في الإسلام وعند الأمم السابقة: حقيقة الشورى

عبد العزيز عماري

 

 
كلمة الشورى بما تعنيه من التعاون وتكثيف الجهود بغية الوصول إلى الرأي الصواب الذي فيه مصلحة الأمة عن طريق جلب أعلى المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين هي مما جاء به الإسلام وحث عليه، بل إن هناك سورة في القرآن سميت سورة الشورى تنويها بمقامها، وهي أيضا تراث بشري مشترك بين الأمم، وهذا ما سنحاول بيانه في مقالنا هذا.

 

تعريف الشورى

 

بالرجوع إلى معاجم اللغة يتبين أن من معاني الشورى الاستخراج، فيقال: «شار العسل شورا وشيارا وشيارة ومشارا استخرجه من الوقبة» (1). ويقول الراغب في المفردات: «ومنها الشوار ما يبدو من المتاع ويكنى به عن الفرح كما يكنى به عن المتاع، ومنها شرط الدابة والتشاور والمشورة والمشاورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض» (2).

 

«وشــاوره في الأمـــر واستشـــــاره بمعنى» (3). مما سبق يتضح أن الشورى عملية استخراج الآراء المتعددة في أمر ما مع تقليبه جيدا وفحصه للموازنة بين المصلحة والمفسدة واختيار أنفع الآراء وأجودها، قال بدر الدين العيني «وحاصل معنى شاورته عرضت عليه أمري حتى يدلني على الصواب منه» (4).

 

وكلمة الشورى عند أكثر العلماء مصدر فعل شاور قال القرطبي: «والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والذكرى» (5). وقال الشوكاني: «والشورى مصدر شاورته» (6). وقال الزمخشري: «والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور» (7). وقال البيضاوي: «وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور» (8).

 

والشورى من الأمور التي مارستها الأمم قبلنا، فهي تعد من التراث المشترك بين البشر، وقد سجل لنا القرآن الكريم بعض النماذج التي ظهر فيها أقوام يأخذون بهذا المبدأ الأساسي ويسيرون على هديه.

 

نماذج قبل الإسلام

 

ذكر القرآن الكريم قصة ملكة سبأ عندما أرسل إليها سيدنا سليمان - عليه السلام - رسالة يدعوها وقومها إلى التوحيد فلما وصلت الرسالة إليها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ } (النمل:32). ومن نماذج الشورى التي ذكرها القرآن الكريم قبل الإسلام ما كان من أمر ملك مصر زمن يوسف عليه السلام - حينما رأى رؤيا أفزعته، فقال للملإ من قومه {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ  يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تعبرون} (يوسف:43).

 

وهناك نموذج ثالث ذكره القرآن عن الشورى قبل الإسلام وهو مشاورة فرعون الطاغية للملإ من قومه في أمر موسى عليه السلام لما قامت عليه الحجة بالبيان والعقل {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) } (الشعراء:34-35).

 

ومن الملاحظات حول الشورى

 

< قصر الشورى على الكبراء والأشراف بعكس الإسلام فإن المستشار قد يكون من أحد الناس إن توفرت فيه الشروط المطلوبة في المستشار وعلى رأسها العلم والأمانة.

 

< أهل الشورى عندهم يكونون سلبيين ولا يشيرون بشيء فيه منفعة لمن شاورهم، ففي النموذج الأول عرضوا باستعدادهم للحرب ولم يذكروا شيئا فيه منفعة، وهذا أمر لا يخفى قطعا على بلقيس. وفي النموذج الثاني لم يزيدوا على الرجم بالغيب والقول بغير العلم وهذا حرام في شريعتنا {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء:36).

 

< طلب الشورى عندهم غالبا ما يكون من باب الضرورة وليس قاعدة متبعة في إدارة شؤون البلاد وسياسة الرعية.

 

لكن الشورى تختلف في الإسلام عما كانت عليه في الأمم السابقة كما سنبين إن شاء الله تعالى.

 

وردت كلمة الشورى في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع

 

< الأول في قوله تعالى {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

 

(آل عمران:159).

 

< الثاني في قوله تعالى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (البقرة:233).

 

< الثالث في قوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى:38).

 

وبالنظر إلى مجالات الشورى في الإسلام فإنها لا تنحصر في مجالي السياسة والحروب، وإن كانت تتضمنهما بعموم اللفظ بل تشمل حتى المجال الأسري كما في النموذج الثاني الذي يتحدث عن فطام الرضيع بحيث لا يحصل هذا الفطام إلا بالتشاور بين الوالدين والتراضي فيما بينهما إن كانت فيه مصلحة للمولود.

 

إلا أن الشورى في الإسلام لا يمكن أن تكون فيما ورد فيه نص صريح بالحكم لأنه لا اجتهاد مع النص. كما أن الشورى في الإسلام تعتبر مبدأ عاما للحاكم والمحكوم وشاملا لكل شؤون الحياة.

 

وإذا رجعنا إلى سنة الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  فإننا نجده يشاور أصحابه في كثير من الأمور وفي مختلف المجالات والمناسبات، وكذلك فعل خلفاؤه من بعده، حتى قال أبوهريرة  "رضي الله عنه" : «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" » (9). فقد شاور أصحابه يوم بدر في الذهاب إلى العير فقال: «أشيروا أيها الناس علي» (10). فقالوا: لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.

 

وشاورهم في أحد أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو (11). وشاور عليا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة رضي الله عنها فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين (12).

 

وبالرجوع إلى سيرة الخلفاء الراشدين نجدهم أيضا قد ساروا على نهج الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  في المشاورة، ومما حفظه التاريخ:

 

< مشاورة الصديق الصحابة في قتال مانعي الزكاة.

 

< مشاورة عمر في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: «نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإن هذى افترى» (13).

 

< مشاورة عثمان في جمع الناس على مصحف واحد، ولهذا قال علي بن أبي طالب  "رضي الله عنه" : «ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف إلا عن ملإ منا» (14). ولهذا قال البخاري في صحيحه: «وكانت الأئمة بعد النبي يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها» (15)، قال ابن حجر العسقلاني: «لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله» (16).

 

 

الهوامش

 

1- القاموس المحيط مادة «شار».

 

2- الراغب الأصفهاني، مفردات القرآن، ص.270.

 

3- مختار الصحاح مادة «شور».

 

4- عمدة القاري 24/269.

 

5- الجامع لأحكام القرآن، 16/34.

 

6- فتح القدير، 4/769.

 

7- الكشاف، 1/160.

 

8- أنوار التنزيل، 1/133.

 

9- رواه الترمذي، (1636).

 

10- رواه البخاري، (3860).

 

11- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/401.

 

12- رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب قول الله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.

 

13- رواه مالك في الموطأ، كتاب الأشربة، باب الحد في شرب الخمر.

 

14- فتح الباري، 13/416.

 

15- كتاب الاعتصام، نفس الباب السابق.

 

16- فتح الباري، 13/415.

http://alwaei.gov.kw/Site/Pages/ChildDetails.aspx?PageId=818&Vol=606

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك