الفوضويّة

 

عبد الله بن إبراهيم الكعيد

    استعاد فلاسفة قارة أوروبا العجوز في بداية القرن التاسع عشر وما تلاه وهج الفلسفة وظهرت نظريات الوجودية والبنيوية التي هي في أصلها تساؤلات تتعلق بحياة الانسان فكره وغرض وجوده، وعلاقته بالأشياء.

هذه النظريات وغيرها دعمت العلوم الإنسانية كالنفس والاجتماع وحتى الاقتصاد ما أثر في مسيرة تلك العلوم وبالتالي شكّل سلوك إنسان أوروبا والعالم لاحقا.

حين يقرأ أحدنا مثل هذا التاريخ يعنّ في ذهنه سؤال ماذا عنّا في أوسط الشرق أرض العرب مهبط الرسالات السماوية ومهد الحضارات العريقة وقنطرة حركة العلم ما بين الغرب والشرق؟

بعد أفول عصور العلم والعلماء في الدولة العباسيّة وخصوصا في حقبتها الذهبية (758 - 847م) حقبة تفرّدت بتشجيع مطلق للعلوم من فلسفة وطب ورياضيات وفلك واهتمام بعلوم اليونان، قلت بعد أفول تلك العصور أفلَت معها تدريجيا سمعة العرب علميا وفكريا وحتى القيم السلوكية التي اشتهروا بها عن غيرهم آنذاك.

لن أخوض في أسباب ذلك الأفول ومن ثم الانحدار فهذه مهمة المؤرخين والباحثين ولستُ منهم، ولكني سأطرح بعض الأسئلة التي أراها أهم أدوات الكاتب وأترك فضاء الأجوبة مشرعا للجميع. الأسئلة كما هو معروف تُحرّك المياه الراكدة فلعل راكدنا يتحرّك ويُحرّك معه جمود حال اليوم غير السارّة.

أقول: إذا كان لدى غير العرب نظريات فلسفية يستقون منها علومهم الانسانية مثل الوجودية والبنيوية وما بعد الحداثة وغيرها فلدينا أهم وأقوى نظرية تُسيطر على مفاصل حياتنا هي بلا فخر "الفوضويّة"!

نعم الفوضوية القميئة بكل معانيها. لا أُطلق الكلام جُزافا ولا أمارس في وصفي هذا جلد الذات بل أنقل واقعاً مؤلما يمتد من ضفاف الأطلسي غربا وحتى شواطئ الخليج العربي شرقا. صحيح أنه واقع مؤسف، ولكن هذه هي الحال يا من تنشد عنها.

الفوضوية عنوان عريض للأمة على المستوى (العام) الرسمي أو الأهلي ويتفرّع منه وعنه تفاصيل صغيرة تقبع في سلوك الأفراد ولو فتّش كل منّا في سلوكه لوجد شيئا من الفوضى غير الحميدة تندس هنا أو هناك.

في المنزل والشارع، على الطريق وفي المدرسة والجامعة، في المطارات وعند الخروج من الجوامع بعد صلاة الجُمع والأعياد، في الأعراس والولائم والاحتفالات، على طاولة الحوار وفي المنتديات ..الخ نمارس فوضويتنا عيانا بيانا دون حياء أو خجل.

حتى القوانين عجزت عن لجم تلك الفوضى. السؤال الكبير لماذا كل هذا؟

بقي أن اقول ارجعوا لمشاهد ثورات ما يُسمى بالربيع العربي حتى تصلوا (ربما) لقناعة بأننا أسياد نظرية "الفوضوية" بامتياز.

http://www.alriyadh.com/1119659

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك