الحوار
المقدمة :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهدا أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
قال تعالى :
)يا أيها الذين امنوا أتقو الله ولتنتظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)
) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (
)يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا.يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فازفوزا عظيما)
الحوار
مفهومه والغاية منه
التعريف :
الحوار هو المناقشة بين الطرفين أو أطراف بقصد تصحيح كلام أو إظهار حجة ، وإثبات حق ، ودفع شبهة ،ورد الفاسد من القول أو الرأي على اختلاف وسائله.
غاية الحوار :
قد سبقت في ثنايا التعريف ، قال الحافظ الذهبي : ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحق ، وإفادة العالم الأذكى العلم لِمن دونه ، وتنبيه الأغفل الأضعف ).
وثمت غايات فرعية أو ممهدة لهذه الغاية ، منها :
- إيجاد حل وسط يرضي الأطراف.
- التعرف على وجهات النظر.
- البحث والتنقيب للاستقصاء والاستقراء.
وقوع الخلاف بين الناس :
الخلاف سنة الله في خلقه : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) لكن ليس المراد أنه سبحانه خلقهم ليختلفوا ، فاللام ليست للغاية وإنما للصيرورة أي لثمرة الاختلاف خلقهم والثمرة فريق في الجنة وفريق في السعير ، وقد تحمل على التعليل أي : كل منهم لشأن وعمل .
وضوح الحق وجلاؤه :
فإن النفوس إذا تجردت من أهوائها وجدَّت في تلمس الحق فإنها مهدية إليه ، بل إن في فطرتها ما يهديها لقولهصلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة (
مواطن الاتفاق :
إن بدء الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة . فدع صاحبك يوافق ويجيب بـ(نعم) وحُلْ ما استطعت بينه وبين ( لا ) فإن قال ( لا ) فقد أوجبت عليه كبرياؤه أن يظل مناصراً لنفسه.
أصول الحوار :
الأول :
سلوك الطرق العلمية والتزامها ، من تقديم الأولى المثبتة أو المرجحة للدعوى ، ومن صحة الثقل في الأمور المنقولة قال تعالى : (قل هاتوا برهانكم ). ولذا قال العلماء : إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدعياً فالدليل .
الثاني :
سلامة كلام المناظر ودليله من التناقض . وهذا ما وقع فيه أهل الشرك الذين قال الله عنهم ( وإن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر ) وهو تناقض ، فالسحر لا يكون مستمراً والمستمر لا يكون سحراً وهذا على أحد الوجهين في تفسير الآية .
الثالث :
ألا يكون الدليل هو عن الدعوى . وإلا كان إعادة للدعوى بضعة أخرى .
الرابع :
الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مسلَّمة سواء كانت عقلية أم نقلية كأوامر الشرع الصريحة كالأمر بالحجاب ونحوه ومن الخطأ غير المقصود عند بعض الكاتبين إثارة قضية حسمها الشرع كالحجاب بقصد إثباتها وصلاحيتها.
الخامس :
التجرد وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتـزام بأدب الحوار :
قال الشافعي رحمه الله : " ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه ، وما ناظرني فباليت ! أظهرت الحجة على لسانه أو لساني ".
السادس :
أهلية المحاور ، فمن الخطأ أن يتصرف للدفاع عن الحق من كان على الباطل ، أو من لا يعرف الحق ، أو من لا يجيد الدفاع عن الحق ، أو من لا يدرك مسالك الباطل ، والذي يجمع ذلك كلمة ( العلم(
السابع :
قطعية النتائج ونسبيتها ، فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الآخر.
الثامن :
الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ، والالتـزام الجاد بها ، وبما يترتب عليها ، قال الشافعي رحمه الله : " ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجة إلا عظم في عيني ولا ردها إلا سقط من عيني ".
أدب الحوار :
1/التـزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام ( وقول للناس حسناً ) لأن كسب القلوب على كسب المواقف . ويتثنى من ذلك ما بين الله تعالى بقوله ): لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم(
ومن الأدب : تحاشي استخدام ضمير المتكلم إفراد أو جمعاً عند المناقشة والحوار .
ومنه : ألا يفترض في صاحبه الذكاء المفرط ، كما لا يفترض فيه الغباء والمطبق وإنما يأخذه بحسب عقله ومدراكه .
2/الالتـزام بوقت محدد في الكلام وإلا حصل الملل وعدم القبول وأغلب أسباب الإطالة ترجع إلى ما يلي :
أ – إعجاب المرء بنفسه .
ب- حب الشهرة والثناء .
ج- ظنه أنه آت بجديد .
د- قلة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم .
3/ حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة : فمن الخطأ أن تحصر همك في التفكير فيما ستقوله ، فلا تلقي بالاً لمحدثك ومحاورك.
4/ تقديم الخصم واحترامه فإن ذلك يقود إلى قبول الحق والبعد عن الهوى .
5/ حصر المناظرات في مكان وعدد محدد ، فهو أجمع للفكر والهم وأقرب لصفاء الذهن وأسلم لحسن القصد ، بخلاف الأجواء الجماهيرية المحتشدة ، فإنه يصاحبها أحياناً من حمى الانتصار ووهج التجمع ما يقلل جديتها ومصداقيتها ، كما يحدث أحياناً في بعض الفضائيات وغيرها .
6/ الإخلاص :
بعدم حب الظهور والتميز عن الأقران وإظهار البراعة وعمق الثقافة ، والتعالي على النظراء والأنداد والتحقق من جدواه وثمرته لو تم ولذلك إرغام النفس على الإذعان للحق إذا تبين من خصمك .
و من الخطأ أن تظن أن الحق لا يغار عليه إلا أنت .
و من الجميل أن توقف الحوار إذا وجدت نفسك قد تغير مسارها ففقدت الإخلاص .
عوامل هدم جسور الحوار
أما العوامل التي تحول دون تواصل الناس ومد جسور الحوار بينهم فهي:
1ـ التعصب للآراء والمذاهب والأفكار والأشخاص. والتعصب ظاهرة قديمة، موجودة في مختلف المجتمعات البشرية، وفي مختلف مستوياتها، وهي ظاهرة تمثل انحرافًا مرضيًا، حينما لا تكون ذات مضمون أخلاقي، كالانتصار للحق أو لدعاته، والتعصب ينشأ عن اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر الحق لنفسه. والمتعصب لا يفكر فيما يتعصب له، بل يقبله كما هو فحسب، لذا فلا يمكن لمتعصب أن يتواصل إلا مع من يردد نفس مقولاته.
2 المراء المذموم واللجاجة في الجدل، ومحاولة الانتصار للنفس ولو على ذبح الحقيقة. والجدل خلق مذموم، ينبغي للإنسان أن يبتعد عنه، وإذا اضطر إليه فيجب أن يكون بالتي هي أحسن، )وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن )
ومعنى ذلك أن يتجنب الإنسان الجدال العقيم والفاحش والبذيء، وإذا أراد أن يجادل فلابد أن يجادل بالحسنى، وإذا وجد أن النقاش يقود إلى طريق مسدود، فينبغي أن يتوقف عنه لأنه يصير عند ذلك عبثًا لا خير فيه، فكما قال صلى الله عليه وسلم )) : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا(( رواه أبو داود بسند حسن . فما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل . رواه الترمذي وصححه.
وترك الجدل يتبعه أمران:
أولهما: أن نعترف بأخطائنا إن كنا مخطئين، والاعتراف بالخطأ فضيلة.
ثانيهما: أن نحترم آراء الآخرين.
3ـ التسرع في إصدار الأحكام، إذ إن التسرع في إصدار الأحكام دون روية، مع عدم وضوح الرؤية، يوقع في أغاليطوأخطاء.
ويدفع إلى التسرع عوامل عدة منها:::::
ـ الغرور بالنفس، والاعتداد بسرعة البديهة.
ـ الكسل الذهني وعدم الرغبة في إجهاد الفكر للتعرف على الحق.
ـ الانفعال النفسي، كالغضب والخوف والطمع وطيش الهوى.
ـ الحاجة الملحة ومدافعة الضرورة الطبيعية.
4ـ التفكير السطحي، الذي لا يغوص في أعماق المشكلات، ولا يدرك أثر العلاقات ببعضها، ولا يستوعب تأثير المتغيرات، بل يتوقف عند الأسباب الظاهرة للمشكلة، التي غالبًا ما تكون أعراضًا للمشكلات وليست جواهرها، والتفكير السطحي هو الذي يغيب العقل، ويهمل العلم، ويغفل العمل، ويجافي سنن الله في الآفاق والأنفس.
ومن سماته أيضًا: إرجاع المشكلات والظواهر إلى عامل واحد، مع إغفال أن تعقيد المشكلات لا يستوعبه سبب واحد، كما أن إرجاع المشكلات إلى سبب واحد يصاحبه قدر من التبسيط يتنافى مع عمق التجارب الإنسانية.
وفي الختام اثني بحمد الله عز وجل الذي بنعمته يتم الصالحات والذي له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجع الأمور.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.