التقسيم الإسلامي للمعمورة: من دار السلم والحرب إلى الدار العالمية

محمد الناصري

يُعد موضوع تقسيم المعمورة على قدر كبير من الخطورة؛ لارتباطه بالتصور الإسلامي لجغرافيا العالم؛ إذ يمثل أحد أهم موضوعات الفقه السياسي الإسلامي، كما يشكل أساس التصور الفقهي للعلاقات الدولية، وتعلقه بمسائل الجهاد، وأحكام الأقليات الدينية.

وخطورته تكمن -أيضا- في أنه استثمر -بغض النظر عن صحة ذلك أو عدم صحته- في تأزيم المشكلة بين العالمين الإسلامي والغربي؛ إذ استند بعض الغربيين(1) -في اتهامهم للإسلام بالعنف، ووصْفه بالتطرف وأنه دين تنابذي إلغائي- على التراث الفقهي المتعلق بمسألة "دار الإسلام" و"دار الحرب"؛ ففي دراسته عن "الاكتشاف الإسلامي لأوربا" The Muslim discovery of Europe يتحدث برنارد لويس(2) في الفصل الثاني منها عن الرؤية الإسلامية للعالم، فيوضح أن المسلمين يقسمون العالم إلى أقاليم، وهذه الأقاليم تنقسم إلى دار الإسلام، وهي التي يسكنها المسلمون الذين تحكمهم الشريعة الإسلامية في إطار دولة واحدة وحاكم واحد ويعبدون إلها واحدا، ولهذا يجب أن يسود العالم قانون واحد، وهو الشريعة الإسلامية، وأن على جميع البشر قبول الإسلام أو الخضوع للنظام الإسلامي، وأن الجهاد من الواجبات الدينية الإسلامية التي يجب القيام بها بصفة مستمرة لحفظ النظام الإسلامي. 

وفي مقابل دار الإسلام -يقول برنارد لويس- توجد دار الحرب، وهي الأقاليم التي تقع خارج نطاق الأمة الإسلامية. والجهاد يعد أعظم جزء في الشريعة الإسلامية، وهذا ما نلمسه في القرون الأولى في الإسلام حينما واتت الفرصة الجنود العرب في هجومهم على فرنسا وبيزنطة والصين والهند، والمسلمون ينظرون إلى غير المؤمنين كما يقول الرسول محمد باعتبار أن "الكفار أمة واحدة" وينقسمون إلى طائفتين: الكفار، وهؤلاء إما أن يسلموا وإما أن يُقتلوا، أما الطائفة الثانية فأهل الكتاب من اليهود والمسيحيين من أصحاب الرسالات المحرفة يخيرون بين الإسلام أو القتال أو الجزية، والذين يدفعون الجزية يسمون أهل ذمة.

وطبقا لهذا التقسيم بين دار الإسلام ودار الحرب -يضيف برنارد لويس- فإن المسلمين ينظرون إلى المجتمع الغربي على أنه دار الحرب يجب قتالهم عن طريق الجهاد الذي لم يتوقف طوال التاريخ، وذلك حتى يعم الإسلام الأرض"(3)"(4).

الملحوظ أن الفهم غير الدقيق لمسألة "دار الإسلام" و"دار الحرب"، أسهم في تشكيل الموقف السلبي للعالم والمجتمع الدولي من الإسلام والمسلمين عموما.

وبالرغم من خطورة النظرة الغربية عن الإسلام والمسلمين فإن المشكلة الأكثر خطورة تتمثل في الظلال القاتمة التي أرساها هذا التقسيم على كثير من الأحداث السياسية، والتي أثرت سلبا على العالم الإسلامي، الأمر الذي جعلنا كمسلمين نساعد في تكوين الصورة القاتمة والعدائية عن الإسلام والمسلمين في الذهنية الغربية. 

وربما يسعفنا على تجاوز كل هذا مراجعةُ التراث(5) الفقهي المتعلق بمسألة دار الإسلام ودار الحرب مراجعة عميقة، تكشف حيثيات نشوء فكرة تقسيم العالم إلى دور، وتعيد مرة أخرى صياغة المنظور الفقهي لتقسيم العالم في إطار رؤية واقعية لصورة العالم الراهن، ومن دون ذلك لا يمكننا تحقيق أي تقدم على صعيد البحث الفقهي المتعلق بمجال العلاقات الدولية، وعلى صعيد التكيف مع العالم الحديث بما يجعل الأحكام واقعية وقابلة للتطبيق(6).

الدلالة الفقهية لأقسام المعمورة عند الفقهاء

لقد قسم فقهاؤنا الأرض إلى قسمين: دار الإسلام، ودار الحرب، بحسب ظهور أحكام الإسلام أو عدم ظهورها، وبحسب غلبة المسلمين من عدمها؛ إذ يذهب جمهور الفقهاء إلى جعل غلبة وجريان الأحكام هو المعيار الذي ينبني عليه تعريف الدار، "وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو الكفر لظهور الإسلام أو الكفر فيها، كما تسمى الجنة دار السلام، والنار دار البوار، لوجود السلامة في الجنة، والبوار في النار، وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما، فإذا ظهرت أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحّت الإضافة، ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها"(7).

ودار الإسلام عند ابن قيم الجوزية هي: "التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام، وما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها"(8). 

ويقول الإمام السرخسي: و"دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين، وعلامة ذلك أن يَأْمن فيه المسلمون"(9).

كما تعرف دار الإسلام بأنها: "كل ما دخل من البلاد في محيط سلطان الإسلام، ونفذت فيها أحكامه، وأقيمت شعائره، ووجب على المسلمين عند الاعتداء عليه أن يدافعوا عنه وجوبا كفائيا بقدر الحاجة وإلا فوجوبا عينيا، وكانوا كلهم آثمين بتركه، وإن استيلاء الأجانب عليه لا يرفع عنه وجوب القتال لاسترداده"(10).

وتسمى دار الإسلام "دار العدل أيضا؛ لأن العدل واجب فيها في جميع أهلها بالمساواة"(11). أما سكان دار الإسلام فليسوا إجماعا مسلمين بالضرورة، وعلى ذلك قيل: إن مواطني دار الإسلام: المسلمون وغيرهم ممن لا يدينون بدين الإسلام، "وإنهم جميعا متساوون في الحقوق والواجبات، ويتمتعون بصفتهم شعب دار الإسلام بما يسمى حديثا بالجنسية الإسلامية التي تربطهم بالدولة الإسلامية، ولهم حق المواطنة الدائمة"(12).

إجمالا دار الإسلام هي: "البلاد التي يسود فيها الحكم الإسلامي تشريعا وتنفيذا، وتكون القوة والعزة فيها للمسلمين، سواء أكان أكثرية السكان بها من المسلمين أم من غير المسلمين"(13). "فالعبرة سيادة الأحكام الشرعية؛ أو بكون السكان يأمنون في تلك الدار بأمان الإسلام إذا كانوا مسلمين، وبأمان الذمة إذا كانوا غير ذلك"(14)"(15).

وأما دار الحرب: فهي "الدار التي لا سلطان للمسلمين عليها"(16). وقد عرفها بعض الفقهاء المحدثين بقوله هي: "الدار التي لا تجري فيها أحكام الإسلام، ولا يأمن من فيها بأمان المسلمين"(17). وعرفها آخر بأنها: "الدار التي لا تطبق فيها أحكام الإسلام الدينية والسياسية لوجودها خارج نطاق السيادة الإسلامية"(18)، ويرى بعضهم الآخر أنها: "البلاد التي لا تكون فيها السيادة والمنعة للحاكم المسلم، ولا يقوى فيها المسلمون على تطبيق الأحكام الإسلامية"(19). 

ونجد إجمال كل ما سبق ذكره من تعريفات عند الإمام أبي زهرة؛ إذ يرى في تعريف دار الحرب أحد اتجاهين: 

الأول: أنها الدار التي لا يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم، ولا يكون أهلها مقيمين فيها بعهد يحدد العلاقة بينهم وبين حاكم المسلمين، وإن كانت إقامة غير المسلمين بعهد على أن يديره غير الحاكم المسلم فهي دار لهم، فالعبرة عند أصحاب هذا الرأي بالسلطان والمنعة، فما دامت الدار خارجة عن منعة المسلمين من غير عهد، فهي دار حرب حيث يتوقع الاعتداء منها دائما.

الثاني: وهو رأي أبي حنيفة والزيدية وبعض الفقهاء: أن كون السلطة والمنعة لغير المسلمين لا يجعل الدار دار حرب؛ بل لابد من تحقق شروط ثلاثة: 

 ألا تكون المنعة والسلطان للحاكم المسلم بحيث لا يستطيع المسلم تنفيذ الأحكام الشرعية.

 أن يكون الإقليم متاخما للديار الإسلامية بحيث يتوقع منه الاعتداء على دار الإسلام.

 وألا يبقى المسلم أو الذمي مقيما في هذه البلاد بالأمان الأصلي الأول الذي مكن من الإقامة فيها(20)"(21).

تبين من تعريف الدارين(22) أن سيادة الشرعية الإسلامية وسريان أحكامها هو معيار التمييز بينهما، "وأن دار الإسلام لا تصير دار حرب إلا بشروط ثلاثة، فيما يرى أبو حنيفة.

 ظهور أحكام الكفر ونفاذه فيها.

 أن تكون متاخمة لدار الكفر والحرب.

 ألا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمنا بأمان المسلمين الذي كان يتم به؛ أي بالأمان الإسلامي الأول الذي مكّن رعية المسلمين من الإقامة فيها"(23).

التقسيم الإسلامي للمعمورة: تفهم الماضي والاجتهاد لبناء صورة الحاضر والمستقبل. 

يتضح من خلال ما أوردناه من تعريفات لدار الإسلام ودار الحرب أن انقسام العالم إلى دارين هو "تأصيل فقهي لواقع العلاقات التي كانت بين المسلمين وغيرهم، والتي كانت الحرب في الغالب هي الحكَم الوحيد في شأنها ما لم تكن هناك معاهدة"(24). وهو ما يفسر عدم وجود أي دليل أو مستند صريح وواضح من القرآن أو السنة النبوية يشير إلى هذا التقسيم، وبما يدعم الرؤية الفقهية(25). فالتقسيم الفقهي للمعمورة جاء مبنيا على أساس الواقع لا على أساس الشرع، ولم يكن المراد منه "أن يجعل العالم تحت حكم دولتين، أو كتلتين سياستين، إحداهما تشمل بلاد الإسلام تحكمها دولة واحدة، والأخرى تشمل البلاد الأجنبية في ظل حكم دولة واحدة، وإنما هو تقسيم بحسب توافر الأمن والسلام للمسلمين في دارهم، ووجود الخوف والعداء في غير دارهم. ودار الإسلام قد تتعدد حكوماتها، ودار الحرب تشمل كل البلاد الأجنبية مع اختلاف الدول التي تحكمها"(26).

بيد أن من الفقهاء من اعتبر "أهل دار الحرب هم الحربيون، والحربي لا عصمة له في نفسه ولا في ماله بالنسبة لأهل دار الإسلام؛ لأن العصمة في الشريعة تكون بأحد أمرين: الإيمان والأمان، وليس للحربي واحد منهما"(27). و"أن العلائق بين الدارين لم تكن علائق سِلْمٍ؛ وإنما كانت في حالة حرب معلنة"(28). 

وبالنظر إلى أزمات الواقع العربي والإسلامي وإخفاقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التحامل الغربي على الإسلام والمسلمين، وانحيازه المفضوح لصالح الكيان الصهيوني على حساب حقوق الفلسطينيين؛ فقد تلقف الكثير من منظري الحركات الإسلامية السياسية المتشددة التصور الفقهي المذكور، فعملوا على استثماره في تسويغ وتبرير القيام بالأعمال الحربية ضد غير المسلمين وشرعنتها، واعتبار أن القتال لا ينحصر بحالة العدوان على أهل الإسلام أو دعوتهم، بل شرع القتال ابتداء لإخضاع الأنظمة الكافرة لسلطان الإسلام فاكتسبت الحركات الإسلامية الراديكالية -التي اعتمدت في تصوراتها وأعمالها على الأحكام المتعلقة بالتصور التراثي الفقهي لتقسيم المعمورة- صفة المشروعية للكثير من علميات العنف التي يتم تنفيذها سواء على المستوى الداخلي (العربي والإسلامي) أم على المستوى الخارجي، إذ استند تنظيم الجهاد الإسلامي في مصر عام 1976م إلى مفهومي "دار الكفر" و"دار الإسلام" في مسألة انقلاب "دار الإسلام دار كفر". "وبالانتقال إلى العالمية بدأت الأحكام المتعلقة بتقسيم المعمورة تتمدد باتجاه الخارج؛ أي باتجاه العلاقات الدولية بعد أن بقيت طيلة السبعينات وحتى الثمانينيات مقصورة عموما على الوضع الداخلي، وبدأ تطبيقها الأول مريعا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في برجي التجارة في نيويورك (أو ما تسميه القاعدة ب "غزوة مانهاتن)، فقد تمت شرعنة العلميات الانتحارية على أساس التقسيم الفقهي إلى "دار الحرب" و"دار الإسلام" وباعتبار أن أمريكا "دار كفر"، ودار الكفر في التراث الفقهي مطابقة لدار الحرب، وليس هناك فرق بين المصطلحين إطلاقا، وأن دماء أهل الحرب هدر أو مهدورة، هذا ما يلمح إليه خطاب أسامة بن لادن الأول زعيم تنظيم القاعدة عقب الأحداث، بقوله: "إن هذا الحدث قد قسم العالم إلى فسطاطين، في إشارة إلى دار الحرب ودار الإسلام، كما في بيانات وخطابات أخرى(29).

من أبرز الذين نظروا لهذا التصور -معتبرين أن القتال لا ينحصر بحالة العدوان على أهل الإسلام؛ بل يشرع القتال ابتداء لإخضاع الأنظمة الكافرة لسلطان الإسلام- أبو الأعلى المودودي؛ إذ يرى "أن الإسلام يضاد ويعارض الممالك القائمة على المبادئ المناقضة للإسلام، ويريد قطع دابرها، ولا يتحرج في استخدام القوة الحربية لذلك، وهو لا يريد بهذه الحملة أن يُكره من يخالفه في الفكرة على ترك عقيدته، والإيمان بمبادئ الإسلام إنما يريد أن ينتزع زمام الأمر ممن يؤمنون بالمبادئ والنظم الباطلة، حتى يستتب الأمر لحملة لواء الحق، وعليه فإن الإسلام ليس له -من هذه الوجهة- دار محدودة بالحدود الجغرافية يذود ويدافع عنها؛ وإنما يملك مبادئ وأصولا يذب عنها، ويستميت في الدفاع عنها، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"(30). 

وقد تبنى النهج نفسه سيد قطب؛ فقد رأى أن الإسلام "إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد، وذلك بإعلان ألوهية الله وحده (التي تعني) الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور.. إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض"(31). و"مملكة الله في الأرض... لا قيام لها إلا بإزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر(32)، وتحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها، وهذه العقيدة تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها"(33).

"كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان؛ لأن المتسلطين على رقاب العباد، المغتصبين لسلطان الله في الأرض، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان، إنه لابد من الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان؛ لتحرير الإنسان في الأرض كل الأرض"(34). 

"فالإسلام في جهاد دائم لا ينقطع أبدا لتحقيق كلمة الله في الأرض... وهو مكلف ألا يهادن قوة من قوى الطاغوت على وجه الأرض...والإسلام يواجه القوى الواقعة في وجهه بواحدة من ثلاث: الإسلام، أو الجزية، أو القتال"(35).

ويعدّ سيد قطب ذلك من طبيعة الإسلام، ومن ثم فلا يمكن للإسلام "أن يقف عند حدود جغرافية،.. لا يحركه إلا خوف الاعتداء"(36).

كما ينكر سيد قطب القول بأن الإسلام "لا يقاتل إلا الذين يقاتلون أهل دار الإسلام في داخل حدود هذه الدار أو الذين يهددونها من الخارج"(37)، ويشنع على أصحاب هذا القول ويعتبرهم من المهزومين روحيا أمام الواقع البائس النكد الذي يواجههم، وأمام القوى المعادية التي لا طاقة لهم بها"(38)، وعلى حد تعبيره، "هان الأمر لو أنهم حين يهزمون روحيا أمام هذه القوى لا يحيلون هزيمتهم إلى الإسلام ذاته، ولا يحملونه على ضعف واقعهم الذي جاءهم من بعدهم عن الإسلام أصلا، ولكنهم يأبون إلا أن يحملوا ضعفهم وهزيمتهم على دين الله القوي المتين"(39).

إن حركة الجهاد الإسلامي في نظر سيد قطب لا تتوقف عند حماية دار الإسلام، فهي: "ليست الهدف النهائي، وليست حمايتها هي الغاية الأخيرة؛ إنما حمايتها هي الوسيلة لقيام مملكة الله فيها، ثم لاتخاذها قاعدة انطلاق إلى الأرض كلها وإلى النوع الإنساني بجملته؛ فالنوع الإنساني هو موضوع هذا الدين والأرض هي مجاله الكبير"(40).

فحسب سيد قطب أن حركة الجهاد الإسلامي لا تقتصر على صون حدود دار الإسلام، إنما وجوب توسيعها لتشمل كل الأرض بما يمكّن الكل من اعتناق الإسلام على اعتبار أن الإسلام دين الله، وأعداءه أعداء الله الذين إن لم يصلح معهم جهاد البيان وجب الشروع في جهاد السيف.

وعلى هذا فهناك حرب بين دار الإسلام ودار الحرب، حرب معلنة أو مضمرة أو مؤجلة، وهي لا تنتهي إلا حينما يدخل الجميع إلى الإسلام أو يخضعون له، فالسلام بين الدارين غير ممكن من ناحية شرعية؛ لأنه مصالحة بين نقيضين: حق وباطل، هدى وضلالة، إيمان وكفر.. ووجود هدنة لا يعني أن تضع الحرب أوزارها إلى الأبد، فهي مؤقتة لا تزيد على عشر سنوات، وللمسلمين حقُّ نقضها من طرف واحد ومواصلةُ الجهاد متى وجدوا ذلك ممكنا وضروريا.

إن هذا الفكر يعدّ المرجع الأساس للجماعات الإسلامية المتشددة -التي يعدّ تنظيم القاعدة من أبرز مظاهره الراهنة- الداعية إلى المبادرة بالاعتداء والجهاد بالسيف: التأسيس لمنطق الحروب الديـنية، بالاستـناد إلى مفهـومي الحاكمية(41)، والجاهلية(42)، اللذيْن تطورا ليأخذا بُعْدًا تكفيريا من خلال وصف العالم بالجاهلية لفقدانه الحاكمية، الأمر الذي يفرض المواجهة الحتمية بين دار الإسلام ودار الحرب، لقد أخذت أفكار المودودي وسيد قطب المستندة إلى تقسيم العالم إلى دارين منحى خطيرا سبق وأن حددنا بعضا من تجلياته، إن داخليا(43) أو خارجيا، مِمَّا أسهم بشكل كبير في تشويه حقيقة الإسلام وتكريس الصورة النمطية للغرب عن الإسلام باعتباره دين العنف والإرهاب والتطرف وعدم تقبل الآخرين.

الأمر الذي يفرض ضرورة مراجعة التراث الفقهي الخاص بمسألة تقسيم المعمورة إلى دار الإسلام ودار الحرب. والدعوة إلى مراجعة التراث الفقهي المرتبط بمسألة "دار الإسلام" و"دار الحرب" تكتسب مشروعيتها من عدة اعتبارات: 

أ- فناهيك عما سبق وأن أشرنا إليه من كون هذه القسمة "تتخذ اليوم حجة بأن المسلمين لا يمكن أن يكونوا مصدر استقرار في العالم؛ لما في تعاليم دينهم- حسب زعم هؤلاء -من أحكام تنفي الآخر، ورغم أن المسلمين في جميع أنحاء العالم- اليوم- هم المعتدى عليهم وهم الذين يتعرضون لسائر أنواع العدوان؛ غير أن جزءا لا يستهان به من تبريرات المعتدين لعدوانهم يستندون فيه إلى هذا التراث"(44).

ب- كثرة الإشكالات التي يثيرها هذا التقسيم في زماننا المعاصر، ولعل من أبرزها: 

• ما هو المعيار لسلطان الإسلام وتنفيذ أحكامه وإقامة شعائره؟ هل هو إقامة أحكام الإسلام بشكل كامل؟ هذا معناه أن أكثر بلاد المسلمين لم تعد اليوم دار إسلام.

• هل يكفي أن تطبق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية من دون سائر القوانين؟ هذا معناه أيضا أن تخرج بلاد إسلامية عريقة من دار الإسلام كتركيا وتونس؛ يطبق في تركيا مثلا القانون السويسري الخاص بالأحوال الشخصية. 

• هل يكفي أن يقيم المسلمون شعائر الإسلام بحرية كالصلاة والصيام والحج والزكاة لتعدّ دار إسلام بناء على استمرار الماضي؟ هذا معناه أن أكثر بلاد المسلمين تعدّ اليوم دار إسلام، ولكن ما الحكم في كثير من البلاد غير الإسلامية التي يأمن فيها المسلمون ويقيمون شعائرهم بحرية أكثر من بعض بلاد المسلمين؟ [ألا] يمكن عدّها دار إسلام(45).

• أي الدول تعدّ دار إسلام في زماننا المعاصر وفق التعريف الفقهي التراثي، "إذا ما أخذنا بالحسبان المعايير المبنية على مفاهيم السلامة والأمن التي يتبناه علماء المذهب الحنفي، ربما تكون النتيجة مختلفة جدا بل متعارضة تماما، فالمسلمون في الغرب يمكن أن يشعروا أنهم أكثر سلامة فيما يتعلق بممارستهم لدينهم، أكثر من بعض ما يسمى بالبلدان الإسلامية، يمكن أن يقودنا هذا التحليل إلى النتيجة بأن وصف دار الإسلام، المبني على معايير السلامة والأمن، ينطبق على جميع البلدان الغربية تقريبا؛ بينما لا يكاد ينطبق على الغالبية العظمى من البلدان الإسلامية"(46).

• إن تصور العالم مقسوما إلى دارين جعل من غير الممكن تصور مفهوم الأقلية المسلمة في بلاد غير المسلمين، ولهذا أجرى الفقهاء عليها عموما أحكام دار الكفر ذاتها، وعدوا الإقامة بدار الكفر لغير حاجة وضرورة غير جائزة، وجعلوا الهجرة واجبة عموما إلى دار الإسلام، مِمَّا يجعل الآن من الضرورة الأخذ في الحسبان ما جرى من تطورات في العالم الحديث، ووضع الأقليات المسلمة في بلاد غير المسلمين.

• لقد أهمل الفقهاء الاعتداد بالمعيار السكاني -غلبة عدد المسلمين - في وصف ما يدخل تحت مسمى "دار الإسلام"؛ ذلك لأنهم ينطلقون من تصور أوضاع الخلافة وعلاقتها مع الدول المجاورة، وفي إطار ذلك السياق التاريخي من غير الممكن تخيل غلبة مسلمين دون ظهور أحكام الإسلام أو انضمامهم للواء الخليفة أمير المؤمنين حتى لو وجد أكثر من خليفة في وقت واحد.

أما الآن وفي ظل تفتت بلاد المسلمين وغلبة النظم العلمانية ومفهوم الدولة الوطنية التي تعتمد مفهوم الأقلية والأكثرية أساسا للنظام السياسي، فإن من غير الممكن تجاهل معيار العدد السكاني(47).

• تداخل مفهومي دار الحرب ودار الكفر في البحث الفقهي القديم تداخلا يصل إلى حد التطابق المعلن تارة والمضمر أخرى، وهو ما يجعل بعض الفقهاء يصرح بأن المراد من المصطلحين: "دار الكفر" و"دار الحرب" واحد، هذا التداخل الحاصل بمسوغات تاريخية -دار أهل الكفر كانت دار حرب على الدوام- هذا التطابق بين المفهومين هو الذي جعل بعض حركات الإسلام السياسي المسلحة تسوغ تفجير البرجين وقتل المدنيين الأمريكيين باعتبارهم حربيين؛ لأنهم هم الذين يدفعون الضرائب لخزينة الحكومة الأمريكية التي تمثل دار الحرب وأنهم -أي الأمريكيين- كفار مهدورو الدم"(48).

إنها إشكالات خطيرة تبرز بالواضح والملموس فقدان هذا التقسيم لواقعيته، مِمَّا يدل على تاريخيته؛ فمصطلحا دار الإسلام ودار الحرب أفرزه الفقه الإسلامي قديما في ظل ظروف ومناسبات كانت تستدعيه، "ومما يؤكد ذلك أن مجمل البحث الفقهي -المرتبط به- مفتقر في الاستناد إلى الخطاب الإلهي، ومقتصر في الاستدلال به على منطق الاستئناس، وليس الاستنباط، وبأثر رجعي من مرجعية الواقع التاريخي، وأنه جاء كتخريج فقهي أتى به العلماء نزولا عند الحاجات والظروف التي أحاطت بهم"(49) من جهة، "واقتباسا من التنظيم الروماني الذي كان سائدا لدى الرومان من حيث تقسيم العالم إلى دار الوطنيين الرومان، ودار الأجانب أو الأعداء، ودار المعاهدين من جهة ثانية"(50). وبالنظر إلى الفارق الزمني، والتباين الحاصل في طبيعة العلاقات الدولية بين الأمس واليوم، بات من الضروري مراجعة هذا التقسيم، وتجديد الاجتهاد في الفقه الإسلامي لمواكبة روح العصر ومسايرة المستجدات الطارئة في مجال العلاقات الدولية.

"لقد قدم الأقدمون -من علمائنا- مرجعات ومحاولات تصديق بالقرآن على هذا التقسيم كان من أبرزها وأكثرها انسجاما مع عالمية الإسلام ما نقله الإمام الفخر الرازي -في تفسيره الكبير- عن القفال الشاشي ما مفاده" أنه يمكن تجاوز قسمة الأرض المألوفة لدى الفقهاء إلى "دار إسلام" و"دار حرب" و"دار عهد" إلى قسمة أخرى تنسجم وفاعلية الإسلام وعالميته وخواص شرعته ومنهاجه، والقسمة التي صرح بها أن تكون الأرض دارين: دار إسلام، ودار دعوة، فدار الإسلام هي التي يدين أكثر أهلها بالإسلام، وتعلو فيها كلمة الله، ودار الدعوة هي التي على المسلمين أن يبلغوها الرسالة، ويوصلوا إليها الدعوة، وأن أمم الأرض وشعوبها أمتان: أمة إجابة وهي الأمة المسلمة، وأمة دعوة وهي سائر الأمم الأخرى"(51).

ولما كان من غير الجائز شرعا أن يتم تبليغ الدعوة الإسلامية وتبصير غير المسلمين بها في جو من العداء والقتال، فإن معنى ذلك أن السلم وما يندرج تحته من مفردات تدور في جملتها حول القول اللين والموعظة الحسنة، والجدال والمحاورة بالتي هي أحسن، والصفح والعفو، والصبر على الأذى والقدرة على تحمله.. يشكل الأداة التي يتعين وجوبا اللجوء إليها ابتداء عند قيام الأمة الإسلامية بواجب الدعوة وحمل لوائها إلى غير المسلمين. مِمَّا يجعل من أساس العلاقات بين المسلمين وغيرهم قائمة على التعايش السلمي والتعاون الموصوف بالبر والتقوى، والبر بالآخرين والقسط إليهم.

ولأن مفهوم الأمة في الشرع الإسلامي لا يرتبط بالكم البشري أو الحيز الجغرافي أصلا؛ وإنما يرتبط بالمبدأ الإسلامي، وإن تجسد ذلك المبدأ في شخص واحد. ولذلك استحق إبراهيم عليه السلام وصف "الأمة" في القرآن الكريم لقنوته لله وشكره لأنعمه: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(52). دل ذلك على أن دار الإسلام هي كل أرض يأمن فيها المسلم على دينه، حتى ولو عاش ضمن أكثرية غير مسلمة، ودار الكفر هي كل أرض لا يأمن فيها المؤمن على دينه وحتى ولو انتمى جميع أهلها إلى عقيدة الإسلام وحضارته، وقد روى ابن حجر عن الماوردي ما يؤكد ذلك حين قال: "إذا قدر (المسلم) على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر، فقد صارت البلد به دار الإسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها، لما يترجى من دخول غيره في الإسلام"(53)، فاعتبر أن الإقامة في دار كفر يستطيع المسلم إظهار دينه فيها أولى من الإقامة في دار الإسلام؛ لما في ذلك من القيام بوظيفة جذب الناس إلى هذا الدين وتحسينه إليهم، ولو بمجرد الاحتكاك والمعايشة"(54).

إن المبادئ العامة التي أشرنا إليها في الفصل الأول الحاكمة لفلسفة الإسلام السلمية -كالمساواة والعدل والحرية ووحدة الإنسانية- تزكي هذا الفهم وتدعمه، واستحضار البعد العالمي الذي يميز الإسلام وغاياته الإنسانية السامية ومقاصد رسالته المنصوص عليها في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(55) لا ينسجم والتقسيم الفقهي التراثي للمعمورة القاضي بتقسيم العالم إلى فسطاطين العلاقة بينهما قائمة على الحرب العدوانية.

في ظل كل هذا يتحول كل كلام عن "دار إسلام" و"دار كفر" أو "دار إسلام" و"دار حرب" -بالمعنى الجغرافي لهذين المصطلحين- إلى ضرب من التكلف، وبُعْدٍ عن الواقع، وتطبيق لآفاق الرسالة"(56) العالمية.

لنخلص إلى أن الأرض واحدة والدار دار عالمية واحدة، وأن الأصل عدم القسمة، فكل البلاد هي من عداد دار الإسلام، "فالأرض لله والإسلام دينه، وكل بلد هو دار إسلام بالفعل في الواقع الحاضر أو دار إسلام في المستقبل الآتي"(57) بالاعتماد على الدعوة إلى الله بمنهج الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾(58) ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(59)، وبذلك يتأكد القول بأن أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلم لا الحرب.

إجمالا نقول: إن الاجتهادات الفقهية القديمة الخاصة بتقسيم المعمورة لم تعد ملائمة للواقع الدولي المعاصر، فضلا عن قصورها في رعاية التنوع العالمي داخل منظومة دولية واحدة، وعليه فتجاوز التقسيم الثنائي للمعمورة إلى مفهوم الدار العالمية الواحدة يمكّن من التأسيس من جديد لنوع من الإسهام الإسلامي في حل وتجاوز مشكلات وأزمات عالمنا المعاصر، وإن إسلام الدعوة لا يتعارض مع هذا التوجه؛ بينما قد يؤدي التركيز على التقسيم الفقهي التراثي بالشكل الذي فُهِم إلى نوع من العزلة، وتكريس للنعوت الغرائبية القدحية التي تجود بها قرائح أعداء الإسلام في محاربهم العاجية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) فهناك لفيف من الباحثين والأكاديميين من مفكري ومنظري المجتمع الغربي والأمريكي خاصة الذين يدعون ذلك، ويحملون الألقاب الأكاديمية غطاء وذرّاً للرماد في العيون أمثال: دافليف باين، مارتن كارمر، برناردلويس، جيري فالوب، فرانكلين غراهام، وبان روبرتسون وصحافيون أمثال: جيم هوغلاند، وجوديت ميل، واميرسون وتشارلز كروتماتر وغيرهم.

2) هو أشهر مستشرق في الغرب حاليا بعد موت جاك بيرك ومكسيم رودنسون، ولد برنارد لويس في عام 1916م، وبدأ ينشر مؤلفاته عام 1937م، ومنذ ذلك التاريخ نشر عدة مؤلفات حول العالم الإسلامي، وقد أقام في الولايات المتحدة من عام 1974م، بعد أن انتقل إلى بريطانيا، وهو متخصص في المسألة التركية، يعدّ من كبار المختصين بتاريخ الإسلام والشعوب العربية والإسلامية من أهم مؤلفاته: أصول الإسماعيلية، عالم الإسلام، الإسلام والعالم العربي، كيف حدث الخلل؟، أزمة الإسلام، اللغة السياسية في الإسلام، أين الخطأ؟...

3) Lewis, Bernard, the Muslim discovery of Europe, pp60-61, London, 1982.

4) معنى الرأي سبقه إليه المستشرق الأسكتلندي هاملتون الكسندر روسكين جيب HA.R.GIBB في كتابه: الإسلام إلى أين؟ إذ ذكر في مقدمته أن التصور العام لدى المسلمين فيما يخص علاقاتهم مع الآخرين يقوم على مفهوم دار الإسلام التي تكون في حالة حرب مستمرة على الصعيد الروحي والمادي مع بقية العالم: Wither Islam, p20 وأصبح هذا الكتاب فيما بعد مرجعا رئيسا للباحثين في شؤون الإسلام في الشرق الأوسط، واندس هذا المفهوم في بعض الدراسات الاستشراقية دون مناقشة أو تعقيب باعتبار الثقة الحكمية التي يحظى بها مؤلف الكتاب" انظر: عبد القادر التيجاني حول النموذج التفسيري لعلاقات المسلمين الخارجية، م، التجديد، ع.5 فبراير 1999م، ص77 وما بعدها.

5) لم يتجاوز النقد الموجه للتراث الفقهي المتعلق بتقسيم المعمورة حد كشف الخلفية التاريخية التي أسست لهذا التراث وما استطاعت الدراسات في هذا الموضوع -إلى اليوم- التجاوز إلى الكشف عن "التصور الإسلامي للمعمورة" خارج إطار هذا التراث الفقهي التاريخي، فأقصى ما حققته هو إثبات التاريخية، وتعديل بعض المفاهيم الخاصة بهذا التقييم، وذلك في محاولة لتجنب المشكلات الكثيرة التي خلقتها المفاهيم التراثية التقليدية عن العالم وتقسيم المعمورة، ومحاولتنا هذه تأتي لتجاوز التقسيم التراثي الثنائي للمعمورة إلى وحدة الدار العالمية بما ينسجم مع عالمية الإسلام وكونيته.

6) ياسر لطفي العلمي، الجغرافيا الفقهية للعالم، من صورة التاريخ إلى صورة الواقع المعاصر، م، إسلامية المعرفة، ع45، صيف 1427هـ/2006، ص99-100.

7) علاء الدين أبو بكر مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، ط، الثانية، 1406هـ/ 1986م، ج7، ص130.

8) ابن قيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، تحقيق، سيد عمران، دار الحديث، القاهرة، ط، الثانية، 1401هـ/1981م، ص123.

9) السرخسي، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، طبعة1414هـ/1993م، ج10، ص114.

10) رشيد رضا، تفسير المنار، دار الفكر، ط، الثانية، د.ت، ج11، ص119.

11) وهبة الزحيلي، آثار الحرب، دراسة فقهية مقارنة، دار الفكر، دمشق، طن الرابعة، 1430هـ/2009م، ص192.

12) نفسه، ص198.

13) محمد صادق عفيفي، الإسلام والعلاقات الدولية، دار الرائد العربي، بيروت، ط، الثانية، 1986م، ص128.

14) طه جابر العلواني، مقاصد الشريعة، دار الهادي، بيروت، ط، الثانية، 1426هـ/2005م، ص55.

15) ونشير هنا إلى أنه على الرغم من ظهور تقارب -إلى حد ما- في صوغ تعريف "دار الإسلام" عند فقهاء الشريعة الإسلامية؛ فإنه قد يظهر التركيز عند بعضهم على شرط أو ضابط دون آخر، ويعود ذلك إلى عدم وجود نص إلهي بشقيه المتلو وغير المتلو صريح يحدد المعنى المراد ويضع المعايير والضوابط الخاصة بها كنقاط تمايز لها عن غيرها، ولم يقتصر هذا الاختلاف على أئمة الفقه القديم؛ بل تعداهم إلى من بعدهم من الباحثين المعاصرين. ياسر لطفي العلمي، الجغرافيا الفقهية للعالم: من صورة ا لتاريخ إلى صورة الواقع المعاصر، م. إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة الثانية عشر، صيف 1427هـ/2006م، ع45، ص105، وحول عدد من تلك التعريفات التي ذكرت عند بعض المعاصرين. انظر، لطفي العلمي ياسر، أرض الله: التقسيم الإسلامي للمعمورة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1425هـ، ص33 وما بعدها.

16) عبد الكريم زيدان، أحكام الذميين والمستأمنين، في دار الإسلام، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط، الثانية، 1402هـ/1982م، ص17.

17) عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية، المطبعة السلفية، د.ط، 1350هـ، ص69.

18) وهبة الزحيلي، م.س، ص192.

19) محمد صادق عفيفي، م.س، ص130.

20) محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، دار الفكر العربي، د.ط، د.ت، ص53.

21) إن المتتبع لعبارات الفقهاء في تحديدهم لدار الحرب "سيلحظ اضطرابا في استخدام مفردة "دار الحرب"؛ إذ تارة يعبرون عن هذه الدار بوصف الحرب، وهو الأكثر شيوعا من غيره" وتارة بوصف الكفر وأخرى بالشرك، وقد أدى هذا الاضطراب إلى تداخل مفاهيمي بين دار الحرب" و"دار الكفر" و"دار الشرك" وصل إلى حد التطابق في الاستخدام مما ولد بعض الإشكالات التي يمكن أن تثار حول هذا التطابق بين تلك المفردات، والتي تظهر في تعدد واختلاف المرجعية المفهومية لكل منها؛ إذ تحمل كل منهما دلالة وحقيقة تختلف عن الأخرى. فنجد أن مفردة "دار الكفر" و"دار الشرك" تنتميان إلى المجال العقائدي بسبب ما تحملانه من دلالات إيمانية مرتبطة بالمعتقد الذي يتبناه أصحاب هذه الدار، وفي المقابل نجد أن مفردة دار الحرب" تنتمي إلى المجال العسكري أو الحربي، وذلك لما تحمله من دلالات قتالية أو حربية تشير إلى وجود حالة من الحرب المستمرة بين طرفين. والسؤال الذي يرد هنا عن سبب قيام هذا التداخل أو التطابق المفاهيمي بين هذه المفردات عند الفقهاء، بالرغم من أن واقعها يدعونا إلى ضرورة التفريق بينها؟ قد يفسر ذلك بمبررات تاريخية، وظروف واقعية تشير إلى أن دار الكفر أو دار الشرك كانت دار حرب بصورة دائمة، أو بمبررات لغوية، حيث إن الدلالة المفهومية لدار الحرب تحولت من الدلالة ا للغوية أو المعرفية التي تحملها إلى دلالة فقهية خالصة، انظر ياسر لطفي العلي، م.س، ص108- 109.

22) أضاف بعض الفقهاء دارا ثالثة هي: دار العهد، وهي البلدان التي ترتبط مع المسلمين بمعاهدات أو اتفاقات دائمة أ ومؤقتة. وقد وقع اختلاف بني الفقهاء في تحديدها، حيث يمكن تلخيص أقوالهم حولها في ثلاثة اتجاهات. الاتجاه الأول: أخذ به بعض الحنابلة بحيث أكدوا على أن الدار بقيت على وصفها السابق كـ"دار حرب" ولم تتحول عن حقيقتها وحالتها الأصلية، انظر، ابن رجب الحنبلي، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، الاستخراج لأحكام الخراج، دار المعرفة، بيروت، 1979م، ص21. الاتجاه الثاني: قال به أبو حنيفة، وجمهور الشافعية (انظر النووي، محي الدين أبو زكريا، روضة الطالبين، دمشق المكتب الإسلامي، 1966م،.ج5، ص433) وقد نصوا جميعا على أن الدار صارت بهذا الصلح "دار إسلام"، وأصبح أهلها "أهل ذمة" يتبعون في السيادة والحكم لأهل الإسلام. الاتجاه الثالث: قال به الماوردي (انظر، الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، م.س، ص211) وقد ذهب إلى إعطاء الدار التي عقدت صلحا مع المسلمين وصفا خاصا ومستقلا عن غيرها، إذا أصبحت بهذا الصلح" دار عهد" أو "دار صلح". الملحوظ أن تحديد المراد بـ "دار العهد" لم يكن محل اتفاق بين الفقهاء، حيث تباينت الاتجاهات والرؤى في تحديد الوضع الشرعي لها، خاصة وأن معظم الفقهاء شكلوا تصورهم للعالم وفق رؤية ثنائية "دار الإسلام" و"دار الحرب" منكرين إمكانية تصور دار ثالثة تستقل بذاتها، ولذا فقد نصوا على أنه إن تحقق أو تصور مجازا وجود دار ثالثة مختلفة بالتسمية عن "دار الحرب" و"دار الإسلام" فإنها لن تخرج عن أن تكون جزءا من إحدى ما بين الدارين، انظر ياسر العلي لطفي، م.س، ص112، وبالتالي لا يمكن الاعتداد بدار العهد كقسم مستقل من أقسام المعمورة، وهذا ما يفسر اقتصارنا على الدارين "دار الإسلام" و"دار الحرب".

23) وهبة الزحيلي، آثار الحرب، م.س، ص172.

24) نفسه، ص210. 

25) نفسه، ص211. 

26) نفسه، ص213. 

27) عبد الكريم زيدان، أحكام الذميين والمستأمنين، م.س، ص18.

28) محي الدين محمد قاسم، م.س، ص116.

29) عبد الرحمن الحاج، م.س، ص67.

30) أبو الأعلى المودودي، الجهاد في سبيل الله، مؤسسة الرسالة، بيروت، طبعة 1979م، ص41.

31) سيد قطب، في ظلال القرآن، م.س، ج3، ص1433.

32) نفسه، ج3، ص1435.

33) نفسه، ج3، ص1433.

34) سيد قطب، في ظلال القرآن، م.س، ج3، ص1434-1435.

35) نفسه، ص156-157.

36) نفسه، ج3، ص1442.

37) نفسه، ج3، ص1581.

38) نفسه، ج3، ص1581.

39) نفسه، ج3، ص1581.

40) سيد قطب، معالم في الطريق، دار الشروق، القاهرة، ط. العاشرة، 1403هـ/1983م، ص85.

41) تعدّ الحاكمية من المفاهيم المتداولة في الفكر الإسلامي المعاصر، وقد أثارت فكرة الحاكمية جدلا معرفيا، وخلافا فكريا بين أصحاب الفكر والدعوة، كما شكل هذا المفهوم -في فترات زمنية معينة- محورا للممارسات الدعوية والحركية، واتخذ أصلا للتنظيرات الفكرية والدعوية، ومرتكزا لبناء النظريات السياسية الإسلامية في أنظمة الحكم. ويعد المودودي أول من صاغ مصطلح "الحاكمية" في سياق صراع الهنود المسلمين لإنشاء كيان سياسي خاص بهم بباكستان، وقد اختار المودودي مصطلح الحاكمية للتعبير عن مبدأ سيادة الله، وما يفرضه من وجوب سيادة التشريع الإسلامي، ويرى المودودي أن الإسلام يضاد ويعارض الممالك القائمة على المبادئ المناقضة للإسلام. انظر، المودودي، نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور، دار الفكر، بيروت، ط، الأولى، 1979م، ص250 ومابعدها..ويطرح سيد قطب فكرة الحاكمية نفسها التي أحياها وبعث روحها المودودي، والملاحظ أنه لا خلاف ولا تمايز في فكرة الحاكمية بين المودودي وقطب في الحقيقة والجوهر؛ إذ يفسر سيد قطب الحاكمية -ويصطلح عليها بالحاكمية العليا-في ضوء معاني الألوهية. انظر، سيد قطب، معالم في الطريق م.س، ص26..وقد أدت الشروح والتطويرات لهذا المصطلح السياسي ذي البعد العقدي إلى أن يتحول إلى مصطلح عقدي ذي بُعد سياسي، حيث جعلت الحاكمية- في أدبيات الحركات الإسلامية المتشددة- قرينة "التوحيد". للاطلاع أكثر على المدلول الدلالي لمفهوم الحاكمية والسياق التاريخي للمفهوم قديما وحديثا، راجع: حسن لحساسنة، الحاكمية في الفكر الإسلامي، كتاب الأمة الدوحة.ع.118، ط، الأولى، 1427هـ/2007م. كما يرجى الاطلاع على دراسة الأستاذ طه جابر العلواني، حاكمية الكتاب، ضمن، الخصوصية والعالمية في الفكر الإسلامي، دار الهادي، ط، الأولى، 1424هـ/ 2003م، ص، 254 وما بعدها. كما يرجى الرجوع إلى كتاب، الحاكمية، لأبي القاسم الحاج حمد، دار الساقي، بيروت، ط، الأولى، 2010م.

42) الجاهلية، مصطلح بلوره سيد قطب فيما يخص المجتمعات الحديثة تحت ظل الدولة العلمانية، مستعيرا إياه من مصطلح الجاهلية الذي ابتكره القرآن الكريم لرسم المرحلة التي سبقت الإسلام بكل ما يشير إلى دلالات سلبية فيها. ويقيّم سيد قطب فكرة الحاكمية في إطار استحضار معاني الجاهلية المعاصرة، وبناء على هذا التقابل والتفاعل بين الحاكمية والجاهلية تتضح أكثر معالم الحاكمية عنده؛ حيث يقول: "إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التفسيرات المادية الهائلة..هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية". انظر: سيد قطب، معالم في الطريق، م.س، ص10. ويُدخل سيد قطب كل المجتمعات سواء أكانت عربية أم اتسمت بالإسلامية في إطار المجتمعات الجاهلية عند فقدها شرط الحاكمية.

43) لقد بدأت هذه الجماعات العنف من داخل أوطانها؛ أي العنف ضد الأنظمة الحاكمة، واعتبرت أن الحكومات المعاصرة، حكومات غير شرعية وكافرة؛ لأنها لم تحكم بما أنزل الله، واستبدلت الشريعة بالقوانين الوضعية، ولذلك وجب الحكم عليها بالكفر والردة والخروج من الملة، ويجب قتالها حتى تتخلى عن السلطة. ويؤكد فقه هذه الجماعات عدم شرعية الحكومات العربية والإسلامية أو كفر الأنظمة الحاكمة بأمر آخر وهو: "أنها توالي أعداء الله من الكفار، الذين يكيدون للمسلمين، وتعادي أولياء الله من دعاة الإسلام، الذين ينادون بتحكيم شرع الله وتضطهدهم وتؤذيهم ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾ سورة المائدة، الآية 51. ومن الدلائل كما يخلص يوسف القرضاوي أن هذه الأنظمة فرطت في الدفاع عن المسجد الأقصى، وأرض الإسراء والمعراج؛ بل وضع بعضها يده في يد الدولة الصهيونية، والبعض سار في ركاب الأميركان". يوسف القرضاوي، الإسلام والعنف نظرات تأصيلية، دار الشروق، القاهرة، ط، الأولى، 2005م، ص44. أما بالنسبة للأنظمة العربية فيستند فقه جماعات العنف إلى أن هذه الأنظمة غير شرعية؛ لأنها لم تقم على أساس شرعي في اختيار جماهير الناس، أو اختيار أهل الحل والعقد، وبيعة عموم المسلمين. فهي تفتقد الرضا العام، الذي هو أساس الشريعة، وإنما قامت على أسنة الرماح بالتغلب والسيف والعنف، وما قام بقوة السيف يجب أن يقاوم بسيف القوة ولا يمكن أن يقاوم بسيف القلم". يوسف القرضاوي، الإسلام والعنف نظرات تأصيلية، م.س، ص45. وترى الحركات الإسلامية المتشددة أن الحكومات تقر المنكر، وتبيح المحرمات من الخمر والزنا والميسر والربا والخلاعة والمجون وسائر المحظورات "لذا وجب محاربتها بالقوة وتكفيرها والقاعدة التي يعتمدون عليها: أن من لم يكفر الكافر فهو كافر". يوسف القرضاوي، الإسلام والعنف نظرات تأصيلية، م.س، ص49. 

44) طه جابر العلواني، مقاصد الشريعة، دار الهادي، ط، الثانية، 1426هـ/2005م، ص56.

45) فيصل المولوي، الأسس الشرعية للعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، بيروت، دار الراشد الإسلامية، ط، الأولى، 1978م، ص99-100.

46) طارق رمضان، مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام، ترجمة إبراهيم يحي الشهابي، مراجعة حسان خطيب، المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث، مركز الترجمة، الدوحة، ط، الأولى، 2005م، ص139.

47) انظر: محمد بوبوش، العلاقات الدولية في الإسلام، دار الفكر، بيروت- دمشق، ط، الأولى، 2009م، ص150. 

48) ياسر لطفي العلي، م.س، ص109 بتصرف. 

49) نفسه، ص119.

50) إحسان الهندي، أحكام الحرب والسلام في دولة الإسلام، دار النمير، دمشق، ط، الأولى، 1993م، ص6. 

51) طه جابر العلواني، مقاصد الشريعة، م.س، ص56.

52) سورة النحل، الآيتان 120-121.

53) ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، 1379هـ، بيروت، ج2، ص75.

54) طه جابرالعلواني، مقاصد الشريعة، م.س، ص113-114.

55) سورة الأنبياء، الآية 107.

56) طه جابر العلواني، مقاصد الشريعة، م.س، ص113.

57) نفسه، ص57 بتصرف يسير.

58) سورة النحل، الآية 125.

59) سورة العنكبوت، الآية 46.

المصدر: http://tafahom.om/index.php/nums/view/7/139

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك