هوية الباحث وتحولات المرجعية
جليلة بن الدويبية
المعرفة مصطلح واسع يشمل معارف علمية وغير علمية، وما يميز بينهما هو قواعد المنهج وأساليب التفكير التي يتم عن طريقها تحصيل هذه المعارف، فالفيصل هنا هو استخدام المنهج والأسلوب للحصول على المعارف لذلك تسمى المعرفة التي يتم الوصول إليها عبر منهج علمي (المعرفة العلمية)، ولعل من المناسب عند تناول موضوع طرق الحصول على المعرفة التأكيد بأن المعرفة تصنف إلى أنواع، أولها وأقدمها: -1 المعرفة الحسية: وهي تصل إلينا عن طريق الحواس (مشاهدة، سماع، لمس، شم، تذوق). وهي تسمى معرفة الإنسان العادي. ولا تحتاج إلى جهد عقلي أو فكري. يلجأ الناس إليها عن طريق: أ-الملاحظة البسيطة. ب- المحاولة والخطأ. ج- الاعتماد على أهل الثقة كالأب والأم والأساتذة......إلخ. -2 النوع الثاني من أنواع المعرفة هو ذلك الذي يحاكي العقل والتدليل المنطقي ويفكر بما وراء الطبيعة والغيبيات، ويطلق عليه (المعرفة الفلسفية التأملية)، وهذه المعرفة هي مرحلة البحث عن الأسباب والعلل، وهذه لا تخص الإنسان العادي وإنما هي معرفة الإنسان الذي يملك الثقافة والفكر ويمكنه من استخدام العقل والتأمل والاستنباط والقياس. -3 المعرفة العلمية التجريبية القائمة على الاستقراء والبحث والتجريب والحكم على الكل عبر الشواهد أو المفردات.
آليات البحث
قديماً كان الباحث يتجشم عناء التنقل بين المنابر والأشخاص والمكتبات، كأن يسافر من مكان إلى مكان قصد الحصول على معلومة تفيده في البحث. وهذا كان يتطلب منه جهداً كبيراً ووقتاً زائداً وإنفاقاً كذلك. ومع تطور وسائل الاتصال، أصبحت التقنيات الحديثة تضع المعلومات والمؤلفات ومصادر المعرفة رهن إشارة الباحثين وغيرهم عبر محركات بحث متعددة: وهذا ما ساعد الباحث على توفير الجهد والوقت والمال من أجل إنجاز بحوثه. اللهم إذا تعلق الأمر ببحوث ميدانية أو تجريبية.
والواقع أن هذا التحول في آليات البحث قد ساهم في تغيير الصورة التقليدية التي سادت عن الباحثين الجوالين الذين يقطعون الفيافي والقفار للحصول على معلومة يحتكرها مفكر ما أو كتاب ما في مكتبة ما. لكن في الوقت نفسه لا ينكر أحد اختفاء متعة البحث القديم بصورته التقليدية من حيث ما تكسبه للباحث من خبرة وتجارب وأفكار والرحيل بين دروب صفحاته الممتعة، إذ أصبح الباحث ستاتيكياً يتجول في مكانه ولا يتحرك إلا لضرورة.
ما يميز البحوث في السابق حقيقة هو كونها بالإضافة إلى متونها الغنية كانت تعتمد الهوامش التي تحيل على إثراء البحوث وتزكي مصداقيتها إلى حد كبير. خلافاً للبحوث التي تتم عبر الإنترنت، والتي يكتفي أصحابها بالمضامين دون الهوامش. وتبقى أهمية هذه البحوث رهينة بمدى تأثيرها في المجال الذي أنجزت من أجله. أكثر من ذلك توارت شخصية الباحث التقليدي بهالتها المعروفة، وتم تمييع هذه المهمة التي لم تعد حكراً على أهل الكفاءة والعلم، بل أصبح كل من يقوم ببحث في مجال ما باحثاً.
المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=3976