الحرب العالمية الأولى والشرق الأوسط

هوشنك أوسي

 

منطقة الشرق الأوسط، بوصفها قلب العالم العربي، ومركز الحكم الإسلامي العربي، الخلافة الراشدة (الحجاز)، الخلافة الأموية (الشام)، الخلافة العباسية (بغداد)، الدولة الفاطمية (القاهرة) الدولة الأيوبية (الشام - القاهرة) والدولة الحمدانية (حلب).. هذه المنطقة، كانت محط أطماع واستهداف القوى الكبرى قبيل الإسلام (الروم- الفرس- الحبشة) وأثناء الحقبة الإسلامية (العثمانيون- الصفويون) مضافاً إليهم الحروب الصليبية، من ثم الإنجليز فحروب نابليون. هذه المنطقة، كانت بمنأى عن الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) بشكل مباشر، كونها خاضعة للاحتلال العثماني وقتئذ. ذلك أن الأتراك، كانوا يتخذون منها جبهة خلفية تمدهم بالرجال والمال، عبر حملات التجنيد الإجباري وفرض الضرائب. الأحزاب والجمعيات السياسية العربية، ورجالات النهضة العربية، كان سقف مطالبهم من الأستانة (إسطنبول) هو الإصلاح والحكم اللامركزي، ومنح المناطق العربية القليل من هامش الحرية، لكن (الرجل المريض) لم يستجب لذلك، بل انتدبت جماعة الاتحاد والترقي القومية التركية، الحاكمة للسلطنة، أحد رموزها على المنطقة، الجنرال جمال باشا، الذي قابل المطالب السياسية العربية المشروعة والمتواضعة، بالعنف والمزيد من الإرهاب، وتعليق الكثير من النخب الثقافية والسياسية العربية على أعواد المشانق في بيروت ودمشق، ما دفع العرب ونخبهم آنئذ الاستنجاد بالإنجليز (الكفرة) بغية تخليصهم من ظلم وجور العثمانيين (الأخ المسلم). ويبدو أن الإنجليز والفرنسيين، (أكبر قوتين استعماريتين) وجدوا الفرصة سانحة، للتغلغل مجدداً، وتكهنوا بهزيمة الألمان والأتراك، فبدأوا بعقد اتفاق سري، أبرمه وزيرا خارجية الطرفين مارك سايكس وجورج بيكو في أيار 1916، عُرف باتفاق (سايكس- بيكو) لتقاسم التركة الجغرافية-البشرية الجنوبية للدولة العثمانية. وبعدها بشهرين، بدأ الإنجليز بدعم الثورة العربية على الحكم العثماني. وعليه، من أبرز النتائج المباشرة للحرب العالمية الأولى على منطقة الشرق الأوسط، هي خلاصها من الاحتلال العثماني، لتدخل مرحلة الاحتلال الإنجليزي- الفرنسي.

صحيح أن لكل احتلال مساوئه وأضراره، ولكن صحيح أيضاً بأن تلك الاحتلالات التي شهدتها المنطقة، عقب الحرب العالمية الأولى، كان لها إيجابيات، بحيث جعلت شعوب المنطقة، وبخاصة العرب، على تماس واحتكاك مباشر، بهذا الوافد الجديد (المحتل) وثقافته وفنونه. فلولا الاحتلال الفرنسي- النابليوني لمصر، كم كان يلزم من الوقت لدخول المطبعة للمنطقة العربية؟!. زد على ذلك، الحداثة الفكرية والأدبية في الشعر والرواية والسينما، منشأها غربي- أوروبي. ناهيك عن أن تلك الاحتلالات أدخلت للمنطقة القانون المدني، ونظم الإدارة، والدولة البرلمانية!. فضلاً عن التخطيط الحديث للمدن والجسور، والصناعات. بل وساهم هذا الاحتكاك في بلورة الفكر القومي العربي، الذي اتخذ، بعد الحرب العالمية الثانية، صيغتي البعثية والناصرية.

وبالمقارنة بين ما أفرزته النظم العربية الاستبدادية من بؤس وخراب ودمار سياسي واجتماعي وثقافي، طيلة عقود حكمها، بزمن الاحتلال الإنجليزي والفرنسي للمنطقة، عقب الحرب العالمية الأولى، وما خلفه ذلك الاحتلال من إرث على الصعد كافة، هذه المقارنة، سترجح كفة الاحتلال الخارجي على الاحتلال الداخلي (المحلي).

على ضوء ما سلف، ليس من المجازفة القول: إن إرهاصات الدولة القومية العربية، بحدودها الحالية، بدأت مع اتفاقية (سايكس- بيكو)، وترسخت وتكرست وتوثقت هذه الدول وحدودها، مع نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وتحولت مناطق النفوذ الفرنسية والبريطانية إلى دول ذات سيادة. وعليه، مَن يدافع عن حدود هذه الدول- الكيانات القومية، ويعتبرها مقدسة، ويرفض المساس بها، بحجة السيادة الوطنية أو ما شابه ذلك، هو في الأصل، مدين للحرب العالمية الأولى وما أفرزته من معطيات، أبرزها، اتفاقية (سايكس- بيكو)، وللاحتلالين الفرنسي والبريطاني الذين تركا تقسيمات إدارية، تحولت فيما بعد إلى دول!.

لا يفهمن من هذا الرأي، الدعوة إلى تفتيت المفتت، بقدر ما هي محاولة الخوض في خلفيات وآثار والتبعات التي أنتجتها الحرب العالمية الأولى في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.

والسؤال هنا، لو وافقت السلطنة العثمانية على المطالب المشروعة للأحزاب والأندية والجمعيات السياسية والثقافية العربية، ومنحتهم حكماً لامركزياً، ولم يدخل الأتراك الحرب العالمية الأولى إلى جانب الألمان ودول المحور، ولم تثقل كاهل الشعب بـ (السفربرلك)، كيف يمكن لنا أن نتصور واقع الشرق الأوسط والعالم العربي؟. هل كان العرب سيتحالفون مع الإنجليز للتخلص من الأتراك؟

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=3667

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك