المدرسة الألمانية ومصطلح الاستشراق الجديد

د.إبراهيم عادل

 

تعد المدرسة الألمانية الأبرز في الدراسات الاستشراقية، ويؤكد بعض الباحثين أنها الأقدر، بل هي الأجدر في مجالات البحث العلمي. لذلك نجد أن دارسي الاستشراق في أوروبا تأثروا بأعلام تلك المدرسة، وأبرزهم (آن ماري شيمل)، و(كارل بروكلمان).

بدأ الاستشراق الألماني متأخراً مقارنة بدول أوروبا الأخرى، حيث لم تكن بداية الاستشراق الألماني الحقيقية إلا في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، عندما قصد نفر من الألمان هولندا، حيث تعلموا اللغات الشرقية، ولما عادوا إلى بلادهم، علموها في جامعاتهم، وأخرجوها إلى ميدان الثقافة العامة، وقتها اهتم أمراء العالم المسيحي بشراء المخطوطات الشرقية لبناء دعامة في دراسة تلك اللغات، ودرس كريستمان اللغة العربية ونشرها، ووضع فهرساً مختصراً لمجموعة من المخطوطات اقتناها أحد النبلاء الألمان، كذلك ألف كتيباً لتعليم الحروف العربية، وجمع بعض آيات الإنجيل المترجمة إلى العربية للتمرن على القراءة، بل إنه أعد بنفسه الحروف العربية في قوالب من الخشب للمطبعة.

وتشير المصادر إلى أن بداية علاقة الألمان بالعالم الشرقي كانت في القرن السابع عشر، حين أرسل الدوق فريدريش الثالث دوق شليرفيج هولشتين وجوتروب أثناء حرب الثلاثين مجموعة من أربعة وثلاثين رجلاً إلى فارس وروسيا كي تتحالف مع إمبراطور فارس ضد الأتراك، ودامت الرحلة خمسة أعوام، ولكنها لم تحقق الغرض الحربي المرجو منها، إلا أنها حققت تواصلاً ثقافياً مهد للدراسات الاستشراقية الألمانية.

ويعود الفضل للمدرسة الألمانية في صك مصطلح (الاستشراق الجديد) الذي يعكس مذهباً جديداً لدراسة العالم الإسلامي والعلاقات بين الهوية الإسلامية والهوية الغربية، ويقوم على تجديد افتراضات الاستشراق الكلاسيكي، ومتطلبات الدفاع عن قيم الديمقراطية والحداثة.

ويمثل (الاستشراق الجديد) في ألمانيا تحديداً إعادة تأهيل للنظريات الاستشراقية الكلاسيكية، في سياق يتميز بإعادة دراسة الإسلام والشرق بعيداً عن أدلجة العلاقات بين الشرق الأوسط والدول الغربية، تعمل على تشجيع العودة إلى قراءة موضوعية للمجال الإسلامي، وبخاصة أنه معروف عن الدراسات الألمانية جديتها وموضوعيتها الصارمة المعتمدة على أساليب البحث العلمي.

 ويعود الفضل لها إذن في تحديد المفاهيم المزدوجة للعالم العربي والإسلامي، حيث لا ينظر إليه ككيان متجانس، أو كمحددات ثقافية يفترض أنها تقدم معلومات عن الفعل الجماعي والفردي للمسلمين.

ويتميز الاستشراق الألماني أيضاً عن غيره من البلدان الأوربية بالاهتمام بالدراسة المقارنة للغات السامية، حيث هناك العديد من الدراسات والأعمال المقارنة بين العربية وغيرها من اللغات السامية الأخرى كالآرامية والعبرية والسبئية.

وأود أن أشير هنا إلى حوار مهم أُجري مع المستشرق الكبير (هارتمون بوبتسين)، قال فيه: (إن واقع الاستشراق الألماني الحالي يختلف تماماً عن واقع الاستشراق سابقاً، فقد تغيرت ظروف الحياة وأصبح العالم قرية صغيرة بفضل التقدم التقني الهائل الذي حققته وسائل الاتصال والبث الإعلامي والمعلوماتي، وقد انعكس هذا التقدم على اهتمامات الجيل الجديد من المستشرقين الألمان، إذ بدؤوا بمتابعة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد العربية، ومن هنا فقد كثر هذا النوع من الدراسات الاجتماعية والسكانية والسياسية والجغرافية، أضف إلى ذلك الاهتمام المتزايد بالأدب الحديث وبالدراسات اللغوية المعاصرة، مما يعرف في يومنا هذا بعلم الألسنية. على العكس من الجيل القديم من المستشرقين الذين كانوا يركزون بصورة أساسية على الأبحاث التقليدية ودراسة التاريخ وعلوم اللغة العربية وفقهها).

وهنا كلام بوتسين واضح أن التكنولوجيا الحديثة أثرت تأثيراً كبيراً على واقع الاستشراق الألماني، بل الأوروبي لدراسة الشرق والإسلام.

لكن يجب أيضاً ألا ننبهر بالمدرسة الألمانية في الدراسات الاستشراقية، حيث تدلنا دراسة الدكتور أنور عبد الملك (الاستشراق في أزمة)؛ أن هناك مشكلة مزدوجة في الدراسات الاستشراقية، الأولى تعتبر الاستشراق من ميراث الاستعمار، الذي أراد أن يحشر الإسلام عامة والشرق خاصة في صورة ترضي طموحات الغرب في امتلاك العالم الإسلامي، والمشكلة الثانية أن الاستشراق علم جامد، لم يتطور، فلم يفد من الثورة الحاصلة في العلوم الاجتماعية والتاريخية.

ولابد من التمييز بين رؤيتين: رؤية أصولية وأخرى تعددية، موجودتين في الغرب عامة. الأولى تعتبر الإسلام ككيان وحيد وواحد ثابت لا يتأثر بالتاريخ، وأن هذا الكيان يسيطر بالكامل على أذهان وأرواح جميع المسلمين في كل مكان وعبر التاريخ بالطريقة نفسها، بحيث يمكن اعتبار كل سكان البلدان التي يغلب عليها الإسلام مجرد تجسيدات مختلفة لهذا الكيان الواحد، فيكونون هم هم في كل زمان ومكان.

 مثل هذا التصور يفضي في النهاية إلى ما يمكن أن يسمى (الإنسان الإسلامي)، أو (المسلم) الذي هو صورة نمطية يمكن التعرف على طبيعتها من خلال قراءة ودراسة نصوص المسلمين الكلاسيكية في العصر الذهبي (القرنين الرابع والخامس الهجريين).

 

المصدر: http://www.arabicmagazine.com/Arabic/ArticleDetails.aspx?Id=4155

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك