معظم الاستشراق الألماني منصف للمسلمين

د. أشرف ملسن

 

لم يستطع المؤرخون أن يتفقوا على تحديد بداية الاستشراق، فبعضهم يرجعه إلى الراهب الفرنسي جربير دي أورلياك، الذي عاش في الأندلس، ورغم أن المستشرقين الألمان بدأوا دراساتهم للشرق في القرن الثامن عشر إلا أن جهودهم جبارة في دراسة الشرق والإسلام خصوصاً. بدأ الألمان دراسة الشرق من هولندا، حينما درس بعض المستشرقين اللغات الشرقية، خصوصاً العربية والتركية بسبب توغل الأتراك في أوروبا. والأمانة العلمية تحتم على دارس الاستشراق الألماني التأكيد أن الألمان لم يوجهوا دراساتهم للعداء مع العرب والمسلمين، حيث تتصف معظم دراسات المستشرقين الألمان باتزانها وتخفيف الروح العدائية التي عادة ما يبثها المستشرقون، وهذا على الرغم من أن آراء المستشرق (نولدكه) لا توافق العرب والمسلمين، خصوصاً في القرآن الكريم أو مسألة الشعر الجاهلي، أو عند المستشرق جوهان فولرز، لكن هذه الآراء معدودة، حسب العديد من الدراسات، كدراسة أمير رائد التي كتبها عن (الاستشراق الألماني.. غايته وطموحه)، فالاستشراق الألماني لم يعرف مستشرقين جعلوا ديدنهم عداء الإسلام وتعمدوا الدس والتشويه في دراساتهم، بل بالعكس رافقت دراساتهم روح إعجاب وتقدير وحب مثلما فعل (جورج جاكوب) في كتابه (الشرق في العصر الوسيط).

لكن هذه الإشادة بالاستشراق الألماني لا تمنعنا من الإشارة إلى بروكلمان صاحب كتاب (تاريخ الشعوب الإسلامية) الذي وجه فيه انتقادات حادة للإسلام والعرب مجاملة لبعض اللاهوتيين المسيحيين. ويتميز الاستشراق الألماني عن غيره من الدراسات الاستشراقية الأخرى أنه اهتم بالمخطوطات العربية وتحقيقها ونشرها وفهرستها، مع اهتمامهم بفقه اللغة العربية، والأدب والمعاجم. ولعل الاستشراق الألماني خرج من دائرة الهجوم على الإسلام لسبب واضح أن ألمانيا لم تتورط في استعمار دول عربية أو إسلامية، فضلاً عن أن الاستشراق الألماني اهتم كثيراً بالتاريخ والمخطوطات، وهذه المجالات تبتعد عنها السياسة.

ونذكر هنا كبار المستشرقين الألمان، ومنهم (يوليوس فلهوزن)، الذي برز في مجال الدراسات الإسلامية بتحقيق تاريخ الطبري، و(نولدكه) الشهير، و(كارل بروكلمان) صاحب تاريخ الأدب العربي، و(جوزيف شاخت)، و(هيلموت ريتر).

ويذكر أن الجامعات الألمانية بدأت بتدريس اللغة العربية في القرن السادس عشر، وكانت البداية مرتبطة بدراسة اللاهوت، وكان أول من حاول أن يدرس اللغة العربية كمادة مستقلّة عن بقية اللغات السامية الأخرى في ألمانيا هو يوهان رايسكه في القرن الثامن عشر، حيث اهتم بدراسة الأدب العربي والأمثال العربية، وترجم بعض أشعار المتنبي ولكنه لم يلق القبول المناسب عند الجمهور في ذلك الوقت، إذ بعد خمسين سنة من وفاته بدأت الدراسات العربية بالمعنى الصحيح على يدي كل من فيلهلم فرايتاغ، ودي ساسي الذي يعد مؤسس الدراسات الشرقية المعاصرة في أوروبا كلها. وأما فلايشر فهو المؤسس الحقيقي للدراسات العربية في ألمانيا، حيث تتلمذ على يديه الجيل المعروف من المستشرقين الكبار أمثال نولدكه وجولدتسهير ويعقوب بارت وأوغست مولر.

وما يهمنا هنا، بعد استعراض الاستشراق الألماني غايته وأهدافه وأعلامه، توجيه كلمة إلى المستشرقين الذين يرون في (المسلم) و(العرب) صورة ضمنية واحدة ثابتة، فلا يختلف المسلم في القرن السادس عنه في القرن الحادي والعشرين، لذلك لابد من نقد الاستشراق تحديداً لصالح رؤية إنسانية وتعددية، تعتبر الإسلام، مثل كل دين، مكوناً واحداً من هؤلاء البشر، وأن رؤى هؤلاء البشر تختلف بالتالي باختلاف ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي تختلف بدورها من مكان لمكان ومن عصر لعصر، ومن طبقة اجتماعية لأخرى، فتؤكد بالتالي على التعددية والصراع والاختلاف داخل العالم العربي أو الإسلامي، عبر المكان والزمان، بل وتوضح انعكاس هذه التعددية على فهمهم للدين.

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=4156

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك