المتعارضات الموهومة في فكر المسلم المعاصر
أحمد كمال
السبب الرئيسي في تأخر الأمة الإسلامية في كل الميادين هو: عدم تبنيها للإسلام كمحور حياة.
وعدم تبني الإسلام ليس بالضرورة أن يكون ترك الدين بالكلية أو تهميشه، ولكنه يمكن أيضًا أن يكون الفهم الخاطئ للإسلام وحقائقه، ومن ضمن هذه المفاهيم الخاطئة تناقضات موهومة بين أشياء من الدين، وأشياء أخرى ضرورية جدًا للنجاح في الحياة، وهي من الدين أيضًا لأن ديننا دائمًا وأبدًا يدعو إلى النجاح في الحياة الدنيا والآخرة.
ولكن يا للأسف فإن الخطاب الإعلامي الديني الموجه للمسلمين لا يركز إلا على الشق الأول من المتناقضات، وبذلك أقصد عدم توضيح إسلامية الشق الثاني، وأنه لا تعارض بينهما في ديننا، ونتيجة لهذا، ينشأ التعارض تلقائيًا في عقل المسلم البسيط، فتكون الكارثة التي نعيشها اليوم ونتجرع مرارتها، ويمكن إعطاء أمثلة لهذه المتناقضات الموهومة كالآتي..
ملحوظة: البند الأول في كل زوج من المتناقضات هو ما يتم التركيز عليه عادة في إعلام المسلمين اليوم.
الرضا بالرزق والطموح
تقال كثيراً هذه العبارة: "ارضَ بقليله ولا تطمع" وهذه العبارة لا تصح إلا لو بذلت أقصى ما في وسعي من السعي الحلال، وبالرغم من ذلك لم يأتني من رزق الله إلا القليل، فالرضا ها هنا يحميني من النظر لغيري نظرة الحقد والحسد، ولكن يوجد شيء مهم! أن هذا الرضا برزق الله فيما مضى لا يمنعني من أن أطبق الشق الآخر من المعادلة وهو الطموح في أن يكون لدي عائد أكبر، وذلك عن طريق التغيير من نمط حياتي، وتعلم مهارات حظي قليل منها، بل والسفر والتجوال للبحث عن رزق الله في أرض الله، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].
يقول الإمام الشافعي في فضل السفر للبحث عن الرزق من قوت، ومن علم، وخاصةً إذا كان موطنك قليل الرزق والحرية..
ارحل بنفسك من أرضٍ تضام بهـا *** ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث فـي مواطنـه *** وفي التغرب محمولُ على العنـق
والكحل نوع من الأحجار تنظـره *** في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حـاز الفضـل أجمعـه *** فصار يحمل بين الجفـن والحـدق
وبذلك نفهم أن حقيقة الرضا يتعلق بكل ما لا يستطيع الإنسان تغييره، وذلك مثل (ماضي الإنسان)، أما ما يستطيع الإنسان تغييره وذلك كــ(تأثير ماضي الإنسان على حاضره ومستقبله!)، فإنه من الحماقة أن يترك تغييره بحجة الرضا، ومثال توضيحي لذلك هو تغيير حالة الفقر مثلاً إلى حالة أكثر غنى يكون فيها كفاف لعياله عن سؤال الناس.
فالطموح وما ينبني عليه من تغيير هو جزء من قدر الله، ولا تعارض بين تغييرك لحالك وبين الرضا بما قسمه الله لك، لأنك إن اجتهدت في تحصيل الرزق الحلال فهذا هو عينُ الرضا بما قسمه الله لك، وهو الاجتهاد الذي استخدمته في تحصيل الرزق، فالاجتهاد نعمة من الله قد منحها إياك وبالتالي فهي من القسمة والرزق!
وترك العمل بحجة أن هذا قدرك هو خداع للنفس، وركون إلى البلادة لأنك لا تعلم ما هو قدر الله لك وقسمته فيك، حتى تستسلم له، بل أنت حرٌ مخيرٌ لست بمسير، فليكن تغييرك لحالك للأفضل هو قدر الله، ولتكن أنت من قدر الله، الذي قدره لتغيير حالك -التي لا يمت استمرارها لقدر الله بصلة- إلى حال أفضل أرغد -والذي هو عين قدر الله-!
الزهد والثراء.
كثيراً ما يُدعى إلى الزهد وقد أُسئ فهم معنى الزهد وظنه الناس معارضًا لامتلاك الثروة، فالزهد ليس ألا يكون لك من المال إلا اليسير، ولكن الزهد هو أن تمتلك الدنيا ولا تمتلكك! هو أن تكون عبدًا لله فيصير الله الدنيا خادمةً لك، هو أن تكون الدنيا بين يديك وتحت قدميك، ولا تكون في قلبك أو أن تكون أنت خادمًا لها تحت قدميها..
والثراء له شرطان إذا حققتهما فامتلك من الثروة ما شئت..
أولاً: إخراح حق الفقراء في ثروتك من زكاة وصدقات.
ثانياً: عدم الإسراف من المال وإن كان حلالًا
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
الدعاء والسعي.
هناك الكثير من الناس يقصر في بذل الجهد ويدعو الله بالنجاح، يا لها من سخرية من الدين واتخاذه هُزوًا!
إن الدعاء يكون موازيًا لعمل جادٍ كادح، ولو لم يتحقق ذلك لا يكون للدعاء فائدة، فإن الله لا يلتفت إلى دعاء من يستهزئ بسننه التي وضعها في الكون، فعلى الإنسان بذر البذور ورعايتها مع دعاء الله بإنشائها وخلقها من موت إلى حياة، لكي يبارك الله له في محصوله، يقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ . أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:63-64].
وقد كفل الله نتيجة للسعي لكل من المستعين بالله وغير المستعين، ولكنه كفل نتائج أكبر وأجل سواءً في الدنيا والآخرة لمن يؤمن بالله ويستعين به، قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} [فصلت:10].
ويمكن تلخيص نتيجة السعى والدعاء في معادلة بسيطة ساذجة لا تعبر عما يحدث حقيقةً على سبيل الدقة، ولكنها مجرد تقريبٌ المعنى لأولي الباع في علم الرياضيات النتيجة= (السعي المستطاع) × (1+ الدعاء)، فلو أن السعي المستطاع = صفر ادعُ كما تشاء فلن تحصل على شيء، بينما لو سعى الكافر بوجود الله أصلًا بدون دعاء (الدعاء= صفر) فسيحصل على نتيجة وهذا ما يحدث في بلاد الكفار.
الإحساس بالأمان والتخطيط للمستقبل.
إن الإيمان يكفل للإنسان الإحساس بعدم القلق لأن الله تعالى لن يتخلى عنه في الدنيا والآخرة، لأنه مؤمن به متبع لشرائعه، ولكن هذا لا يدعو إلى أن ينتظر الإنسان الغد دون تخطيط لهذا الغد، فالتخطيط أساس النجاح في هذه الدنيا، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة الكرام ألا يتصدق بكل ما له احتساباً لمستقبل عياله حتى لا يتكففوا الناس.
الصبر والتغيير.
ومن المغالطات المشهورة والتي تدعو الناس إلى السبات العميق، هو أن الصبر يتعارض مع التغيير، فالصبر هوًا فيما مضى من مصائب، وفيما هو جار من ابتلاء لا يستطيع الإنسان رفعه، ولكن هذا لا يدعو مطلقًا إلى السكوت على الظلموعدم مقاومته، فهذا مع ذاك جنباً إلى جنب، يقول الله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]، وفي سورة الشورى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} [الشورى:41]. وهذا على سبيل المثال لا الحصر من المتناقضات الموهومة في عقل المسلم المعاصر، والتي زُرعت فيه زرعًا حتى يغفو ولا يكاد يفيق، والله أعلم.
المصدر: http://ar.islamway.net/article/43097/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B9%D8%A...