الهجوم على الاستشراق

أليكسندر ماكفي

ترجمة: بشار بكور

يبين إعجاز أحمد -العالم الهندي المعروف- في مقالته الاستشراق وما بعد Orientalism and After (أحمد، 1992) أن الهجوم على الهيمنة الثقافية الاستعمارية قديمٌ قِدَمَ الاستشراق نفسه. وقد يشمل هذا الهجوم كتاب آسيا والهيمنة الغربيةAsia and Western Dominance تأليف بانكار (نشر جورج ألين وأونوين، 1959)، وكتاب جِلْدٌ أسودُ وأقنعة بيضاءBlack Skin, White Masks تأليف فرانز فانون (نشر بلوتو برس، 1967)، وكتابأسطورة الاستعمارThe Mythology of Imperialism تأليف جونه روسْكِن (نشر راندوم هاوس، 1971)، وكتاب خطاب حول الاستعمارDiscourse on Colonialism تأليف إيميه سيزير (نيويورك، 1972).

 

لكن في فترة التحرر من الاستعمار التي تلت الحرب العالمية الثانية فقط، أصبح الهجوم على الاستشراق واسعَ الانتشار. والاستشراق يعدّ ركناً من أركان الهيمنة الفكرية التي مارستها القوى الأوروبية المستعمرة.

 

هناك أربعة أعمال تندرج تحت هذا الهجوم: مقالة أنور عبد الملك "الاستشراق في أزمة"Orientalism in Crisisالمنشورة في Diogenes عام 1963؛ ومقالتان لعبد اللطيف الطيباويالمستشرقون الناطقون بالإنجليزية English-speaking Orientalists ونقد ثان للمستشرقين الناطقين بالإنجليزيةSecondCritique of the English-speaking Orientalists

 

 المنشورتان في Islamic Quarterly عام 1964 و1979، وكتاب إدوارد سعيدالاستشراق: التصورات الغربية عن الشرقOrientalism: Western Conceptions of the Orient المنشور عام 1978؛ وكتاب بريان تيرنر ماركس ونهاية الاستشراقMarx and the End of Orientalism المنشور أيضاً عام 1978.

 

ولد أنور عبد الملك في القاهرة عام 1923، درس علم الاجتماع والفلسفة؛ وأنهى دراسته في الكلية اليسوعية الفرنسية (القاهرة)، والسوربون (فرنسا)، ودرّسَ الفلسفة لعدة سنوات في مدرسة الحرية (القاهرة)، وأصبح عبد الملك بعد هذه السنوات كاتباً وصحفياً له مكانته؛ وبسبب ميوله اليسارية لم يعد على وفاق مع الحكومة المصرية، فقرر الانتقال إلى باريس، حيث عمل في المركز القومي للبحث العلمي(1).

 

عبد اللطيف الطيباوي فلسطيني، وُلد في طيبة عام 1910. درس في مدرسة طولكرم، والتحق بدار المعلمين (القدس)، وفي الجامعة الأمريكية في بيروت حيث نال شهادة البكالوريوس عام 1939. درَّسَ مادة التاريخ، وعُيّن مفتشاً لسنوات. وفي عام 1947 سافر إلى لندن حيث درس أنظمة التربية والتعليم بمنحة مالية من المجلس البريطاني، ثم استقر هناك حيث نال شهادة الدكتوراه في التربية عام 1952، درس مادة التربية في معهد التربية، كما كتب لقناة بي بي سي العربية. وبعد زمن ولكونه خبيراً في القانون الإسلامي انتقل إلى هارفرد أستاذاً باحثاً. توفي في لندن عام 1981 من جراء حادث سيارة. نشر عدداً من الكتب حول التاريخ العربي، مثل المصالح البريطانية في فلسطينBritish Interests in Palestine(نشر جامعة أكسفورد، 1961)، وتاريخ سورية الحديثA Modern History of Syria (نشر ماكميلان، 1969)، والعلاقات العربية-الإنجليزية وقضية فلسطين 1914-21

 

Anglo-Arab Relations and the Question of Palestine 1914-21 (نشر لوزاك، 1977).

 

إدوارد سعيد فلسطيني، بروتستانتي، ولد عام 1935، نشأ وترعرع في فلسطين ومصر وأمريكا، درس في برينستون وهارفرد، وبعد حصوله على الدكتوراه من هارفرد عام 1964 انتقل إلى نيويورك، حيث درّس الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة كولومبيا. انخرط سعيد في أواخر الستينات بالنشاطات الطلابية المناهضة للحرب على فيتنام، وفي السبعينات بحركة التحرير الفلسطينية. وفي عام 1977 أصبح سعيد عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني. نشر عدداً من الكتب قبل كتابه الاستشراق ‘، منها جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتيةJoseph Conrad and the Fiction of Autobiography (نشر هارفرد، 1966)، والبدايات: القصد والمنهجBeginnings: Intention and Method (نشر بيسك بوكس، 1975).

 

بريان تيرنر عالم اجتماع إنجليزي، ولد في برمنغهام عام 1945، ودرس في جامعة ليدز، وبعد حصوله على الدكتوراة من ليدز عام 1970 حاضر لفترة في جامعتي أبيردين ولاكنستر، ثم عين بروفيسوراًفي علم الاجتماع في جامعة فليندرز في جنوب إستراليا عام 1982. من كتبه ويبر والإسلام: دراسة نقديةWeber and Islam: A Critical Study (نشر روتلج وكيغن بول، 1978) وماركس ونهاية الاستشراق (1978) والرأسمالية والطبقية في الشرق الأوسطCapitalism and Class in the Middle East (نشر هينيمان، 1984) والاستشراق ومابعد الحداثة والعولمةOrientalism, Postmodernism and Globalism(1994)

 

الاستشراق في أزمة(2):

 

في مقالة الاستشراق في أزمة يناقش عبد الملك، المتحمس للماركسية أن الانتصارات التي قامت بها حركات التحرر الوطنية المتنوعة بعد الحرب العالمية الثانية أنتجت أزمة في لبِّ الاستشراق، الذي لوثته كثيراً المركزية الأوروبية. ولهذا كان الاستشراق بحاجة إلى مراجعة جذرية، كالعديد من الموضوعات السابقة للدراسة والبحث. لقد أصبحت الآن الشعوب المستعمرة ذات سيادة.

 

بالطبع، أنتج الاستشراق الكثير من الأعمال ذات القيمة؛ ففي مجال اللغة العربية والدراسات الإسلامية -على وجه الخصوص- أسهم الاستشراق في فهم الحضارة القديمة، وفي جمع وفهرسة الكثير من المخطوطات العربية، المحفوظة غالباً في المكتبات الأوروبية، وفي نشر كثرة كاثرة من الأعمال المهمة، وأسس منهجاً للدراسة معترفاً به، ونظم المؤتمرات الاستشراقية، وأسهم في إحياء الوعي الوطني للكثير من البلاد الآسيوية والإفريقية.

 

لكن ثمة حقيقة باقية وهي أن الاستشراق تأثر عميقاً بالتحيز، تحيزٌ أظهرته مجموعات من أساتذة الجامعات، ورجال الأعمال، والعسكريين، والموظفين الاستعماريين، والمبشرين، ومروجي الدعاية، والمغامرين، الذين كان هدفهم الوحيد جمعَ المعلومات الاستخباراتية للمنطقة المرادِ استعمارُها، والولوجَ إلى وعي شعبها؛ لضمان استعبادهم بالطريقة الفضلى.

 

مال المستشرقون والجماعات الأخرى المعنية بالأمر إلى رؤية الشعوب الشرقية موضوعات للدراسة مشبعة بآخرَ مُكوَّنٍ لشخصية جوهرية، تاريخية، لا يمكن تحويلها، ولا إدراكها أوفهمها. وكان متوقعاً ممن هم  موضوعات الدراسة تلك أن يكونوا مذعنين، غير فاعلين، وغير مستقلين، ولا ذوي سيادة، في مقابل الذي يقوم بالدراسة، الأوروبي الإنسان الطبيعي المتصف بالعلو والسمو.

 

التصورات الجوهرية لمثل هذه الشعوب عبرت عنها تصنيفات عرقية متعددة، مثل الإنسان الصيني homo Sinicus، والإنسان العربيhomo Arabicus، والإنسان الإفريقي homo Africanus، وأحياناً يعبر عنها بالنقد الواضح الصريح.

 

وقد حدد الأسلوبُ الأساسي الذي تبناه المستشرقون الكثيرَ من طرائق دراستهم. ومن المسلّم به أن دراسة الثقافات والحضارات -مثل حضارة اليونان وروما القديمتين- ينبغي أن تهتم أساساً بأهم مكونات هذه الثقافات (اللغة والدين)، وبمراحل إنجازاتها الكبرى؛ ولكن قليلا من الاهتمام أعطي لوضعها الحالي، الذي كان مفترضاً أن يعاني من الانحطاط والتفسخ، ولم يكن التطور الاجتماعي بمسموح. أما بالنسبة لأعمال العلماء الذين ينتمون إلى الشرق، فهذا ما يجب تجاهله إلى حد بعيد، أو المرور عليه في صمت، أو التقليل من شأنه؛ لأنه نتاج عقلية شرقية مفترضة.

 

ولكي ييسروا دراستهم لمثل هذه الحضارات والثقافات الكلاسيكية أو الميتة ‘جمع المستشرقون الغربيون في المكتبات والمتاحف الأوروبية -مثل المتحف البريطاني (لندن)، ومتحف غيميه (باريس)- مجموعاتٍ عظيمةً من المخطوطات الشرقية، ومواد أخرى تتعلق بالشرق. وممن قدم السند والعون للمستشرقين في هذا الشأن الإداريون المستعمرون، والمبشرون الكاثوليك والبروتستانت، وآخرون غيرهم. ولقد بقي العديد من هذه المجموعات ممنوعة على العلماء، خصوصاً أولئك الآتين من الشرق.

 

وفقاً لعبد الملك فإن عدداً من العلماء الأوروبيين -منذ سنوات حديثة العهد- اعترفوا بالأزمة الواقعة في قلب الاستشراق، إلا أن استجابتهم انقسمت بين تلك التي تخص القوى الاستعمارية، ومنها أمريكا الأوروبية، وتلك التي تخص الدول والحركات الاشتراكية لأوروبا الشرقية، والقارات المنسية الثلاثة (آسيا، وإفريقية، وجنوب أمريكا). يمثل الاستجابةَ الأولى أعمالٌ للكاتب جي. بيرقي، مستشرق فرنسي، والتقريرُ الذي صاغته لجنة هايتر (1961) في بريطانيا، ويمثل الاستجابة الثانية نتائجُ المؤتمرات السوفياتية العديدة التي عقدت في الخمسينات والستينات.

 

 تحدث بيرقي نيابة عن الثقافة الفرنسية -المسماة هلنستية الشعوب العربية- فدافع عن إنشاء استشراق جديد، نزيه وملتزم، ويبدي احتراماً كبيراً لرؤية العرب للأشياء. أما لجنة هايتر فأوصت في تقريرها أن تتبنى الحكومة البريطانية سياسة تعتمد على النموذج الأمريكي، مصمَّمة لتقديم معلومات أكثر وأفضل، عن الشرق المعاصر؛ ولتحفيز الاهتمام باللغات الشرقية الحية، والانتقال من التركيز على الدراسات الكلاسيكية إلى المعاصرة.

 

في الجانب الآخر -في القطاع الاشتراكي- وبعد سقوط الإمبراطوريات الأوروبية الرئيسة، أقيمت سلسلة من المؤتمرات للحزب الشيوعي بدءاً من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي عام 1956. جاء في التوصيات ضرورة تبني نهج جديد للاستشراق، يقضي على المركزية الأوروبية، ويعترف بحق شعوب آسيا وإفريقية في ألا يكونوا مجرد موضوعات في التاريخ؛ بل أن يكونوا هم صانعيه. وكان واجباً على المستشرقين السوفييت-وهم يدركون تماماً نتائج الصحوة السياسية في الشرق-أن يعكسوا بموضوعية-ما وسعهم الجهدُ- تاريخَ البلاد الآسيوية والإفريقية، وأن يساعدوا شعوبها في كفاحهم من أجل التحرر الوطني والاجتماعي.

 

لكن في المناقشات اللاحقة، ناقش المستشرقون الاشتراكيون- خصوصاً الفرنسيين- أنه مع أن الاستشراق التقليدي أصبح قديماً ومهجوراً غير أنه من غير المناسب أن تقتصرَ الدراسةُ العلمية لبلاد آسيا وإفريقية على عموم البحث التاريخي واللغوي؛ لأن هذا (في الحالة الراهنة للتطور العالمي) سيكون بمنزلة الانتكاس في المركزية الأوروبية.

 

الاختلافات بين أوروبا -وآسيا التي كانت لقرون غارقةً في التخلف، والتدخل الاستعماري، والبنية الاجتماعية الوسيطة- سوغت أسلوباً خاصاً. ربما يعدّ المستشرقون أهمية الطريقة الشرقية للإنتاج ضمن الإطار العام لمراحل التاريخ الإنساني، وميزانية الإمبريالية الاستعمارية، مع الأخذ بالحسبان تناقضاتها الداخلية، وظهور حركات التحرر الوطنية في المستعمرات، الأكثر تقدماً من الحركات التي قامت بها الطبقات العاملة في أوروبا، وأهمية عنصر يعرف بـالروح الوطنية، وظهور صنف ثالث من الأمة (بالإضافة إلى الصنفين الذين ميزهما جي. في. ستالين) ضمن المجموعة الإفريقية-الآسيوية، ونشر الفكر الماركسي في العالم، والدور المختلف للطبقة العاملة، التي مالت إلى كونها العنصر المركزي للقوى الشعبية وللشعب، وليس للطبقة المسيطرة الوحيدة. (عبد الملك، 1963، ص123-124).

 

يرى عبد الملك أن العلاقات الحميمة التي أقيمت بعد فترة الاستعمار بين الاتحاد السوفياتي والدول الإفريقية والآسيوية والحركات الشعبية؛ قادت إلى انتشار واسع للاستشراق السوفياتي. فمعهد شعوب آسيا -الملحق بأكاديمية العلوم- غدا المركز الاستشراقي الأكبر في العالم، وكل الجامعات السوفياتية ملزمة بالانخراط في دراسة آسيا وإفريقية، والأشخاص الموظفون في الدراسات الشرقية أو موضوعات متعلقة بها تراوح عددهم بين 18 إلى 20 ألف موظف، كما أن دار النشر المتخصصة في الدراسات الشرقية كانت تنشر عنواناً جديداً كل يومين أو ثلاثة، ولم يعد من الممكن أن تدرس الدراسات الشرقية من دون العلم باللغة الروسية.

 

المستشرقون الناطقون بالإنجليزية:

 

نشرت هذه المقالة فيIslamic Quarterly عام 1964، تتبع فيها عبد اللطيف الطيباوي التحيز ضد الإسلام والقومية العربية، في الكثير من الاستشراق الأوروبي، وبخاصة الإنجليزي، وصولاً إلى العصور الوسطى، حيث رسم البيزنطيون واللاهوتيون والمجادلون الرومان الكاثوليك صورةً مشوهة للإسلام. ومما يقع في جوهر سوء فهمهم رفضُهم الاعتراف بمحمد حاملاً لرسالة ربانية، ولذا صُوِّر الإسلام عملاً شيطانياً، والقرآن نسيجاً من السخافات، ومحمد نبياً كاذباً ‘، ودجالاً ‘، وعدواً للمسيح (طيباوي، 1964، ص58).

 

إن الاتصال بالعالم الإسلامي في فترة الحروب الصليبية والفتوحات العثمانية للبلقان، لم يزِلْ سوء الفهم هذا، كما أنه لم يتضاءل خلال التوسع الاستعماري الذي تلا تكوين الدول القومية الأوروبية، عندما أتت أجيال من المبشرين المسيحيين وبناة الإمبراطورية لممارسة تأثير قوي على التعليم في العالم الإسلامي. ومن صفوف سفراء المسيح والسادة المسيحيين ظهر نوع جديد من المتخصصين باللغة العربية والتركية والفارسية، الذين مهدوا السبيل للمستشرقين المحترفين. ولذا ومن البداية كان الاستشراق الغربي قليلَ الموضوعية، وفاقداً للنزاهة العلمية، وممتلئاً بالتحيز. علاوة على ذلك انتقل حديثاً هذا التحيزُ إلى القومية العربية.

 

ويرى طيباوي أن من أعظم الإخفاقات الأكاديمية للمستشرقين الناطقين بالإنجليزية عدم رغبتهم في الاعتراف بحقيقة أن محمداً -لدى المسلمين- هو آخر رسل الله إلى البشرية، أرسل لإتمام وتأكيد الرسالات السابقة التي جاء بها الأنبياء السابقون. والقرآن عند المسلمين هو كلام اللهِ الخالدُ وغيرُ المخلتق، الموحى به إلى محمد على فترات بواسطة الملك جبريل. وكما أن الرسالة نفسها ذات أصل إلهي كذلك أيضاً الدعوة إليها. هذا الحق الذي العديد من الإسلاميين والمستشرقين الفاقدين للموضوعية، لا يعترفون به، مؤكدين -ببطلان- أن القرآن من تأليف محمد(3).

 

ومن هذا الخطأ الأساسي في الفهم تنشأ العديد من الأخطاء الأكاديمية الأخرى، مثل البحث عن الجذور اليهودية والمسيحية للإسلام، وتقديم منهج مقارنة الأديان العلماني على دراسة الدين نفسه، والفهم الخاطئ لوجهة النظر الإسلامية في المسيح والمسيحية، ولطبيعة الشريعة الإسلامية المشتملة على الوحي، ولذا فإنها غير خاضعة للتبديل والتغيير بأيدي البشر؛ لكنها تشتمل أيضاً على السنة النبوية الخاضعة للتفسير والتعديل(4).

 

وبسبب عدم فهم هذا الفرق يقول كثير من الغربيين بإمكانية إصلاح الإسلام ومؤسساته. إن القضايا المبنية على الحديث النبوي قابلة للإصلاح؛ لكن القضايا المبنية على الوحي ليس كذلك. ومن هذا السياق كثيراً ما يتيه الأوروبيون في هذا الموقف، فهم يصفون المسلمين الذي يستجيبون للاقتراحات الأوروبية المتعلقة بالإصلاح بالمتحررين، أما أولئك الذين يرفضون مثل هذه الاقتراحات فيصفونهم بالرجعيين. وفي هذا الموقف يتبدى جهلهم أيضاً.

 

إن سوء فهم الأوروبيين لطبيعة الإسلام قد تفاقم بسبب أن الكثيرين من المستشرقين الناطقين بالإنجليزية لا يتكلمون العربية أو التركية أو الفارسية بما يكفي للدخول في حديث مع مسلم مثقف حول موضوع ما، وتفاقم أيضاً بسبب البغض الذي يكنّه كثير من المستشرقين للثقافة الإسلامية، وللشعوب المسلمة.

 

 ويرى طيباوي أن تحيز أوروبا ضد الإسلام بسبب الجهل قد توسع مؤخراً إلى القومية العربية، فهناك أكاديميون غربيون -خصوصاً أولئك المتخصصين في الشرق الأوسط- أوجدوا كومةً من العلم؛ هذه الكومة (مثل المعرفة الغربية بالإسلام) مليئةٌ بالتحريف والمراوغة، بسبب عوامل عدة: الخوف من الشيوعية، والانزعاج من رفض العالم الإسلامي للنموذج الدستوري التحرري الأوروبي الغربي (الذي شوهه كثيراً سوءُ التصرف غيرُ المتسامح من قبل الغربيين في العالم الإسلامي)، والتعاطفُ مع القضية الإسرائيلية ودعمها، والاهتمام بـتأمين وتزويد نفط الشرق الأوسط، والاستياء من تدهور السلطة الغربية في الشرق الأوسط.

 

ففي مثل هذا العمل لم تكن هناك محاولة -أو كانت لكن على الندرة- لاكتشاف المبادئ والنماذج والميول الأساسية المتأصلة في التقليد المحلي. وعلى العكس كان من المتوقع أنه لا بد للعرب والمسلمين أن يقتفوا أثر النموذج الغربي للقومية؛ لأنها غربيةُ الميلاد والمنشأ. وفي قضايا كثيرة يقحم المستشرقون أنفسهم في السياسة، ويعملون مستشارين للحكومات، ويؤيدون قضايا معينة؛ مثل الصهيونية.

 

في مقالته نقد ثان للمستشرقين الناطقين بالإنجليزية المنشورة في 1979، يعيد طيباوي فحصَ القضايا المثارة في نقده الأول، ويراجع التقدم الحاصل في الاستشراق الإنجليزي، ويعيد فحص عدد من حالات التحيز الاستشراقي في أعمال حديثة النشر.

 

في الأعم الأغلب يجد القليلَ الذي يدعو إلى العزاء، على أنه يعترف بوجود درجة كبيرة من التسامح الذي أظهره بعض رجال الدين المسيحيين ويخلص إلى أن المستشرقين الناطقين بالإنجليزية والمتشبهين بهم لا يزالون يحاربون-بدرجات متنوعةٍ من المهارة وعكسها -الإسلام والقومية العربية، على المستويين الأكاديمي والتبشيري.

 

صحيح أن المحاربة على المستوى التبشيري تقوم بها قوى هي الآن في تضاؤل كبير؛ لكنها على المستوى الأكاديمي تتم مصحوبةً بغضب متزايد، شبيهٍ بالهجوم المبكر على الإسلام ومحمد في العصور الوسطى. الحوافز والطرق المتبعة تتكرر نفسها: حقد وتحيز يستخدمان التحريف وسوء التمثيل.

 

العديد من المستشرقين -ومنهم وليم مونتغمري واط، وكينيث كراغ، وبرنارد لويس، وبي. إم. هولت، وسي. إي. بوسورث، وجون وانسبوروخ- لا يزالون يتحدثون عن الأصول اليهودية والمسيحية للإسلام، وعن قضية صدق محمد، وقليل منهم يتجشمون العناء في تبيان وجهة النظر الإسلامية.

 

وخلافاً للجيل السابق من المستشرقين، فإن الجيل الحالي يبدي اهتماماً قليلاً باحتمال "إصلاح" الإسلام، مع أنه يستمر في الافتراض المتعجرف حول وجوب أن يستجيب الإسلام للفكر الأوروبي المعاصر. أما احتمال أن يطلب من الفكر الأوروبي المعاصر أن يستجيب هو للإسلام فهو أمر غير وارد.

 

قلة من المستشرقين ينخرطون في المهمة الصعبة وهي تحقيق المخطوطات العربية. وعوضاً عن ذلك يفضل الكثير تحقيق مجموعات من المقالات- كتبها عدد من المؤلفين- يُدَّعى أنها دراساتٌ تندرج تحت موضوع عام. والكثير من هذه المجموعات تضم معلومات تمهيدية، تقدم القليل، وتلخص اليسير... ولا تكاد تركّب شيئاً؛ بل هي تهمل تصحيح الأخطاء الحقيقية. وكثير من المستشرقين حين يكتبون عن تاريخ الإسلام والغرب يظهرون جهلاً وتحيزاً، كما أن الكثير منهم لا يزالون يخوضون في خلافات سياسية. (طيباوي، 1979، ص15).

 

من الأمثلة التي تشير على جهل المستشرقين وتحيزهم: موسوعة الإسلامThe Encyclopaedia of Islam (آرثر تشادي وريتشارد هارتمان، 1913، الطبعة الثانية، 1960)؛ وتراث الإسلامThe Legacy of Islam (آرنولد وغليوم، 1931 و1979)، وتاريخ كيمبردج للإسلامthe Cambridge History of Islam (تحرير هولت وآخرين، 1970). ويرى طيباوي إن كلتا الطبعتين من موسوعة الإسلامتتحدثان عن ‘ الإسلام، وليستا مستمدتينمن ‘ الإسلام، وكلتاهما تعتمد على كتب قليلة الاهتمام بالمجتمع المسلم وبالمسلمين. والطبعة الأولى خلت عملياً من مسهمين مسلمين، وفي الطبعة الثانية بقيت الغالبية العظمى للكتاب المسيحيين واليهود؛ لكن أشرك المحررون نزراً من المسلمين والعرب بالاسم فقط. إن معظم العمل يشوه الإسلام ويسيء تمثيله، ويقوض تراثه كما يعرفه المسلمون. إن نشر آراء هجومية عن الإسلام دون موازنتها بعرض الرأي المقابل أمر ينطوي على غطرسة وإهانة.

 

وفي تراث الإسلام -المكتوب في جلِّه بأيدي كتاب مسيحيين ويهود- تنتشر الآراء المثيرة للجدل، المنطوية على تأكيدات لا تصمد أمام النقد؛ فالكثير من الحقائق تم إقصاؤها، وفي كل زاوية من زوايا الكتاب ثمة أدلة تبعث على القلق، تشير إلى وجود حملة ماكرة وخبيثةلتزييف التاريخ الإسلامي، على الأقل في واحدة من المقالات الرئيسة.

 

وينتهي طيباوي بعد تحليله للاستشراق الإنجليزي إلى نسختين من الإسلام ديناً وحضارةً: واحدة مستمدة من الحب والعقيدة والتراث، والثانية مستمدة من الكراهية والشك والظنون. هناك افتراق تام بين النسختين على جميع الأسس. إن نظام الأشياء الذي أوجده المستشرقون الغربيون (العديد منهم عملاء للاستعمار البريطاني والصهيونية) يضع حواجز ضخمة بينهم وبين المسلمين المتنورين، وفي الوقت نفسه يشجع التحيز ضد الإسلام، والفهم الخاطئ للمسلمين في العقل الغربي.

 

من الناحية المثالية، لا ينبغي أن يكون للمعرفة حدود قومية أو عرقية؛ لكن مثل هذه المعرفة لا يمكن أن تتحصل طالما أن الاستشراق البريطاني تتحكم به "جمعية سرية، يهنئ فيها الأعضاءُ بعضهم بعضاً، ويقتصرون على نشر الكتب التي من إنتاجهم فحسب، أو من إنتاج زملائهم ورعاياهم، والذين غالبهم من اليهود الصهاينة" (طيباوي، 1979، ص26).

 

إن مثل هؤلاء المستشرقين وأشباههم هم خَلْفَ التاريخ، وكأسلافهم لا يزالون يتبنون المركزية الأوروبية في رؤيتهم للإسلام والعرب، ويرفضون بعناد حركةَ ما بعد الحرب، التي تطالب بمراجعة التاريخ التقليدي؛ "لتطهيره من التحيز القومي والعرقي وغيره، ولتقوية الفهم العالمي والإنساني" (طيباوي، 1979، ص27).

 

بدلاً من الاستمرار في الإساءة للإسلام والعرب، يمكن للمستشرقين الناطقين بالإنجليزية أن يفعلوا حسناً في التعبير عن تعاطفهم مع المسلمين والعرب الذين يعيشون في محنة، خصوصاً العرب الفلسطينيين، الذين أُخرجوا من ديارهم بأيدي الإسرائيليين.

 

الاستشراق: التصورات الغربية عن الشرق:

 

في الاستشراق: التصورات الغربية عن الشرق (1978) بنى إدوارد سعيد على عمل عبد الملك، وأعمال نقاد آخرين للاستشراق (ولم يكد يبني على عمل عبد اللطيف الطيباوي، الذي لم تجذب أصوليته الإسلامية سعيداً). يوسع سعيد نقد الاستشراق الذي ازداد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى حد كبير جداً، حتى بدا أنه شمل كل شيء من مظاهر الحياة والفكر الأوروبي، من الناحية الاجتماعية والعلمية والدينية والنفسية والاقتصادية والسياسية.

 

يرى سعيد أن الاستشراق-خصوصاً الذي مارسه البريطانيون والفرنسيون في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والأمريكيون في النصف الثاني من القرن العشرين- أصبح أسلوباً للتعامل مع الشرق، مبنياً على مكان الشرق الخاص في التجربة الأوروبية، بوصفه واحداً من صورها الأعمق والأكثر تكراراً لـلآخر، وموضوعاً أكاديمياً لا تقتصر ممارسته على المستشرقين فحسب؛ بل يمتد إلى دارسي علم الإنسان (الأنثروبولوجيين)، وعلماء الاجتماع، والمؤرخين، والفلاسفة؛ وأنموذجاً من التفكير قائماً على تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب؛ وأنموذجاً غربياً من أجل الهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والسيطرة عليه، وشبكة معترفاً بها تقوم بفَلْترة الشرق في الوعي الغربي.

 

وفقاً لسعيد فإن الاستشراق -الذي يعرف من خلال كونه نوعاً من الخطاب كما رآه فوكو- استطاع أثناء فترة ما بعد التنوير أن يتدبر بل أن ينتج الشرق سياسياً، واجتماعياً، وعسكرياً، وإيديولوجياً، وعلمياً، وتخيلياً.

 

ولأسباب عملية تتعلق بسيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي في القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، والاستعمار الأمريكي في النصف الثاني من القرن العشرين، وكذا لأسباب شخصية تتعلق بحقيقة أن سعيداً نشأ وتعلم في فلسطين ومصر- اللتين حكمتهما بريطانيا- ولاحقاً في أمريكا (حقيقة جعلته ينقب عن الآثار الباقية في الموضوع الشرقي عن الهيمنة الإنجليزية والفرنسية)؛ لهذه الأسباب كلها فإن سعيداً -حين درس الاستشراق- عُني أساساً بالعلاقات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية بالعالم العربي والإسلام، مع أنه يعرف أنه في حالات عديدة كان من الأنسب الإحالةُ إلى إطار مرجعي أوسع، يشمل الاستعمارَ والاستشراق الألماني والإيطالي والروسي والإسباني والبرتغالي.

 

 ينقسم تحليل سعيد للاستشراق الإنجليزي والفرنسي والأمريكي إلى ثلاثة أجزاء: مسح للتاريخ المبكر للاستشراق بعنوان مجال الاستشراق، ووصف للأسلوب الذي تطور فيه الاستشراق فيما بعد بعنوان البنى الاستشراقية وإعادة البنى، ووصف للاستشراق المعاصر، بعنوان الاستشراق الآن.

 

وفي الجزء الأول مجال الاستشراق يقدم سعيد قضيته الأساسية، التي فصل فيها القول باستفاضة في الجزأين اللاحقين، وهي أن الاستشراق لا يقتصر على كونه مجرد موضوع أكاديمي، بل هو أيضاً حقلٌ للدراسات يشمل تقريباً كل الثقافة الأوروبية، وأسطورةٌ تكتفي بذاتها، وأرشيفٌ بني وأنشئ داخلياً، يشكل الفكر والرأي الأوروبيين. وفي هذا الجزء أيضاً يحدد سعيدٌ أصول المعالم الرئيسة للأسطورة الاستشراقية، وهي أن الشرقيين -خلافاً للغربيين- هم بالفطرة يتصفون بالغموض، والتهديد، وعدم العقلانية، والشيطنة، والانحراف الجنسي.

 

إن وصف سعيد لظهور الاستشراق من حيث كونه موضوعاً أكاديمياً، محبوكاً في نص كتاب الاستشراق ‘هو في الأعم الأغلب تقليدي؛ لكن سعيداً يميل إلى منح مزيد من الاهتمام إلى نشوء الدراسات الهندية أكثر من الدراسات العربية. ومن خلال اعتماد سعيد على كتاب ريموند شواب النهضة الشرقيةLaRenaissance orientale(1950)، وكتاب جون مولسبعة وعشرون عاماً في تاريخ الدراسات الشرقيةVingt-sept Ansd’Histoire des études orientales

 

(1979-1980)، وكتاب غوستاف دوجا تاريخ المستشرقين الأوروبين من القرن الثاني عشر إلى التاسع عشرHistoire des orientalistes de l’Europe du XIIe au XIXe siècle(1868-1870) يبين أن المستشرقين الأوروبيين (الذين كانوا في الأصل يدرسون الدراسات الإنجيلية، واللغات السامية، والإسلام) حولوا الاستشراق إلى مكان نفيسللمعرفة عن الشرق. وقد تم لهم هذا الأمر بعد إرسال البعثات اليسوعية إلى الصين، وتأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية في الهند. وعلى وجه الخصوص، يوضح سعيد كيف أن العمل الموسوعي للمستشرق دي هيربلوت المكتبة الشرقية‘Bibliothèque Orientale (1697) يعد عملاً أساسياً، ساعد في تشكيل الدراسات الشرقية، وكيف أن الاكتشافات المعجِبةَ في الهند التي قام بها أنكيتل دوبيرون، ووليام جونز وآخرون أدت إلى ظهور الدراسات الهندية، وكيف أن حملة نابليون بونابرت الاستكشافية إلى مصر في 1798، بالإضافة إلى نشر كتاب وصف مصرDéscription de l’Egypteفي 1809-1828 قادا إلى توسع سريع ليس في الاستشراق الفرنسي فحسب بل في الاستشراق الأوروبي أيضاً.

 

في رأي سعيد، أوجدت حملة نابليون تقليداً للبحث الاستشراقي أدى مباشرة إلى نشر سلسلة من النصوص المهمة، منها كتاب لامارتين رحلة إلى الشرقVoyage en Orient(1837)، وكتاب لين أحوال وعادات المصرين المعاصرينManners andCustoms of the Modern Egyptians

 

 (1836)، وكتاب رينان منهج مقارن وتاريخ عام للغات السامية(1848)، وأدى أيضاً إلى فكرة فرديناند دي ليسيب في حفر قناة السويس، واحتلال بريطانيا لمصر عام 1882.

 

إن موضع الخلاف الكبير في وصف سعيد للاستشراق عن الأوصاف السابقة الأكثر تقليدية للموضوع هو في تعريف الاستشراق بوصفه خطاباً كما يراه فوكو ويتصوره، وحقلاً للدراسة، ونتاجَ جغرافيةٍ تخيلية، وهَوَساً بالنص الكلاسيكي، وانتقائيةً هائلة، وتمييزاً ثنائياً راسخاً بين الغرب والشرق، والنفس والآخر.

 

وفقاً لسعيد، فإن الاستشراق -كما عرفه- لم ينشأ في القرن الثامن عشر أو نحواً من ذلك، إنما نشأ في أيام الإلياذة Iliad ‘لهومر، والفرسThe Persians لإيسيخيلوس، وعابدات باخوس‘ The Bacchae ليوروبيدوس. ففي الفرس ‘توصف آسيا بأنها الآخر ‘لأوروبا، وفي عابدات باخوس يتم ربطها بعقيدة ديونِسيس، عقيدة غامضة وشيطانية.

 

في القرون اللاحقة تعزز مراراً هذا التقسيم الجوهري الثنائي من قبل جغرافيين رومان، ومؤرخين، وشخصيات بارزة (هيرودوتس، وألكساندر، وقيصر)، وتجار في العصور الوسطى، وكتاب، والصليبيين (ماركوبولو، ومانديفيل، ولودوفيكو دي فارثيما)، وكتاب مسيحيين في العصور الوسطى ومجادلين (دانتي، وجون السيغوفي، ونيكولاس دي كوسا).

 

وبهذه الطريقة تم بناء مرحلة ‘ في الخيال الأوروبي، مُثِّلَ فيها الشرق -الذي رَمزت إليه أماكنُ متنوعة، مثل طروادة، وسدوم وعامورة، وأبو الهول، ونينيفا(5)- وبابل، والذي رمز إليه أشخاصٌ مهمة، مثل كليوباترة، وعشتروت(6)، وإيزيس(7)، والمجوس، وبريستار جون(8)، ومحمد. وإنه من هذا المخزن الكبير للتخيلات المسرحية، اشتقت المعالم الرئيسة للاستشراق، من حيث كونه أسطورة تكتفي بذاتها، تحدد الشرق والشرقي. وفي الفرسلإيسيخيلوس، تعرف آسيا أنها منطقة مرتبطة بالفراغ والضياع والدمار. وفي عابدات باخوس ليوروبيدوس، ترتبط آسيا بالإفراط والخطر والشيطان واللاعقلانية.

 

وفي أعمال المجادلين واللاهوتيين في العصور الوسطى، رُبطت آسيا (من خلال الإسلام، الذي عدّ التجسيد الأخير لها) بالإرهاب، والدمار، وبالرفض غير العقلاني في الاعتراف بالحقائق البديهية للنصرانية، وقد تعززت هذه الصور في كتابات شخصيات رئيسة في عصر النهضة، مثل أريستو، وشكسبير، ومارلوا، وميلتون، وتاسو، وسرفانتس.

 

يخلص سعيد إلى أن مثل هذا الاستشراق من الناحية الفلسفية يجب النظر إليه أنه نوع من المثالية المتطرفة، يسعى إلى وصف الشرق بالثبات وعدم التغيير، ومن الناحية البيانية، إنه محاولة لتحليل الشرق وتعداده، ومن الناحية النفسية إنه نوع من المرض العقلي.

 

ومن الخطاب الاستشراقي هذا نشأ موضوعُ الاستشراق في القرن التاسع عشر، الذي يسر السبيلَ في الوقت المناسب للاستعمار الغربي. وكان لطلاب الدراساتِ السنسكريتيةِ والهندية دورٌ أساسي في إقامة الأسسِ الاستشراقية للاستعمار؛ مثل جونز، وبوب، وشليغل، وكذا طلابُ الدراسات اللغوية والعرقية، مثل جوبينو، ورينان، وهَمبولْت، وكذا رحالةٌ وكتّاب؛ مثل غوته، وهوغو، ولامارتين، وشاتوبريان، وكينغليك، ونرفال، وفلوبير، ولين، وبيرتن، وسكوت، وفيكني، وديزرائيلي، وجورج إليوت، وغوتير. وممن كان قاموا بدور أساسي أيضاً في وضع الأسسِ الاستشراقية للاستعمار في القرن العشرين كتّاب ورحالة، مثل دوتي، وباريس، ولوتي، وتي.لي. لورانس، وفورستر.

 

وفي فصل البنى الاستشراقية وإعادة البنى يحدد سعيد أربعة عناصر ساعدت في إقامة أسس الاستشراق المعاصر: توسع الاستكشافات العابرة للبحار، وتطور الدراسات المقارنة خصوصاً في التاريخ والفلسفة والدين، وتطور الأفكار التاريخية، التي وصَفتِ الثقافات بأنها عضوية، تستمد الإلهامَ من روح معينة أو من عبقري (فيكو، وهيردير، وهامان)، والهوس بالتوضيح والإطناب (لينيوس، ومونتيسكيو، وجونسون).

 

هذه العناصر أضعفت اعتمادَ الفكر الأوروبي على المسيحية واليهودية، وفتحت الطريق لفهمٍ أكثرَ أصالةً للتاريخ الأوروبي، وخففت من وطأة عناد التصور الأوروبي لـالنفسوالهوية؛ لكنها لم تقضِ على النماذج الموجودة القديمة للتاريخ الأوروبي.

 

تلك النماذج قد أعيد ببساطةٍ تشكيلُها وانتشارُها وتوزيعُها في الإطار العلماني للاستشراق، الذي أصبح أداة للسلطة الأوروبية حول الشرق. من الشخصيات الأساسية في الاستشراق الجديد: سلفستر دي ساسي(9)، وإرنست رينان(10). يرى سعيد أن ساسي قام بدور حاسم في تشكيل الدراسات الشرقية في القرن التاسع عشر، وفي الترتيب والتنظيم المنهجي لنصوصه، وفي وضع القوانين في ممارسة أصول التدريس. أما رينان (دارس فقه اللغة والدراسات الشرقية في القرن التاسع عشر) فقد تبنى ما يَعتقِد بقوة أنه منهج علمي في عمله؛ لكنه في كتابهمنهج مقارن وتاريخ عام للغات السامية(1855) ظلَّ يعرّف اللغات السامية، ويدخل ضمناً الشعوب والثقافات السامية، بأنها غير عضوية أو طبيعية، وغيرُ متطورة، وجامدةٌ بالكلية، وغيرُ قادرة على التجديد الذاتي. أما اللغات الهندية والألمانية فهي تتسم بالحياة والعضوية. هذا البناء الاستشراقي -يعتقد سعيد- ينبغي أن يُرَى تصرُّفَسلطةٍ استعمارية تمارَس على ظواهر متمردة. (سعيد، 1978، ص145).

 

ويعتقد سعيد أن البنية الاستشراقية للصور النمطية للشرق -التي أوجدها مستشرقون مثل ساسي، ورينان، وزملائهم وخلفائهم، مثل وليام موير، ورينهاريت دوزي، وكوسان دي بيرسفال- قد قويت مراراً في القرن التاسع عشر، في كتاباتٍ لعلماءٍ أوروبيين، ورحالة، ومستكشفين، وحجاج.

 

العديد من هؤلاء زاروا الشرق، منهم أناس مشهورون، مثل فلوبير، وشاتوبريان، ولامارتين، ونيرفال، وكينغليك، ولين، وديزرائيلي، وبيرتن. لكنْ هناك آخرون لم يزوروا الشرق، مثل كارليل، وكاردينال نيومان، وهوغو، وكارل ماركس. بطريقة أو بأخرى، وعن وعي أو غير وعي، جميع هؤلاء أسهموا في المشروع الأوروبي (وبصورة أساسية البريطاني والفرنسي) لتنظيم الشرق، وتنسيقه، وتصنيفه، وإعادة إنتاجه؛ أي لإيجاد نموذجمصغَّر ‘للشرق، ملائم للثقافة المهيمنة السائدة، وإمكانياتها النظرية والعملية.

 

وفي فصل الاستشراق الآن، يلخص سعيد تفسيره للاستشراق من حيث كونه مذهباً إيجابياً عن الشرق، وتراثاً أكاديمياً مؤثراً، ومنطقة تحظى بالعناية، حددها رحّالةٌ، ومشاريع تجارية، وحكومات، وحمَلات عسكرية، وجماعات ومؤسسات أخرى كثيرة، جميعها بالفطرة عنصريةٌ، واستعمارية، وعرقيةُ التمركز. والخلاصة أن الاستشراق هو بالأساس مذهبٌ سياسي، يتمتع فيه الغرب بالوصاية على الشرق، ويتجاهل اختلافَ الشرق بسبب ضعفه(11).

 

 الاستشراق الخفي محافظٌ، ومتفق عليه، وثابت، وهو في الواقع صنفٌ من التفكير الأوروبي. والاستشراق الجلي متنوع وغير مستقر، وقد مثلته أعمالُ كتابٍ خياليين (فلوبير، ونيرفال)، وعلماء (ساسي، ولين)، وطلاب النظرية العنصرية (كوفييه، وجوبينو)، ومؤرخون ثقافيون (رانكي، وبوركهاردت)، وإداريون مستعمرون (كرومر، وكيرزون). أما الشعور بأن الشرق في الحقيقة قوةٌ محسوسة ومجرَّبة، فهو أمر في الغالب غائبٌ عن مثل هذه الأعمال.

 

وفقاً لسعيد، إن الغرب -في فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية- عانى من مرحلة أزمة ثقافية، وكان الغرب آنذاك مهدداً من المدّ المتنامي للبربرية، والقومية الشديدة العارمة، والإخفاق الأخلاقي، وانحسار الهيمنة الغربية على سائر العالم. قادت هذه المعاناة الكثيرَ من العلماء الغربيين إلى تبني منهج أكثر تعاطفاً لدراسة ثقافات أجنبية. أما طلاب الاستشراق الإسلامي فقد بقوا في الغالب عصيّين على التغيير، حيث استمروا في حفظ التخلف البحثي والإيديولوجي لموضوعهم(12). حتى جب ولوي ماسينيون (وهما اثنان من المستشرقين الأوروبيين الأعظم والأكثر تعاطفاً) لم يكونا بمنأى عن هذا الإخفاق.

 

وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي ظهرت فيها أمريكا قوةً عالمية مسيطرة، يجد سعيد أن الاستشراق-كما تحدده مبادئه الأساسية- من حيث كونه اعتقاداً بوجود اختلاف تام ومنهجي بين الشرق والغرب، وهوساً بالنص الكلاسيكي، واعتقاداً في أن الشرق أبديٌّ، وغير متغير، وغيرُ قادرٍ على تعريف نفسه، ويجب الخوفُ منه [وجد سعيد أن هذا الاستشراق] بقي حياً، لم يمسه أي تغيير. ويمكن أن يلحظ هذا في تقارير الجرائد الأمريكية، والكارتون، ورسوم الكاريكاتور، والتقارير الرسمية، وأعمال علماء وطلاب شتى حول تاريخ وثقافة وسياسة الشرق الأدنى والأوسط. من هؤلاء العلماء مورو بيرغر، وديفيد غوردون، وجب، خصوصاً في تجسيده الأمريكي (انتقل جب إلى هارفرد في الخمسينات)، وجيل كارل ألروي، وليونارد بيندر، وبي. جي. فاتيكيوتيس، وبرنارد لويس، خصوصاً في تجسيده الأمريكي.

 

كان الاستشراق في القرن التاسع عشر وبداية العشرين قد وُضِعَ في خدمة الاستعمار الأوروبي، خصوصاً الاستعمار البريطاني والفرنسي، الآن أصبح موضوعاً في خدمة الاستعمار الأمريكي، وخصوصاً فيما يتعلق بالشرق الأدنى والأوسط (إسرائيل، والنفط، والتجارة، والحرب الباردة). ويقترح سعيد أن لويس ربما اتخذ مستشرقاً أنموذجياً لتلك الفترة، يسعى -بالرغم من التظاهر بالمعرفة الموضوعية المتحررة- إلى أن يكشف زيف العرب والإسلام، ويقلل من شأنهم، ويسيء إليهم. (سعيد، 1987، ص316). ويفترض أنه قام بهذا عن طريق اقتراح أن الإسلام ليس ديناً فقط، بل هو أيضاً إيديولوجية معادية للسامية، وغير عقلانية، وشديدة الحماسة، ولا تتمتع بالتأمل والتفكر، وعن طريق رفضه بالاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني في الاحتجاج على الغزو الإسرائيلي، واستعمار بلدهم. إن عمل لويس-في عيون سعيد- هو ذروة الاستشراق من حيث كونه مذهباً لا يحطُّ من شأن موضوعه فحسب؛ إنما يعمي أيضاً أولئك الذين يمارسونه. (سعيد، 1978، ص319).

 

ماركس ونهاية الاستشراق:

 

نشر كتاب ماركس ونهاية الاستشراق عام 1978، وبمحض المصادفة كان ذلك في العام نفسه الذي نشر فيه كتاب سعيد الاستشراق، ولم يكن لكتاب سعيد تأثيرٌ ما عليه. في هذا الكتاب لم يهتم بريان تيرنر -عالم الاجتماع الماركسي المشهور- كثيراً بإخفاقات الاستشراق، التي يكاد يسلِّم بها، كاهتمامه بأثر هذه الإخفاقات على الماركسية، وعلى وصف التاريخ والبنية الاجتماعية لشمال إفريقية، والشرق الأوسط، بصورة رئيسة في القرن التاسع عشر.

 

يصف تيرنر الاستشراق بنظامٍ مترَف مفرطٍ في التوسع، ويعني به تيرنر مجموعةً متزامنة من الاعتقادات، والمواقف، والنظريات التي لم تلوث الأعمالَ الكلاسيكية للدراسات الإسلامية فقط، إنما طالت أيضاً مساحاتٍ واسعةً من الجغرافية، والاقتصاد، وعلم الاجتماع. في رأيه، تتألف هذه المجموعة من عدد من النقاشات الأساسية: التطور الاجتماعي ناتج عن خصائص داخلية في المجتمع؛ والتطور التاريخي للمجتمع إما أن يكون تقدماً تطورياً أو تدهوراً تدريجياً؛ والمجتمع وحدة تعبيرية، بمعنى أن كل مؤسسات المجتمع هي تعبيرات عن جوهر رئيس.

 

يرى تيرنر أن هذه النقاشات سمحت لمستشرقين؛ مثل جب وبوين في كتابيهما المجتمع الإسلامي والغربIslamic Society and the West(نشر أوكسفورد، 1950، 1957)، وجي. إي. فون غرونباوم في كتابه الإسلام الكلاسيكي‘ Classical Islam(نشر ألين وأوين، 1970)، وإيرا إم. لابيدوس في كتابه مدن الشرق الأوسطMiddle East Cities (نشر جامعة كاليفورنيا، 1969) [سمحت لهم] أن يؤسسوا نوعاً مثالياً ثنائياً للمجتمع الغربي، الذي يتكشَّفُ جوهره الداخلي عن تقدم ديناميكي نحو صناعية ديمقراطية، في مقابل المجتمع الإسلامي، الراكد للأبد، أو الغارق في انحطاط.

 

في هذا السياق، فإن المجتمعات في شمال إفريقية، والشرق الأوسط لا تحددها خصائصها، بل مجموعة من الأمور الغائبة: انعدام الطبقة الوسطى، وانعدامُ المدينةِ، وغيابُ الحقوق السياسية، وغيابُ الثورات. هذه المعالم المفقودة تُستخدَم لتفسرَ السبب في إخفاق الإسلام في إنتاج الرأسمالية، وإنتاجِ شخصياتٍ معاصرة، وتحويل نفسه إلى ثقافة علمانية جذرية.

 

ويرى تيرنر أن النموذج الاستشراقي للمجتمع الإسلامي ليس باطلاً من الناحية التجريبية فحسب؛ إنما هو فاشل أيضاً في تفسير السبب الحقيقي للتخلف الاقتصادي والسياسي في شمال إفريقية والشرق الأوسط. وهذا التخلف ناشئ من حقيقة أن المجتمع الإسلامي في الشرق الأوسط وشمال إفريقية بقي واقعاً في شرك علاقة هامشية مع المراكز العالمية للرأسمالية.

 

عندما يتم تأسيس المراكز العالمية للرأسمالية، فإن أحوال التطور على الهامش تتغير جوهرياً. المؤيدون للنظرية الداخلية للتطور -المتعمدة على النموذج الاستشراقي- لم يفهموا هذه الحقيقة، وهم لا يزالون يطرحون قضايا لا جدوى منها عن التطور الرأسمالي العفوي. وما يحصل في الواقع هو أن الرأسمالية عندما تؤسَّسُ فهي تقوي وتحفظ نماذج الإنتاج -التي كانت قبلها- على الهامش، لذا فالطريق الثوري المتدرج في التطور من المجتمع التقليدي إلى المجتمع المعاصر لم يعد مفتوحاً.

 

الاعتقادات حول الملاءمة العالمية، وأهمية النماذج الأوروبية للتطور (مثل الثورة البورجوازية، والعلمنة، والتحديث(13) تصبح في هذا السياق غير مناسبة. (تيرنر، 1978، الفصل السادس). إذن-وفقاً لتيرنر- إن التحليل الماركسي التام للتطور الاقتصادي والسياسي لشمال إفريقية والشرق الأوسط يجعل الإسهامات الاستشراقية للموضوع لا حاجة إليها تقريباً.

 

لكن ولسوء الحظ، بما أن بعض النسخ الهيجلية للماركسية تتداخل مع الاستشراق (كلاهما يرى التاريخ كاشفاً للجوهر) فإن الماركسية نفسها قد أصيبت بالمرض الاستشراقي. ولذا فالماركسية قبل أن تقوم بمهمة تطهير الاستشراق من العديد من أخطائه وتصوراته المغلوطة (الاعتقاد بالطبيعة الفريدة للاستبداد الشرقي، والطبقات الفسيفسائية، والنخب المنتشرة، والركود التاريخي، والمدينة الإسلامية، وهكذا..) عليها أولاً أن تتعامل مع مشاكلها النظرية، حيث تتطهر من الاستشراق، ومن مظاهر هيجلية معينة.

 

إن تيرنر-وفقاً لوصفه الخاص- استمد توصيفه للاستشراق دراسةً أكاديمية ترتبط باعتقادات أساسية معينة حول المجتمع الإسلامي (أي أن ذاك المجتمع الإسلامي هو من حيث الجوهر متسلط، ومستبد، ومتخلف، وراكد، أو في انحطاط) من مقالة عبد الله العرويمن أجل منهجية للدراسات الإسلامية‘ For a Methodology of Islamic Studies (81، 4، 1973)، ومارشال هدكسون في كتابه مجازفة الإسلامThe Venture of Islam(جامعة شيكاغو، 1974) ومقالة رالف كوري لماذا لا يستطيعون أن يكونوا مثلنا؟ Why Can’t They Be Like Us? المنشورة في:Review of Middle Eastern Studies (1، 1975)، ومما يدعو إلى الغرابة أن تيرنر في كتابه ماركس ونهاية الاستشراق لا يستشهد بمقالة عبد الملك الاستشراق في أزمة المنشورة في Diogenes(1963)، مع أنه يشير إلى مقالتهالناصرية والاشتراكية المنشورة في RegisterSocialist (1964).

 

تحليل:

 

إن ما يدعو إلى المفاجأة حول الانتقادات الأربعة لعبد الملك، وطيباوي، وسعيد، وتيرنر، في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية هو أنهم (بالرغم من معالجتهم للموضوع من وجهات نظر مختلفة: عبد الملك مصري ماركسي، وطيباوي فلسطيني مسلم، وسعيد فلسطيني يتبنى منهج فوكو وفكره، وتيرنر إنجليزي ماركسي) وصلوا إلى النتيجة نفسها، وهي أن الاستشراق -موضوعاً أكاديمياً- مغرقٌ في العيوب والنقائص، وواقع في أزمة، وبحاجة إلى إصلاح جذري.

 

ونخلص إلى أن هذا الإجماع كان نتاجَ نوعٍ من الخطاب كما يراه فوكو، تم إنشاؤه في حقل ما بعد الاستعمار أو المعرفة، لكن يبدو من الأرجح أن يكون نتاجَ شعور مشترك من الاستياء الذي أحس به النقادُ الأربعة للاستشراق فيما يتعلق بالسلطة الكبيرة التي مارستها في فترة شبابهم القواتُ المجتمعة للاستعمار والاستشراق.

 

إن طيباوي وسعيداً في نهاية المطاف فلسطينيان، ولدا وترعرعا في فترة الانتداب البريطاني، وعبد الملك مصري، ولد وترعرع في بلد تحت سيطرة بريطانيا في ذاك الوقت، وتيرنر -كما يذكر- ابنٌ لأبوين من الطبقة العاملة.

 

والمشابهات بين الانتقادات الأربعة أمر لافت للنظر، فكلهم متفقون على أن الاستشراق عمِلَ في معظم الأوقات في خدمة الاستعمار، وأوجد صوراً نمطية عن الإسلام والشرق، وكلهم متفقون على أن أصول هذا التحيز قابعةٌ في الماضي السحيق، وهو عالم اليونان القديمة عند عبد الملك وسعيد، والمجابهةُ المسيحية الوسيطة مع الإسلام عند طيباوي وتيرنر. يفسر المشابهاتِ بين عبد الملك وتيرنر كونهما ماركسيين، وبين عبد الملك وسعيد أن سعيداً إلى حد ما بنى على الأسس التي وضعها عبد الملك، حيث وظّفَ تصوره الخاص لسيادة أوروبية قائمةٍ مقام الفاعل، ولشرق قائم مقام المفعول.

 

أما الخلافات الجوهرية بينهم (أهمها أن سعيداً أعاد تعريف الاستشراق جذرياً، فهو عنده نوع من الخطاب كما تصوره فوكو، وأداة للاستعمار) فناشئة من طرقهم المختلفة في مسألة المعرفة. فبالنسبة لعبد الملك وتيرنر -الماركسيين الحقيقيين- إن المعرفة العلمية للعالم -الذي تحدده المادةُ- أمرٌ محتمل. والمعرفةُ الواردة على شكل إيديولوجية قد تستعمل من قبل الطبقة الحاكمة؛ لاستغلال وقمع الطبقة العاملة. وبالنسبة لطيباوي -المسلمِ الحقيقي- قد تنقسم المعرفة قسمين: معرفة أبدية، يعلمها الله، ومعرفة بالعالم، يعلمها الإنسان، الذي خلقه الله. والمعرفة بالعالم يمكن تحصيلها بواسطة الحدس، والحواس، والعقل، لكن في القرآن، الموحى إلى محمد، يستطع الإنسانُ مباشرة أن يعرف كلمة الله. وأما سعيد الذي اتبع فوكو، فالمعرفة في سياق النقاش حول الاستشراق تتألف على الأقل من سلسلة من التمثيلات، التي تشكلها معرفةُ وجهةِ نظر الفاعل. ومثل هذه التمثيلات هي من حيث الجوهر ليست مستقرة؛ لكنها بعد طول استعمال تغدو مقبولةً في كونها راسخةً وغير متغيرة. لكن مما يدعو إلى التناقض أن سعيداً في كتابه الاستشراق ‘يستمر في التأكيد على أن هناك شرقاً مادياً، يمكن أن تتحصل منه المعرفة الصحيحة.

 

رؤية فوكو للمعرفة -كما في كتابه السلطة والمعرفةPower/Knowledge (1980)- تفترض أن المعرفة وثيقةُ الصلة بالسلطة؛ أي أن المعرفة ليست قضيةَ حقيقةٍ موضوعية؛ إنما حصيلةُ صراع من أجل السلطة، تُنشئ فيه الأحداثُ ‘ والخطاباتُ، وأدواتُ اقتصاديات السلطةِشبكاتٍ جديدةً وأنظمةً للمعرفة(14).

 

ولهذا فالحق ليس خارجَ السلطة، ولا يفتقر إليها، لكنه شيء في هذا العالم، أُنتج به. كل مجتمع لديه سياسة عامة للحق، إما أن تقبل خطاباً ما وتجعله يقوم بدور الحق، أو ترفضه وتصفه بالخطأ. في المجتمعات وفي مجتمعاتنا، إن مثل هذه الاقتصاديات السياسية للحق تتمركز عادة على الخطاب العلمي، وعلى المؤسسات التي تنتجه وتدعمه. ومثل هذه الخطابات خاضعة للحضِّ الاقتصادي والسياسي الثابت، وتصبح هدفاً واسع الانتشار، وفي العديد من الأشكال. في الوقت نفسه -ولكونها واقعة تحت سيطرة حفنة من الأجهزة الاقتصادية والسياسية الكبرى- فهي منخرطة إلى حد كبير في الصراع الإيديولوجي.

 

وفي هذا السياق لا ينبغي للسلطة أن تُرى من ناحية الشيء الذي تنكره وتقمعه وترفضه؛ بل من ناحية ما توجده وتنشئه. وهناك شيئان توجدهما السلطةُ -من ضمن أشياء أخر-: الهوية الذاتية، وموضوعات المعرفة، التي في التدفق الدائم للأشياء تنجز شكلاً أو هوية ثابتة.

 

إن وصف فوكو للعلاقة بين السلطة والمعرفة-كما يبين في مقالته نيتشه، والنسب، والتاريخ المنشورة في كتاب تحية إلى جان هيبوليت(15)Hommage à Jean Hyppolite(1971)- يكاد يعتمد كلياً على نقد نيتشة لمثالية سقراط وأفلاطون، وهي أن الأشياء في العالم ما هي إلا نسخ لأفكار أساسية، ونماذج أو أشكال عالمية، موجودة في مكان ما في العالم، ربما في عقل الله.

 

هذا النقد -كما أوضح نيتشه في أكثر من مناسبة- يتضمن -ضمن أشياء أخر- إلغاءَ الجوهرِ، والهويةِ الثابتة، والأشياءِ الغيبية (الميتافيزيقيا). أي هذا يعني أن النقد يتضمن إلغاءَ الوجود. وكل ما يتبقى بعد إلغاءِ الوجود هو -في رأي نيتشه- متغير أبداً وغيرُ مستقر. ففي هذا السياق، يتم تعريف المعرفة والحق أنهما مجرد أوهام تحجب الحقيقة، التي يعرفها نيتشه أنها الرغبة في السلطة. ومن وراء نيتشه طبعاً يقف شوبنهاور، الذي يميز في كتابهالعالم إرادةً وتمثيلاًThe World As Will and Representation(1819) بين الحقيقة (نيومينا) والمظهر (فينومينا)، حيث زود هذا التمييز نيتشه بالكثير من المكونات الأساسية في نقده للمثالية.

 

 ومن وراء شوبنهاور يقف كانط، الذي وضع مبدؤُه الفلسفي التحول الكوبرنيكيCopernican turn الأساسَ لكل الفلسفة المعاصرة تقريباً، ومنها فلسفة المعرفة. وفي كتابهنقد العقل الخالص Critique of Pure Reason (1781 و1787) أظهر كانط أن كل المعارف محدودة بظروف تجربتها الخاصة، وأنه لهذا لا يمكن أن تكون هناك معرفة مباشرة بالشيء بحد ذاته. فوجهة نظر المشاهد وأنواع تصوره لا بد-في طبيعة الأشياء-أن تقرر المعرفة.

 

في كتاب الاستشراق ‘يعترف سعيد بأنه مدين لنيتشه، فهو يستشهد بتعريف نيتشه للحق بأنه "جيشٌ متحركٌ من الاستعارات والكنايات والتشبيهات المصطبغة بالصبغة البشرية، ومجموعُ علاقاتٍ بشرية، تم تحسينُها وتحويلها، وتزيينها، سياسياً وبلاغياً، والتي -بعد استعمال طويل- تبدو ثابتةً، وقانونية، وملزِمة. إن الحقائق أوهامٌ نسي المرءُ أن هذا ما هي عليه في الحقيقة"(سعيد، 1978، ص203).

 

إن عدم رغبة سعيد الواضحة في أن يضمِّن نقدَ طيباوي للاستشراق في دراسته ربما كانت بسبب أن سعيداً غير مرتاح للشعور العميق لطيباوي في تمسكه الشخصي بالإسلام، وهذا بيِّنٌ في هجومه على التفسيرات الاستشراقيه للقرآن، والسبب الثاني أن طيباوي -العربي الفلسطيني- نجح في خرق قاعدة الاستشراق، التي بينها سعيد وهي أن الشرق لا يستطيع تمثيل نفسه، لذا فلا بد من أن يمثله أحد.

 

إن طيباوي لم يخشَ الغرب في مقالتيه اللتين نقدتا المستشرقين الناطقين بالإنجليزية، وكتب مبيناً وجهة النظر الإسلامية، ونجح في إقامة نقد قوي لعلماء الاستشراق الناطقين بالإنجليزية، حيث حدد بتفصيل واسع ما يعتقد أنه عيوبه الرئيسة.

 

بيّنَ عددٌ من الكتاب -مثل إعجاز أحمد، العالم الهندي المعروف، وجون ماكينزي، المؤرخ الاستعماري الأسكتلندي- أن ما يدعو إلى المفاجأة حول وصفِ سعيد للاستشراق هو المدى الذي أضفى فيه سعيدٌ صفاتٍ جوهرية على أوروبا حيث أمدها بهوية ثابتة وغير متغيرة، بالرغم من أنه نقدَ أوروبا لقيامها بالأمر نفسه بالنسبة للشرق.

 

ويتساءل أحمد فيما إذا كان إضفاءُ صفاتٍ جوهرية على الشرق -من الناحية الفكرية- غير مقبول، فكيف يسمح لسعيد أن يجوهر أوروبا؟ إن فوكو ما كان ليقبل مثل هذا الأمر. هو كان سيرفض مباشرة قضية أن علاقة تكاملية كانت بين اليونان القديمة وأوروبا الغربية المعاصرة، إلا بالمقدار الذي بدأت فيه أوروبا بعد عصر النهضة تتبع نسبها إلى العصور القديمة، على حين عكست معظم اعتقاداتها السائدة.

 

وفي هذا السياق، نذكر بأن أوروبا في فترة العصور المظلمة اجتاحتها قبائلُ وشعوبٌ عديدة غير أوروبية، منهم الهون(16)، والأفار(17)، والقوط(18)، والقوط الغربيون، والتتار، والمجريون، كما بقيت مساحاتٌ من جنوب إسبانيا وصقلية، ولفترة طويلة تحت حكم المسلمين، وبقي البلقان لمدة ستمائة عام تقريباً تحت حكم العثمانيين، وهم مسلمون أتراك أصلهم من آسيا الصغرى وما وراءها.

 

حتى الوقت الحاضر، هناك أعداد ضخمة من المسلمين في البوسنة، وألبانيا، وبلغاريا. ونذكر أيضاً أن أوروبا منذ البداية تعرضت للانقسام، بين اليونان والبرابرة، وبين الرومان واليونان، وبين اللاتين والألمان، وبين الروم الكاثوليك والروم الأورثوذكس، وبين الروم الكاثوليك والبروتستانت، وبين الهابسبرغ(19) والعثمانيين، وبين الألمان والفرنسيين، وبين الألمان والسلافيين، وبين الشرق والغرب، وبين السوفياتيين والرأسماليين، هذا عدا الحديثَ عن الكثير من الانقسامات الأدنى التي جزأت وفككت القارة من فترة لأخرى.

 

إن إضفاء سعيد صفات جوهرية على أوروبا من حيث كونها هوية جغرافية، وثقافية وسياسية وجدت منذ أيام هومر على الأقل، ليس من قبيل المصادفة طبعاً. فهو من دون هذا الأمر ما كان ليستطيع أن يدعم ويقوي التمييز الجوهري بين الغرب والشرق، وبين النفس ‘والآخر، وعلى هذا التمييز بنى دعواه، وما كان أيضاً ليستطيع أن يعضد اتهامه للاستشراق الأوروبي، الذي يعرفه أنه أسلوب في التفكير قائم على فرق وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب.

 

من الواضح أن منهج تيرنر في التعامل مع مسألة الاستشراق (المعتمد على الماركسية، والعالمية، والطبقات الاجتماعية) يختلف كثيراً عن منهجي طيباوي، وسعيد، ولا يختلف كثيراً عن منهج عبد الملك، الزميل الماركسي. والحل عند تيرنر لمسألة الاستشراق هو التحليل الماركسي للمجتمع الشرقي، تنهض به ماركسية مطهَّرة من العناصر الجوهرية والغائية للفلسفة الهيجلية. لكن ربما يسأل البعض فيما إذا كانت الماركسية (المطهرة من الهيجلية؛ أي من التصور الغائي للتقدم، كما يُرى في تطور المجتمع الأوروبي من العبودية إلى الرأسمالية) يمكن أن تبقي على مثل هذا التطهير والنقاء، بالرغم من أن الطريق لا تزال مفتوحة على تحليل لسياسة وتاريخ الشرق الأوسط، يعتمد على الطبقات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
1)  توفي عام 2012.

 

2)  ترجمها إلى العربية حسن قبيسي، ونشرت في "الفكر العربي المعاصر"، العدد 32.

 

3)  أجد في هذه العبارة على ما هي عليه غموضاً وإشكالاً، فكيف يقرن المؤلف الإسلاميين والمستشرقين في هذا الاعتقاد الخطير! ولعل المقصود أن الإسلاميين يتهمون المستشرقين بهذا الاعتقاد.

 

4)  في هذا الكلام وما يليه نظر، فالطيباوي خلط الأمور بعضها ببعض، ولم يفرق تفريقاً دقيقاً بين القضايا الخاضعة للتغيير وبين ما ليس كذلك. فمن الأحكام الشرعية ما أُبرمت دلائلُه بنصوصٍ، واضحة، قاطعة، ليس فيها -بل لا يقبل فيها- أدنى خلافٍ أو اجتهاد. مثل تأبيد تحريم الربا، والغش، والاحتكار، والزنا، والفواحش، ووجوب الحجاب، وبر الوالدين، وصلة الرحم وإباحة الزواج، والبيع، وغيرها كثير مما هو باقٍ على حاله، لا يتبدل، ولا يتغير. ومن الأحكام ما هو خاضعٌ للرأي والاجتهاد، المنضبط بقيوده وشروطه. فمن ذلك القاعدةُ، الفقهية، المشهورة "تتبدّل الأحكامُ بتبدّل الأزمان"، وكلمة "الأحكام" ليست على إطلاقها، بل المراد بها الأحكامُ الاجتهادية، المبنية على العرف والمصلحة الذينِ من صفتهما التبدلُ والتغير، بشرط ألا ينطويا على ما فيه مخالفة لأصول الشرع؛ كأن يتعارف جماعة على التعامل بالربا، واللعب بالقمار، وارتكاب الفواحش والمنكرات. وللتفصيل انظر كتابي "الإسلام والغرب"، فصل (الإسلام المتحجر والإسلام المتطور)، ص103. دار الثقافة والتراث: دمشق 2008، ومقالتي "الإسلام بين الثبات والتغيير" المنشورة في مجلة نهج الإسلام (سورية)، العدد 127، تموز، 2012، ص50، وكتاب "ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية"، للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ص244- 254. مؤسسة الرسالة: دمشق، ط6 1992.

 

5)  عاصمة الإمبراطورية الآشورية، الواقعة على نهر دجلة في شمال العراق.

 

6)  إلهة الخصب لدي الفينيقيين والكنعانيين.

 

7)  اسم إلهة الخصب في الأساطير المصرية.

 

8)  ملك وقسيس مسيحي أسطوري، يقال بأنه حكم مملكة واسعة في آسيا أو إفريقية أثناء العصور الوسطى.

 

9)  اقرأ عنه بالتفصيل في "تاريخ حركة الاستشراق" يوهان فوك. ترجمة عمر لطفي العالم. دار المدار الإسلامي: بيروت 2001.

 

10)       اقرأ عنه وعن وآرائه العنصرية في "تاريخ الاستشراق وسياساته"، ص145-151. زكريا لقمان، دار الشروق، القاهرة، ط2 2008.

 

11)       انظر الاستشراق، ص321، ترجمة محمد عناني، نشر رؤية، القاهرة 2006.

 

12)       حول تخلف الاستشراق، انظر "تاريخ الاستشراق وسياساته"، ص270.

 

13)       يذكر زكريا لقمان أن نظرية التحديث في خمسينات وستينات القرن العشرين كانت هي النموذجَ السائد في دراسات المناطق عموماً في الولايات المتحدة، ودراسات الشرق الأوسط بصورة خاصة. وتعود جذورها الفكرية إلى ماكس ويبر (1864-1920)، الذي ميّز بين المجتمعات التقليدية والمجتمعات الحديثة. يرى ويبر أن من صفات المجتمعات التقليدية-الريفية والزراعية- أن التغير الاجتماعي والنموّ الاقتصادي فيها بطيئان، والدين فيها ذو سيادة ثقافية. على حين أن المجتمعات الحديثة صناعية، والتغيير الاجتماعي والنموّ الاقتصادي فيها سريعان. وحدد بعض علماء الاجتماع العاملين داخل نموذج التحديث سمات محددة للشخصية التقليدية أو الحداثية، فبعضهم رأى أن التوجه القوي نحو (الإنجاز) سمة أساسية لنفسية أناس المجتمع الحديث، أما آخرون فرأوا أن تمييز المجتمعات الحديثة عن التقليدية مرتبط بكيفية استجابتها للتغيير والشكل المميز الذي يتخذه التغيير. ويرى الاقتصادي والت ويتمان روستو (1916-2003) في كتابه "مراحل النموّ الاقتصادي: بيانٌ غير شيوعي" أن الدول الفقيرة تستطيع بمساعدة الدول الرأسمالية الثرية أن تحقق نموّاً اقتصادياً إذا ولّت ظهرها للشيوعية أو أي نوع آخر للتغيير الاجتماعي. وأنصار نظرية التحديث متفقون على أن المجتمعات التقليدية تفتقر إلى المؤسسات والديناميكيات الداخلية التي تقودها إلى التحول الاجتماعي، ولذا فلا بد أن يأتي التغيير من الخارج، وهذا يعني نفوذاً سياسياً وثقافياً واقتصادياً للغرب. ا.هـ بتصرف واختصار. من "تاريخ الاستشراق وسياساته"، ص223-227.

 

14)       يرى فوكو أن الإنسان، إذا تخلص من الجهل والخرافة، وتزود بالمفاهيم والمناهج العلمية الصحيحة، فإنه لا يستطيع أن ينتج بصورة موضوعيةٍ معرفةً حقيقية عن العالم. ويرى أن ما نعتبره نحن حقيقة هو في الواقع من نتاج طريقة معينة في وصف الحقيقة أو تمثيلها، ومن نتاج "خطاب معين"، وهذا الخطاب هو نظامٌ للمعنى مركبٌ، من شأنه أن يشكل تصوراتنا وأفكارنا وأفعالنا. ويشبه فوكو الخطابَ بنظارةٍ موضوعة على عيوننا دون أن نشعر بها، تقوم مقام الفلتر، حيث تقرر الكيفيةَ التي تبدو لنا فيها الأشياءُ في واقعها، وتقرر ما نراه، وما لا نراه، وكيف نراه، وتمنح بعض القضايا مزيداً من العناية والاهتمام، فتجعلها في الصدارة، وتهمل قضايا أخرى فتلقي بها في يَمّ الإهمال، وكذلك تقرر ما تعنيه لنا الأشياءُ التي ندركها ونتصورها. ا.هـ باختصار وشيء من التصرف من كتاب "الرؤى المتنافسة للشرق الأوسط"، زكريا لقمان.

 

Lockman, Zachary. Contending visions of the Middle East, Cambridge: Cambridge University Press, 2004. Pp 184-185.

 

وهو منشور بالعربية بعنوان "تاريخ الاستشراق وسياساته" دار الشروق: القاهرة، ط2 2008. وفضلت أن أترجم هذا النص من النسخة الإنجليزية، وألا أكتفي بالترجمة؛ لأن الأستاذ المترجم لم يوفق في فهم النص وتاه بين سطوره المربكة. وللتوسع في هذا الموضوع يراجع كتاب "المعرفة والسلطة: مدخل لقراءة فوكو" لجيل دلوز. ترجمة سالم يفوت. المركز الثقافي العربي: الدار البيضاء. ط1 1987. وكتاب "ميشال فوكو: المعرفة والسلطة" لعبد العزيز العيادي. المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع: بيروت، ط1 1994.

 

15)       للكاتبة الفرنسية سوزان باشلار.

 

16)       الهون مجموعة من الرعاة الرحل، الذين ظهروا من وراء نهر الفولجا وهاجروا إلى أوروبا حوالي 370 ميلادية، وقاموا ببناء إمبراطورية ضخمة في أوروبا.

 

17)       تذكر الدكتورة إسمت غنيم أن الأفار شعب ينسبهم جل المؤرخين إلى العنصر التركي. اقرأ عنهم تفصيلاً في كتابها الهام "دراسات في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى"، ص121- 186، جامعة الإسكندرية، 1998.

 

18)       القوط قبائل جرمانية شرقية، يقال بأنهم قدموا من إسكندنافيا إلى وسط وجنوب شرق القارة الأوروبية، لكن يبقى الخلاف على أصولهم والبلاد التي قدموا منها قائماً إلى اليوم، كان للقوط تأثير قوي في تاريخ أوروبا السياسي والثقافي. يُقسَمون غالباً إلى قوط شرقيين وقوط غربيين.

 

19)       أسرة هابسبرغ، من أهم الأسر الأوروبية الحاكمة، عُرفت هذه الأسرة برجعيتها الشديدة وبتأييدها المطلق للكاثوليكية.
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك