اللغات المهددة بالانقراض: (المكسيك - أمريكا الوسطى والجنوبية)

ترجمة د. هدى زكي

 

إجمالي عدد اللغات التي نجت وظلت على قيد الحياة في أمريكا الجنوبية (375) لغة، والعديد من هذه اللغات تعتبر مهددة، ونسبة كبيرة منها في حالة احتضار.

 

المكسيك

يتميز تاريخ لغات الهنود الحمر في المكسيك بمستوى انقراض مرتفع بشكل استثنائي. على أنه لا يعرف بالضبط عدد اللغات التي كانت موجودة هنا في القرن السادس عشر في فترة ما قبل غزو ما يعرف الآن بالمكسيك، وفي منطقة مجتمع أمريكا الوسطى، الذي لا يشمل جزءاً من شمال المكسيك، ولكن يشمل مناطق هي في الوقت الحاضر غواتيمالا وبليز والسلفادور، وأجزاء من هندوراس ونيكاراغوا وكوستاريكا في أمريكا الوسطى. ومع ذلك، فمن المؤكد أن غزو جزء كبير من المكسيك على أيدي الأزتيك الذي سبق الغزو الإسباني نفسه، كانت له آثار كارثية على وضع اللغات. وبالنظر إلى الفترة بين عام (1519 و1605)، انخفض عدد السكان الهنود في المكسيك من خمسة وعشرين مليوناً وثلث المليون إلى مليون واحد تقريباً، (حسب جرازا كوارن واسترا، 1991)، لذلك فإنه من البديهي أن هذا معناه وفاة العديد من اللغات.

وقد وضع العالم اللغوي (لاسترا) قائمة بأربع وخمسين لغة انقرضت بالفعل ولا يمكن تصنيفها الآن. بالإضافة إلى ذلك فقد صنفت خمس وستون لغة أخرى منقرضة، وبذلك يكون إجمالي اللغات المنقرضة أكثر من (110) لغات. وانقراض اللغات لايزال مستمراً حتى اليوم وتوجد على الأقل لغتان منقرضتان في المكسيك في القرن العشرين وهما (التشيابانيك)- Chiapanec (عضو من أعضاء مخزون) الأوتومانجويانن (Otomanguean الضخم)، و(الكويتلاتيك)، وأيضاً لغة (المانج) في نيكارغوا وهندوراس وكوستاريكا، وهي لغة قريبة للغة (التشيابانيك)- Chiapanec.

ويوجد هناك ما يقرب من 100 لغة إما أنها انقرضت حديثاً أو مازالت على قيد الحياة في المكسيك. وهي تنتمي إلى (15) مجموعة مختلفة بعضها كبير جداً وتنقسم إلى مجموعات وأقسام فرعية مثل (الأوتو- أزتيكان)- UtoAztecan التي تنتمي لها (الناهوتال)- Nahutal وهي لغة مهمة عند الأزتك.

و(الأوتومانجوان)- Otomanguean تعتبر من المجموعات الأخرى الكبيرة وتنتمي إليها لغتان مهمتان وهما الميكستك Mixtex والزابوتيكان Zapotekan ولغة المايا التي تنتمي إليها لغة (المايا- يوكاشان) ولغات أخرى كثيرة. وتوجد مجموعات صغيرة وأخرى أصغر منها جداً، بعضها يحتوي على لغة واحدة فقط مثل مجموعة (التاراسكان)- Tarascan ومجموعة الهواث Huave.

وكثير من اللغات المكسيكية مهددة وذلك بسبب الضغط من لغات أخرى، أساساً اللغة الإسبانية التي تهيمن وتقمع اللغات الأخرى التي تتكلمها المجتمعات الأخرى.

وتوجد على الأقل (14) لغة صغيرة من المعروف أنها مهددة ومعرضة لخطر الزوال وفي سبيلها للاحتضار، كما توجد أربع أو خمس لغات يتكلمها أفراد كثيرون وهي أيضاً مهدد بالانقراض. وبذلت محاولات رسمية لكبح ظاهرة اختفاء اللغات.

وقام لغويون من المكسيك والولايات المتحدة بدراسات مهمة حول العديد من اللغات المكسيكية، الكبيرة منها أساساً، ولكن لايزال هناك حاجة ماسة للعمل المتواصل على هذه اللغات الصغيرة المعرضة للخطر.

أمريكا الوسطى والجنوبية

حالة اللغات هنا مماثلة لتلك التي في بقية الأمريكيتين، وبعض اللغات التي مازالت على قيد الحياة شهدت انخفاضاً حاداً في عدد المتكلمين بها، بينما توجد لغات حية أخرى عدد متكلميها كبير وتعمل بشكل جيد في مناطقها الخاصة ولكنها مهددة في مناطق أخرى.

وتلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية المعاكسة دوراً في هذا الوضع، وكذلك الضغوط التي تمارسها اللغتان البرتغالية والإسبانية وبعض اللغات الأصلية الكبيرة. ولكن في بعض المناطق بدأ يتنامى لدى الهنود المحليين شعور قوي بالهزيمة، والتي يمكن أن تسهم في الحفاظ على لغاتهم.

وفي هذا الأطلس توجد خريطتان تمدانا بنماذج متوازنة من اللغات المهددة بالخطر والمنقرضة حديثاً في معظم أمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية.

كما يوجد (أطلس) كبير يضم هذه اللغات في أمريكا الجنوبية في مرحلة متقدمة من الإعداد ونحن نكتب هذه السطور (من تحرير) أديلار وكرافيلز Adelaar Crevels، سيصدر قريباً.

تعد أمريكا الجنوبية غير عادية لأن لديها عدداً كبيراً جداً من العائلات اللغوية (التي تقدر بنحو 120 لغة)، وعدد قليل نسبياً من اللغات المعزولة حسب (أديلار- Adelaar ،1991). وقد اختفى العديد من لغات سابقة ولم يبق منهم غير أسمائها وشعوب بأكملها تم استئصالها في شرق البرازيل ومعظم الأرجنتين وأورجواي بأكملها.

وانخفض عدد اللغات بشدة نتيجة لهذه الأمراض الوبائية وأعمال العنف من المستعمرين الأوروبيين وبعثان العبيد في البرازيل والمزج العرقي والثقافي لصالح العنصر الأوروبي.

حتى السبعينات من القرن العشرين كانت الحكومات والمجتمعات في أمريكا الجنوبية إما غير مبالية باللغات الهندية أو معادية لها. ومنذ عام 1970 بدأ الوعي يتزايد على الصعيد الوطني بأهمية التراث الثقافي واللغوي للشعوب الأصلية واعترف المسؤولون في بيرو وبوليفيا رسمياً باللغات الهندية وجرت محاولات جادة لإدخال تعليم (ثنائية اللغة) وزاد الاهتمام الأكاديمي باللغات زيادة ملحوظة.

وباستثناء بعض المناطق النائية في الأمازون، فقد لاقت معظم اللغات التي مازالت تستعمل الآن في أمريكا الجنوبية بعض الاهتمام العلمي. ونفذ معهد الدراسات اللغوية الصيفية (SIL) سلسلة من الدراسات على اللغات الفردية.

وتوجد اليوم اللغات الهندية الحية في الأرجنتين في مناطق الشمال الغربي، والشمال الشرقي والجنوب والجنوب الغربي. ولا توجد أية لغات متبقية في المناطق الوسطى. ويوجد في الشمال الغربي أشكال من اللغة الكيتشوية الكبيرة، وفي الشمال الشرقي توجد عائلات لغوية أخرى، وفي الجنوب والجنوب الغربي يوجد هناك (المابوتشيز) أو الأروكانيانز- Araucanians الذين هاجروا من تشيلي. وهناك أيضاً بعض اللغات المعرضة للخطر بشكل خطير أو في طريقها للاحتضار، بينما ظلت هناك نحو (14) لغة على قيد الحياة.

وتهيمن لغات الكيتشوا والأيمارا في مرتفعات بوليفيا. ولكن الحالة معقدة في المناطق المنخفضة، حيث يوجد عدد كبير من اللغات المعزولة، وأيضاً لغات من عائلات أخرى كبيرة، من بينها عائلة (التوبي غواراني) ويصل عدد اللغات الهندية في بوليفيا نحو (35) لغة.

وفي البرازيل يوجد عدد أكبر من اللغات الهندية التي مازالت على قيد الحياة، وهي نحو (170) لغة، يتحدث لها (155 ألف شخص) انقرض معظمهم على مر القرون الخمسة الماضية.

والمجموعات كبيرة من اللغات هي (التوبي غواراني)، و(الماكرو- جي)، في الكاريبي والأراواك، إلى جانب تسع عائلات أخرى صغيرة بالإضافة إلى عشر لغات تعتبر من لغات العزل.

وتوجد في الشيلي لغة واحدة رئيسة، وهي (مابوتشي) أو (الأروكانيان)- Araucanians ويتكلمها من مئتين إلى ثلاث مئة ألف شخص. أما لغة (الايمارا) فيتحدث بها في الشمال بينما في الجنوب توجد بضع لغات صغيرة ظلت على قيد الحياة مثل (الألاكالوف)- Alakaluf أو (الكاويكار)- Qaweqar في شرق البلاد وغربها، ولغة (الياجان)- Yahgan على جزر جنوب (تييرا ديل فويغو)، وتقريباً توجد ست لغات يتحدث بها في شيلي.

في كولومبيا توجد لغات كثيرة قد اختفت الآن، ولم يبق منها سوى أسمائها، وحالياً تقوم (SIL) بنشاط كبير في كولومبيا وأنشأت جامعة لوس أنديس في بوغوتا مركزاً للبحوث والدراسات ومشروعاً ضخماً لتجميع وتوصيف جميع لغات السكان الأصليين في كولومبيا. ويوجد لدى هنود الأنديز الكولومبية مشاعر عرقية قوية وهم يدعمون هذه الدراسات اللغوية.

وتوجد العديد من اللغات الهندية في الغابات على امتداد ساحل المحيط الهادئ. في الشمال تسود الغابات التشيبشانية- Chibchan وهي ترتبط باللغات في بنما وكوستاريكا ونيكاراغو، كما توجد العديد من اللغات في الأراضي المنخفضة في كولومبيا وهناك تمثيل لعائلات اللغات الكبيرة (الأراواك) بالإضافة إلى لغات أخرى. ونجد في منطقة الأمازون في كولومبيا صورة لغوية معقدة، وتنتمي الكثير من اللغات إلى عائلة التوكانون- Tucanoan ويبلغ إجمالي عدد اللغات في كولومبيا حوالي (65) لغة.

وتحظى الإكوادور بأعلى نسبة مئوية من السكان الهنود في أمريكا الجنوبية. معظم هؤلاء السكان يتحدثون الكيتشوا التي هي شكل من أشكال اللغة الكيتشوية الكبيرة التي اكتشفت في بلدان الأنديز التي تقع إلى الجنوب من الإكوادور. وقد توسعت هذه اللغة وحلت مكان لغات محلية عديدة. ويوجد في شرق الإكوادور لغات من عائلات مختلفة. في الجزء الجنوبي توجد اللغات من عائلة (الجيفارون)- Jivaroan، ويبلغ عدد اللغات الهندية في الإكوادور (12) لغة.

وفي البارجواي يتحدث معظم أهلها لغة الباراجون الجواراني، وفي شرق بارجواي تتحدث الأقليات اللغات (التوبو- جوارانية) وتصل اللغات الهندية إلى (14) لغة في بارجواي.

وفي بيرو، مثل بوليفيا والإكوادور، يبلغ عدد سكانها من الهنود عدة ملايين وبخاصة في مرتفعات الأنديز، وفي الأراضي الشرقية المنخفضة وسفوح الجبال في بيرو حيث يوجد أكبر عدد من القبائل بالمقارنة بأي بلد آخر في أمريكا الجنوبية (من مئتي ألف إلى مئتين وواحد وعشرين ألف نسمة)، وأكبر اللغات في مرتفعات الأنديز هي (الكيتشوا) و(الأيمارا). وتتكون الأولى من لغتين: البيروفيان الوسطى أو المركزية والبيروفيان غير المركزية، وهي لغات وليست مجرد لهجات.

وفي بيرو أربعة ملايين وأربع مئة ألف نسمة يتحدثون الكوتشوا، ويسكن في وسط وجنوب شرق الأراضي المنخفضة من يتحدثون لغات العائلات اللغوية (الأراكون)- Arawakan و(البانوان)- Panoan بصورة رئيسة.

ويوجد في الجزء الشمالي من الأراضي المنخفضة في بيرو لغات عديدة تعتبر لغات عزل وعائلات صغيرة وعلى طول الحدود في كولومبيا يوجد متكلمو التوكانون وعدد من اللغات الأخرى، ويصل عدد اللغات الهندية في البيرو ما بين (50 إلى 60 لغة).

في سورينام اللغات الساحلية هي الأراوكان والكاريبان، واللغة الأخيرة هي لغة المناطق الداخلية أيضاً وتصل عدد اللغات الهندية إلى خمس لغات في سورينام.

وفي فنزويلا فقد تم الحفاظ على اللغات الهندية بشكل رئيس في الجنوب، ودلتا أماكورو لنهر أورينوكو، وفي المناطق الغربية من بحيرة ماراكايبو. ويوجد في الجنوب لغات (الكاريبان)- Cariban، ولغات من مجموعات أخرى. وفي منطقة الأمازون توجد أربع لغات من عائلة الياموماي Yamomami. وتوجد أيضاً العديد من اللغات المعزولة في الجنوب. وهناك في دلتا أماكورو توجد بصورة رئيسة لغة عزل الكبيرة. إلى الغرب من بحيرة ماراكايبو هناك اللغات (الأروكان)- Arawakan والكاريبان Cariban ويصل عدد اللغات الهندية في فنزويلا إلى 38 لغة والعديد من لغات أمريكا الوسطى تنتمي إلى مجموعة (التشيبشان)- Chabchan وهناك عدة لغات عزل. جميع اللغات الأصلية لجزر الكاريبي انقرضت الآن بالفعل.

وكما ذكرنا من قبل، هناك العديد من الدراسات للغات الهندية في أمريكا الجنوبية قام بها لغويون في أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة وأوروبا (وبخاصة من هولندا وفرنسا)، ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، فيما يتعلق باللغات التي في سبيلها إلى الاحتضار وتلك التي تعتبر لغات عزلة.

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=3895

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك