في الحرب على الإرهاب، ليس هناك عدل والأسماء ليست كلها متساوية

ويليام فيشر

 

تقول إحدى لجان الرقابة الحكومية الكبرى أن المؤسسات الخيرية الإسلامية يتم إغلاقها لأنها يحتمل أن تقوم بدعم الحركات الإرهابية، بينما الشركات الكبرى مثل هاليرتون تتمتع بالحماية الكاملة من القانون الأمريكي فيما يقال أنه خرق للعقوبات الحكومية المفروضة على التعامل مع إيران- المصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب.

ويقول مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch، وهو منظمة لا ربحية مقرها واشنطن "هنالك عدم عدالة في تطبيق قوانين مكافحة تمويل الإرهاب".

وتقول المنظمة أن قانون باتريوت يمنح الحكومة صلاحيات لا تخضع في الغالب لأي رقابة، لتصنيف أي جهة كمنظمة إرهابية". ومتى ما صنفت المنظمة الخيرية، يتم الاستيلاء على جميع ممتلكاتها وتجميد أصولها. والجمعية الخيرية لا يمكنها الاطلاع على الأدلة التي اعتمدت عليها الحكومة في تصنيفها، وبالتالي لا تستطيع فهم الأسس التي تستند إليها الاتهامات الموجهة إليها.

ومتى ما جمدت ممتلكاتها، لا تجد المنظمة المال اللازم لتكليف محامين للدفاع عنها. كما أن حقها في الاستئناف أمام المحاكم محدود للغاية. ولذلك فباستطاعة الحكومة استهداف أي منظمة خيرية، والاستيلاء على ممتلكاتها، وإغلاقها، وإصدار لوائح الاتهام بحق القائمين عليها، وبعد ذلك تماطل وتتأخر في إجراء المحاكمة إلى أجل غير مسمى تقريباً.

كاي غينان، مديرة مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch، قالت لـ (IPS) "المأساة الحقيقية وراء إغلاق المنظمات الخيرية الإسلامية هو ما سيؤول إليه مصير الناس الذين يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، لأن الحكومة الأمريكية جمدت الأموال وتركتها تقبع في البنوك دون أن يستفيد منها أحد".

وقالت "الحكومة الأمريكية يمكن أن تثبت حسن نيتها بالإفراج عن هذه الأموال لمنظمات خيرية أو وكالات الغوث الأخرى".

ويقول مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch أنه حتى الآن، لقد أسفرت جهود الحكومة عن إغلاق خمس منظمات خيرية كانت تدعم المعونات الإنسانية في المناطق الإسلامية، وذلك بدون الإعلان عن أية نتائج رسمية تثبت تورط هذه المنظمات في دعم المنظمات الإرهابية. وقد كانت هنالك لائحة اتهام واحدة، ولم تجرى أية محاكمات، وبالتالي لم تكن هنالك أية إدانات.

ومن بين هذه المنظمات، منظمتين إسلاميتين من منطقة شيكاغو، مؤسسة الإغاثة العالمية، ومنظمة البر الدولية، وكذلك مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية في تكساس، والوكالة الإسلامية الأمريكية للإغاثة، ومؤسسة الحرمين الإسلامية.

يقول مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch أنه تم التحقيق مع العشرات من المنظمات الخيرية منذ عام 2001. والمنظمات التي أغلقت لم تكن مدرجة في أي من قوائم الرقابة الحكومية قبل أن يتم تجميد ممتلكاتها.

والنتيجة أنه لم تعد هنالك من وسيلة أمام المسلمين لمعرفة أي المنظمات تشك الحكومة في صلتها بالإرهاب. ويقول المكتب "أن المنظمات والأفراد المتهمين بدعم الإرهاب باتوا مدانين حتى تثبت براءتهم".

ولتأييد ادعائه بأن الحكومة تطبق القانون بشكل غير عادل وتستهدف المنظمات الإسلامية الأمريكية، يستشهد مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch "بالقفاز المخملي" الذي تستخدمه الحكومة في تعاملها مع شركة هاليبرتون، وهي شركة عملاقة للمقاولات الدفاعية كان يرأسها نائب الرئيس ديك تشيني ذات مرة.

وقد خضعت هاليبرتون للتحقيق من قبل وزارة الخزانة الأمريكية التي تشرف على حملة مكافحة تمويل الإرهاب مع وزارة العدل منذ عام 2001، بسبب تعاملها مع إيران، وهي المصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب.

وحسب مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch "بدلاً الاستيلاء على ممتلكاتها أو تجميد أرصدتها"في ذمة التحقيق" قام مكتب الرقابة على الممتلكات الأجنبية OFAC ووزارة العدل بإرسال استفسار إلى شركة هاليبرتون يطلبان فيه معلومات تتعلق بالالتزام القوانين".

شركة هليبرتون أرسلت رداً مكتوباً عن الأسباب التي جعلتها تشعر بأنها تعمل وفقاً للقانون. ويبدو أن دفاع هاليبرتون عن موقفها كان يستند إلى حقيقة أنها تعاملت مع إيران من خلال فرعها في جزر الكيمان وليس من خلال كيانها كشركة أمريكية.

وبعد أكثر من سنتين، وفي يناير 2004، أرسل مكتب الرقابة على الممتلكات الأجنبية OFAC رسالة الحاقية طلب فيها المزيد من المعلومات، والتي ردت عليها شركة هاليبرتون في مارس من نفس العام. وفي يوليو من ذات العام، المدعي العام لمقاطعة جنوب تكساس أرسل مذكرة إحضار من هيئة المحلفين الكبرى طلب فيها إحضار الوثائق، وتم تحويل القضية إلى وزارة العدل.

في 22 سبتمبر 2005، المؤتمر التقدمي في مجلس النواب الأمريكي كتب إلى الرئيس جورج بوش يطالب فيها بمنع شركة هاليبرتون من الحصول على عقود الإغاثة في الإعصار وذلك لعدد كبير من الأسباب من بينها "التعامل مع دول ترعى الإرهاب".

البيت الأبيض لم يتخذ أي خطوات في هذا الشأن، وحصلت شركة هاليبرتون على عقود خارج المناقصة تقدر قيمتها حالياً بمبلغ 61.3 مليون دولار، للقيام بأعمال التنظيف، وإعادة البناء، وتأمين المساعدات اللوجستية لضحايا الإعصارين كاترينا وريتا.

العام الماضي، منظمة تدعى مراقبة هاليبرتون زعمت أن تعليق القضية المقامة ضد الشركة يثير أسئلة قانونية خطيرة. فمثلاً، "لو كانت هالبيرتون منظمة خيرية، فهل كان سيتم تجميد ممتلكاتها كما حدث للمنظمات الإسلامية الأمريكية؟ ".

وتساءلت المنظمة "بالرغم من عدم توفر المعلومات الكافية عن الأدلة التي اعتمد عليها مكتب الرقابة على الممتلكات الأجنبية OFAC في الاستيلاء على ممتلكات المنظمات الخيرية الإسلامية وتجميد أرصدتها، إلاّ أنه يبدو أن لدى المكتب أدلة أقوى ضد شركة هاليبرتون- إذاً لماذا يلجأ المكتب إلى ممارسة هذا التفرقة القانونية. فإذا قامت المؤسسات الخيرية الأمريكية بإنشاء فروع في جزر الكيمان، هل يمكنها تجنب قانون باتريوت، وقانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة، وقيود الأمر التنفيذي في التعامل مع المنظمات أو الدول ذات الصلة بالإرهاب؟"

كما أن شركة هاليبرتون أصبحت مثالاً للفساد والاحتيال وسوء الاستغلال الذي بات ينتشر بين شركات المقاولات الأمريكية في العراق. وحتى هذا التاريخ، حصلت الشركة على ما يقدر بأكثر من 12 مليار دولار من العقود والكثير من هذه العقود حصلت عليها بدون مناقصات.

وحسب بعض المراجعين والمدققين في وزارة الدفاع الأمريكية فأن الشركة فشلت في تقديم التقارير المحاسبة لحوالي 43% من نفقاتها في الشرق الأوسط، حيث أن مليار دولار من هذه النفقات اعتبر غير منطقي، ومبلغ نصف مليار آخر ضمن فئة النفقات التي لا تستند إلى وثائق رسمية.

ويقول بعض المنتقدين أن حملة الحكومة الأمريكية لمكافحة الإرهاب هي نتاج نزعة مذعورة من رهاب الإسلام Islamophobia التي تعم الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر. ويقولون أيضاً أن الأثر المطلوب من هذه الحملة هو تخويف المسلمين الأمريكيين ودفعهم إلى ترك أحد الأركان الأساسية في الإسلام- وهو دفع الزكاة إلى الفقراء.

غير أن الحكومة تنكر هذه الاتهامات، قائلة أنها فقط تحاول قطع التمويل عن جزء كبير من ما يسمى بالمنظمات الخيرية والتي تقوم بضخ الأموال إلى الجماعات التي تمارس الأعمال الإرهابية. وزارة الخزانة الأمريكية تستشهد بوعد الرئيس بوش للعرب والمسلمين الأمريكيين حينما طمأنهم بأنه يمكنهم المحافظة على تقليدهم في بذل الصدقات".

وفي ذات الأثناء، تتحدث المنظمات الإسلامية عن تدني شديد في حجم المساهمات. حيث أن المساهمات التي تصل إليهم تأتيهم بشكل نقدي من مانحين مجهولين. والمتبرعين الذين كانوا يدعمون المنظمات الإسلامية الخيرية اتجهوا إلى منظمات أخرى مثل منظمة أوكسفام، ومنظمة أنقذوا الأطفال، والتي قد تقوم بتنفيذ بعض البرامج في المناطق التي يكثر فيها المسلمون في الخارج.

قادة قطاع العمل الخيري في الولايات المتحدة عقدوا عدد كبير من الاجتماعات مع مسؤولين في وزارة الخزانة، وقاموا معاً بإعداد سلسلة من "التنظيمات" للمنظمات الخيرية والمتبرعين لها.

ولكن هذه التنظيمات تفتقر إلى التحديد فيما يتعلق بالعمل الخيري الإسلامي ويمكن أن تنطبق على أي منظمة خيرية. كما أنها لا توفر أية ملاذات آمنة تحمى هذه المنظمات من الإغلاق. وقال مكتب الرقابة على الإدارة والميزانية OMB Watch لـ (IPS) "قد تتقيد المنظمة بنسبة 100% بالقوانين والتشريعات، ومع ذلك يمكن إغلاقها على ذمة التحقيق".

قادة العمل الخيري الإسلامي في نيوجيرسي طالبوا وزارة الخزانة الأمريكية في بداية شهر رمضان من عام 2004 بإصدار "قائمة بيضاء" بالمنظمات الخيرية التي تحظى بالقبول. ولكن طلبهم رفض.

وقد ادعت الحكومة بأنه من المستحيل تلبية ذلك الطلب. وقال متحدث باسم الوزارة "إن دورنا هو ملاحقة الانتهاكات للقانون الجنائي. ونحن لسنا في موقف يؤهلنا لإعداد قوائم أياً كان نوعها، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بأن منظمة بعينها جيدة وأخرى سيئة".

غير أن منتقدي الحكومة يزعمون أن حملة وزارة الخزانة تشبه النشاطات التي قام بها وزير العدل جون أشكروفت في الأشهر التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون.

حيث بدأت الحكومة حينها "حربها على الإرهاب الدولي" بجمع الآلاف من الرجال والنساء ممن يشبهون سكان الشرق الأوسط وأودعتهم في السجون بدون أي تهم أو أي تمثيل قانوني، حيث احتجز الكثيرين منهم في سجون انفرادية، ولكن بدون أن تتهم أي منهم بأية جرائم لها صلة بالإرهاب، وبدون إدانة أي منهم، حيث انتهي المطاف بالبعض منهم إلى الترحيل من البلاد بسبب انتهاكات أخرى غير جنائية تتعلق بالهجرة.

المصدر: http://ipsnews.net/news.asp?idnews=32949

المصدر: http://www.humanitarianibh.net/articles/fisher.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك