روسيا والخيار الإجباري

د. مطلق بن سعود المطيري

    أتاحت الأزمة السورية لموسكو فرصاً عديدة في المنطقة لعل أبرزها تسجيل نقاط انتصار واضح على الخصم الأميركي، فخمس سنوات من عمر الصراع الدامي بين السوريين دون أن يكون هناك حسم لصالح طرف من أطراف الصراع، مدة طويلة سجلت كلها لصالح موسكو، فقد برزت في هذه الأزمة القدرة الروسية الدبلوماسية على تعطيل جميع القرارات الأممية التي تدين النظام السوري، كما ان هذه الدبلوماسية أثبتت للعالم بأنها تمتلك كل إمكانيات الضغط السياسي وتجيد توظيفها في الوقت المناسب فجميع اتفاقات جنيف الأول والثاني كانت القدرات السياسية الروسية هي من تحدد مسار المفاوضات من بداياتها إلى نهاياتها، وعرفت العالم بان اللعبة خرجت من يد واشنطن ولم تستطع ترجيعها الى مربع تتساوى فيه فرص المناورة بين موسكو وخصومها، فموسكو جعلت وجود الوفد المفاوض الأميركي يؤدي وظيفة واحدة فقط هو التقاط الصور الإعلامية..

من هذا المدخل نجد أن التنبؤات تذهب الى خلاصة واحدة مفادها ان الحل السياسي للأزمة السورية لابد أن يمر عبر القناة الروسية، فالوجود الأميركي مهما تمتع بإمكانات عظيمة يحتاجها أنصار الشعب السوري للاستعانة بها لفرض حل سياسي يستبعد نظام بشار الأسد، لم يعد لها قيمة فعلية على أرض الواقع، خاصة وان واشنطن ترى القضاء على داعش مقدماً على إزالة حكم الأسد، أما روسيا فقد جعلت محاربة داعش مقرونة ببقاء النظام السوري، وذهبت الى المشاركة الدولية للقضاء على داعش، وانفردت هي مع طهران بحماية نظام بشار، وكلتا المهمتين تنفذان في جغرافية واحدة، فكل هزيمة تحققها دول التحالف على داعش تصب في مصلحة نظام بشار الأسد، وكل تهديد لنظام بشار الأسد يصب في صالح داعش، ففي الخمس سنوات التي هي عمر الأزمة السورية شكلت روسيا الواقع على هاتين الفرضيتين، أما داعش او النظام السوري، فمنذ بداية الأزمة السورية وروسيا تؤكد على صفة واحدة للصراع وهي أن الصراع بين النظام والإرهاب، وعرفت كيف تستفيد من قيادة واشنطن لقوات التحالف في ضربها لداعش، فجعلت تلك القوات تعمل لصالح نظام الأسد، وانسحابها من ضرب داعش يعد انتصاراً للإرهاب، فتورطت واشنطن بغباء بحماية النظام السوري، بدون أن تقضي على الإرهاب، الأمر الذي دفعها للتفكير في الخيار البري لمحاربة داعش، إلا ان هذا القرار جاء في الوقت الخطأ، فالعراق الذي أصبح شريكاً استراتيجياً لموسكو في محاربة الإرهاب وأنشأ لهذه الشراكة مركزاً معلوماتياً في بغداد يعارض وجود قوات برية على أرضه ووصف هذا العمل على لسان رئيس وزرائه حيدر العبادي بانه عمل معادٍ ويعد احتلالاً وسيتخذ كل الإجراءات السياسية والعسكرية لمقاومته، وهذا منحى جديد وخطير ليس في محاربة الإرهاب ولكن أيضا في القضية السورية، فكل العمليات العسكرية التي ستنفذ في العراق لمحاربة الإرهاب تم تقنينها وحصرها بالقوات الجوية وضربها سيكون على أهداف معلنة مسبقاً ومقبولة من جميع الأطراف، فالقوات البرية منحصرة في العراق وإيران وموسكو وجميعها دول تدعم النظام السوري، لذا سيكون الخيار السياسي لحل الأزمة السورية هو خيار إجباري ووحيد أمام الأطراف المعنية بالأزمة السورية، وهذا الخيار بيد موسكو وكل خيار سواه سيمد بعمر الأزمة إلى 50 عاماً قادماً وإلى مناطق تتعدى الأراضي السورية.

http://www.alriyadh.com/1107367

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك