مقاصد الشريعة بين أصول الفقه والتوجهات النهضوية: التأسيس والتوظيفات الحديثة

رضوان السيد

 

-I-

 

انصبّت بدايات التفكير الأصولي في التعامل مع الشريعة منذ القرن الثاني الهجري على أمرين أساسيَّين: الأول: الإلزام والتكليف، والثاني: فهم النصّ والعُرف الشرعييْن, وتحديدهما لإقدار المكلَّفين على تطبيقهما في شتّى المجالات. ومن دون تفصيلٍ كثيرٍ لا يتّسِعُ له المجال، أذكُرُ هنا نصَّين أساسيَّين أَدَّيا دوراً مِفْصلياً في العمليتين -عملية تعقُّل الإلزام والتكليف، وعملية فهم النصّ والعُرف من أجل التطبيق-: النصُّ الأولُ هو نصُّ الرسالة للإمام الشافعي(1)(-204هـ/849م)، والنصُّ الثاني هو كتابُ العِلَل لعلي بن المَديني(-235هـ/849م)(2). وبالوُسع القول: إنّ موضوع السلطة كان الشغلَ الشاغِلَ في هذين النصَّين، والنصوص اللواحق ذات الطبيعة الأُصولية والفقهية. كما أنه بالوُسع القول: إنه فيما يتصلُ بالإلزام والتكليف؛ فإنّ موضوع صاحب السلطة كان واضحاً؛ فالمُلْزِمُ والمُكَلِّفُ هو اللهُ سبحانه وتعالى؛ ولذا فإنَّ الشافعيَّ ما انشغل طويلاً في رسالته بالموضوع الأول؛ بل انشغل أكثر بموضوعٍ آخر وهو مصادرُ التشريع، أو أيُّ النصوص هي التي تعدّ إلهيةً أو من لَوَاحق الإلهي. ويعرفُ المشتغلون بتاريخ التشريع الإسلامي أنّ الشافعيَّ ألحق السُنّة النبوية بالمفهوم الجديد بالنصّ القرآني في الحُجية أو الإلزام. وفيما عدا ذلك انصبَّ جَهدُهُ على العملية الثانية -أي عملية الفهم، أو تنزيل النصوص على الوقائع- فدرس البيانَ أو القواعدَ اللُّغَوية الضروريةَ لفهم النصّ، وعدّ القياسَ وسيلةً وحيدةً للربْط بين النصّ والوقائع المتغيّرة, وقد احتار بعضَ الشيء بعد هذا التحديد المُحْكَم في الإجماع، وهل يُلحقُهُ بالنصوص أو المصادر، أو يُلحقُهُ بالوسائل؛ أي وسائل فهم النصّ وإعماله مثل القياس!!

 

أمّا عليُّ بنُ المديني في العِلَل؛ فإنه اهتمَّ بموضوعٍ واحدٍ وحسْب, هو ما سمّاهُ "طبقات أهل العلم"، الذين يملكون سُلْطة فهم النصّ. فهؤلاء وحدهم -فيما رأى- يمتلكون القُدرةَ على الاشتراع, والماثلة في المعرفة بثلاثة أُمور: جَمْع القرآن؛ أي حِفْظُه، وجَمْع المرويات عن النبي، وحمل العلم الموروث من الأجيال المباركة للتجربة الأُولى: جيل الصحابة، وجيل التابعين، وجيل تابعي التابعين.

 

وقد شَهِدَ القرنُ الهجريُّ الثالث/ التاسع الميلادي صراعاً عنيفاً على كلّ شيء تقريباً؛ فقد أقبل فقهاءُ أهل الرأي والمعتزلة على المُجادلة في السُّنّة، وهل هي مصدرٌ تشريعيٌّ بالفعل مثل القرآن؟(3), كما دار جدلٌ عنيفٌ بشأن سلطة الفقيه أو المحدِّث أو المتكلّم إزاء النص، وَمَنْ له الأَولويةُ في ذلك(4). لكنْ في حوالي منتصف القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، ومع تبلْوُرِ المدارس الفقهية، ثبتت الخطوطُ الرئيسة لما ذهب إليه الشافعيُّ وابنُ المديني وتلامذتُهُما؛ بيد أنه ومنذ ذلك الحين برز قُصورٌ اختلفت التقديراتُ لأهميته في القسم الثاني من قسمَي الأصول إذا صحَّ التعبير، وهو قِسْمُ المناهج والوسائل والأدوات في فهم النصّ وإعماله أو إعمال لواحقه بغضّ النظر عن التسميات الاصطلاحية. فقد أصرَّ الفقهاءُ الأحنافُ على التمسُّك بالاستحسان الذي كان الشافعيُّ والمحدِّثون قد جادلوهُم فيه. وعاد المالكيةُ للحديث عن عمل أهل المدينة، وعن المصالح المُرسَلة, وأصرَّ الحنابلةُ على حجية قَول الصحابي أو رأْيـه(5), وكان هناك مَنْ رأى أنّ كلَّ هذه التأمُّلات يمكنُ إلحاقُـها بالقياس، ولا حـاجةَ للحديث عن مصادر أصلية وأُخرى فرعية للتشريع؛ لكنْ كان هنـاك مَنْ ذهب إلى أنّ الأمر يتـعلَّقُ بالـنظرية الفقـهية نفسِها، وبمعـنى الشـريعة ووظائفِـها، وليس الأُمور الجـزئية أو الاستكمالية وحسْـب(6). وإلى هـذه الحقـبة -في القرنـين الثالث والـرابع- يعـودُ الحـديثُ عن حكمة التشـريع، أو مقاصـده, وتنسبُ المصادرُ الأُصـوليةُ القولَ بأنّ الشـريعة إنما أُنزلت لصَون مصالح العباد، إلى المعـتزلة مثل أبي القاسم الكـعبي (-317هـ/929م), وإلى القاضي عبد الجـبار (-415هـ/1024م) في العُمَد، وشـرحه المعتمـد لأبي الحُسين البصري (-436هـ/1044م)، وإلى أبي بكر الجصّاص الفقيه الحنفي المتأثّر بالمعتزلة وصاحب كتاب (أحكام القرآن). ولا نملكُ نصوصاً للكعبي أو نقولاً عنه يَردُ فيها لفظُ المقاصد, أمّا عند عبد الجبار والبصري فهناك شذراتٌ تَرِدُ فيها ثلاثة ألفاظ مترادفة هي العِلل والمصالح والضروريات(7).

 

-II-

 

أمّا مفردُ المقاصد فَيَرِدُ لأول مرةٍ فيما نعلمُ لدى الحكيم الترمذي (من أواخر القرن الثالث الهجري)؛ وذلك في عناوين عددٍ من كتبه مثل "الصلاة ومقاصدها", ومقاصد العبودية أو عِلَلها, أو عِلَل الشريعة ومقاصدها(8). والأَمْرُ نفسُهُ نجدُهُ لدى الماتريدي(-333هـ/944م) في عنوان كتابه: مأخذ الشرائع؛ بينما يُعنْونُ أبو بكر القفاّل الشاشي(-365هـ/975م) لأحد كتبه باسم: محاسن الشريعة. ويُذكر لأبي بكر الأبهري المالكي(-375هـ/985م) عنوان كتاب هو: "مسألة الجواب والدلائل والعِلَل". ويذكر مؤرّخو علم الأصول للباقلاّني(-403هـ) إيرادات في العِلَل والمقاصد؛ لكنني لم أجدها في شيء من كتبه المطبوعة بهذه الألفاظ(9). إنما مع إمام الحرمين الجُويني(-478هـ/ 1085م) تتّضحُ للمرة الأُولى معالمُ ما صار يُعرفُ بعلم المقاصد؛ فهو يكرّرُ ذلك في كتابيه: غياث الأُمَم، والبُرهان في الأصول(10), ويقول: إنّ الشريعة مَعْنيةٌ بخمسة أمور: الضرورات اللازمة لبقاء الحياة الإنسانية، مثل القصاص. وما يتعلقُ بالحاجة العامة, ولا ينتهي إلى حدّ الضرورة مثل الإجارات بين الناس. وما ليس ضرورياً ولا حاجياً بل هو من قبيل المكرُمات مثل الطهارات. والأُمور التي تتّصل بالمندوبات. وأخيراً ما لا يظهر له تعليلٌ واضحٌ ولا مقصدٌ محدَّدٌ مثل العبادات. وعندها يقول الجويني: "هذه أمورٌ كليةٌ لا نُنكر على الجملة أنها غرضُ الشارع في التعبد بالعبادات الدينية"(11), ولديه يظهرُ أيضاً تحديد الضروريـات الكبرى في الشريعة وهي صَونُ الدين، وصَونُ النفس، وصـون العقل، وصَـون النسْل، وصَون المال(12). وعن الجُويـني ينقلُ تلمـيذُهُ الغـزالي(-505هـ/1111م) في "شفاء الغليل" وفي المستصفى، وبالألفاظ نفسِها تقريباً(13)؛ لكنها تتحولُ عنده إلى فلسفةٍ للتشريع وحسْب؛ بينما كان الجويني في "غياث الأُمَم" قد أعطى تلك الضرورات وظائفَ في حالتين استثنائيتين هما: الافتقارُ إلى السلطان، والافتقار إلى النُخبة العالِمة(14)! وليـست هناك إضـافاتٌ بارزةٌ على الجـويني والغـزالي حتى القرن الثامن الهجري/ الخامس عشر الميـلادي؛ ربما باستثناء التعميـم الذي ذكره الآمدي (-631هـ/1233م) في قوله: "المقاصـدُ الخمسةُ التي لم تَخْلُ من رعايتها ملةٌ من الملل، ولا شـريعةٌ من الشـرائع وهي الـدينُ والنفـسُ والعقلُ والنسْلُ والمال"(15)؛ وباستثنـاء عز الدين بن عبد السـلام أيضاً (-660هـ/1261م) الذي كتب كتاباً مستقلاً سمّاه: قواعد الأحكام في مصالح الأنام. وقد ذكر ابن عبد السلام في مطلع كتابه أنّ الشرائع إنما أُنزلت لجلْب المصالح ودرء المفاسد, وقال في موضعٍ آخر: "معظمُ مقاصد القرآن الأمرُ باكتساب المصالح وأسبابها، والزجْر عن اكتساب المفاسد وأسبابها"(16). أمّا ابن تيمية وابن قيِّم الجوزية - وإن لم يؤلّفا في المقاصد تأليفاً مستقلاً- فإنهما يتتبعان أبواب الحياة العامة والخاصة باباً باباً ذاكرين في كلّ بابٍ المصالحَ التفصيليةَ التي رأتْها الشريعةُ فيها(17).

 

وعندما نتحدث عن"مقاصد الشريعة" اليومَ -بل ومنذ القرن التاسع عشر- فإنّ المقصودَ منها ما كتبه إبراهيم بن موسى الشاطبي(ت. حوالي 790هـ/1388م) في القرن الثامن الهجري في كتابه: المُوافقات(18), وقد قسّمه إلى قسمين كبيرين: قصْد الشارع، وقصْد المكلَّف. وهو يذكر في مقدّمته أنّه إنما ألَّف كتابه هذا لثلاثة أغراض: إيضاح أنَّ الشريعة إنما أُنزلتْ لصَون مصالح العباد، وأنه يمكن تعليلُ ذلك بالتفصيل على الأبواب، وأنه إنما أَدرك ذلك بالاستقراء؛ ولـذا فإنّ هذا القسم من علم الأصول - بخلاف أبوابه الأُخرى- هو علمٌ يقيني. وعلى سبيل المثال فإنّ المقاصد الضرورية أو المصالح الضرورية ثبت بالاستقراء أنها خمسةٌ, هي حفظُ الدين، وحفظُ النفس، وحفظُ النَسْل، وحفظُ المال، وحفظُ العقل: "وهي التي جاء حفظُها في كُلّ ملة". وبعد الضروري يأتي الحاجي والتحسيني. ثم إنّ للحفظ جانبين: الحفظ من جانب الوجود، والحفظ من جانب العدم. ثم مضى إلى بحث كلّ المسائل الأصولية والفقهية استناداً إلى هذه المبادئ ولواحقها؛ وبذلك قدَّم لأول مرةٍ نظريةً متكاملةً للشريعة وعِلَلها، والشريعة وحكمتها أو مقاصدها(19).

 

وهكذا فإننا مع الشاطبي نجدُ صياغةً شبه نهائية لنظرية الشَرْع، تعدها قسماً من أصول الفقه؛ لكنها تعْرضها عرضاً مستقلاًّ، مستفيدةً من كُلّ ما سبق؛ وبخاصةٍ ما ورد عند الجويني والغزالي وبعض الفقهاء المالكية مثل القرافي؛ مع التأكيد عشرات المرات أنّ النظرية هذه تدخُلُ في فقه التعليل؛ لكنها تقومُ في مبادئها الكبرى على الاستقراء(20). ومع اكتمال هذه الرؤية في مرحلتها الكلاسيكية يَحْسُنُ إيراد بعض الملاحظات لفهم الفروق بين المقاصد القديمة، والرؤى والاستعمالات في المرحلة الحديثة والأُخرى المُعاصرة:

 

أولاً: تُمثّلُ النظريةُ مرحلة النُضْج لدى الأُصوليين، وما نظر إليها أحدٌ في القديم باعتبارها نهوضاً بعد تعثُّر رغم الجِدّة الظاهرة في تغيُّر الرؤية أو تطورها من فقه التعليل إلى فقه حكمة التشريع.

 

ثانياً: ظلّت العلاقةُ غامضةً بين أصول الفقه ومقاصد الشريعة، فما اعتُبرت خارج الأصول، ولا جرى دَمْجُها فيه، أو حتّى اعتبارها مقدِّمةً أو فذلكةً له. أو بالأحرى القول: إنّ فقه المقاصد ما استطاع اختراق علم أصول الفقه، وصار مع الشاطبي بناءً مُوازياً.

 

ثالثاً: ما كانت لها نتائجُ مُباشِرةٌ على عمل الأصولي أو الفقيه أو القاضي؛ بمعنى أنه ما كانت لها نتائجُ تشريعيةٌ، ولا جرت مناقشةُ علائقها بالمنهج القياسي.

 

رابعاً: وبسبب الطبيعة النَظَرية لعلم المقاصد فيما يبدو، وعدم تأثيره في عمل الفقيه؛ فإنّ عمل الشاطبي ظلَّ فريداً في بابه، شأن عمل ابن خلدون المُعاصر له؛ وما جرى استثمارُهُ من جانب الفقهاء القُدامى: المالكية أو غيرهم. فللشاطبي فتاوى أثَّرت فيمن بعده, وله كتاب "الاعتصام" الذي لم ينقطع الرجوعُ إليه(21)؛ أمّا "الموافقات" فقد اقتصر الأمر بشأنها على الثناء, أو الاستغراب والإعجاب في الوقتِ نفسِه.

 

-III-

 

عندما كنتُ أقرأُ لرفاعة رافع الطهطاوي كتابه: "تخليص الإبريز" الصادر عام 1834، وكتابه الآخر: "المرشد الأمين للبنات والبنين" الصادر عام 1847 وجدْتُ للمصـالح -وأحياناً المنافع العمومية- ذكراً مُتناثراً دونـما عنايةٍ خاصة(22), ثم وجدتُ أنـه ينقُلُ ذلك من ضـمن نقولٍ مطوَّلةٍ عن كتـاب القاضـي الحنفي الطـرسوسي (-758هـ/1356م) المسمَّى باسم: "تحفة التُرك فيما يجب أن يُعمل في الملك"(23). والطهطاوي ما كان يرى ضرورةً للإصلاح الديني، وإنما الضرورة في الإصلاح المَدَني؛ لأنّ في ذلك مصالح للمسلمين. أمّا خير الدين التونسي فقد استعرض في" أقوم المسالك" تجارب أهمّ الدول الأوروبية في عصره في النهوض والتنظيم, وقدّم لذلك بمقدمةٍ تَشَبَّه فيها بابن خلدون في مقدمته, وذكر أنّ الشريعة الإسلامية كافلةٌ لمصالح الدارَين، وأنّ التنظيم أساسٌ متين لاستقامة نظام الدين. ولذلك ساءهُ أن يرى بعضَ علماء الإسلام -الموكول لأمانتهم مُراعاة أحوال الوقت في تنزيل الأحكام- مُعْرضين عن استكشاف الحوادث الداخلية، وأذهانُهم عن معرفة الأمور الخارجية خَلِيّة. ومسألةُ "الاعتبار" -أي قياس الحال على الحال- مقولةٌ خلدونيةٌ بارزةٌ؛ لكنّ خير الدين يطلُبُ من علماء الدين دَعْمَ مسألة التنظيمات أو مؤسَّسات الدولة الحديثة لسببين: لأنّ الشريعة الإسلامية كافلةٌ لمصالح الدارين، فإنْ لم يقوموا بالاهتمام بالشأن الدنيوي أَخلُّوا بركنٍ من الركنين, فيُفضي ذلك إلى اختلال نظام الدين أيضاً. والسببُ الثاني أنّ التقدم الأوروبي -الذي طما سَيْلُهُ في الأرض- يتطلبُ اهتمام الجميع بدفع السيل، ومن ضمنهم النُخَبُ السياسيةُ والدينية. أمّا الوسيلةُ لهذين الأمرين فهي ذاتُ شقَّين أيضاً: القول باقتباس ما يُوافقُ الشريعة الإسلامية من محاسن التقدم الأوروبي، والدعوةُ لذلك بين عوامّ المسلمين الذين ما يزالون يُشدّدون الإنكارَ على مَنْ يستحسنُ شيئاً لدى غير المسلمين. والقولُ من جانب علماء الإسلام: إنّ تحقيق المصالح المستجدّة التي صارت ضروريةً لتحسين أحوال المسلمين- ومنها التنظيمات- هي من مقاصد الشريعة ومستحسَناتها. وهكذا فإنّ هناك ضرورةً للتعاون بين رجال الدين ورجال السياسة(24). وفي الفقرة رقم 34 من مقدّمة " أقوم المسالك"(25) ذكر خير الدين أخيراً المصدرَ الفقهيَّ الذي اعتمده في مطالبته رجالَ الدين الإسلامي بالمشاركة في عمليات النهوض؛ فقال: إنها رسالة بيرم الأول (1130-1214هـ/1718-1800م) في السياسة الشرعية(26), وهو يُسمّيه أستاذ المشايخ الحنفية، ومحطّ رحال الإفتاء بالديار التونسية. وقد عرَّف فيها "السياسة" بأنها القيام بما يكونُ الناسُ معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعْهُ الرسول ولا نزل به الوحْي"(27). والطريف أنّ المفتي الحنفـي أو شيخ الإسـلام لبايات تونس يأخذ هذا التعـريف للسياسة عن الحـنبلي ابن قيّم الجوزية (-751هـ/1330م)، كما يأخذ عنه الاقتباسات اللاحقة في معنى المصالح وأهميتها(28), ثم يلجأ للاقتباس من فقهاء المالكية؛ مثل المَوَّاق الأندلسي، والقرافي المالكي المصري؛ لكنه لا هو ولا خير الدين يذكران الشاطبيَّ ومُوافقاته. وقد طُبعت رسالةُ بيرم الأول بمطبعة الدولة التونسية عام 1886؛ بينما كان كتاب خير الدين قد صدر عام 1867, وبذلك يكون بيرم قد أتاح رسالته لخير الدين مخطوطةً, وقال: إنه لخّصها من كتاب الأحكام للقرافي، وكتاب الطُرُق الحكمية لابن القيّم, وأضاف إليهما ما وجده في كتب فروع الحنفية(29)!

 

يحتجُّ خير الدين إذن لإقامة مؤسسات الدولة الحديثة -الإدارية والدستورية- بفقه المصالح, ومع أنّ التأسيس حديثٌ تماماً؛ فإنه يستخدمُ- ربما بدافعٍ من بيرم الأول وأقرانه- فقه المصالح لتسويغ المشروع لرجال الدين التقليديين والعامّة, وبذلك فهو يُعطي مسألة المصالح طابعاً نهضوياً أو وظيفةً نهضويةً ما كانت لهذا الفقه في حقبته الكلاسيكية الأخيرة أيام القرافي والشاطبي. ولا ندري إن كان المصريون قد عرفوا رسالة بيرم؛ لكنّ الطهطاويَّ -الذي كان ما يزال يكتب ويؤلّف- يذكر كتاب خير الدين في أواخر السبعينات من القرن التاسع عشر(30). والمعروف أنّ تونس ومصر على السواء كانتا تمران وقتها بتجربةٍ تحديثيةٍ كبرى، إنما ما كان المصريون حتى ذلك الوقت يرون ضرورةً لإشراك رجال الدين فيها؛ بينما أدرك التونسيون ذلك وحاولوه. وفي العام 1884 -وبإسهامٍ من الدائرة الإصلاحية ذاتها- جرى طبعُ كتاب الشاطبي (الموافقات) في مطابع الدولة التونسية أيضاً. ولأنّ محمد عبده -الذي نُفيَ من مصر بعد فشل الثورة العُرابية والاحتلال البريطاني للبلاد عام 1882- مرَّ بتونس في طريقه إلى بيروتَ وباريس؛ فقد عرف كتابَ الشاطبي، وحمله معه في أسفاره، وبعد عودته إلى مصر عام 1889، وأَطْلَعَ عليه زملاءه وتلامذته(31). وقد سعى طويلاً لإعادة نشره في طبعةٍ أفضل كما طبع كتباً أُخرى؛ لكنّ الطبعة المصرية من الكتاب ما صدرت إلاّ عام 1911 بعد وفاة الشيخ عبده بِستّ سنوات. وقد استعمل محمد عبده كتاب الشاطبي في دروسه في التفسير، وفي فتاويه، وأَورث الاهتمامَ به لتلميذيه الرئيسين قاسم أمين ومحمد رشيد رضا. واكْتسب "فقهُ المقاصد" بالذات لديه وظيفةً جديدةً ثانيةً هي الدعوةُ للإصلاح الديني, وهذا واضحٌ من المقالات التي كانت تُنشَرُ في "المنار" بعد عام 1898، ومن كتابات قاسم أمين في " حرية المرأة"، و"المرأة الجديدة". ففي كلّ هذه الآثار الكتابية دعوةٌ قويةٌ للتجديد الفقهي، ولتجديد الأزهر؛ بينما كان التونسيون يعملون على تجديد " الزيتونة". وكما قام التونسيون بإنشاء "الصادقية" إلى جانب الزيتونة، أنشأ المصريون -بعد الجامعة الأهلية التي صارت الجامعة المصرية- مدرسة القضاء الشرعي. والملحوظ أنه بعد مطالع القرن العشرين فإنّ الدعوة الإصلاحية والنهضوية انقسمت إلى قسمين, تمايَزَا تماماً بعد وفاة محمد عبده عام 1905؛ فقد انصرف المهتمون من السياسيين والمثقفين بإنشاء الدولة الحديثة لفكرة التمدُّن القائم على سُنَنٍ وقوانين عمادُها أمران: المصالح العمومية التي قال بها الطهطاوي، والتنظيمات التي قال بها خير الدين التونسي. وهؤلاء لا يؤسِّسون لفكرتهم في البيئات الإسلامية عن طريق المقاصد؛ بل يعودون للقرآن مباشرةً. أمّا فقهُ المقاصد فإنه ظلَّ قوياً في أوساط المَعْنيين بالإصلاح الديني والتربوي والتعليمي, وقد استخدمه بهذا المعنى تأصيلاً وتثويراً كل من الطهطهاوي وخير الدين التونسي, ثم دخلت في استخدامه أفكار ورؤى النهوض والتقدم والمدنية. وأفضلُ ممثِّلي فكرة المدنية رفيق العظم, ومحمد عبده, وعبدالحميد الزهراوي, وقاسم أمين, وعبدالقادر المغربي, ومحمد كرد علي, وشكيب أرسلان, وعبدالعزيز جاويش, ومصطفى الغلايني. ذلك أن كلا من هؤلاء المفكرين استند بشكل أو بآخر إلى مقاصد الشريعة في التأثيث لمسألتي المدنية والحضارة بالمعنى الحديث(32)؛ بينما ظلَّ رشيد رضا مُركِّزاً على الإصلاح الديني، وهو يستخدمُ في ذلك فقه المقاصد؛ لكنه هو ومشايعوه من السلفيين الجدد لا يتجاوزون فقه التعليل أو الطريقة القياسية في الاستدلال.

 

-IV-

 

أصدرت مطبعةُ المنار كتاب "الموافقات" للشاطبي عام 1911؛ لكنّ رشيد رضا عاد عام 1922 لإصدار كتاب الشاطبي الآخر (الاعتصام)(33). والكتابان مختلفان في الروح والمقصد؛ فالموافقات كتابٌ في نظرية الشريعة، وأنها إنما أُنزلت لصون المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية للعباد. أمّا الاعتصامُ فيتضمَّنُ دعوةً حارّةً للالتزام بالكتاب والسنَّة، وهو يشبهُ في ذلك كتب "السنَّة" القديمة عند الحنابلة، وكتب "النهي عن البِدَع" عند المالكية. ويعلِّل المؤرّخون اختلاف الكتابين بالظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمرُّ بها الأندلس في القرن الثامن الهجري. أمّا لدى رشيد رضا فإنّ ذلك يعودُ إلى ميوله السَلَفية المتصاعدة، وتغيُّر الظروف في المشرق العربي بعد الحرب العالمية الأُولى. وبالوُسْع هنا أن نُضيف إلى ذلك إلغاء الخلافة، وظهور التوجُّسات من التغريب، والانفصال الذي عاد للبروز بين رجال الدين، والآخرين العاملين في إنشاء الدول الوطنية الحديثة المُعادية للإسلام، أو المُحايدة إزاءه(34). وفي حين ظلّت الدعوةُ للاجتهاد قويةً(35) لكنْ على النهج السلفي؛ فإنّ أحداً بمصر وبلاد الشام ما عاد للكتابة في فقه المصالح والمقاصد حتى مطلع السبعينات من القرن العشرين. ثم إنّ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي -الفقيه السوري المعروف، والذي كتب أُطروحته حينَها عن المصلحة وضوابطها(36)- ما كان من السلفيين، ولا من الحزبيين الإسلاميين. لقد كانت الإشكاليةُ لدى رجالات الإصلاح وفقهائه وفيما بين خمسينات القرن التاسع عشر، وثلاثينات القرن العشرين: كيف نتقدم؟ أما إشكاليةُ الإسلامي السلفي أو الإحيائي فيما بين الثلاثينات والستينات من القرن العشرين فقد صارت: كيف نحافظُ على هويتنا وخصوصيتنا وأصالتنا(37)؟! ولذلك فإنّ كتاب الموافقات للشاطبي ظلَّ رمزاً لإشكاليات الإصلاح والتجديد؛ بينما صار كتابُهُ الآخر (الاعتصام) رمزاً لصَون الهوية والحفاظ عليها، والحيلولة دون الخروج على حدود الشريعة وأحكامها.

 

على أنّ هذا الحَدَث البارزَ والمتمثّل في التحول بالمشرق العربي باتّجاه فقه الاتّباع وليس الابتداع؛ ما سرى بالمغرب العربي إلاّ بعد الستينات من القرن العشرين. ولستُ من مؤيّدي فكرة الأُستاذ محمد عابد الجابري عن الخصوصية المغربية في التاريخ والحاضر، وفي الفكر والفلسفة والفقه؛ لكنْ لا بُدَّ من الاعتراف بأنّ المغاربة -ومنذ خير الدين التونسي وبيرم الأول وسالم بوحاجب وابن أبي الضياف، والحجوي، والثعالبي- كانوا حريصين على الربط بين النهوض السياسي والإصلاح الديني(38). ثم إنّ العمل السياسيَّ الوطنيَّ ببلدان المغرب ظلَّ لعدة عقودٍ في القرن العشرين يشهدُ شراكةً بين رجل الدين ورجل العمل العامّ. ولذا ففي الوقت الذي توقّف فيه النظرُ في فقه المصالح والمقاصد بالمشرق، ظهر خلال عشرين عاماً بتونس والمغرب كتابان، وَقَعا في أساس اليقظة التي يشهدُها فقه المقاصد منذ عقدين من الزمان. ففي عام 1947 أصدر الطاهر بن عاشور كبير علماء تونس كتاباً سمّاه "مقاصد الشريعة الإسلامية", وقد قسّمه ابن عاشور إلى ثلاثة أقسام: الأول في إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها. والثاني في المقاصد العامة للتشريع. والثالث في المقاصد الخاصة بأنواع المعاملات المُعَبَّر عنها بأبواب فقه المعاملات(39). وما ادّعى ابن عاشور لكتابه غرضاً نهضوياً؛ بل قال: إنه يريد من وراء محاولته أن تكونَ نبراساً للمتفقهين عند اختلاف الأنظار وتبدُّل الأعصار، ومتى نزلت الحوادث واشتبكت النوازل, فهو أدنى في وعي ابن عاشور إلى أن يكونَ على شاكلة كتب النوازل والفتاوى لدى فقهاء المالكية؛ لكنه في الواقع أدخل فقه المقاصد في صُلْب علم أُصول الفقه، وذلك من حيث النظرية، ومن حيث استعمالُهُ في استنباط الأحكام أو أنّ ذلك كان هو ما رمى إليه، مُتجاوزاً -على غموضٍ- الطريقةَ القياسية، أو مستعملاً المقاصد خارج فقه العِلَل الخاصّة.

 

أمّا علاّل الفاسي -الزعيم الوطني المغربي، والفقيه- فإنه أصدر بعد ابن عاشور بستة عشر عاماً (1963) كتاباً سمّاه (مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها)(40), وهو -بخلاف ابن عاشور- يُصرّح بأنه إنما يريد النهوض بعلوم الشريعة، وعدم الاقتصار على ما تركه صاحبُ الموافقات قبل سبعة قرون؛ ولذا فإنه إذا كان ابنُ عاشور الرائد قد ركّز على الوظائف التشريعية الممكنة لفقه المقاصد؛ فإنّ الفاسي يُركِّزُ على فلسفة التشريع أو نظرية الشريعة؛ ولذلك فقد عقد للمرة الأولى فصلاً طويلاً عن حقوق الإنسان في الشريعة، مؤسِّساً لها على الضرورات الخمس، ومُضيفاً إليها أصل الحرية(41)، باعتباره من المصالح الأساسية. وبالوُسع القول: إنّ مؤلَّفَي ابن عاشور والفاسي قد أسَّسا للمرحلة الراهنة في الاهتمام بمقاصد الشريعة, وذلك على أساسين: الأساس النظري؛ أي الاستظلال بمقاصد الشريعة في النظام الفقهي. والأساس العملي؛ أي استخدام فقه المقاصد في الاجتهاد والتجديد الفقهي الإسلامي, وهو ما لم يحصلْ من قبل في القديم أو الحديث.

 

-V-

 

وتشهد بيئاتُ التأليف الفقهي والأُصولي منذ الثمانينات من القرن العشرين سيلاً من المؤلَّفات والأُطروحات والرسائل والمقالات في فقه المقاصد, وقد بدأَ التأليفَ فيها -بعد طُول انقطاعٍ- باحثون أكثرهم ليسوا من الفقهاء التقليديين؛ بل من شبان وكهول الإسلاميين الحزبيين، وغير الحزبيين, وبين هؤلاء سلفيون وإحيائيون. ولتلك المؤلَّفات أغراضٌ وأهدافٌ برزت أولاً لإثبات الأصالة والذاتية الإسلامية؛ ولذلك فقد كان الهمُّ أولاً إثبات إمكان قيام منظومة إسلامية فكرية وثقافية مستقلة، تتعاطى مع كلِّ موضوعات الحداثة النظرية والعملية من منظورٍ إسلامي؛ ولذلك كثُرت بحوث المقاصد التي تُعنى بإسلامية المعرفة، وإسلامية النظام المالي، والدساتير الإسلامية، وإسلامية حقوق الإنسان, ثم انصبّ الاهتمامُ فيما بعد على أُطروحة تطبيق الشريعة التي تحملُها كُلُّ الحركات الإسلامية, ووصل الأمر أخيراً إلى إعمال "مقاصد الشريعة" في إصلاح أُصول الفقه وتطويره، وفي التأسيس لفقهٍ إسلاميٍّ للقضايا والمشكلات المعاصرة, ومن الاقتصاد والمال، وإلى القانون، وبحوث الطب الجديد، وفقه المرأة، فالإعجاز العلمي للقرآن... الخ(42). وبين يديَّ للدكتور محمد كمال إمام فهرسٌ يقعُ في عدة مجلدات اسمُهُ: الدليل الإرشادي إلى مقاصد الشريعة، يعنْون لعدة آلافٍ من العروض والاجتهادات في مجالات توظيف المقاصد(43), فماذا تعني هذه الظاهرةُ الجديدةُ نسْبياً بعد الشح السابق؟

 

هناك عدةُ عناوين يمكن فهمُ الظاهرة الجديدة وتداعياتها ونتائجها من خلالها؛ فبين الستينات والثمانينات من القرن الماضي اكتمل مشروع أسلمة الحداثة والدولة الإسلامية، لدى رجالات الإحيائية الإسلامية. وتمثّلَ ذلك بظهور مئات المؤلّفات والرسائل في النواحي الداخلة تحت عنوان: نظام الإسلام. وفي الثمانينات من القرن الماضي جرى اتخاذُ فقه المقاصد -بعد تمهيداتٍ- مِظلَّةً للنظام الإسلامي العام، ووقع الأَمْرُ في قسمين: القسم الرمزي، والقسم العملي والتطبيقي. وكما في العهد الإسلامي الأول؛ فإنّ الفروعَ كانت قد ظهرت قبل الأصول وتعقيداتها، ثم جاءت أصول الفقه للتقعيد والتنظيم. وكذلك الأمر مع مسائل النظام الإسلامي الجديد؛ فقد ظهرت من ضمن مقولة الحاكمية والشمولية الإسلامية, ثم جاء فقهُ المقاصد ليعيد تنظيم تلك الفروع تحت أصولٍ عامةٍ ويقينيةٍ -كما يقال- أُطلق عليها فقه التشريع أو حكمة التشريع. وكانت لدى الإسلاميين المنصرفين لاستثمار المقاصد وفقهها صعوبتان: الصعوبة الناجمة عن الأصل القديم لأُصول الفقه، وعدم وضوح علاقة المقاصد به، وهذا أمرٌ لا يسهُلُ تجاهُلُه- والصعوبةُ الأُخرى الناجمة عن استخدامات النهضويين لفقه المقاصد في الإصلاح الديني والدولتي. وعبر حوالي الثلاثة عقود، أقبل الإسلاميون على معالجة هاتين الصعوبتين باستخدام مسألتي الاستظلال والتأصيل من جهة، وأسلمة موضوعات الحداثة من طريق وضْعها تحت المقاصد العامة للتشريع. حتّى إذا وصلوا إلى الأحكام التفصيلية، وازوا بين استخدامات النصّ في فقه المذاهب، واستخدامات المصالح وضوابطها في الفقه الجديد. وصحيحٌ أن ّالكثير من تلك الاستطلاعات والقراءات مكرّرٌ ومُعاد؛ لكنّ الإسلاميين أو فقهاء الصحوة -بالثقة التي اكتسبوها بالتجربة- يمضون غير آبهين لممارسة نفوذٍ أكبر من طريق المقاصد على الفقه, بعد أن دخلوا بقوة على جدول أعمال الفكر العربي والإسلامي خلال العقود الأربعة الماضية. ولا حاجة للقول: إنّ القرافي والشاطبي، وحتى محمد عبده, ورشيد رضا، وابن عاشور، لا علاقةَ لهم بأُطروحة النظام الإسلامي.

 

* * * *

 

هناك إذن في المجمل ثلاثُ مراحل لظهور فقه المصالح والمقاصد وحكمة التشريع. في المرحلة القديمة توصَّل الأصوليون عبر أربعة قرونٍ إلى تشكيل بنية مقاصدية مُوازية لعلم أصول الفقه، وما أمكن اختراقُ علم الأُصول، ولا إمداد الفقه نفسه -أي فقه الفروع- بروحٍ جديد غير الروح العُرفي والعملي السائد. أمّا المرحلةُ الثانيةُ فهي المرحلةُ الحديثة منذ أواسط القرن التاسع عشر وإلى ثلاثينات القرن العشرين, وخلالها جرت محاولات لجَعْل المقاصد وفقهها بمثابة لاهوت للنهوض والتقدم والإصلاح الديني، ومن خارج بنية الفقه وأُصوله معاً؛ بيد أنّ ذلك لم يصمد طويلاً، وتراجع الاهتمامُ في المشرق العربي بمسائل المقاصد وروح الشريعة وحكمتها، في حين استمرّ نوعاً ما بالمغرب العربي.

 

ويشهدُ فقه المقاصد منذ ثلاثة عقود مرحلةً ثالثةً من النهوض واتساع التأثير؛ بحيث يشكّل مظلّةً رمزيةً ومرجعيةً لأُطروحة النظام الإسلامي لدى الإسلاميين الجدد، ويحلُّ لديهم بالتدريج محلَّ أُصول الفقه القديم، ولأغراضٍ جديدةٍ وتوظيفاتٍ معاصرة(44). وهكذا فيمكن القول: إنه فقهٌ جديدٌ لزمانٍ جديد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)         الإمام الشافعي, الرسالة. نشرة أحمد محمد شاكر 1940. والطبعة الثانية، دار التراث 1399هـ/ 1979م. وقارن بمحمد أبو زهرة: الشافعي، دار الفكر العربي بمصر، ط2، ص19-21.

2)         علي بن المديني، كتاب العِلَل, نشر المكتب الإسلامي، بيروت 1973.

3)         رضوان السيد, الأمة والجماعة والسلطة، بيروت: دار اقرأ، ط2، 1984، ص62-68، وللمؤلّف: الجماعة والمجتمع والدولة، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1997، ص128-142.

4)         وائل حلاّق, نشأة الفقه الإسلامي وتطوره, بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007، ص245-264، ووائل حلاّق, السلطة المذهبية، التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي, بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007، ص101-138.

5)         عبد المجيد الصغير, الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام, بيروت, دار المنتخب العربي، 1994، ص153-219.

6)         وائل حلاّق, تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام, بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007، ص117-170.

7)         عبد المجيد الصغير, الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية، مرجع سابق، ص292-298، 347-441.

8)         أحمد الريسوني, نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي, بيروت: المؤسسة الجامعية، 1992، ص32-34. وانظر عن فقه التعليل وفقه المقاصد عند الحكيم الترمذي؛ خالد زهري: معالم الاجتهاد المقاصـدي عند الحكيـم الترمـذي؛ في: مقاصد الشريعة والاجتهاد. لنـدن, مؤسسة الفرقان، 2008 - تحرير جاسر عودة، ص157-221.

9)         الاقتباسات عن الماتريدي والقفّال والباقلاّني مأخوذة عن الريسوني: نظرية المقاصد، مرجع سابق، ص34-37.

10)       الجويني, البرهان في أصول الفقه. تحقيق عبد العظيم الديب. قطر1400هـ، م2، 1112-1128، وغياث الأُمم في التياث الظُلَم للجويني. تحقيق عبد العظيم الديب. قطر 1401هـ. ص318-326.

11)       الجويني, البرهان، مصدر سابق 2/1150.

12)       البرهان، مصدر سابق، 2/1151.

13)       الغزالي, شفاء الغليل. تحقيق حمد الكبيسي. بغداد: مطبعة الإرشاد، 1971، ص159، والمستصفى، 1-2، بيروت: دار الفكر، 1/286. وقارن عن المقاصد عند الغزالي؛ محمد عبدو: مقاصد الشريعة قبلة المجتهدين، أبو حامد الغزالي نموذجاً؛ في: مقاصد الشريعة والاجتهاد. تحرير جاسر عودة. لندن: مؤسسة الفرقان، 2008، ص101-155.

14)       قارن بعبد المجيد الصغير: الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية، مرجع سابق، ص354-430.

15)       ابن عبد السلام, قواعد الأحكام، مصدر سابق، 1/46-47.

16)       عز الدين ابن عبد السلام, قواعد الأحكام في مصالح الأنام: تحقيق وتعليق طه عبد الرؤوف سعد. بيروت: دار الجيل، 1966، 1/8-11.

17)       عن أحمد الريسوني, نظرية المقاصد، مرجع سابق، ص53-57.

18)       الشاطبي, الموافقات في أصول الشريعة. تحقيق عبد الله دراز. مصر: مكتبة الأسرة، 4 أجزاء، 1978.

19)       لدينا في العقود الخمسة الأخيرة عشرات الدراسات عن نظرية المقاصد الشاطبية. وقد قدّم نور الدين بوثوري في رسالته: مقاصد الشريعة، بيروت: دار الطليعة، 2000- مراجعة طيبة للدراسات في هذا الشأن. أمّا محمد كمال إمام فقد أصدر دليلاً إرشادياً لمقاصد الشريعة والبحوث عنها عند الشاطبي وغيره في عدة مجلدات. لندن: مؤسسة الفرقان، 2007-2010. وكان في طليعة من استندوا إلى الشاطبي في قراءة فقه المقاصد كلٌّ من الطاهر بن عاشور (في أربعينات القرن العشرين)، وعلاّل الفاسي (في الستينات). واشتهرت بعد ذلك دراسة أحمد الريسوني، ودراسة حمادي العبيدي. وقارن بقراءةٍ موجزةٍ ومختلفةٍ لها لدى وائل حلاّق في: تاريخ النظريات الفقهية، مرجع سابق، ص217-268.

20)       قارن برؤيةٍ جديدةٍ لعلاقة المقاصد بأصول الفقه؛ رسالة عبد الله بن بيّه: علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه. لندن: مؤسسة الفرقان، 2006. وقارن عن فقهي التعليل والمقاصد، سالم يفوت: حفريات المعرفة العربية الإسلامية: التعليل الفقهي. بيروت: دار الطليعة، 1990.

21)       الشاطبي, الاعتصام، 1-2، مصر: نشر بمطبعة المنار 1922 بتقديم محمد رشيد رضا. والنسخة التي بين يديّ منشورة بمكتبة الرياض الحديثة (دون تاريخ). ويقول الشاطبي في مقدمته: إنه ألّفه "في البدَع والمُحدَثات".

22)       قارن بكتابي, سياسيات الإسلام المعاصر. بيروت: دار الكتاب العربي، 1997، ص236-244.

23)       الطرسوسي, تحفة الترك, تحقيق رضوان السيد, بيروت, دار الطليعة، 1993. وقد نقل الطهطاوي عن الطرسوسي أربعة فصول، دون أن يذكره بالاسم.

24)       خير الدين التونسي, أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، 1-2. تمهيد وتحقيق: المنصف الشنوفي, تونس: المجمع التونسي للعلوم (بيت الحكمة)، 1972. الفقرات من 4 إلى 33.

25)       أقوم المسالك، م1، ص148-150.

26)       بين يديّ من تأليف بيرم الأول(محمد بن حسين بيرم), رسالة في السياسة الشرعية. تحقيق وتعليق محمد الصلح العسلي, راجعه وقدّم له عز الدين بن رغيبة, دبي, مركز جمعة الماجد، 2002.

27)       رسالة في السياسة الشرعية، مصدر سابق، ص121.

28)       نقل ابن القيّم (-751هـ/1331م) تعاريف السياسة والمصالح عن الفقيه الحنبلي ابن عقيل (من فقهاء القرن الخمس الهجري)، وذكر ذلك في كتابيه: أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين، والطرق الحكمية في السياسة الشرعية.

29)       رسالة بيرم، مصدر سابق، ص119-120.

30)       قارن عن ذلك فهمي جدعان: أسس التقدم عن مفكّري الإسلام في الأزمنة الحديثـة، الطبعة الثالثة، بيروت: الشبكة العربية، 2010، ص118-131.

31)       قارن عن ذلك كتابي: سياسيات الإسلام المُعاصر, بيروت, دار الكتاب العربي، 1997، ص221-225.

32)       قارن بعروضٍ موجزةٍ عن الفريقين لدى فهمي جدعان" أُسُس التقدم"، ورضوان السيد في "سياسيات الإسلام المُعاصر". وما يزال كتاب البرت حوراني, الفكر العربي في عصر النهضة، مُفيداً في هذا المجال.

33)       قارن بالحاشية رقم 21 من هذا البحث.

34)       رضوان السيد, سياسيات الإسلام المعاصر، مرجع سابق، ص126-145.

35)       قارن مثلاً بمقالات محمد رشيد رضا، المجموعة بعنوان: يُسر الإسلام وأصول التشريع العام، 1932. وبين يديَّ نشرةٌ من الكتاب تعود للعام 1957. وقارن بكتاب:

M. Kerr: Islamic Reform, The Political and Legal Theories of Muhammad Abduh and R, Rida, 1969.

36)       البوطي, ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية. دمشق: دار الفكر 1973. وبين يديّ من الكتاب نشرةٌ تعود للعام 1992 (الطبعة السادسة).

37)       رضوان السيد, سياسيات الإسلام، مرجع سابق، ص142-145.

38)       قارن بسعيد بنسعيد العلوي: الاجتهاد والإصلاح والتحديث بالمغرب, بيروت, دار الكتاب الجديد المتحدة، 2007.

39)       محمد الطاهر بن عاشور, مقاصد الشريعة، مصدر سابق، ص13-33. ويحمل غلاف الطبعة الأولى من الكتاب عبارة "مقرر السنة الأولى من القسم الشرعي من التعليم العالي بجامع الزيتونة".

40)       بين يديَّ من الكتاب نشرة دار الغرب الإسلامي ببيروت، 1993. وفي المقدمة أنّ الفاسي ألقى كتابه في صورة محاضرات على طلبة كلية الشريعة بالقرويين، وكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، وبفاس.

41)       الفاسي, مقاصد الشريعة، مصدر سابق، ص3-4.

42)       من مثل كتاب الريسوني السالف الذكر، وكتاب جمال الدين عطية: نحو تفعيل مقاصد الشريعة، وكتاب حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وكتاب عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني: قواعد المقاصد، وكتاب عبد النور بزا، مصالح الإنسان، مقارنةٌ مقاصدية، والكتاب المشترك (الريسوني والزحيلي وشبير): حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة، وكتاب محمد الوكيلي: فقه الأولويات، وكتاب الشيخ القرضاوي: فقه الأولويات. وكتاب جاسر عودة: فقه المقاصد، إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها، وكتاب رائد نصري جميل أبو مؤنس: منهج التعليل بالحكمة وأثره في التشريع الإسلامي، وكتاب مسفر بن علي القحطاني: الوعي المقاصدي. قراءة معاصرة للعمل بمقاصد الشريعة في مناحي الحياة. ولخالد مسعود (الباكستاني؟) دراسةٌ بالإنجليزية عن الشاطبي والموافقات، ربما كانت في الأصل أُطروحة(1977). وهناك بالطبع دراساتٌ وبحوثُ غير مؤدلجة في الموضوع، ما ذكرتُها هنا.

43)       قارن بالحاشية رقم 19.

44)       يعترض الدكتور محمد كمال إمام في مقالةٍ له عن الدليل الإرشادي الذي وضعه (قارن بالحاشية رقم 19) على استبدال المقاصد بالأصول؛ قارن؛ محمد كمال إمام: نحو قراءةٍ مقاصدية أصولية؛ في: مقاصد الشريعة والاجتهاد. تحرير ياسر عودة. لندن: مؤسسة الفرقان، 2008، ص30-33.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/4/85

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك