المصرفية الإسلامية.. توحيد «الهيئات الشرعية» يحد من تباين المصالح

 

أدار الندوة - محمد الغنيم

    استطاعت "المصرفية الإسلامية" أن تفرض نفسها واقعاً ليس على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي وحسب، بل حتى في الدول الأوروبية وأمريكا والصين واستراليا واليابان، وفي دول أخرى، بل أصبح بعض الرأسماليين الآن ينادون بالتعامل بالمصرفية الإسلامية لكونها تعنى بالتعامل المبني على حقائق، وليس على توهمات مستقبلية أو فرضيات.

وفي المملكة، ومع النمو الذي حققته هذه المصرفية، إلا أنها تواجه كثيراً من التحديات في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي انعكست ظلالها عليها، إضافة إلى المنافسة مع المصرفية التقليدية، سواء في المنتج أو في سياسة التعامل مع العميل، وتقديم الخدمة له وتلبية احتياجاته بما لا يتعارض مع الضوابط الشرعية، كما تأتي"الهيئات الشرعية" للبنوك ومطالب استقلاليتها وفك ارتباطها عن مجالس إدارات البنوك إحدى القضايا المهمة التي بدأت تبرز إلى السطح في ظل تباين بعض قرارات تلك الهيئات، والضبابية التي تحصل لدى العملاء والمتعاملين مع هذه المصارف، في شرعية إجازة منتج ورفض آخر، إلى جانب عدد من الأطراف الأخرى ذات العلاقة التي جعلت من المصرفية الإسلامية" محل اهتمام كثير من الخبراء والمختصين داخل المملكة في الآونة الأخيرة.

مالية إسلامية

في البداية تحدث الشيخ «ياسر المرشدي» عن المقصود بالمصرفية الإسلامية قائلاً: يتم قصر مفهوم المصرفية الإسلامية على القطاع البنكي فقط، إلاّ أن الحقيقة أن المقصود بالمصرفية الإسلامية أوسع وأعم من ذلك، وإذا أردنا أن نحدد مصطلحاً آخر يمكننا أن نُطلق عليها المالية الإسلامية، بما يتعلق بجوانب التمويل والعمليات البنكية وعمليات الاستثمار، إضافةً إلى عمليات التأمين وما يتعلق بها، مضيفاً أنه يدخل في هذا المفهوم القطاع المساند لهذه الأعمال مثل القطاع الاجتماعي سواء الزكاة أو الأوقاف وما يتعلق به من معاملات مالية تصب جميعها في المعاش المالي للمجتمع الإسلامي.

وتداخل «د. محمد السحيباني» قائلاً: إن التمويل الإسلامي له ثلاثة أجنحة هي: البنوك الإسلامية، الأسواق المالية الإسلامية، التأمين التكافلي التعاوني، مضيفاً أن هناك تطورات كبيرة تمت في سوق الصكوك على سبيل المثال، وفي صناديق الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مبيناً أن التأمين التكافلي التعاوني قطاع جديد وواعد ويمثل قطاعاً مهماً ضمن التمويل الإسلامي والذي يُعد إحدى وسائل دعم الاقتصاد الحقيقي.

تعديل نموذج

وقال الشيخ «ماجد الرشيد»: تعقيباً على ما ذكره المتحدثون عن المصرفية الإسلامية فإنني أُضيف أنها المصرفية التي تحاول الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، ولم تصل مرحلة النضج الكامل بعد، حتى لا نجد من يسيئون الفهم للإسلام عندما يجدون أخطاء أو إشكالات ربما تكون محل نظر لا تنسب للشريعة وإنما تنسب إلى التطبيق الموجود، مضيفاً أن الأعمال المصرفية سبقتنا دولياً، حيث تم العمل بما هو مطُبق بنظام البنوك عالمياً، مبيناً أنه بعد هذه المراحل جاءت فكرة المصرفية الإسلامية، وهي محاولة تعديل نموذج قائم وليس منبثقا من دولة قائمة في الأساس على الشريعة الإسلامية، مؤكداً على أنه انطلق من نظام رأسمالي صرف، وأن القائمين على المصرفية الإسلامية حاولوا تعديل ما استطاعوا من هذا النموذج القائم، ومهما تم تعديله فإنه سيظل نموذجاً لكنه ليس إسلامياً مؤصلاً، لافتاً إلى أن ما فيه من أخطاء قد لا تكون مفهومة عند كثير ممن يعرفون فلسفة الاقتصاد الإسلامي الحقيقية، ذاكراً أننا في مرحلة يجب المرور بها حتى نصل إلى المصرفية التي يمكننا أن نطلق عليها إسلامية.

التجربة الماليزية

وأضاف: التجربة الماليزية تتميز بربط المعاملات المصرفية الإسلامية بشكل عام بالبنك المركزي والجهات الاشرافية، بينما نحن حتى الآن لسنا مرتبطين ارتباطاً كلياً بمؤسسة النقد السعودي، بالرغم من أنها خلال الأعوام الأخيرة خطت خطوات جيدة مع المصارف الإسلامية، من حيث مراعاتها لمنتجاتها بشكل أفضل، وأيضاً بدأت تستمع إلى آراء العلماء الشرعيين في المصارف وتأخذ وتعطي مع هؤلاء من أجل تصحيح بعض المفاهيم، مبيناً أنه إذا نظرنا إلى ماليزيا فنجد أن الوضع مختلف تماماً، بمعنى أن لديها أدلة وإرشادات، وأن أعمالها مرتبطة من الألف إلى الياء كلياً بالبنك المركزي، والأمر غير ذلك عندنا في المملكة!

4 بنوك

وتداخل الشيخ «ياسر المرشدي» قائلاً: المصرفية الإسلامية اليوم في المملكة تعمل في البنوك بشكل متوافق مع الشريعة الإسلامية، مبيناً أن لدينا حوالي أربعة بنوك متوافقة بشكل كامل مع الشريعة الإسلامية، والبقية لديها نوافذ تسمح لها أن تطبق المنتجات والتمويلات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وذلك في قطاعي الأفراد والشركات وقطاع الخزينة بشكل محدود، مضيفاً أن اللافت للنظر عند متابعة بيانات مؤسسة النقد والمنشورة على الموقع أن حجم الائتمان في المملكة المتوافق مع الشريعة الإسلامية حوالي (60%) من حجم الائتمان الموجود في السوق السعودي، وأن قطاع الأعمال المتوافقة مع الشريعة هي (98%)، مشيراً إلى أنه إذا اتجهنا إلى واقع المصرفية الإسلامية اليوم من حيث البيانات والأرقام نجد أن هناك نمواً متسارعاً ومتصاعداً من الشركات والأفراد والبنوك تجاه هذا التطبيق، مُشدداً على أننا نحتاج من الجهات الاشرافية والتنظيمية أن تُفعّل القوانين والأنظمة الاشرافية في هذا الجانب.

نظام مستقل

وعلق الزميل «محمد الغنيم» قائلاً: إن المعاملات الشرعية السليمة البعيدة عن المحاذير الشرعية تُمثّل العمود الأساس للمصرفية الإسلامية المعاصرة، إذ تعتمد على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، ويضمن الدين الإسلامي للإنسان حق الامتلاك الشخصي ويحق للفرد امتلاك ما يحتاجه بشرط عدم أكل حقوق الآخرين وفي هذه الحالة يظهر الاستحواذ كشيء مكتسب، مضيفاً أن مصدر زيادة المال هو الجهد والعمل، وهذا يعني أن المال ليس مصدراً لخلق الثروة بمعنى أنه لا ينبغي أن يولد المال بل العمل، مبيناً أنه يجب أن يلعب «الجهد الفكري» دوراً في العملية الانتاجية ويتقاسم الفرد والبنك المخاطر الكامنة في أي معاملة مالية، متسائلاً عن أبرز التحديات التي تواجه القطاع المصرفي الإسلامي في المملكة في الوقت الحالي؟

وعلّق «د. صلاح الشلهوب» قائلاً: إن أهم التحديات الموجودة داخل القطاع هو قضية التشريع والتنظيم، إذ مازالت المصرفية الإسلامية تفتقر إلى نظام مستقل عن نظام البنوك، وقد يكون هناك نوع من التعاون مع مؤسسة النقد لكن يبقى النظام واحدا لجميع البنوك، كذلك هناك تحديات حقيقية في قضية الابداع والكوادر التي لها قدرة على خلق سوق وأفكار ومنتجات وبرامج، مضيفاً أن كل المنتجات الموجودة هي تقليدية ويراد لها أن تكون متوافقة مع الشريعة الإسلامية من حيث التعديلات، وليست إضافة جديدة للاقتصاد، مبيناً أن لدينا قصورا كبيرا في جانب البحوث والدراسات في هذا المجال، مُشدداً على أن المطلوب التعرف على حجم نمو التمويل الإسلامي سنوياً، وكم هو حجم البحوث والدراسات والمراكز والمعاهد والبرامج التي تقدم معلومات عن التمويل الإسلامي، مشيراً إلى أنه على الرغم من وجود نمو واضح إلاّ أنه من حيث النسبة والتناسب نجد أن هناك فرقاً شاسعاً بين الدراسات والبحوث والمراكز والمعاهد التي تقدم البرامج الخاصة بالتمويل الإسلامي مقارنةً بين ما يجب وبين ما يحتاجه السوق، أيضاً هذه البرامج ركيكة وضعيفة، ذاكراً أن بعض المؤسسات المرموقة لا تعتمد هذه البرامج، وأنها لم تصل إلى المستوى الذي تجعلها ترتقي إلى مستوى الدراسات والتعليم الأكاديمي.

التحديات تستدعي وجود مظلة واحدة لمعالجة إشكاليات التشريع والتنظيم

قطاع أفراد

وأوضح «د. صلاح الشلهوب» أنه إذا نظرنا على المستوى المحلي فإن المملكة تعتمد بشكل كبير في دخلها على النفط، وأن قطاع البنوك يتأثر كغيره من القطاعات الأخرى في حالة وجود أي متغيرات، مضيفاً أننا بحاجة إلى شيء من التنوع في المنتجات وتنوع في الشريحة المستهدفة، وكذلك تنوع في المكان والمنطقة الجغرافية، مضيفاً أن التمويل الإسلامي يواجه العديد من الصعوبات التي لا تسمح له بالتمدد والتوسع مثل التمويل التقليدي في أي بلد وفي أي مكان وبأي منتج، كذلك يواجه تحديات كثيرة وقد يجد سهولة لدينا وفي عالمنا الإسلامي، لكن إذا أراد الاستثمار في أوروبا وفي أمريكا وبعض الدول الآسيوية فإنه سيجد تحديات كبيرة على المستوى التشريعي، وعلى مستوى قبول المجتمعات، وهذا ما يجعله يعتمد بشكل كبير على الاقتصاد المحلي، مبيناً أنه إذا وجدنا الاقتصاد المحلي تأثر لأي سبب من الأسباب، فإن حجم التمويل الموجود الآن سوف يتقلص بشكل كبير، مشيراً إلى أن التمويل الإسلامي يعتمد بشكل كبير على قطاع الأفراد، وهو قطاع غير مرشِّد، ويمكن أن يتغير في أي لحظة من حيث توجهاته وآرائه وقراراته، لافتاً إلى أن البنوك التي تصنف نفسها إسلامية نجد أن معظم نشاطها يركز على قطاع الأفراد، وهذا أمر خطير على المدى البعيد، مُشدداً على أهمية التوسع على مستوى الشركات ومستوى قطاع الخزينة إذا ما أرادت البنوك الإسلامية أن تنجح في المستقبل، ذاكراً أن موضوع الهيئات الشرعية داخل المصارف يعد تحدياً كبيراً بالنسبة للتمويل الإسلامي.

تحديات كبيرة

وتساءل الزميل «محمدالغنيم» عن كيفية قراءة هذه التحديات المذكورة ومقارنتها بالتوسع الذي نجده الآن في عدة دول أوروبية وفي غيرها، والطلب على المصرفية الإسلامية، فأجاب «د. صلاح الشلهوب»: المصرفية الإسلامية استفادت من الأزمة المالية العالمية، ونحن تحدثنا عن التحديات المصرفية الداخلية لكن لم نتحدث عن الفرص، والتمويل الإسلامي الآن يجد فرصاً كبيرة على مستوى دول الغرب، فهناك نوع من الاعتراف به بشكل مباشر وغير مباشر، وهذا ما ساعد كثيراً في التوسع حيث نجد العديد من الدول الغربية تسعى إلى استقطابه، لأن فيها أقلية مسلمة تحتاج إلى التمويل الإسلامي، مضيفاً أن هناك كذلك أموالا ضخمة لا تجد متنفساً داخلياً وهي الدول النفطية، فعندما ارتفعت أسعار النفط تدهورت الأسواق الداخلية مما تسبب في أضرار لأسعار العقار ووجود تضخم كبير، كل ذلك بسبب عدم وجود متنفس لهذه الثروة، لافتاً إلى أن بعض الدول باستطاعتها الاستفادة من هذه الثروة والسيولة.

وأضاف: نلاحظ الدول الغربية بدأت تعاني من الأزمة المالية الحالية، حيث يفسرها البعض من الجوانب الأخلاقية، والبعض مازال مقتنعاً بالفلسفة الرأسمالية، وأن النظام الرأسمالي يرحب باستقطاب الأموال والاستثمارات، موضحاً أن النمو الموجود الآن في التمويل الإسلامي هو فرصة حقيقية غير مسبوقة ساعد على ذلك التدهور والأزمة المالية الحالية، ونحن بقدر سعادتنا بنمو هذا التمويل الإسلامي فإنه لا ننسى وجود تحديات كبيرة، لأن الوصول إلى القمة يترتب عليه أمور صعبة، مشيراً إلى أنه عندما حدثت أزمة عام 2008م وبدأت الدول تفكر في التمويل الإسلامي جاءت المؤسسات التشريعية من أجل أن نفهم التمويل الإسلامي واعتماده كواحدة من الأنظمة الموجودة اقتصادياً في العالم، حتى يجد اعترافاً عالمياً، وبالتالي يتم تطبيقه في مؤسسات معروفة ومعتمدة، ذاكراً أن المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وبعض المؤسسات المالية كانت متشجعة في البداية لاستقطاب التمويل الإسلامي، لكن الآن هناك برود وعدم اهتمام، حيث نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية إلى الآن لم تعترف بالتمويل الإسلامي مثل بريطانيا، وهذا ما يجعلنا نقف أمام تحديات ليست مخيفة لكنها تسبب القلق.

د. السحيباني: جامعاتنا تفتقر لبرامج التمويل الإسلامي ونحتاج للإبداع في تطوير المنتج

هيئات شرعية

وطرح الزميل «الغنيم» تساؤلاً حول الدعوات لتوحيد جهود الهيئات الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية في القطاع المصرفي الإسلامي لتصبح تحت مظلة واحدة، وكيفية تقييم أدائها في البنوك السعودية، وهنا قال «عبدالله الكردي»: لو عدنا إلى الوراء قبل سنوات، ونظرنا إلى نشأة المصارف السعودية لوجدنا أن المصرف الوحيد الذي بدأ بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في تعاملاته هو «مصرف الراجحي»، حيث كانت له هيئة مستقلة تراقب تعاملاته المصرفية الإسلامية، بعدها بدأت البنوك الأخرى تطرح خدمات ومنتجات إسلامية، مضيفاً أنه بدأت البنوك السعودية بعملية «المصرفية الإسلامية» وتم تكوين هيئة شرعية لتكون لها السلطة في الحكم على تعاملاتها وخدماتها المصرفية الإسلامية، ومراقبة جميع أنشطتها الإسلامية، لافتاً إلى أن الهيئات الشرعية تكونت في المصارف سواء التي كانت تعمل بشكل كامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، أو المصارف التي لديها خدمات ومنتجات وتعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ذاكراً أن هيئات الرقابة الشرعية تتكون من علماء متخصصين في فقه المعاملات وفي الاقتصاد الإسلامي ولديهم خبرات مصرفية متراكمة منذ سنوات طويلة قضوها في العمل داخل المصارف الإسلامية.

الاختلاف رحمة

وأوضح «عبدالله الكردي» أنه قد يكون أغلب أعضاء الهيئات الشرعية أسماء متكررة في البنوك، وقد يكون غالبية المنتجات التي يطرحونها في سوق المصارف السعودي متقاربة، مضيفاً أننا نجد غالبية الضوابط التي تكون في الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية المعتمدة من هيئات الرقابة الشرعية هي ضوابط متقاربة، وقد يكون فيها نوع من الاختلاف الذي تحكمه طبيعة النظم التي تكون داخل البنك، لهذا إذا كان هناك توجه لتوحيد هيئات الرقابة الشرعية بحيث تكون الخدمات والمنتجات التي تطرحها البنوك وفق معايير موحدة للضوابط الشرعية، فإن ذلك لا شك سيكون عملاً جيداً، لكن لا ننسى أن الاختلاف أحياناً قد يكون شيئاً مهماً يخدم العملاء على مبدأ «الاختلاف رحمة»، فعندما تكون لكل بنك هيئة مستقلة تشرف على أعماله، فإنه بامكانه تقييم احتياجاته من الضوابط الشرعية بما يتلاءم مع ممارساته وأنشطته التي يقدمها، إضافةً إلى أنظمته التي يسير عليها، لأنها تثري عمليات الاختلاف في الأحكام الشرعية.

جمعية عامة

وعلّق الشيخ «ماجد الرشيد» قائلاً: تعقيباً على موضوع التحديات فإنني أرى أن أكبر تحد موجود أمام المصرفية الإسلامية هو الهيئات الشرعية، ولعلنا نعلم أن المصرفية الإسلامية بدأت بحلول مؤقتة، لكن بعض هذه الحلول طال عمرها، والهيئات الشرعية تحاول أن تكون مستقلة، لكنها في ذات الوقت مرتبطة بالبنك، وأنه من الصعب جداً أن تكون لديك هيئة شرعية مستقلة تماماً وهي تابعة للبنك، مضيفاً أن أفضل حال وجدناه هو أن ترتبط الهيئة بالجمعية العامة وليس بمجلس الإدارة، على الرغم من أن أكثر البنوك اليوم ترتبط بمجلس الإدارة وليس بالجمعية العامة، لكن هذا هو أفضل حل ويكفي لحماية استقلال الهيئة الشرعية، مبيناً أن الهيئة الشرعية اليوم تقع بين نارين، فأحياناً لديها إصرار على تطبيق بعض الأحكام، ونحن نعلم أنها في بعض الأمور تخضع للمصالح، لهذا لا بد من وجود هيئة شرعية واحدة مرتبطة بالجهات الاشرافية، وأن يكون لكل بنك مستشارون دورهم الابتكار والخروج بشيء حقيقي جديد يضيف شيئاً جديداً للهيئة الشرعية الخاصة بأعمال البنوك، مؤملاً أن يكون أحد نتائج هذه الندوة الدعوة لسماحة مفتي عام المملكة، ووزير المالية ومحافظ مؤسسة النقد ورئيس هيئة سوق المال لدراسة وجود هيئة شرعية مستقلة تابعة للجنة الدائمة للبحوث والافتاء ومقرها حسب الاتفاق، وبالتالي نخرج بمنتج جديد، علماً أن عدداً من أعضاء الهيئات الشرعية ينادون بذلك، ذاكراً أن عواصم عالمية تزعم أنها مركز أو عاصمة للتمويل الإسلامي، بينما نجد أن نسبة كبيرة من العلماء هم من المملكة فإذا لم يكن لدينا هيئة تمثل البلد فلا يمكن أن ينسب إليك شيء، مؤكداً على أن تأسيس مثل هذه الهيئة يُعد شيئاً إيجابياً من كل النواحي.

المرشدي: حجم الائتمان المتوافق مع الشريعة الإسلامية 60% والسوق يتجه للمنتج الإسلامي

تحقيق مكاسب

وطرح الزميل «د. أحمد الجميعة» سؤالاً: هل التنافس اليوم بين البنوك أدى إلى التنازل عن بعض الاشتراطات؟

وأجاب «د. صلاح الشلهوب» قائلاً: قبل الحديث عن موضوع التنازل اسمحوا لي أن أوضح مفهوم المصرفية الإسلامية، هي مؤسسة في حقيقتها ربحية تبحث عن المكسب وتريد أن ترضي الملاك، وفي الحقيقة أنها تريد تطبيق الأحكام الشرعية، لكنها في الوقت ذاته هي تحت الضغط، فمثلاً هذا المصرف يقول: إنه إسلامي، لكنه في نهاية العام عندما يجد الأرباح نزلت بنسبة (20%) أو (30%) فإن ذلك يسبب كارثة بالنسبة للملاك، لهذا نجد المصارف الإسلامية تبحث عن فرص، وبالتالي تضغط على الهيئة الشرعية من ناحيتين الأولى: أن تنظر إلى المنتجات وتحاول إيجاد بدائل، والثانية التسريع في الإجراءات من أجل الوصول إلى هذه المنتجات، ومن أجل المنافسة في السوق، متأسفاً من عدم قدرة المؤسسات الشرعية على العمل بنفس كفاءة حركة الاقتصاد في العالم، ذاكراً أنه عندما نفكر في مسألة ونوجد بديلاً للصكوك والسندات تكون المؤسسات المالية العالمية أوجدت العديد من المنتجات وأدخلتها إلى الأسواق، وهذه لا شك تسبب ضغطا قويا على البنوك الإسلامية، مُعتقداً أنه بسبب هذا التنافس استطعنا خلق عمل كثير، لكن نريد أن يكون هناك ضغط على المشايخ -حسب قوله- من أجل أن يشعروا بالمسؤولية تجاه البنك؛ لأنه حينما عيّنهم فهو يهدف إلى تحسين أعماله، وليستقطب أكبر عدد من الزبائن، وبالتالي يحقق مكاسب وأرباحا، مؤكداً على أن هؤلاء المشايخ من خلال عملهم يخدمون البنك وكذلك الأمة.

وأضاف: عندما نتحدث عن تمويل الأفراد فإنني في السابق كنت أعتب على البنوك بسبب التوسع فيه، لكن كانت المفاجأة عندما اكتشفت أن البعض يستفيد من هذا التمويل في الزواج، والآخر يعالج مشكلات حقيقية بأن يشتري سيارة بدلاً من الاستئجار، متمنياً بأن يساعد هذا الضغط والتنافس على إيجاد حلول حقيقية.

قواعد عادلة

وطرح الزميل «د. أحمد الجميعة» سؤالاً آخر: المتعاملون مع البنك (98%) أفراد، إذاً ما الخيارات الموجودة في المملكة؟ أعتقد أنه ليست هناك خيارات، وبالتالي يضطر الشخص إلى اللجوء إلى البنك لأخذ قرض وفي النهاية نحن ملزمون بما يصدر من البنوك والهيئة الشرعية وليس للعميل دور في إبداء رأيه!

وعلّق الشيخ «ياسر المرشدي» على ذلك قائلاً: نحن الآن نتحدث عن نسبة (98%)، بينما كنّا في السابق نملك نوافذ إسلامية وبنوك أخرى تقدم قرضاً تقليدياً، وذلك عندما كان «مصرف الراجحي» لوحده، حيث كانت جميع البنوك تقدم خدمات تقليدية إلى أن تحولت تدريجياً لتقديم منتجات إسلامية نسبة لرغبة الناس في مثل هذه المنتجات، مضيفاً أنه في الماضي لم يكن هناك إلزام، والآن صار السوق يتجه إلى المنتج الإسلامي نتيجة لرغبة الناس؛ لأنه منتج متوافق مع الشريعة الإسلامية

وبقية النسبة هي محصورة في اثنين بالمئة مقتصرة على البطاقات الائتمانية، مبيناً أن أهم التحديات التي يجب على مؤسسة النقد السعودي الالتفات إليها هو وضع قواعد منافسة عادلة بين مقدم الخدمة وبين قواعد الشفافية للمستفيدين من الخدمة، مشيراً إلى أننا لا نملك القواعد التي تسمح لنا بتحديد أن «مصرف الإنماء» -مثلاً- يؤدي عمله بوجه صحيح، مشيراً إلى أن وجود هيئة شرعية على مستوى مؤسسة النقد يعد مطلباً، وعلى المستوى التنظيمي كذلك تُعد مطلباً ضرورياً، وذلك بأن تكون هناك أنظمة وتعليمات، وأن من يعرف السوق يلاحظ كمية الأعمال الموجودة التي لا تستطيع هيئة مركزية موحدة أن تقدم المنتجات المبتكرة التي نتحدث عنها، مشيراً إلى أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى هيئات مستقلة تابعة للبنوك وأن تعقد اجتماعات متعددة خلال العام وليس اجتماعاً واحداً في العام، مُنبهاً إلى عدم تحميل الهيئات الشرعية كل المسؤوليات السلبية الناتجة عن المصرفية الإسلامية.

الرشيد: أخطاء المصرفية الإسلامية لا تنسب للشريعة بل للتطبيق.. والإختلاف بين الهيئات ليس عيباً

منتجات لا تُطبّق

وتساءل الزميل «د. أحمد الجميعة»: من الواضح أن هناك تبايناً تحكمه المصلحة الخاصة وليس العامة، هل تتفقون مع هذا الرأي؟ وأجاب «د. محمد السحيباني» قائلاً: إنه منذ أربعة قرون عندما بدأت المصرفية الإسلامية كان هناك طموح كبير لنوعية المنتجات، حيث حدث نمو كبير من حيث الكم، لكن من حيث النوع لم يكن هناك نمو مقنع، وكنا نأمل في شيء يُبنى على المشاركة مثل المضاربة، ثم واجهتنا صعوبات بسبب البيئة التي تعمل فيها البنوك، مما أدى إلى الانتقال إلى التمويل القائم على المرابحة، ثم بعد ذلك الايجار المنتهي إلى التمليك، بعدها استطعنا تجاوز الخط الأحمر ودخلنا في التورق المصرفي المنظم، ومازال هذا النظام يمثل إشكالاً كبيراً جداً بالنسبة للبنوك الإسلامية، لا من حيث سمعتها ولا من حيث الأشياء المتوقعة منها، مضيفاً أن التباين الذي حدث يعود في الأصل إلى قوة السوق والمصلحة الخاصة، إذ نجد أن كل بنك يسعى إلى أن يحصل على حصة من السوق، مبيناً أنه توجد منتجات أفضل لكنها لا تُطبق، ذاكراً أنهم باعتبارهم أكاديميين فإنهم يسعون إلى تطوير المنتجات، ويرون أنها أفضل شرعاً واقتصاداً، لكن عندما يتم عرضها على مجموعة المسؤولين في البنك يرون أنه منتج جيد لكنهم لا ينتقلون إلى مرحلة التطبيق! وقد يذكرون بعض المبررات والأسباب، ومنها أن لديهم منتجات يطبقونها وقد حققت الربح المستهدف، لهذا لا يريدون الانتقال إلى أخرى. وأشار إلى أنه لو جاء شخص إلى الهيئة وقال: إن نظام التورق الذي يقدمه أحد المصارف لا يتوافق مع الشريعة، يأتي الرد بأن هذا التورق غير متوافق مع الشريعة الإسلامية وغير متوافق مع القرارات الفقهية، وبالتالي قد يتم ايقافه وقد يمثل ذلك صدمة كبيرة، وهنا تأتي الضغوط التي تؤدي أن يبحث العلماء عن منتجات أفضل من خلال مبدأ الحاجة أم الاختراع، ذاكراً أن التورق المصرفي المنظم يتوافق شكلياً مع الشريعة، ولا يختلف عن الآثار السلبية التي يحدثها التمويل بالفائدة القائم على الدين، مؤكداً على أنه إذا وجدت الضغوطات يتم البحث عن منتجات الأصيلة التي تحقق المصالح الاقتصادية الواضحة؛ لأنها ستؤدي في نهاية المطاف - إذا تم استبعاد المنتجات المتوافقة شكلياً مع الشريعة - إلى ربط الاقتصاد الحقيقي بالتمويل، بحيث يقدم خدمات لجميع القطاعات الاقتصادية داخل السوق إذا تم بشكل أفضل.

صيغة مبتكرة

وتداخل «عبدالله الكردي» قائلاً: بالنسبة للتورق فإنه معتمد من الهيئات الشرعية ويجوز التعامل مع العملاء به، وأن هذا الابتكار تم انشاؤه بصيغة تلبي الاحتياجات، ونحن نعرف أن غالبية عملاء البنوك يحتاجون إلى السيولة النقدية أكثر من احتياجهم إلى السلع، مضيفاً أن إيجاد صيغة مبتكرة تلبي احتياجات العملاء وتخدم شريحة كبيرة من العملاء يعد عملاً جيداً، وهذا أيضاً جزء من التحديات المصرفية الإسلامية، مبيناً أننا لا نملك معايير موحدة ولا مفاهيم موحدة، وحينما ننظر إلى نشأة البنوك نجد أنها تمت بناءً على احتياجات اقتصادية واجتماعية خلال (800) عام، حيث تم ايجاد نظم وقوانين تحكمها، وأوجدوا كذلك الآليات والاجراءات والصيغ، وقد تم الاعتراف بها دولياً واقليمياً، متسائلاً: متى أُنشئت المصرفية الإسلامية؟ مُعتقداً أن أول بدايات المصرف الاسلامي عندما تم إنشاء بنك التنمية الاسلامي عام ١٩٧٤م أي قبل (40)، حيث مازالت البنية التحتية غير مكتملة لا من حيث القوانين ولا من حيث الموارد البشرية ولا من حيث الضوابط، بل ولا يوجد أبحاث ولا تسويق، مؤكداً أننا مازلنا في طور الانطلاق. وعلّق «د. محمد السحيباني»: مما لا شك فيه أن السيولة يحتاج إليها أي شخص، لكن «الكاش» ليس مقصوداً لذاته، وأن الذي يحصل على السيولة لا بد له أن ينفقها إنفاقاً معيناً، مضيفاً أن هناك منتجات يمكن أن تساعد على تحقيق هذا الغرض، ويمكن كذلك مع وجود الضغط انتشار المنتجات بشكل أفضل، مبيناً أن الملاحظ أن كثيراً من العاملين داخل الهيئة الشرعية لا يزالون يشعرون بعدم الارتياح من هذا الموضوع؛ لأنهم تحت ضغوط يومية.

د. الشلهوب: لدينا قصور كبير في معلومات التمويل الإسلامي.. ومن الخطورة التركيز فقط على قطاع الأفراد

لا يوجد تنازلات

وطرح الزميل «محمد الغنيم» سؤالا: هل حاجة العميل لمنتج معين تؤثر أو تضغط على اللجنة الشرعية في البنك للتنازل عن بعض القناعات؟ وأكد «عبدالله الكردي» أنه من خلال تعامله مع الهيئة الشرعية لأكثر من (15) عاما لم يحدث مثل هذا الشيء مطلقاً، مضيفاً أنه إذا لم تكن الهيئة الشرعية مقتنعة بالأحكام والضوابط الشرعية فإنها لن توافق؛ لأن مجال عملها يحتم دراسة احتياجات العملاء والسوق، وكذلك أفضل الحلول والممارسات والآليات التي يجب اتباعها، مبيناً أنه قد يتم عقد اجتماعات متواصلة ولأكثر من (15) مرة حتى تصل إلى آلية تلبي احتياجات العملاء وتتوافق مع أنظمة البنك، بشرط موافقة الاجراءات لأحكام الشريعة الاسلامية، ذاكراً أنه طيلة عمله مع الهيئة الشرعية لا يذكر أنها تنازلت عن ضابط من الضوابط الشرعية التي اقتنعت بها، مؤكداً أن الهيئات الشرعية الموجودة حالياً في السوق يعملون في المصارف الاسلامية منذ أن بدأت المصرفية الاسلامية في المملكة، مشيراً إلى أنه تكونت لديهم خبرة مصرفية عالية جداً، ولديهم علم وفقه في الشريعة والاقتصاد، مطالباً بتشجيع نظام المصرفية الاسلامية، مؤكداً أن البنية التحتية للمصارف الاسلامية من منتجات من خدمات وأنظمة وآليات لا تقارن بما لدى المصرفية التقليدية، بل ومن الصعب أن يتم تحجيمها في الوقت الحاضر.

استقلالية موجودة

وأوضح الشيخ «ياسر المرشدي» أن داخل البنوك الثلاثة المتوافقة مع الشريعة الاسلامية نجد استقلالية الهيئات الشرعية بحد أدنى مثل استقلالية المحاسبين القانونيين، وهو تطبيق معروف ومتبع في الشركات المساهمة، ولا شك أن التطبيق الأمثل هو وجود هيئة مركزية على مستوى المؤسسة، مضيفاً أنه لا صحة بأن الوضع الحالي غير مناسب، فهناك استقلالية مناسبة وتؤدي أعمالاً مقدرة إلى حد كبير جداً، مبيناً أن هناك أمرا مهما جداً وهو أن مؤسسة النقد بادرت الى تكوين لجنة مصرفية إسلامية في عام ٢٠٠٤م، يعمل فيها أعضاء تم اختيارهم من جميع البنوك العاملة في المملكة، وتجتمع دورياً في المعهد المصرفي، ولديها جداول أعمال ومستهدفات، ذاكراً أنه من ضمن ما سعت إليه في أعمالها إصدار كتيب عن الجودة الشرعية والأدلة التنظيمية في المصارف الاسلامية، حيث حرصت على وضع قواعد منافسة عادلة بين مقدمي الخدمة، في ظل وجود استقلالية أكثر لدى المراقب الشرعي على أعمال البنوك.

أهمية التطوير

وحول وجود ضبابية وسوء فهم لدى العميل حول بعض المنتجات التي تجاز في مصرف ولا تجاز في مصرف آخر.. أجاب الشيخ «ماجد الرشيد» قائلاً: إن التباين ليس عيباً، بل فيه ميزة وثراء، وإنما الإشكال هو أن يكون اختيار الرأي الفقهي الأسهل أحد وسائل التنافس بين البنوك، مضيفاً أن التباين في الآراء موجود في كل شيء، حتى في المقالات عبر الصحف، كذلك الخلافات موجودة في المذاهب الفقهية منذ مئات السنين، فهناك مذهب شافعي وحنبلي وحنفي، وجميعها تتفق في أمور كثيرة، لكن لديها اختلافات في بعض الفروع، مبيناً أنها لم تكن محل إشكالية يوماً ما، وسيبقى الاختلاف إلى أن تقوم الساعة، ذاكراً أن الاشكالية تكمن في تأثر عامة الناس بهذا الخلاف، مؤكداً أنه تختلف الاستقلالية الموجودة في الهيئة عن الموجودة في مهنة المحاسبة والمراجعة، لأن المحاسبة والمراجعة لديها أعراف وأنظمة موجودة، وإذا أخطأ المحاسب والمراجع في بعض الأمور يمكن أن تُسحب رخصته، متمنياً تبني الجهات الاشرافية هذا الدور، مشيراً إلى أن الهيئات الاسلامية تحتاج إلى التطوير واذا استمرت كما هي فستظل محل إشكال.

وأضاف: فيما يتعلق بارتباط الهيئة الشرعية الموحدة باللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء فيكون عن طريق اختيار أعضاء ممن لديهم العلم في فقه المعاملات والتجربة المالية والاقتصادية وتكون تابعة للجنة الدائمة من حيث ارتباطها الشرعي وعملها متعلق بالمصارف والمؤسسات المالية وتكتسب الاستقلال المنشود ويكون دور البنوك التنافس في تقديم المنتجات والخدمات بجودة أعلى وإجراءات أكثر ابداعاً واختصاراً.

توافق الفتاوى

وحول توافق الفتاوى الشرعية الصادرة مع الهيئات الشرعية مع الفتاوى الصادرة مع فتاوى الفقه الاسلامي وغيرها من الجهات المعتبرة، قال «د. صلاح الشلهوب»: في الحقيقة هناك توافق في بعض القضايا، لكن يوجد تباين كبير في موضوع التورق المصرفي، حيث يُحرمها المجامع الفقهية، مضيفاً أن الممارسات البنكية تميل إلى التورق، لكن المشكلة تكمن في أساس فكرة التورق، حيث يرى الفقهاء أنه أساس مشروع، لكن البنوك لا تزال ترى أن هناك مجالاً للتصحيح، مبيناً أن المجامع الفقهية نظرت إلى صيغ محددة وسابقة وحكمت بها، كذلك نجد الافتاء وهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية والهيئات الشرعية جميعها تعمل بطريقتها المختلفة وليس هناك نوع من التنسيق فيما بينها حتى تخرج بشيء متفق عليه، ذاكراً أن الهيكل التنظيمي للهيئات الشرعية غير فاعل، خاصةً إذا نظرنا إلى عمل المشايخ الذين ينتظرون إلى أن يأتيهم المنتج جاهزاً ثم بعد ذلك يحكمون عليه، ومن ثم يردون على صلاحيته، وهذا فيه خسارة وقت وجهد ومال، مُشدداً على أهمية أن يكون داخل هذه المؤسسات خبراء يحكمهم ضوابط ومعايير صادرة من جهة مستقلة، مشيراً إلى أنه تبقى قضية الابتكار والتنافس خاضعة للجهة المستقلة، بأن تضع دليل الاجراءات وأن تضع حداً أدنى متفقا عليه من المعاملات، وأن يكون كذلك لديها نوع من المراقبة، وبهذا نستطيع إخراج عمل متسق ومنتظم فيه التنافس والابتكار وليس التنافس والبحث عن الفتاوى السهلة من أجل التسريع في إجازة المنتج.

الكردي: اختلاف ضوابط الخدمات بين البنوك «رحمة» للعملاء

ضياع الجهود

وعلّق الشيخ «ياسر المرشدي» على مقولة أن الهيئة الشرعية تظل في حالة انتظار حتى يأتيها المنتج بعد جهد كبير من الإدارات، ثم تعترض على المنتج ويضيع الجهد والمال والوقت، وقال: أنا حسب خبرتي وعملي السابق في «بنك الراجحي» وفي «بنك الانماء» إضافةً إلى معرفتي ل»بنك البلاد» كل هذه البنوك الثلاثة لديها إدارة تطوير المنتجات، وكذلك عرض مبدئي للفكرة على الهيئة الشرعية كتوليد فكرة أو كمنتج، سواء كانت المبادرة من جهة الأعمال أو من جهة الشرعيين، لكنهم لا يعلمون عن مدى جودتها في مجال الاستثمار، أو مبادرات تأتي من خلال بحوث ومشاركات في مؤتمرات وندوات، فالحاصل أخذ الفكرة الى المطبخ المتخصص في تطوير المنتجات ثم عرضها على الهيئة الشرعية مرة واحدة، وبالتالي تكون الهيئة خارجة عن الصورة تماماً مما يؤدي الى ضياع الجهود، مشيراً إلى أن هناك إدارة خاصة لتطوير المنتجات داخل البنوك وفي قطاع الشركات والتجزئة والخزينة، تعمل بالاستقصاء والالتماس لتحديد احتياج معين من خلال بلورة مشروع منتج إسلامي، ومن ثم طرح الفكرة على الهيئة الشرعية، ومن هنا تبدأ عملية ممارسة التطوير حتى تبلور في شكل مشروع كامل.

لا يوجد تغيير

وقال الشيخ «ماجد الرشيد»: إن تطوير المنتجات لا يُعد إشكالية في المنتجات الاسلامية فقط، مبيناً أن البنوك في المملكة لديها ميزة تنافسية كبيرة جداً، وأن أرباحها أكثر من أي بلد آخر في العالم، ذاكراً أنه ليست لدينا حاجة في الابتكار حتى لو كانت المنتجات تقليدية، مؤكداً على أن الخلل الموجود في تطوير المنتجات أكبر من أن يكون متعلقاً بالمصرفية الاسلامية، حيث يكمن في كامل الصنعة؛ لأن البنك يحصل أرباحاً كبيرة دون تغيير يذكر في منتجاته، مشيراً إلى أنه طيلة عمله في البنوك ولمدة تزيد على (15) عاما لم يرى تغيراً إلاّ في منتجات محدودة.

اقتصاد إسلامي

وتداخل الزميل «خالد الربيش» قائلاً: إن الاختلاف أو التباين الذي نراه لدى الأشخاص الذين يعملون في البنوك دليل على حاجتنا إلى مرجعية رسمية في هذا الجانب، ليس فقط للاقرار والموافقة، وإنما لإعطاء رأي واضح، وليس للعملاء فقط، وإنما للرأي العام؛ لأننا اليوم نتعامل مع قضية حساسة، شرعي وتقليدي، مؤكداً على أن وجود مرجعية رسمية مهم جداً ليس فقط لاقرار المنتجات، وإنما أيضاً لضبط التصريحات الاعلامية، متسائلاً: كيف نُقيّم واقع الكليات والجامعات في مخرجات الطلاب والطالبات في قضية الاقتصاد الاسلامي بصفة عامة؟

وعلّق «د. محمد السحيباني»: في الواقع كان هناك قسم للاقتصاد الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تم إنشاؤه عام ١٣٩٨ه، وقد تخرج فيه عدد كبير من الدفعات، حيث كان لهم دور في تطوير المؤسسات المالية الحالية، وعندما زاد الطلب أدى إلى تحويل القسم الى كلية للاقتصاد الاسلامي، وذلك بأن يدرس الطالب مواد الاقتصاد الكلي مثل الاقتصاد والتمويل والمحاسبة وإدارة الأعمال والأعمال المصرفية، مضيفاً أنه الآن تمت إضافة التأمين والمخاطر، بحيث يدرس الطالب بشكل معمق وبخلفية شرعية، إلى جانب أقسام حديثة مثل التمويل والأعمال المصرفية، مبيناً أن الكلية تسهم في تطوير العمل المصرفي، وهناك توظيف مقبول لهؤلاء الخريجين، إلاّ أنها تحتاج الى زيادة برامج «الماجستير» و»الدكتوراه»، مشيراً إلى أنه بدأت جامعة الملك عبدالعزيز في إنشاء برنامج التنمية الإسلامي التنفيذي، وهو البرنامج الوحيد، موضحاً أن الخبراء الذين أعدوا الدراسة اكتشفوا أن هناك عدداً كبيراً من برامج الدراسات العليا في العالم والمتخصصة في التمويل الاسلامي، وعلى الرغم أن المملكة تُعد من أكبر الدول التي لها دور في هذا المجال، إلاّ أنه ليس لديها برامج في التمويل الاسلامي، متمنياً أن يكون ذلك في المستقبل القريب، وأن تطوّر قدرات الكلية.

غياب التنظيمات

وطرح الزميل «فهد الثنيان» سؤالاً قال فيه: هل هناك نقص في المختصين في مجال المصارف الاسلامية؟ وما تفسير ذلك؟

وأجاب «د. محمد السحيباني»: الأمر لا يعود إلى نقص في المختصين، إنما يعود إلى غياب التنظيمات التي تساعد في الحركة الشرعية، والتي تمنع عمل العضو في أكثر من ثلاث هيئات، ونحن لا نعاني من نقص في المختصين بل المملكة تعد من الدول المصدرة للعلماء المتخصصين في الشريعة، وهم متخصصون في هذا الجانب، بل نحن في حاجة الى تنظيم يشجع على تكوين جيل آخر من العلماء.

وتداخل «عبدالله الكردي» قائلاً: هناك بالفعل نقص في المتخصصين في فقه المعاملات، بل ليس لدينا معاهد وكليات وجامعات متخصصة في هذا الجانب، مما جعلني أُسافر إلى الخارج لدراسة المصارف الاسلامية، مؤكداً أن لدينا قصورا نوعيا في الموارد البشرية، وقصورا في مراكز التدريب التي تُخرج أشخاصا في مجال الشريعة والمصارف الاسلامية، مبيناً أن سبب تكرار الأشخاص العاملين في الهيئات الشرعية فذلك يعود لأنهم يملكون الخبرة المصرفية، وكذلك هم علماء في الاقتصاد وفي فقه المعاملات الاسلامية، إضافةً إلى أنهم اكتسبوا احترام وقبول الناس ويثقون فيهم، مُشدداً على أهمية إنشاء مرجعية تضع الأطر وتؤصل المعاملات، وكذلك وجود كوادر متخصصة، إضافةً إلى معايير توحيد وتنظيم العمليات المصرفية.

الدور الرقابي والشفافية

أكد الزميل "د. أحمدالجميعة" أن أسلمة التعاملات المالية واحدة من الخطوات التي بدأت ينتهجها كثير من المصارف والبنوك السعودية، لترميم كثير من الفجوات والثغرات التي كانت موجودة في بعض الإجراءات، بل وبدأت تعيد هندستها بما يضمن الوصول إلى منتج إسلامي يقبل به جميع الأطراف، ويحقق معادلة إيجابية في السوق بين العرض والطلب، وأكثر من ذلك التهيئة إلى مثل هذه التعاملات التي تخدم وتضمن جميع التعاملات المالية، سواء كان من مصرف أو بنك أو جهة أخرى، وبين العميل الآخر الذي يتطلع أن تكون هذه التعاملات والإجراءات إسلامية.

وأضاف أن الدور الرقابي مهم، والشفافية أهم، وأن التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في أسلمة التعاملات المالية كبيرة، مشيراً إلى أن واقع اليوم في التعاملات المالية والمصرفية الإسلامية ليس سواء، وأن التباين الموجود اليوم في الصيرفة الإسلامية وخصوصاً في المصارف والبنوك السعودية عامةً، قد يكون إيجابياً من جانب، وسلبياً من جانب آخر، إلا أن ما يردم هذه الهوة هو وجود الهيئات الشرعية داخل هذه المصارف، ما يحتم وجود وعي من قبل المستهلك ومن قبل العميل؛ لفهم الإجراءات وتطورات العملية المصرفية في المملكة.

وعن واقع المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية في المملكة، أكد الشيخ "ماجد الرشيد" أن الواقع في المصارف متباين ولا يمكن الحكم عليه بحكم واحد، إذ هناك بعض المصارف ذات أداء لا بأس به، وهناك كذلك محاولات جادة ورغبة ملحة في التصحيح، وتطبيق منتجات حقيقية إسلامية، وإن كانت غير خالية من الاشكالات، مضيفاً أن بعض البنوك تضع تجارب في المنتديات الإسلامية وتراعي فيها رغبات العملاء إلى حد قد يشكرون عليها، لكنه غير كاف ولا يحقق ما هو منتظر، مبيناً أن بعض الدول فرضت نظاماً يشترط إمّا أن يكون المصرف إسلامياً وإما يكون تقليدياً، وألاّ يقدم خدمتين في وقت واحد، وهذا لا يعني أن أي مصرف لدينا في المملكة يقدم خدمتين يجب أن ينفصل، وإنما المطلوب أن تكون هناك رؤية واضحة وتفريق واضح أمام العملاء بين الخدمات التي تقدم حتى يستطيع العميل أن يقوّم الخدمات التي تقدم من البنك بشكل موضوعي.

الوضع الحالي «غير صحي»!

تداخل «د. محمد السحيباني» قائلاً: إن هذا الموضوع مرتبط بالحكومة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، وهو نموذج تبنته بعض الدول مثل ماليزيا والمملكة، مضيفاً أن النموذج الماليزي مختلف عن السعودي، حيث نشأ بدعم حكومي كامل بينما السعودي نشأ نتيجة مواءمة لمبادرات نشأت من السوق ومن القطاع الخاص متوافقاً مع ما تركز عليه مؤسسة النقد السعودي من حيث الالتزام بمعايير السياسة النقدية السليمة، مبيناً أنه فيما يتعلق بحوكمة الشركات فتأتي مسألة استقلالية الهيئات الشرعية في اتخاذ القرار، وأنه يجب ألاّ ننكر الدور الذي أدته الهيئات الشرعية خاصةً الدور الريادي الذي عملت به هيئة «الراجحي» ثم «بنك البلاد» الذي يؤدي الآن دوراً كبيراً من خلال الأنشطة واصدار العديد من الكتب والأدلة المختلفة، وإن شاء الله نرى شيئاً مماثلاً من «بنك الإنماء»، مخالفاً فكرة توحيد أعمال الهيئات الشرعية في البنوك؛ لأنه لابد أن يكون الابداع في تطوير المنتجات؛ لأنك كلما فرضت قيوداً فإنك ستحد من الابداع، وفي الشريعة المباح لا نهائي، وأن الممنوع هو المحدود والمقيّد، مُشدداً على أن الاستقلالية مهمة جداً، لكن كيف تتم هذه الاستقلالية؟، وما الأسلوب الأنسب للحوكمة الشرعية والمؤسسات المالية؟.

وأضاف: أرى أن تستمر المؤسسات المالية في أن يكون لديها مستشارون شرعيون وليست بالضرورة هيئات شرعية، وأن تكون هناك هيئة موحدة تكون مهمتها النظر في الإشكالات التي تظهر من المنتجات، ولا تُجيزها لأنها قد تتسبب في بعض القيود، ذاكراً أنه عندما تحدث مشكلة تكون الهيئة مرجعاً، ويكون قرارها نهائياً ومعتمداً من المحاكم، وهذا هو النموذج الماليزي، حيث توجد لديهم هيئة تتبع للبنك المركزي ومهمتها النظر في المشكلات التي تقع وقرارها نهائي ومعتمد، لافتاً إلى أن هذا أهم الاقتراحات التي يمكن أن تحل محل الهيئة الشرعية الموحدة، ذاكراً أن الوضع الراهن غير صحي»!.

ما المطلوب؟

د.صلاح الشلهوب:

* على الجهات الرسمية والبنوك ومؤسسة النقد الاهتمام بالمصرفية الإسلامية والعمل على اكسابها اعترافاً دولياً

د.محمد السحيباني:

* يجب على البنوك الإسلامية إنشاء شركة متخصصة في تطوير المنتجات، كما تم إنشاء الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية -سمة-.

* لابد من قرار يتبني المصرفية الاسلامية من خلال وضع الأُطر التنظيمية الملائمة وقواعد الحركة.

* يجب الاستثمار في الموارد البشرية من خلال الجامعات والمعهد المصرفي، وكذلك تدريب الموظفين.

* تطوير المنتجات الجديدة، وإلزام البنوك بتخصيص نسبة سنوية من الايرادات لابتكار المنتجات.

ماجد الرشيد:

* يجب ألا يكون الخلاف الفقهي بين الهيئات الشرعية وسيلة للتسويق تؤثر في عامة الناس.

* دعوة المعنيين لدراسة تأسيس هيئة شرعية "مستقلة" تابعة للجنة الدائمة للإفتاء.

ياسر المرشدي:

* نحتاج من الجهات الإشرافية والتنظيمية تفعيل القوانين والأنظمة الإشرافية.

* وضع قواعد عادلة للمنافسة بين مقدم الخدمة وبين قواعد الشفافية للمستفيدين من الخدمة.

عبدالله الكردي:

* يجب تطوير العنصر البشري العامل بالمصرفية الإسلامية بالتأهيل والتدريب من خلال الاعتماد على مراكز تأهيل متخصصة.

http://www.alriyadh.com/1024549

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك