التعددية من مقومات التنمية

 منى حيدر الطائي

  إن التعددية السياسية ظاهرة ليست بالجديدة في المجتمع الواحد وإنما هي ظاهرة قديمة وخير دليل على ذلك في الآيتين الكريمتين، (12-13 من سورة الأحزاب)، حيث نجد قول الله سبحانهُ وتعالى (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد)، (وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب)، والتعددية الحزبية وجدت قبل البعثة النبوية وخلالها، حيث كان المجتمع المكي هو الوعاء الذي يستوعب جميع الذين يعيشون فيهِ، حيث كانت كل قبيلة من القبائل تشكل حزباً قائماً بحد ذاتهِ ومستقلاً عن الأحزاب الأخرى، وكانت الزعامة أي السلطة يتم توزيعها عن طريق الاتفاق بين الأحزاب أو الكتل التي كانت موجودة آنذاك والدليل على ذلك قول الله سبحانهُ وتعالى في الآيتين الكريمتين (20 و22) من سورة الأحزاب (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو إنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائهم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً) ، (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسولهُ وصدق الله ورسولهُ وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) الأحزاب المعنية في السورتين المذكورتين أعلاه هي الكتائب التي كونت جيش مكة المشرك الذي تجحفل لحرب المسلمين في غزوة الخندق، وقد أشار الرسول محمد (ص) إلى وجود التعددية الحزبية عند اليهود والنصارى، حيث أكد إن اليهود تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة وتفرق النصارى على اثنتين وسبعين فرقة .

ومن خلال الاستعراض السريع لتاريخ التعددية الذي يهمنا هنا هو تعريف ظاهرة التعددية الحزبية، فيعرفها د.سعد الدين إبراهيم على إنها “مشروعية تعدد القوى والآراء وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار في مجتمعها .

  بينما يعرفها د.محمد عابد الجابري بأنها “مظهر من مظاهر الحداثة التي هي أولاً وقبل كل شيء وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه “الحرب” عن طريق السياسة أو بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار السلم القائم على الحلول الوسطية .

   والخلاصة التي نستطيع أن نحددها إجمالاً إن التعددية لها نماذج عدة فمنها التعددية الحقيقية ومنها التعددية الشكلية، فالتعددية الحقيقية قائمة على وجود أحزاب مختلفة من البرامج والأيديولوجيات، وهذه الأحزاب تتنافس فيما بينها عن طريق الانتخابات الحرة التي تحري بصورة دورية، أما التعددية  الشكلية فهي في إطارها الخارجي تحمل مظاهر التعددية ، أي تكون من عدة أحزاب، ولكن النظام القائم أقرب إلى نظام الحزب القائم، وهو الحزب المسيطر، ومن هذا فإن التعددية تعني الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية واختلاف في البرامج والأيديولوجيات والمصالح والتكوينات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية.

   ووفقاً إلى ذلك فإن التعددية تعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق الديمقراطية ومظهر من مظاهرها الأساسية وعنصر من عناصر وجود الديمقراطية، ولكن لا يغيب عن البال إن تحقيقها هو أمر سهل، لذلك لا يمكن تحقيق الديمقراطية، بين عشيةً وضحاها “فإرساء نظام ديمقراطي معناه إقامة بنيان متكامل يشمل مكونات عديدة مثل الضمانات المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير العلني، وتكوين الجمعيات والانضمام إليها وسيادة القانون، وإجراء انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها الجميع على فترات دورية، ووجود نظام متعدد الأحزاب يسمح بتداول السلطة بصورة رسمية ومنظمة، وفوق ذلك ضرورة وجود نظام للضبط والمراقبة يجعل المنتخبين للمناصب العامة، مسؤولين مسؤولية كاملة أمام الناخبين” لذلك فأن مبدأ إقرار التعددية لا يعني تحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فئة أو جهة واحدة أو طائفة اجتماعية معينة، أو بدون التداول السلمي للسلطة، وتوزيع الثروة بين الجميع وفقاً إلى مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق والجدارة، وبدون ذلك فمن الصعب الادعاء بتحقيق الديمقراطية “.

 بهذا المعنى تعتبر الديمقراطية شكلاً من أشكال ممارسة السلطة، على أن يكون هناك اتفاق ووئام بين جميع أعضاء الجماعة الوطنية والقوى والأحزاب على شكل الممارسة، فالمسألة الديمقراطية تبقى شكلية دون مساهمة الجميع في ممارستها، بحيث تحقق في النهاية الوحدة الوطنية عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية المؤثرة في المجتمع التي بإمكانها المشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار العام والحفاظ على مبدأ تداول السلطة عن طريق:

  1. 1.  مبدأ سيادة القانون.
  2. 2.  مبدأ عدم الجمع بين السلطات.
  3. 3.  مبدأ لا سيادة لفرد ولا قلة على الشعب.
  4. 4.  مبدأ ضمان حقوق الأفراد.

 ووفقاً إلى ذلك فالديمقراطية بهذه الحالة ليست فقط أحزاباً أو انتخاباً، وإنما هي مجموعة من الأفكار والقيم التي ينتجها أفراد المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة السياسية والتوجيهية، وإن أهم هذه القيم هي الإيمان بالتعددية والتآخي واحترام الآخر والانفتاح الفكري .

 إن الإطار القانوني والمؤسسي لنظام التعددية السياسية والحزبية الذي يجب أن يقوم عليهِ النظام السياسي في أي بلد هو.

1  -إن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يمارسها بطريقة غير مباشرة عن طريق المجالس المحلية والمنتخبة.

2-يجب أن يقوم النظام السياسي على التعددية السياسية والحزبية وذلك من أجل تداول السلطة سلمياً وتنظيم الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي، ولا يحق استغلال الوظيفة العامة أو المال لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين.

3 جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة.

5-يجب أن تكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي وحرية الصحافة.

6-    كل مواطن له الحق في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء.

7-    الاعتماد على مبدأ حرية النشاط الاقتصادي.

8-    العمل على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

– يجب أن يقوم المجتمع على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة.

http://www.azzaman.com/?p=141641

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك