما ومن خلالهما يمكنك استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية وتتمثل الخطوة الأولى في مراقبة الفرد لأفكاره ففي كثير من الأحيان لا يلاحظ الفرد أو يدرك الكثير من الأفكار التي يخزنها في عقله الباطن لكن يجب أن ينتبه لنوعية الآفكار التي تراوده مهما بدت له أنها بسيطة ويستبدلها بأفكار إيجابية..!

أما الخطوة الثانية فتتمثل في الإلغاء أو الاستبدال وذلك عن طريق استحضار الفرد لأي فكرة سلبية ويقرر أن يغيرها عن طريق نطقه بكلمة إلغاء ثم ينتقل إلى فكرة أخرى ويقرر بكل وعي إلغاءها والتخلص منها واستبدالها بأخرى إيجابية.. وقد يكون الأمر صعباً في البداية ولكن مع الوقت سيبرمج العقل الباطن على مبدأ الاستبدال وينفذه تلقائياً دون أن يلحظ الفرد ذلك أو يشعر به..!

أهمية أن ننتهج أفكاراً إيجابية تكمن في تأثيرها على الفرد ولكن صعوبته الذي من لا يتعامل مع كل ماهو إيجابي يكمن في استيعاب مفهوم "إعادة برمجة العقل الباطن والتحكم فيما يختزنه" ويؤكد المختصون في المجال النفسي أن كل فرد يستطيع أن ينعم بالمزيد من الصحة والثروة والسعادة من خلال التدريب على كيفية الاتصال بقوة العقل الباطن وإعادة برمجتها وإخراجها من مكمنها.. وكل مايحتاج إليه كل منا هو أن يتعلم استخدامهالأنه يمتلكها بالفعل..!

تمتلك القدرة بأن تكون إيجابياً لكن لا تلامسها داخلك والأصعب أن لا تكون تعرفها.. وتلامس وتعرف فقط دواخلك السلبية وتتعامل معها كل يوم وأحياناً تطارد كل ماهو سلبي بشغف وصمود للبحث عنه متناسياً أنّ ذلك يستنزف كل ماهو جميل داخلك ويفتح عليك أبواباً مغلقة ستجد صعوبة مستقبلا ًلو حاولت إغلاقها..!!

http://www.alriyadh.com/1084803

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك