الإعلام غير التقليدي وأثره على الأنظمة والمجتمعات

يحيي بركات

 

تبدلت نظرة الكثيرين في العالم العربي والإسلامي للدور الإعلامي وأهميته وخطورته، وتطورت أكثر من أي وقت مضى، فبعد أن كانت النظرة إليه لا تعدو كونه احد وسائل الترفيه الغير مرحب بها والغير مرغوب في اقتحامها أضحت النظرة إليه من كثير من القطاعات على انه احد أكبر واهم أدوات التوجيه للمجتمعات، وعليه وعلى إثر مخرجاته التي ينتجها تتغير الأفكار وتتبدل وتتأثر الأجيال وتتغير طريقة تفكيرها ونظرتها للأمور إما سلبا أو إيجابا وإن كان التأثير السلبي اكبر من التأثير الايجابي بكثير جدا حتى الآن.

وبعد أن اعتمد الإعلام على التأثير الاجتماعي في أخلاقيات وتعاملات الناس عن طريق الأعمال التمثيلية التي استطاعت بالفعل من تغيير التفكير الاجتماعي العام في المجتمعات الإسلامية، واستطاعت أن يبعدها شيئا فشيئا عن الالتزام بالأخلاق الإسلامية بعدها، اتجهت إلى التأثير والتوجيه السياسي لتكون العامل المساند الأول لكافة الزعماء السياسيين حتى أضحى التزاوج بين السلطة السياسية والإعلام أمرا غير منكر ولا يتعجب منه وسبق بالفعل علاقة التزاوج بين السلطة والمال.

وظل الناس لفترة طويلة أسرى إعلام تحتكره السلطات لا يتحرك إلا وفق الوجهة التي توجهه إليها السلطة السياسية، معتبرا أن السلطة السياسية هي من تمسك بزمامه وتضع له خطة التحرك والأهداف المطلوبة، وتضع له أيضا الخطوط الحمراء التي لا يتعداها.

ولم يكن في أي دولة إعلام يستطيع أن يواجه أو ينافس الإعلام الحكومي لا على المستوى الأفقي من القدرة على الانتشار لأكبر عدد من الناس ولا على المستوى الراسي في الغنى والتنوع، وتعدد الأساليب وغزارة المواد وغزارة الدعم المالي والمعنوي لأبناء الإعلام الرسمي والحكومي، فكانت المحاولات قليلة العدد ومحدودة الانتشار وضعيفة التأثير وتمثلت في الجرائد الحزبية والإذاعات غير الرسمية التي سرعان ما أغلقت أبوابها.

وبعد التطور الهائل الذي شهده قطاع الاتصالات في العصر الحديث نشأ ما أمكن تسميته بالإعلام غير الرسمي أو الإعلام البديل ليحتل مكانه، مبارزا الإعلام الرسمي في جميع القطاعات ليدخل دائرة المنافس بقوة معه، بل تمكن الإعلام البديل في فترات أن يتفوق عليه وان يصنع تغييرات جوهرية في المجتمعات على المستويات الاجتماعية، ولكن يبقى التأثير الأهم التأثير على المستوى السياسي.

وهناك عدة أسباب ساهمت بقوة في هذا النمو الفائق السرعة للإعلام البديل والتي غيرت من عدد كبير من الناس وخصوصا من فئة الشباب وجعلتهم من الممارسين للعمل الإعلامي على سبيل الهواية ومنهم من تحول بعد ذلك للاحتراف، وبذلك غيرت من وصفهم فانتقلوا من خانة المتلقي فقط للحدث الإعلامي إلى خانة صناع الحدث والمشاركين في إيجاد الأحداث الكبرى في بلدانهم.

وهناك ثلاثة عوامل رئيسية انطلق منها هذا الإعلام البديل وتنامى بسرعة فاقت كل التوقعات وأربكت الكثير من الحسابات وهي:

1- الرغبة الإعلامية عند الكثير من الشباب.

اقتنع هذا الجيل أكثر من كل جيل سبقه بأهمية الإعلام وبدوره الشديد الخطورة على مستقبل بلدانهم فأرادوا أن يقتحموا هذا الميدان الذي يعتبر حكرا دائما على قطاعات معينة تحمل أفكارا ثابتة تتوجه دائما لإرضاء السلطات الحاكمة، ووجدوا –وخاصة إن كانت لهم توجهات أخرى مخالفة لوجهات النظر الرسمية– أنهم لابد وان يشاركوا في صنع الحدث من خلال إيجاد قنوات بديلة لا تخضع لنفس السياسات ولا تمر عبر تلك القنوات، ونظرا لان عالمنا العربي والإسلامي يزخر بكفاءات ومهارات ومواهب كثيرة مهدرة لم تجد من يصقلها بحثت عن إيجاد فرصتها بنفسها بعيدا عن المسارات الثابتة المغلقة أمامهم دوما.

2- سهولة إنشاء المادة الإعلامية.

بعد التطور المذهل في قطاع الاتصالات أصبح بمقدور كل إنسان وبكلفة قليلة أن يمتلك هاتفا محمولا به آلة تصوير متقدمة ذات كفاءة، فأصبح كل منهم مشروع إعلامي في مكانه، وأصبح في وضع يمكنه من أن يرصد كل حدث ويوثقه ويقدمه كحدث إخباري إعلامي وينقله لغيره، ويمكنه أيضا وبمجهود بسيط أن يقوم بعمل قريب من عمل البرامج التليفزيونية فيجمع اللقطات ويعلق عليها أو يقوم بعمل إحصائي استطلاعي ليجمع اكبر عدد من الآراء حول قضية معينة ليقدم بها وجهة نظر لأناس لا يصل صوتهم إلى القنوات الإعلامية الرسمية أو لا يراد أن يصل منهم هذا الصوت، وبالتالي نشأ جيل جديد من الإعلاميين الهواة الذي استطاعوا أن يجعلوا من أنفسهم محطات تليفزيونية قادرة على تقديم مادة إعلامية قوية ومؤثرة.

3- سهولة النشر والانتشار للمادة الإعلامية التي صنعوها.

فكما تيسر صنع المادة الإعلامية بأقل التكاليف وبأدنى جهد ووقت ممكنين تيسر أيضا -نتيجة التقدم المتسارع وغير المحدود- تيسر أيضا نشر المادة الإعلامية وتيسر انتشارها بأسرع من كل تصور، فكان لظهور القنوات الفضائية الخاصة التي لا تخضع بالضرورة أو بالكلية لكل ضوابط السلطات الحاكمة وخطوطها الحمراء أثر كبير في تطور هذا الإعلام البديل وكان للمواقع التي يمكن وضع فيها المواد المسجلة كموقع اليوتيوب الأثر الأكبر في النشر وكان لمواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك وتويتر -وخاصة بعد دخول الانترنت إلى كل بيت بل إلى كل هاتف- الأثر الأهم في الانتشار، فتحققت المعادلة الهامة فانتشرت المواد الإعلامية الغير رسمية والبعيدة عن الضوابط الحكومية انتشارا بالغا وأدى ذلك إلى تغيرات كبيرة في الرأي العام لم يكن له سبب سوى ظهور هذا الإعلام البديل وتفوقه أحيانا كثيرة على الإعلام الرسمي.

ولكي نلمح مدى هذا التأثير القوي لهذا الإعلام البديل تأتينا الإحصاءات من الموقعين الأكثر تأثيرا في المجتمعات العربية والإسلامية حاليا وهما الفيسبوك وتويتر، حيث أعلن الفيسبوك في آخر إحصائياته أن عدد مستخدمي الموقع بالعالم العربي يصل لـ 62 مليون شخص يستعمل نصفهم الموقع يوميا بصفة منتظمة خصوصا عبر الهواتف المحمولة وأن الاشتراك بموقع "تويتر" في الوطن العربي قد تزايد بصورة بالغة، فقرابة 3.8 مليون مستخدم عربي نشط ينشرون حاليا حوالي 10 ملايين تغريدة يومياً [1] رقم لا يمكن الاستهانة به كمظهر من مظاهر الإعلام البديل الذي لا يحتاج للإعلام الرسمي أو المحصور بين الخطوط الحمر.

قام الإعلام البديل الغير حكومي والغير رسمي بدور شديد الخطورة والأهمية ليكون صوتا لمن لا يصل صوتهم وتعبيرا عن قضايا وهموم لا يود الإعلام الرسمي أن يتطرق إليها، أصبح في حد ذاته وسيلة اتصال في غاية الأهمية لجمع الرأي العام حول أو ضد فكرة ما، بل ووسيلة لجمع الناس نحو تحركات على الأرض، ويكفي أن نتذكر أن الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ مطلع عام 2011 حتى اليوم كان المحرك الأول والأساسي وربما الوحيد لها الإعلام البديل ولم يستطع الإعلام الرسمي وحتى الإعلام الخاص في القنوات والصحف وغيرها التي تعاونت مع الإعلام الرسمي، لم تستطع كلها مقاومة الإعلام البديل ولا ان تجاريه في سرعته وتنوع وسائله.

ويتمتع الإعلام البديل بالخاصية التي لا يمكن مضارعته فيها وهي خاصية قلة التكلفة بالمقارنة بنسبة الوصول للجمهور المستهدف، فغالبا ما ترتفع التكلفة وتقل الإنتاجية للإعلام الرسمي والمدعوم من الإعلام الخاص بينما تقل التكلفة أو تنعدم بالنسبة للإعلام البديل مما يهدد بانقلاب في التحليلات فيصبح الإعلام البديل هو الأساس وليبدأ الإعلام الرسمي في محاولة منافسته وهز عرشه الذي تمكن منه.

وبالتالي يستطيع الإعلام البديل هذا أن يهز أو يغير من التركيبة السياسية. والاجتماعية للشعوب والأنظمة إذا لم تحسن التفاعل معه وتفهم متطلباته والعمل على استيعاب هذا التغير والتطور، فالأمر لن يكلف هؤلاء الشباب سوى أن يبتكر احدهم وسما "هاشتاج" ثم يمرره ليحدث دويا عالميا هائلا قد يبلغ مليار ظهور لينقل صورة أراد من وضع هذا الوسم إيصالها للعالم، فسمع بها القاصي والداني، فأغنى وضع مثل هذا الوسم عن آلاف الساعات في شرح القضية أو الرسالة التي أراد إيصالها للعالم، فوصلت من خلال كلمتين اثنتين من عدة أحرف لا تزيد عن العشرة.

ولا يمكن تصنيف الإعلام البديل أو غير التقليدي بتصنيف واحد، فكما فيه الجوانب الايجابية من فتح آفاق للحريات وإيجاد فرص لاكتشاف وتنمية المواهب والمهارات الجديدة وطرح القضايا التي يسكت عنها غالبا للمناقشة ولإبداء الحلول، ففيه الكثير أيضا من الجوانب السلبية، فكل شئ في المجتمعات صار مستباحا ومطروحا على الملأ، فصارت المشكلات الداخلية يناقشها من ليس لهم دراية بأي مجتمع ولا بتقاليده ولا أعرافه ولا خصوصيته، وتجرا الكثير من الناس على الثوابت العقائدية أو القيمية وعلى الرموز الدينية أو الوطنية، فتعرت المجتمعات بعد سترها، وبهذا فتح الإعلام البديل لكل صاحب رأي أن يتحدث في كل شئ فكان منهم من يستحق أن يناقش قضايا بعينها وكان منهم الكثير من الرويبضات الذين يتحدثون في شأن العامة.

ولهذا فلابد من التعامل بحكمة مع هذا الإعلام البديل، فلا يمكن أن يدفن المسئولون رؤوسهم في الرمال ولا يمكنهم الآن التصرف بمنطق أمني وعقلية أمنية فقط، ولا يمكن أن يقود أصحاب الإعلام البديل وحدهم المجتمعات والأنظمة، ولكن لابد من التعامل بوعي وبحكمة، فليس الحل في تجفيف المنابع ولا غلق الموارد ولكن محاولة الانتفاع بخيرها والاحتراز من الوقوع في شرها.

ــــــــــــــــــــــ

 [1] بحسب إحصائية لموقع "يس تو ديجيتال" المتخصص في المحتوى الرقمي في دراسة حديثة.

المصدر: http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=4132&mot=1

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك