أستاذية العالم والتنوع الذي تدعو إليه شريعة الإسلام

أحمد التلاوي

ضمن الحرب الإعلامية والقيمية الراهنة التي تواجهها الحركة الإسلامية، بمختلف ألوان طيفها السياسي والفكري، وخصوصًا 

“الإخوان المسلمون”؛ يتم العبث من جانب البعض بالمفردات الأساسية للمشروع الحضاري الإسلامي، في محاولة لنقض بنيان الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها، وهي أن خيرية الأمة، من خيرية قيادتها للعالم إلى الهداية والنور، وتطبيق شريعة الله عز وجل، فيها.

فيقول الله عز وجل في محكم التنزيل، في سُورة “آل عمران”: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من بعد الإيمان بالله عز وجل، هو أحد أهم أدوات إنفاذ شريعة الله عز وجل في الأرض، كما تشير الآية إلى أن الخيرية في الإيمان بالله عز وجل، وبشريعته.. {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.

“خيرية الأمة وخيرية العالم، مرتبطة بقضية الإيمان وتطبيق الشريعة الإسلامية، التي تحمل الخير للإنسانية كلها، بتحريرها للإنسان من قيود العبودية والذل لغير الله، وإزالة دولة الظلم والاستبداد والعبودية للحاكم”

إذن، فخيرية الأمة وخيرية العالم، مرتبطة بقضية الإيمان وتطبيق الشريعة الإسلامية، التي تحمل الخير للإنسانية كلها، بتحريرها للإنسان من قيود العبودية والذل لغير الله عز وجل، وإزالة دولة الظلم والاستبداد والعبودية للحاكم، أيًّا كان، وإقامته دولة العدالة والمواطنة والحرية المنضبطة، في غير تفريط ولا إفراد، والتي تسعى إلى تحقيق مستهدفات خلق الإنسان واستخلافه.

ولذلك اهتم الإمام الشهيد حسن البنا، في منهجه التأسيسي لمشروع الإخوان المسلمين ودعوتهم، بهذه المرحلة، ووضعها في نهاية المشروع الإصلاحي للدعوة، بعد ستة مراحل شاقة، تتضمن إصلاح النفس والذات، وإصلاح الأسرة التي هي نواة المجتمع، ثم إصلاح المجتمع ذاته، لكي يقبل فكرة الحكومة المسلمة، توطئة لإقامة الدولة المسلمة، قبل أن يتم تعميم التجربة، بالتوازي أو على التوالي، في بلدان أخرى، تتجمع فيما بينها لاستعادة دولة الخلافة الإسلامية.

بعد ذلك ينتقل المسلمون وطليعتهم إلى المهمة السامية الأهم التي اصطفى الله تبارك تعالى، بها أمة التكليف، وهي نشر نور الله تعالى في العالم بأكمله.

وهناك العديد من الهواجس التي قد يطرحها البعض، والكثير من التشويش الذي يتعمده البعض الآخر، فيما يخص فكرة أستاذية العالم، مثل أن هذه المرحلة تم “وضعها” خصيصًا في منهج الإخوان المسلمين، من أجل تحقيق سيطرة الجماعة على العالم، وأن ذلك يتناقض بالكامل مع سُنَّة عمرانية مهمة، وضعها الله عز وجل في خلقِه، وهي سُنَّة التعدد.

ويعود ذلك إما إلى سوء تقدير، أو سوء نية من جانب المنظِّرين المعارضين للمشروع الإسلامي، وخصوصًا أصحاب الاتجاه العلماني والليبرالي.

يقول الله تعالى في سُورة “هود”: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}، تلكم حقيقة لا تُدحَض في الخلق الإلهي، وبما أنها مذكورة في القرآن الكريم؛ فهي لابد قائمة في تفكير القائمين على دعوةالإخوان المسلمين، لأن المنهج الذي وضعه الإمام البنا، يقوم بالأساس على القرآن الكريم وصحيح السُّنَّة النبوية الشريفة.

“الإخوان لا يدعون إلى مبدأ ديكتاتورية حكم المسلمين للعالم؛ فالتنوع سُنَّة إلهية؛ فلا سبيل إذن لقمعها، وإلا كان مصير من يفعل ذلك هو الفشل وزوال دولته ومشروعه”

إذن؛ فالإخوان لا يدعون إلى مبدأ ديكتاتورية حكم المسلمين للعالم؛ فالتنوع سُنَّة إلهية؛ فلا سبيل إذن لقمعها، وإلا كان مصير من يفعل ذلك هو الفشل وزوال دولته ومشروعه.

على مستوى الممارسة؛ فإن دولة الخلافة الإسلامية، كانت في فترات قوتها وسيادتها التي استمرت مئات السنين، تعتمد على سُنَن ومبادئ العمران البشري السليمة، وقواعد نمو وتقدم الحضارات التي تكلم عنها وحللها بمنتهى الدقة، عبد الرحمن بن خلدون، وابن أبي الربيع، وغيرهم من آباء علم الاجتماع، وعلم الاجتماع السياسي.

ولذلك، فإن دولة الخلافة في قرون نهضتها وسيادتها في العالم؛ كانت تراعي سُنَّة الاختلاف من ضمن ما راعاه حكَّام المسلمين من سُنَنٍ عمرانية لا تنهض الحضارات إلا بها.

وكانت دولة المواطنة من بين معالم هذه المراعاة لسُنَّة التعدُّد، وهو ما كان قائمًا في التنظيم الإداري لدولة الخلافة، فكانت الولايات والسناجق، وغيرها من التقسيمات الإدارية في الدولة الإسلامية، تراعي اعتبارات الاختلاف بين الأمم والشعوب، فكان كل تقسيم إداري يضم بين جنباته مجموعة بشرية متمايزة عرقيًّا أو مذهبيًّا أو دينيًّا، بما في ذلك أهل الكتاب.

“أستاذية العالم تعني أن تسعى دولة الإسلام وجماعة المسلمين، إلى نشر دعوة الإسلام، وتحكيم شريعته العادلة، وفق القوانين التي وضعها الله في خلقه، والتي لا فكاك منها، ولا يمكن معاكستها”

وهو تطبيق مبكر للغاية لفكرة الدولة القومية التي عالجت مشكلة الحروب والصراعات الدينية والقومية في أوروبا، في القرون الوسطى؛ حيث تم تبني ذات المنهج في تقسيم دول أوروبا؛ حيث ضم كل كيان منها، مجموعة قومية أو دينية أو مذهبية مستقلة ومتمايزة.

لذلك، لم تعرف دولة الخلافة الإسلامية، عبر تاريخها، الصدامات الأهلية، العرقية أو الدينية؛ لأن إطار المواطنة كان قائمًا، وكانت كل مجموعة تحكم ذاتها بذاتها، في إطار قوانين الدولة الإسلامية.

إذن، قضية أستاذية العالم لا تعني هيمنة أو سيطرة المسلمين أوالإخوان المسلمين على شؤون العالم، وتسييره وفق رؤية أو نظرة أحادية، وإنما هي تعني أن تسعى دولة الإسلام وجماعة المسلمين، إلى نشر دعوة الإسلام، وتحكيم شريعته العادلة، وفق القوانين التي وضعها الله عز وجل، في خلقه، والتي لا فكاك منها، ولا يمكن معاكستها، وإلا كانت النتيجة هي الانهيار الكامل.

المصدر: http://www.basaer-online.com/%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0%D9%8A%D8%A9-...

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك