الأم مدرسة تخرج العباقرة والطغاة

ناجي العتريس

 

الأم هي المدرسة الحقيقية وشخصيتها تنعكس على الأبناء تلقائياً، وقال أحد الحكماء إن تربية الطفل تبدأ قبل ولادته بعشرين عاماً عند تربية أم ذلك الطفل. ووصف شاعر النيل حافظ إبراهيم في بيته الشهير الأم بأنها مدرسة إذا أعددناها أعددنا شعباً طيب الأعراق، وعن حق فإن الأمهات هن المدرسة التي يتخرج فيها العباقرة والطغاة؛ فحبها وحنانها يصنعان العظماء وقسوتها وجبروتها يصنعان الطغاة. وفي مسيرة الحياة كان هناك من هذا النوع وذاك.. وبالطبع فإن أمهات المشاهير هن النموذج الصارخ على مثل هذه الحالات.

 

 غاندي

كرست بوتليباي أم غاندي حياتها لأمرين هما عائلتها ودينها، وكانت عائلة غاندي ضخمة العدد يعيش أفرادها في منزل العائلة، فكانت الأم العطوفة تطعمهم جميعاً وترعاهم وحين يمرض أحدهم لا تتركه حتى يشفى فهي تشعر أن حياتها موهوبة للمرضى، وقد واصل غاندي هذه المسيرة فيما بعد، وكانت بوتليباي تعمل بجد طوال اليوم وتدعو وتصلي كثيراً كأنها في حالة صوم شبه دائم، ربما لقلة الطعام أو لتوفير شيء منه لأحد أبنائها حتى انفطر قلب ابنها غاندي الصغير عليها من منظر تقشفها، وكانت هذه العقيدة التي بنى غاندي عليها حياته. كانت أمه تغمره بالحنان والحب والرعاية وأهم ما علمته في صغره ألا يكذب فبقي يقول الصدق حتى نهاية عمره مهما كلفه ذلك من عناء، وهناك حادثة مهمة بدأت في مسيرة الصدق عنده، فقد كانت أمه تقضي حياتها في التعبد وعمل الخير قدر استطاعتها ولم تكن تتناول طعامها حتى تسمع صوت الوقواق، وذات يوم غاب الوقواق فلم تسمع له صوتاً، وحين سمع الابن ذلك وقف وراء المنزل وحاول تقليد الوقواق، ولكن الأم حزنت كثيراً لأنها عرفت أن ابنها يكذب، فصاحت: (يا إلهي، أي جرم ارتكبته لتهبني ولداً كذوباً). وحين علم غاندي أنه سبب الحزن لأمه أقسم ألا يكذب، كانت تهتم به أكثر من نفسها وتضرب نموذجاً مثالياً في حب الأم الذي يتسامى فوق كل شيء، وحين كانت الهند تضم طبقة اجتماعية يعرف أصحابها بالمنبوذين، حيث يعتقد الهندوس بوجوب عدم لمسهم لأي سبب كان؛ كانت أم غاندي ترفض هذا المبدأ، وكلما مرت بأحدهم لمسته ودعته لتنظيف نفسه وتلاوة الصلوات، وكان إيمانها عميقاً بهذه الفكرة، وظل غاندي على هذا المبدأ طول حياته وكان لا يتقبل فكرة المنبوذين، وحاول أن يساعدهم طيلة حياته. حتى إنه أطلق عليهم اسم (هاريجان) وتعني أطفال الرب.

 

أدولف هتلر

كانت كلارا والدة هتلر امرأة حنونة رقيقة القلب تميل إلى تدليل ولدها لقسوة والده عليه، ولأنه من تبقى من الذكور، وكان لموتها تأثير بالغ عليه أكثر من والده، فقد ظل يحتفظ لها بذكريات حنونة، وقيل إنه كان يحمل صورتها أينما ذهب ويضعها في غرفة نومه، ولحظة انتحاره عام 1945 وجدوا صورتها بيده. وكانت كلارا الزوجة الثالثة لوالد هتلر ابن عمها الذي يكبرها بـ23 عاماً، وكانت حياتهما الزوجية كئيبة غير موفقة، فقد كانا على خلاف مستمر، ويعتقد المؤرخون أن روح هتلر الشريرة القاسية الغادرة ترجع إلى إصابة والدته بمرض السرطان وفشل الطبيب اليهودي بلوك في علاجها ووفاتها على يديه، وكان هتلر لم يتجاوز الـ18 عاماً، ومن هنا كانت عقدته من اليهود، وبخاصة أن المرأة الثانية في حياته كانت يهودية أيضاً وقد خدعته وفجرت براكين حقده.

 

نابليون

تزوجت أم نابليون في سن الثالثة عشرة وفي سن الثامنة عشرة كانت حاملاً في إمبراطور المستقبل نابليون، ومع ذلك كانت تمتطي صهوة الجواد لتقاتل مع الجيش الفرنسي في إحدى غزواته على جزر كورسيكا، ومن هذا المنطلق أخذ نابليون عن أمه روح القتال وحب المغامرة والشجاعة، وبخاصة أنه نشأ في جو عنيف، فقد كانت أمه ليتسيا تضربه ضرباً مبرحاً بالسوط حتى بلغ من العمر السابعة عشرة، ولم تكن طفولته مرفهة حتى إنه لم يكن بعد أن أصبح إمبراطوراً يتحدث عنها، ولكنه أشار بعد نفيه النهائي إلى جزيرة سانت هيلانة أن أمه كانت شديدة القسوة عليه، وذكر أنها ضربته وهو في السابعة عشرة من العمر، وقال ومع ذلك فإنني مدين لها بكل شيء، فقد أحسنت تربيتي وأعطتني من كبريائها وعلمتني حسن إدراك الأمور، وكانت أمه رائعة الجمال حتى أنه وصفها بأنها كانت كآلهة الإغريق، ومع ذلك كانت بسيطة في مظهرها شديدة الجلد على العمل، وقد ورث نابليون إرادتها الحديدية وواقعيتها، فلم تكن تستبعد الفشل والإحباط، وقد عاشت حتى بلغت من العمر 86 عاماً، وكتبت في آخر أيامها لقد ظن الجميع أنني أسعد امرأة في الوجود ولكن حياتي سلسلة من الأحزان والكوارث وفي كل مرة تسلمت فيها خطاباً كنت أتوقع أخباراً مفجعة عن ابني. وعندما اعتلى نابليون الإمبراطورية كان أول قرار اتخذه هو إنشاء عدة مدارس لتعليم البنات، وبرر هذا العمل بقوله: لكي تبني فرنسا جيل المستقبل لابد من الاهتمام بتعليم الأمهات، وللأمهات الفضليات الدور الرئيس في بناء الرجال، وقال: (إن فرنسا بحاجة إلى أم قبل كل شيء)، في إشارة منه لوجوب التربية العائلية من خلال الأمهات الصالحات.

 

جبران

الفيلسوف والكاتب اللبناني الأصل جبران خليل جبران يقول عن الأم: (يتبارى أهل الكرم في مجال العطاء، ويتفوّق بعضهم، فيبلغ شأواً لا يدانيه فيه أحد، ويغدو مثالاً سامياً، تُضرب به الأمثال، وتتناقل اسمه الأجيال، بيد أن ذلك الكريم، لن يبلغ عطاؤه وهو في ذروته، بعض ما تجود به الأم من عطاء). وقد ظهرت الأمومة في كتابات جبران عبر مراحل إنتاجه جميعها، فيقول (إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشريّة هو لفظة الأم، وأجمل مناداة هي يا أمي، كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة، الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنوّ والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه، ويداً تباركه وعيناً تحرسه).

 

نزار قباني

شاعر النساء نزار قباني كانت أمه عشقه الأول، وقال عنها: (أما أمي فكانت ينبوع عاطفة يعطي بغير حساب، كانت تعتبرني ولدها المفضل، وتخصني دون سائر إخوتي بالطيبات وتلبي مطالبي بلا شكوى ولا تذمر)، كان نزار طفل أمه المدلل في صغره، وكانت هي كل النساء عنده، وظلت ترضعه حتى سن السابعة، وتطعمه بيدها حتى الثالثة عشرة، وقد أثرت هذه العلاقة القوية بأمه على نظرته وعاطفته القوية تجاه النساء فكانت أجمل أشعاره في حب النساء.

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=3888

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك