الحوار وما يتعلق به
ميسون عبدالله الصاعدي
مقدمه
ان الحمدلله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله بعثه الله تعالى بشيرا للعالمين. ? يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ? الحجرات 13 وبعد: يعتبر موضوع الحوار من المواضيع الحية والمثارة في كثير من الكتابات والنقاشات وعلى اختلاف الثقافات والأمم والأوطان : كما أصبحت بعض الدول ترفع شعار الحوار لتدليل على تقدمها وانفتاحها واتساع رقعت الحرية فيها .... بل هناك من الدول من لم تكتفي برفع شعار الحوار. ويمثل هذا التوجه : الغرب الذي أصبح ينعت الثقافات غير الغربية وخصوصا الإسلامية منها : بأنها : ثقافات تعصبية وتفتقد للحوار ، وذلك نتيجة معايير مرتبطة بالمصالح الخاصة والضيقة . مما يستدعي وضع الحوار في إطاره الحقيقي . من هنا جاء الاهتمام بموضوع الحوار نظرا لأهميته وحساسيته وذلك تحت إشراف وتأطير وحسن متابعة من الأستاذ الفاضل:الدكتور أبو المجد محمد بن جبور، كان البحث يتعلق بالحوار وحقيقته ومنابعه في الإسلام و كيف ترعرع في الثقافة الإسلامية والعربية والمجتمع الإسلامي ؟ هذا من جهة. ومن جهة أخرى ما هي منابع وواقع ونتائج الحوار في الثقافة الغربية ؟ ابتداءا بالحوار الديني والمواقف اتجاه الاختلاف والتعدد الديني داخل الشعوب ومرورا بأطروحة الصدام الحضاري وكيف يتم النظر إلى ثقافة الآخر المخالف في الغرب ؟ وانتهاء بالحوار الحضاري باعتباره الحل الضروري في نظر الغرب وباعتباره كذلك تحصيل حاصل للأطروحات السابقة . والمقصود من المقارنة بين الحوار في الإسلام والحوار في الغرب هو إبراز كيف أطر الدين الإسلامي العلاقات الإنسانية وغيرها بنوع من الإنصاف والتكافؤ وكيف ينظر الغرب اعتمادا على مصالحه الخاصة الضيقة للعلاقات الإنسانية . ومن هنا تتجلى قيمة البحث في حقيقة وواقع الحوار باعتباره وسيلة من وسائل إبراز الحقائق بموضوعية وإعطاء كل ذي حق حقه وعرض وجهات النظر المتعددة في الموضوع والمقارنة بينها استنادا إلى الإنتاجات والدراسات الفكرية والتماس ما يهم الموضوع واستنتاج ما يمكن استنتاجه وذلك تبعا للخطة والمنهجية التالية : الفصل الأول: فقه الحوار الإسلامي: المبحث الأول: الحوار في اللغة والاصطلاح وتميزه عن الجدل والمناظرة والمناقشة المبحث الثاني : الدعوة إلى الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية المبحث الثالث : آداب وضوابط وعوائق الحوار المبحث الرابع: نماذج لبعض الحوارات في القرآن الكريم والسنة النبوية الفصل الثاني : واقع الحوار المعاصر المبحث الأول : وضعية الحوار بين الأديان المبحث الثاني : الصراع والتدافع من منظور الثقافتين الإسلامية والغربية المبحث الثالث : سؤال الحوار الثقافي الحضاري وماهية الثقافية مشفوعا بمقدمة وخاتمة. وهكذا: ما كان في هذا البحث من صواب فهو من الله تعالى وحده لا شريك له وله الحمد على ذلك وما كان من نقص أو خطأ فمني وأستغفر الله منه وأسأله المزيد من التوفيق لكل خير. وهو حسبي ونعم الوكيل. والحمد لله رب العالمين
|
الفصل الأول:فقه الحوار الاسلامي
المبحث الأول: الحوار في اللغة والاصطلاح وتمييزه عن الجدل والمناظرة والمناقشة
يقتضي البحث في موضوع الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية : الحديث عن مفهوم الحوار في اللغة والاصطلاح ، وكذا دفع اللبس عنه بتمييزه عما يناظره ويشابهه من المفاهيم مثل الجدل والمناظرة و المناقشة وذلك لتحديد الإطار الفكري والدلالي لمفهوم الحوار حتى يتسنى فهمه ويسهل الاشتغال على قضاياه .
المطلب الأول : الحوار في اللغة والاصطلاح :
1- الحوار في اللغة : بالرجوع إلى مقاييس اللغة لابن فارس نجد أن أصل كلمة حوار هو الحاء والواو والراء يقول ابن دريد :" الحوار مصدر حار يحور حوارا إذا رجع والحور الرجوع من صلاح إلى فساد أو من زيادة إلى نقصان ومثل من أمثالهم " نعوذ بالله من الحور بعد الكور " يريد النقصان بعد الزيادة . وكلمة فلانا فما أحار جوابا وما سمعت له حوارا ولا حويرا وحاورت فلانا محاورة وحوارا وحويرا . إذا كلمك فأجبته واشتقاق الحواريين قال : ابن الكلبي : كانوا قوما قصارين أجابوا عيسى صلى الله عليه وسلم " . وجاء في لسان العرب لابن منظور " الحور : الرجوع عن الشيء وإلى الشيء حار إلى الشيء وعنه حورا ومحارا ومحارة وحورا رجع عنه وإليه . وأحار عليه جوابه: رده وأحرت له جوابا وما أحار بكلمة والاسم من المحاورة والحوير يقول سمعت حويرهما وحوارهما " وأضاف أن " المحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب تقول كلمته فما أحار إلي أي ما رد جوابا " كما في أساس البلاغة للزمخشري " حاورته راجعته الكلام ، وهو حسن الحوار وكلمته فما رد علي محورة ، وما أحار جوابا أي ما رجع " وفي محيط المحيط " حاوره محاورة جاوبه وراجعه في الكلام وتحاور القوم تجاوبوا وتراجعوا الكلام بينهم " . ومن خلال هذه التعريفات يتبين أن كلمة الحوار في اللغة العربية لم تخرج عن معاني المحاورة ورد الجواب. المراجعة : مراجعة المنطق في الكلام في المخاطبة و المجاوبة والمراجعة تقتضي أطراف تتبادلها وتنطلق من اثنين فأكثر
2- اصطلاحات الحوار : تعددت اصطلاحات وتعريفات الحوار فقد عرفه محمد حسين فضل الله بأنه " إدارة الفكرة بين طرفين مختلفين أو أطراف متنازعة " وذلك عن طريق " الأخذ والرد في الكلام وطرح الحجة والرد عليها وبيان الرأي والرأي المضاد " حسب تعريف الدكتور عبد العزيز الخياط. وعرفه الأستاذ مبارك بن سيف بن سعيد الهاشمي بأنه " تفاعل لفضي بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها " . وعرفه الدكتور محمد زرمان بأنه " عملية اتصال بين طرفين أو أكثر وهي تعتمد المخاطبة والمساءلة حول شأن من الشؤون " . واصطلح عليه أحمد عبد الله الضويان " الكلام المتبادل بين طرفين في أسلوب لا يقصد به الخصومة " وخلص الدكتور خالد محمد المغامسي إلى تعريف الحوار بأنه " حديث بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة الهدف منها الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الخصومة والتعصب بل بطريقة علمية إقناعية ولا يشترط فيها الحصول على نتائج فورية". ومن هذه التعاريف والاصطلاحات يتبين أن الحوار : عملية تواصلية متكافئة بين اثنين أو أكثر بهدف الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الخصومة والتعصب . المطلب الثاني : تعريف الجدل والمناظرة والمناقشة وتميز الحوار عنهم . الجدل واختلافه عن الحوار : الجدل في اللغة مأخوذ من " جدل الحبل فتله " والمجادلة " دفع القول على طريق الحجة بالقوة ويقهره وهو مأخوذ من الاجدل طائر قوي ، وقيل هو مأخوذ من الجدل وهو شدة القتل فكان كل واحد منهما يقتل حجة صاحبه حتى يقطعها . وتكون حقا في نصرة الحق وباطلا في نصرة الباطل " . واصطلح عليه الدكتور زاهر عواض الألمعي بأنه:" المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخصم " كما أن الجدل " ينقسم إلى قسمين أحدهما محمود والآخر مذموم، فأما المحمود : فهو الذي يقصد به الحق ويستعمل به الصدق وأما المذموم فما أريد به المماراة والغلبة وطلب الرياء والسمعة " . من هذه التعاريف يتبين أن " الحوار أوسع دلالة من الجدل . فكل جدل حوار لكن ليس كل حوار جدل " وذلك لأن الجدل فيه منازعة وقوة ومغالبة وخصومة وينصر الفكرة وإن كانت باطلة وهذا ما لا يوجد في الحوار . المناظرة واختلافها عن الحوار : يقول ابن فارس " النون والظاء والراء أصل صحيح يرجع إلى معنى واحد وهو تأمل الشيء ومعانيه " . أما المناظرة في الاصطلاح " تردد الكلام بين شخصين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق" ومنه يتبين أن المناظرة تقوم على المواجهة والتضاد والتصحيح والإبطال في حين الحوار لا يرتكز على ذلك . المناقشة واختلافها عن الحوار : يقول الزمخشري " نقش الشوكة وانتقشها : استخرجها ونقش الشعر بالمنقاش نتفه بالمنتاف وناقشه الحساب ، وفي الحساب وعن عائشة رضي الله عنها " من نوقش الحساب عذب " ومن المجاز استخرجت منه حقي بالمناقش إذ تعبت في استخراجه وانتقش منه حقه وإذ تخير الرجل رجلا لنفسه قال جاد ما انتقشه لنفسه ، ونقش الرحى نقرها " وفي الاصطلاح: المناظرة " نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب وتعرية الأخطاء وإحصائها " . ومنه يتبين أن المناقشة وإن وافقت الحوار في المعنى اللغوي إلا أنها تختلف معه في الاصطلاح إذ المناظرة تقوم على المواجهة وتتبع الأخطاء و إظهارها وإحصائها ومحاسبة صاحبها وهذا ما ليس في الحوار من خلال هذا يتبين أن الحوار يحضى بحفاوة خاصة ومرتبة علمية هامة عند علماء المسلمين ومفكريهم وهذا الاهتمام ناتج عن تميز الحوار بالوسطية والإنصاف عن الجدل والمناظرة والمناقشة وإن كانت هذه الاصطلاحات تستعمل مرادفة للحوار في استعمالات غير مقصودة.
المبحث الثاني: الدعوة إلى الحوار في القرآن الكريم والسنة النبوية
الإسلام دين اتخذه الله للبشرية جمعاء ، دعا إلى حسن الخطاب وعنى عناية كبيرة بموضوع الكلام وأسلوب أدائه . لأن الكلام الصادر عن إنسان ما يشير إلى عقله . وطبيعة خلقه ونوع تربيته ولأن لغة الكلام عند المجتمعات هي في الحقيقة لغة السلوك وهي مقياس مستواها العام " حيث يحظى الحوار بعناية هامة في الشريعة الإسلامية وتمت الدعوة و التطبيق له باعتباره مسار جيد من الخطاب ويتجلى ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية .
المطلب الأول : الدعوة إلى الحوار في القرآن الكريم
القرآن كلام الله تعالى المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمنقول إلينا بالتواتر والمتعبد بتلاوته ، فتح باب الحوار بين دفتيه ، وطبق له ، ويتضح ذلك على مستويين : 1- مستوى اللغة القرآنية كلغة للحوار 2- مستوى تمييز القرآن الكريم للحوار
مستوى اللغة القرآنية كلغة للحوار
تعتبر اللغة القرآنية لغة الدعوة إلى الحوار والتطبيق له وذلك، استنادا إلى عدة أدلة من بينها:" أن مادة " القول" وما اشتق منها كقال، ويقول، وقل، وقالوا، ويقولون، وقولوا،... الخ هذه المادة التي تدل على التحاور والجدل والمناقشة والمراجعة بين الناس في أمور معينة قد تكررت في القرآن أكثر من ألف وسبعمائة مرة " ، كما أن كلمة " حوار" رغم أنها لم ترد مصدرا وإنما وردت مشتقات لها مثل يحور في قوله تعالى ? إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ? ويحاوره في قوله تعالى ? وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ? . وتحاور كما في قوله تعالى ? وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ? فإن هذه الاشتقاقات لم تخرج عن معنى المراجعة والمجاوبة عند أهل التفسير والدارسين للغة القرآنية ، واللذان هما جوهر الحوار في اللغة .
مستوى تمييز القرآن الكريم للحوار المدعو له
تم التأكيد على جدوى الحوار في القرآن الكريم والدعوة إلى ممارسته في إطار سنة الاختلاف والتنوع المقررة في قوله تعالى ? وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَالامن رحم ربك ولدلك خلقهم ? إذ في هذا الإطار ثم فتح باب الدعوة إلى الحوار الذي يقر الاختلاف ويدعوا إلى الحقيقة والتوحيد ? قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون? كما أن القرآن الكريم دعا إلى ممارسة الحوار في الحياة اليومية والعلاقات الإنسانية المتواصلة وذلك من خلال المبادرة بالتحية والسلام وردها يقول الله عز وجل ? وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ? إذا السلام لغة حوار وقناعة وعقل وليس لغة عنف وإجبار وتعسف . والقرآن الكريم إضافة إلى هذا لم يتوقف عند الدعوة إلى الحوار كآلية من آليات التوافق والتلاقي في إطار سنة الاختلاف والتنوع. بل جعله متميزا على عدة مستويات: إذا اقترنت نشأته بنشأة الإنسان بل قيل قبل خلق الإنسان وحاور الله عز وجل به الملائكة وغيرهم في أول حوار في القرآن . كما يتم تمييزه بأنه ليس من خصوصيات فرد أو جماعة بذاتها ...وذلك لينتهجه الإنسان في حركته لكشف أسرار الكون لتطوير سبيل الحياة والارتقاء بالإنسان إلى بلوغ درجة الخلافة في الأرض . وتميز بأنه أسلوب الأنبياء والمرسلين والصالحين، حتى تميز به موسى عليه السلام لكثرة مخاطبته لله عز وجل ? وكلم الله موسى تكليما ? .
كما عرض القرآن الكريم حوارات متعددة لغير أهل الإسلام والخارجين عنه في أسلوب منصف وعادل. أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم حوار مع الناس جميعا ويخاطبنا فردا فردا إذ تلاوته تجعلك تعيش حوار متواصل مع الخالق سبحانه، ويلمس الإنسان ذلك بالخصوص في الآيات التي تبتدئ بياء النداء : يا أيها الذين آمنوا ، يا أيها الناس ، يا أيها الإنسان ، يا عبادي .... وبالطلب والأمر والنهي الذين يجعلون حركية الحوار منتعشة في الحياة الإنسانية.
المطلب الثاني : الدعوة إلى الحوار في السنة النبوية
إذا كان القرآن الكريم يدعوا إلى الحوار ويطبق لأسلوبه، فإن السنة النبوية بدورها تواصل هذه الدعوة وتمارسها، ويمكن استخلاص ذلك من خلال: اللغة في الحديث اللغة في الحديث{النبوي ممارسة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للحوار : النبوي : رغم أن كلمة حوار لم ترد مصدرا في الحديث النبوي وإنما وردت مشتقات لها فإن اللغة في الحديث النبوي لغة حوار، حيث أن أغلب الأحاديث النبوية عبارة عن أجوبة وأسئلة خاطب فيها النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأجابوه فيها، كما نجد لفظ القول كقال ويقول وقل متردد بكثرة في الأحاديث النبوية إضافة إلى أن لفظ أو مصطلح " ممارسة النبي صلى الله{الحديث " يعلم بوجود حوار يقتضي أطراف له مخاطب ومخاطب . عليه وسلم وأصحابه للحوار : السنة النبوية مليئة بالمواقف الداعية إلى نبذ الاختلاف والتفرقة، يقول الرسول ? لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ? كما بين أن الاختلاف وكثرة الأسئلة الغير المجدية والتي هدفها الفتنة والتفرقة والتعجيز كانت سببا كافيا لهلاك كثير من الأمم السابقة يقول الرسول " إن مما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم " في حين دعا الرسول إلى التوافق والتقارب والحوار الذي تمكن به من الوصول إلى قلوب الناس بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة رافعا الشعار الوارد في الآية القرآنية ? تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ? . هذا الحوار الذي يدعوا إلى الحقيقة المتمثلة في التوحيد في أعلى مستوياته حيث أن النبي رغم أنه مبعوث ومختص بالرسالة التوحيدية فإن أسلوبه في الحوار كان واسع النطاق إلى حد دعوة الغير إلى البرهنة على ما يعتقدون إذا كان هذا الغير يعتبر التوحيد مجرد إدعاء يقول الله تعالى في كتابه العزيز على لسان رسوله الكريم ? وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ? أضف إلى هذا كله نهجه لمبدأ وأسلوب الشورى في أمور الدولة - فيما لا نص فيه – مع أصحابه وسنها من بعده حتى وصفهم القرآن الكريم بها ? وأمرهم شورى بينهم ? كما كان لها نتائج هامة وواضحة على الأمة الإسلامية كما جرى في غزوة بدر وغيرها . كما أن السنة النبوية مليئة بالحوارات: حوار الله تعالى مع ملائكته ومع عباده وحوار الرسول مع جبريل والأنبياء والأعراب والصحابة وزوجاته أمهات المؤمنين والخدم ومع الصغار والوفود والملوك ...... كما أن الصحابة رضي الله عنهم ساروا على نهج النبي في الحوار في حياته ، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث تمت محاورات هامة لاختيار الخليفة الأول للنبي مما نتج عنه استقرار الأمر على الخليفة أبو بكر رضي الله عنه في قاعة التشاور والتحاور سقيفة بني ساعدة وكانت كأول نتيجة للحوار والتشاور بعد وفاة النبي تبين من خلالها مدى تشبع الصحابة رضي الله عنهم بروح الحوار النبوي الذي يبني ولا يهدم. ومن الحوارات التي كان لها الأثر البارز على الأمة الإسلامية في عهد الصحابة الحوار الذي دار بين ثلاثة من كبار الصحابة رضي الله عنهم أبو بكر وعمر و زيد بن ثابت والذي أفضى بعد المراجعة وحسن الخطاب وقوة الدليل إلى جمع القرآن وتدوينه في مصحف على يد زيد بن ثابت بعد وفاة العديد من القراء في حروب الردة .
المبحث الثالث : آداب وضوابط وعوائق الحوار
بقدر ما يكون الحوار إيجابيا يكون متميزا في حياة الفرد وحياة الجماعة وبقدر ما يكون سلبيا يكون هداما لكيان الفرد وكيان الجماعة ولكي يكون الحوار إيجابيا لابد من تأطيره بآداب وضوابط وتحديد العوائق التي تؤدي إلى سلبية الحوار وانعدامه
المطلب الأول : بعض الآداب العامة للحوار
ما يمكن التأكيد عليه هنا أن التأدب بآداب الإسلام العامة والخاصة يعطي حوارا إيجابيا ومن بين هذه الآداب العامة:
إخلاص النية : تعتبر النية أصلا أساسيا في جل العبادات والمعاملات وبها تتميز العبادة عن العادة ، ولهذا يجب على كل متحاور " أن يخلص النية في جداله وحواره ويكون قصده في ذلك التقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته في امتثال أمره فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحق وإزهاق الباطل فلا يقصد المباهاة وطلب الجاه والرياء"
التقوى : وهي فضيلة أراد بها القرآن أحكام ما بين الإنسان والخلق وإحكام ما بين الإنسان وخالقه ، ولذلك تدور هذه الكلمة ومشتقاتها في أكثر آيات القرآن الأخلاقية والاجتماعية ، والمراد أن يتقي الإنسان ما يغضب ربه وما فيه ضرر لنفسه أو ضرر لغيره وبهذا يكون الحوار مأطر بحصانة التقوى . الصبر : لأن " عمدة الأمر في استخراج الغوا مض وإثارة المعاني هو الصبر على التأمل والتفكير " ولولا الصبر لانهارت نفس الإنسان من البلايا التي تنزل عليه . ولأصبح عاجزا عن السير في ركب الحياة، وأصبح في حالة يكفر فيها بالقيم الأخلاقية فضلا على أنه يصبح عنصر شر لا نفع منه منعزلا عن المجتمع ومنفعلا مع مكوناته . لا يفتح باب الحوار.
السماحة والتخلي عن التعصب: أي تخلي كل الفريقين اللذين تصديا للمحاورة الجدلية حول موضوع معين عن التعصب لوجهة نظره السابقة وإعلانهما الاستعداد التام للبحث عن الحقيقة والأخذ بها عند ظهورها سواء كانت هي وجهة نظره السابقة أو وجهة نظر من يحاوره أو وجهة نظر أخرى. وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى الأخذ بهذه القاعدة: إذ علم الرسول أن يقول للمشركين في مجادلته لهم?وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ? وفي هذه الآية غاية التخلي عن التعصب لأمر سابق، وكمال الرغبة بنشدان الحقيقة أنى كانت والسماحة وعدم التعصب لا يعنيان بالضرورة الانهزام بل هما أوج القوة الفكرية وسمو التربية الروحية . كما أن لكل موضوع ضوابط يتبين بها مدى تسامح / تعصب المتحاورين، أضف إلى ذلك أن عدم التعصب\السماحة لا يعني بالضرورة التخلي والاستسلام ونهج ما يرتضيه الغير وإن كان في ذلك مخالفة للنقل الصحيح والعقل الراجح، ولكن المقصود عدم اضطرار الغير إلى مطابقة تفكيره تفكيرك
حسن الظن : فالأصل البراءة فلا ظنه ولا تهمة ! ولا ريبة. ولا مزايدة على الإخلاص لله أو للأمة. فإن جميع الفصائل المتحاورة لديهم الحرص على الإخلاص للأمة ولكن الاختلاف في وسائل تحقيق المصلحة . وبحسن الظن تتوفر أرضية صالحة للحوار. لا ضغينة ولا أحكام مسبقة فيها.
سلوك الحسنى : مصداقا لقوله تعالى ? ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? ومن تأمل الآية الكريمة وجد أنها لا تكتفي بالأمر بالجدال بالطريقة الحسنة ، بل أمرت بالتي هي أحسن ، فإذا كان هناك طريقتان للحوار والمناقشة : أحدهما حسن والأخر أحسن منها . وجب على المسلم أن يجادل بالتي هي أحسن جذبا للقلوب وتقريبا للأنفس المتباعدة
الهدوء : فإنه يستحسن أن يكون الحوار هادئ لا تترافع ولا تتعالى فيه الأصوات وذلك لأن جو المحاورة يتطلب الهدوء " والحوار الهادئ الذي يقابل الحسنة بالسيئة ويقلب الهياج إلى وداعة والغضب إلى سكينة والتبجح إلى حياء على كلمة طيبة ، ونبرة هادئة وسيمة صائبة في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام ، ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجا وغضبا وتبجحا ومرودا وخلع حياءه نهائيا وأفلت زمامه وأخذته العزة بالإثم " .
المطلب الثاني : ضوابط وتقنيات أثناء الحوار
ضوابط أثناء الحوار
الابتداء بنقاط الاتفاق : وذلك بالانطلاق من نقط مشتركة تعتبر مبادئ لكل طرف من أطراف الحوار هذه النقاط التي يظن أنها موجودة بين سائر البشر إذ أن " كل إنسان ولو كان كافرا لا يعدم نقطة خير في قلبه يبدأ بها المسلم فيدخل إليها أو يدخل منها . ثم ينميها ويسير بها إلى هدفه الذي يريد " وتكون القاعدة التي يتأسس عليها الحوار .
معالجة الفكرة وفق الضوابط المعمول بها في إطارها واحترام التخصص: " فإذا كانت عقائدية عرضها على القرآن والصحيح من السنة وإذا كانت فقهية عرضها على الأصول والضوابط الفقهية مع ضرورة الأخذ بمذهب قائلها ودليله من مصادره وليس من مصادر خصمه وأفواه الشانتين عليه " فإن كان في غير تلك المجالات نوقش في مجال تخصصه ووفق ضوابطه . فلكل علم رجاله ولكل فن أهله. و إلا فالتجرأ على جميع التخصصات من علامات التشتت الفكري الذي لا ينتج عنه إلا الصدام .
احترام حق البنوة والأبوة : يجب مراعاة حق الأبوة والأمومة والرحم فلا يجوز مواجهة الآباء والأمهات بخشونة ولا الأخوة والأخوات بغلظة بدعوى أنهم عصاة أو مبتدعون أو منحرفون . فإن هذا لا يسقط حقهم في لين القول، وخاصة الأبوين وحسبنا أن الله تعالى قال في حقهما ? وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ? وليس هناك ذنب أعظم من الشرك .كما أن احترام حق الأبوة قد يوجه الحوار إلى منحى إيجابي يفضي إلى نتائج لا تتصور ويقنع أحد الأطراف الأخرى .
قبول النتائج : قبول النتائج التي توصل إليها الأدلة القاطعة أو الأدلة المرجحة إذا كان الموضوع فيه الدليل المرجح وإلا كانت المجادلة من العبث الذي لا يليق بالعقلاء أن يمارسوه . كما أن قبول النتائج يوضح مدى حسن نية المتحاورين، وإلا فتحديد النتائج عند البداية ضرب من الجنون.
شعور المتحاورين أن نتيجة حوارهم تنتظرها الأمة: وأن أولي الأمر سيضعون نتائج الحوار موضوع التنفيذ فإن هذا الإحساس من أكبر العوامل الدافعة للمتحاورين إلى إجادة موضوع حوارهم. وبذل قصارى جهدهم لإنجاحه والتعمق فيه غوصا وراء اللآلئ الحقيقية من الآراء السديدة والتجارب المفيدة . وهذا عكس إذا ظن المتحاورات أن حواراتهما مجرد خطابات شخصية دون إدخال طرف مستفيد ثالث. وبذلك تكون الخطابات حبر على ورق أو قول متناثر في الهواء.
تحديد نقاط الاتفاق في نهاية كل حوار: " فنتواصى جميعا بالعمل بها ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. وبالتالي فلا يحاول بعضنا أن يؤثر في بعض ليكون نسخة منه لأن هذا فيه من التدخل في شؤون الغير " كما يمكن الاستفادة من نقاط الاتفاق في الحوارات الأخرى ولكي تكون محط بداية كذلك .
الضوابط التقنية
تحديد المصطلحات: وعدم الوقوع في تلبيس المصطلحات وتحميلها ما لا تطيق ولا تحتمل وخصوصا تلك التي تعتبر " مفاهيم يلزم تحديدها وتوضيحها لما يترتب عليها من آثار بالغة الخطورة في الحكم على الآخرين وتقويمهم وتكييف العلاقة بهم وذلك مثل: مفاهيم الإيمان والإسلام والكفر والشرك والنفاق والجاهلية ونحوها .
اجتناب الغريب: وهو المحتمل من غير قرينة وكلام السفهاء " لأن الغريب يكون غير واضح وغير موصل والمحتمل من غير قرينة كذلك كما أن الكلام الغريب يغير اتجاه موضوع الحوار إلى البحث عن معاني لتلك المصطلحات الغريبة ومنه يضيع الوقت.
اجتناب الإطالة والاختصار في غير محلها: إذ الإطالة تجر الأخطاء وتجلب الملل.والاختصار في غير محله يحول دون المراد وذلك بنقص جوانبه وحيثياته . لذا نجد العلماء اشترطوا في الكلام ما يأمنه ويوجهه يقول الماوردي: واعلم أن للكلام شروط لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها ولا يهوى من النقص إلا بعد أن يستوفيها وهي أربعة : • الشرط الأول : أن يكون الكلام لداع يدعوا إليه . إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر • الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه ويتوخى به إصابة فرصته • الشرط الثالث : أن يقتصر منه على قدر حاجته • الشرط الرابع : أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به ، فهذه أربعة شروط متى أخل المتكلم بشرط منها فقد أو هن فضيلة باقيها .
ضبط االنقل: الأمانة في ذلك والحذر من النقل على لسان الأعداء والمحاولة قدر المستطاع نقل و أفكار الآخرين من مصادرها الأصلية ونقل ما عليه إجماعهم في الصدد وعدم نقل الرأي الشاذ لديهم كما من الضروري نقل ما صح عند الآخر وعدم نقل ما ضعفه . وضبط النقل يبين مدى حرص الضابط في تحري الحقيقة وأنه سينقل ما توصل إلية الحوار كما هو دون زيادة ولا نقصان أو تحريف.
المطلب الثالث : بعض عوائق الحوار
لقد عرفت عدة حوارات التوقف والفشل وعدم الاستمرارية نتيجة عدة أسباب ، غير أن أغلب تجمد الحوارات وفشلها في بعض الأحيان ، مرجعه في المقام الأول إلى عدم التقيد بأدب الحوار ومضامينه في المخاطبة والمجادلة أسلوبا وممارسة " في حين نجد عوائق أخرى تحول دون الحوار أو استمراره نحو :
سوء الظن : وهو من العوائق التي تحول دون وقوع الحوار فإذا كان حسن الظن يسمح بتحقيق أرضية للحوار والمساواة بين المتحاورين فإذا سوء الظن مرض ينتشر في النفوس الضعيفة نهى الإسلام عنه بقوله عز وجل ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم ٌ? لما يجلبه من ويلات وحروب .
الحسد: وهو من أقبح الخصال التي تصيب الإنسان وتنكد له عيشته فإن الحسود الذي يتمنى الشقاء والتعس لغيره يشقى نفسه أيضا بهذا الحسد إذ يمنع عن نفسه فوائد الحوار والتواصل مع الغير ويجلب له الإثم وسوء العاقبة.
الكبرياء : " رذيلة من الرذائل الاجتماعية تغرس الفرقة والعداوة بين الأفراد فتقضي على التعاون والمحبة بينهم " وبذلك يظهر الطرف المتحاور للطرف المتكبر أنه دون مستواه ولا يستحق أن ينزل إليه إذ يعتبر ذلك نقصا وعيبا لكن الحقيقة أن عدم التواضع هو النقص والعيب وأن صاحب الكبر مآله ما أخبر به الرسول فيما رواه عنه حارثة بن وهب الخزاعي أن النبي قال " الا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره آلا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر "
الغضب : وهو من العوائق التي تحول دون استمرار الحوار القائم ، وهو كذلك محاولة إبطال دعوى الخصم قبل أن يقدم الدليل عليها وهو من الرذائل الخلقية التي إذا تحكمت في نفوس الناس وتمكنت من مجتمعاتهم كان لها أسوأ الأثر في حياتهم ونتائج بشعة في تمزيق روابط المودة بينهم .
استفزاز الغير : واحتقاره بأسماء وألقاب تؤدي إلى انفعاله وذلك قصد وضعه في موقف حرج وإرباكه وتحويل انتباه الغير الملاحظ من تتبع الحوار إلى الشماتة وقد نهى الإسلام عن هذا الأسلوب في قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ? .
المبحث الرابع : نماذج لبعض الحوارات في القرآن الكريم والسنة النبوية
الفصل الثاني:واقع الحوار المعاصر
المبحث الأول : وضعية الحوار بين الأديان
المبحث الثاني : الصراع والتدافع من منظور الثقافتين الإسلامية والغربية
المبحث الثالث: سؤال الحوار الثقافي الحضاري وماهية الثقافة
المبحث الأول : وضعية الحوار بين الأديان
المبحث الثاني : الصراع والتدافع من منظور الثقافتين الإسلامية والغربية
حقيقة تواجد ثقافات متنوعة داخل المنظومة الدولية أصبحت محط نقاش وجدال بين أصحابها فالبعض لم يستصغ كونية التنوع وحقيقة الاختلاف ودعا إلى الصراع بحمولاته والمقصود هنا الغرب بمفهومه الإيديولوجي – لا الجغرافي – ، في حين تناول الطرف الإسلامي الصراع انطلاقا من مرجعياته وسبل قوامته وسيرا على المحافظة على التنوع وسنة الاختلاف .
المطلب الأول : صراع وصدام الحضارات من منظور غربي
لقد تنوعت وتعددت رؤية الغرب حول مصير العلاقات بين مكونات العالم أكدت في أغلبها على عدم الاستقرار والتوازن " فحينما أبصر فرد يريك هيجل نابليون يدخل فيينا ممتطيا صهوة جواده عشية وقوع المعركة بين الجيوش الفرنسية والبروسية في عام 1806 م ظن أنه على وشك أن يشهد نهاية التاريخ . وكان انتصار الثورة الفرنسية على النظام الملكي في بروسيا يمثل الجولة الأخيرة لانتصارات الحرية والعقل في كافة أنحاء العالم وقد سمعنا تنبؤات مماثلة في عام 1989 وقد أثار الأمريكي " فرانسيس فوكوياما " اهتماما كبيرا حين زعم أننا نقف على مشارف نهاية التاريخ وبانهيار الشيوعية فإن الديمقراطية التحررية الغربية سوف تستهل مسيرة الانتصار في كافة أرجاء العالم . وأن العالم سوف يغدو متجانسا،اد إن تحرر الاقتصاد والسياسة على السواء سوف يصبح هو السمة المميزة له ولكن لم يستغرق الأمر طويلا حتى تغيرت النغمة .
- وفي مقال بعنوان " صدام الحضارات " والذي أثار اهتماما بالغا عند ظهوره في جريدة الشؤون الخارجية في عام 1993 م " هذه الأطروحة " تحولت بعد ذلك إلى كتاب بعنوان ( صدام الحضارات : إعادة صنع النظام العالمي ) قال في هذه الأطروحة ما خلاصته : إن الصراع المقبل سيكون صراع حضارات وتنبأ أن القوى الصاعدة والتي ستشكل خطرا على الغرب سيكون من التحالف بين الحضارة الإسلامية والحضارة الكونفوشية الصينية وأن على الغرب أن يستعد للنزال مع الحضارة الإسلامية- إذ هي حضارة معادية – ومن الاستعداد للصراع المقبل تجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة مند الآن حتى إذا وقع الصراع تكون قدرات العدو ضعيفة وتكون تكاليف المواجهة من ثم قليلة "
إضافة إلى أن هذه الأطروحة عرفت صدى واسع، تم تسخير كل الوسائل من قبل الغرب لتطبيقها ويظهر ذلك جليا من خلال استقراء الوضع الدولي وما تعيشه الدول الإسلامية من:
- تضيق الخناق بالحصار بشتى أنواعه
- الاستعمار والاحتلال والوصاية على الدول الضعيفة
- تجريدها أو محاولة تجريدها من مصادر القوة وما يجري في إيران والضغط عليها من أجل التخلي عن تجاربها النووية السلمية بذريعة الحفاظ على أمن الشرق الأوسط والعالم !! في حين الكيان الصهيوني يمتلك قوة نووية تبقى الأخطر في العالم مسموح لها بذلك بذريعة حق الدفاع عن النفس !!
- التضييق الذي تتعرض له الجاليات العربية والإسلامية في الغرب : حيث تتعرض الجاليات الإسلامية لأبشع المعاملات والنعوت النابعة من فكر تعصبي في حين " من يتفحص قدر التكريم والحفاوة التي تتمتع بها الجاليات الأوروبية في العالم الإسلامي في المطارات والشوارع والحوانيت والمطاعم والمقاهي وغير ذلك يدرك إلى أي مدى صاغ الإسلام والثقافة الإسلامية العقل العام للجمهور الإسلامي في إطار من الرحابة والسماحة والاحترام والتقدير للوافد الأجنبي غير أن هذا الوضع قد يشهد تغيرا كرد فعل إذ استمر الضغط على الجاليات الإسلامية هناك " .
- نعت الدول الإسلامية وشعوبها بالتخلف والإرهاب من طرف الصحافة والإعلام والمؤسسات .
- فرض الأنظمة على الدول والمجتمعات الإسلامية مثل العولمة بصورة أمركة العالم وسيادة القطب الواحد دون اعتبار للخصوصيات وثقافات الشعوب . هذه التصرفات وغيرها تجعل العالم في وضع حرج ويقاد إلى الأحرج كرد فعل .
المطلب الثاني : الصراع والتدافع من منظور إسلامي
يقتضي الحديث عن الصراع الحضاري من مفهوم العالم الإسلامي والعربي التأكيد على أن " د. المهدي المنجرة أول من أطلق مفهوم صراع الحضارات في حوار أجرته معه مجلة المرآة الألمانية der spiegel بتاريخ 11 فبراير 1991 والذي اعتبر فيه حرب الخليج الأولى بمثابة الحرب الحضارية الأولى وفي نفس السنة أصدر هذا المفكر كتابا بنفس العنوان ونشر باللغات : الإنجليزية الفرنسية و اليابانية . د. المنجرة يرسم لعالم اليوم ثلاث تخوفات أساسية تزعج الغرب: الخوف من النمو الديموغرافي لأن الغرب لا يمثل إلا 20 % من سكان العالم . التخوف من سكان العالم التخوف الآخر يتجسد في الإسلام لأن عدد المسلمين في تكاثر وهذا ما جعلهم يصلون إلى قرابة 40 % من سكان العالم وأخيرا نجد الخوف من تطور آسيا وخاصة اليابان. أما فيما يخص أشكال الصراع الثقافي فيرى المنجرة أن هناك خمسة محركات أساسية: الأحادية القطبية لأمريكا القوة العسكرية والتطور الثقافي بالعراق والذي بدأ يهدد الغرب وإسرائيل وأخيرا رغبة الغرب الملحة في التحكم في الدول التي كانت تقع في قبضة الاستعمار " هذه هي نظره الفكر الإسلامي والعربي التي يمثلها الدكتور المهدي المنجرة باعتباره أحد ابرز أقطاب الفكر العالمي في علم المستقبليات.
كما نجد في الدراسات الإسلامية ما يدعم سنة الاختلاف والتنوع ما اصطلح عليه التدافع كسنة غايتها التوازن والاستقرار في الدنيا والآخرة وهو درجات: فالدفع " كالمنع والدرء يكون بوسائل عدة بدءا بالدعاء ( الاستدفاع ومرورا بالحوار والتفاوض والمقاضاة ( الدفاع ) وانتهاء باستخدام القوة البدنية والقوة المسلحة التدافع) والدفع في الإسلام لا يكون إلا لغرض مشروع هو منع الفساد في الأرض?فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ? وحيث أن أكبر فساد من منظور الشرع هو الفتنة في الدين ? وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ? والتي تنطوي على الاعتداء على الحرية الدينية والإخلال بالتعايش الديني فقد خص الله دفع مثل هذا النوع من الفساد كغاية، ومن غايات الدفع ? ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ? ومنه " فلا يجوز للمسلم أن يكره أحدا على الدخول في الإسلام فمن شاء أن يؤمن ومن شاء أن يكفر أما إذا امتدت يد العدو بالعدوان فهنا يأذن الإسلام لأتباعه أن يردوا العدوان بالعدوان إقرار للمسلم وإقامة للعدل ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? . وعلى المسلمين أن يقاتلوا من حمل السلاح فقط ومن أثار الفتنة أما غيرهم ممن لم يقاتل أو لم يثر الفتنة والضعفاء والعجزة والعباد والنساء والأطفال فهؤلاء لا يقاتلون
إن الحرب في الإسلام ليست هي القاعدة وإنما هي الاستثناء من القاعدة فالحرب إذ بدأ العدو جاهده المسلمون لرد عدوانه ضرورة. والضرورة تقدر بقدر أسبابها وعقوبة تزول بزوال الجريمة التي أوجبتها " وهكذا يبدو جليا للعيان أن استراتيجية الدفع التي يدعوا إليها الإسلام تختلف تماما عن استراتيجية الصراع التي يتبناها البعض سواء من حيث الأساس أو الهدف أو الوسائل فإن استراتيجية الصراع قائمة على أساس ضني يزعم أن الصراع قانون طبيعي لازم ويلازم الوجود أبدا بينما استراتيجية الدفع قائمة على أساس – يقيني – مفاده أن الصراع بين البشر أمر واقع إلا أنه ليس سنة كونية لازمة ومن حيث الهدف تركز إستراتيجية الصراع كما هو الحال في أي مصارعة على التغلب على الطرف الآخر وطرحه أرضا ما أمكن طلبا للسيطرة والهيمنة عليه، وفي المقابل تهدف استراتيجية الدفع أساسا إلى دفع الفساد وليس المفسد أي يركز على وقف الصراع أو المصارعة وليس طرح المصارع أرضا ويبدو ذلك جليا في حرص الشرع على دفع العداوة بما هو أقرب لا إلى التغلب الظاهر على العدو وإنما إلى تحويل العدو أو الخصم إلى ولي حميم ومع اختلاف أسس وأهداف الاستراتيجيتين كان من الطبيعي أن تختلف وسائلهما واعتبارات أو ضوابط استخدامهما .
المبحث الثالث: سؤال الحوار الثقافي الحضاري وماهية الثقافة
بعد النتائج التي حصدها العالم من جراء تبني أطروحة صدام الحضارات وأثرها السلبي بانتشار الحروب والكراهية بشتى أنواعها. وغيرها من الجرائم التي تحول دون الاستقرار بين سكان هذا الكون. تعالت أصوات مرتفعة في الغرب تنادي بضرورة إيقاف الحروب وإنهاء الصراعات والعمل على إشاعة روح الحوار الحضاري والتسامح الإنساني ومحاذاة لهذا التيار يمكن التساؤل: ترى كيف تلقى المتفقون العرب والمسلمون هذه الأصوات ؟.
المطلب الأول : مواقف تجاه الحوار الثقافي
بالنسبة لمواقف المثقفين العرب والمسلمين تجاه الحوار الثقافي المنظر له من طرف الغرب فإنها تنوعت إلى ثلاث أطراف :
الطرف الأول : لا زال متأثرا برواسب الاستعمار وواجب الطاعة للمستعمر والسير على سيره يتحرك هذا التوجه " دائما على مستوى الممارسة السياسية أو الفكرية بمنطق رد الفعل وليس بمنطق الإبداع " فتم رفع الشعارات المؤيدة لأي حوار يأتي من الغرب كيفما كان وبأي ثمن كان مقابل الرضى من الغرب مطبقين ولاء المغلوبين للغالبين يقول ابن خلدون واصفا أمثال هذا النوع " ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائرا أحواله " يتلقف كل شيء بدون شروط ويقبل بأي انصهار .
الطرف الثاني : " اعتبر مقولة حوار الحضارات مجرد نكتة قد لا تدفع أحدا للضحك وعندهم أن فكر حوار الحضارات لا فائدة منها ولا تعني أي شيء على المستوى العلمي فالحوار يصلح مادة للبرامج السياسية ولكن بين الحضارات هو ليس أكثر من نكتة وما يحدث في الواقع العلمي هو تفاعل حضاري يتم طوعا أو كرها وهو ليس بحاجة إلى مؤتمرات وإنما يحتاج إلى درس نقدي متأمل في أسبابه وكيفية حدوثه" .
الطرف الثالث : اعتبر " أن دعوة الحوار بين الحضارات جاءت من الطرف الإسلامي دعوة عالمية من خلال سعي الحضارات لبناء علاقاتها على الحوار و التبادل الثقافي والتفاعل الحضاري " داخل " المشترك الإنساني وخصوصا المسائل المتعلمة بعمارة الأرض بالبناء بخدمة الإنسان بالبيئة وفض النزاعات والحروب بالسلم وحفاظا على حسن الأخوة الإنسانية وضمانا لكرامة الإنسان وحقه في أبسط ظروف العيش الكريم " وفي هذا يقول الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري " إننا لا نريد حوارا وتفاعلا بين الثقافات والحضارات هما مجرد ترف فكري ولا نريد حوارا أو تفاعلا بين الثقافات والحضارات لا تكون لهما انعكاسات ولا تصل آثارهما إلى دوائر صنع القرار ولا نريد حوارا وتفاعلا بين الثقافات والحضارات ينطلقان من الإحساس بالتفوق العنصري وبالاستعلاء الحضاري ويصدران عن روح الهيمنة الثقافية " ويعتبر هذا التوجه " أن الحوار بين الحضارات لا يمكن أن يؤدي وظيفته التاريخية في إثراء التجارب الإنسانية وفي الاستفادة من الخبرات المتنوعة للشعوب إلا إذا تمت ممارسته في إطار منهج سليم وأهم عناصر هذا المنهج أمور ثلاثة :
أولها : الاتفاق على أن الغرض من وراء الحوار ليس في إقناع الآخرين بالتخلي عن انتمائهم الحضاري وخصوصيتهم الثقافية والدخول في حضارة أخرى مهما كان لها في لحظة تاريخية معينة من تفوق وانتشار .
وثانيها : التسليم بأن التعددية الثقافية جزء من نظام الكون وسنة من السنن التي أودعها الله في مجتمعات البشر وأن السعي للقفز عليها والابتعاد عنها عن طريق استبعاد الآخرين أو تهميش دورهم وإنما هو حركة ضد التاريخ وضد السنن الثابتة في الكون وفي مجتمعات الناس .
وثالث هذه المبادئ : التوجه إلى البحث عن المشترك الجامع بين الحضارات المعاصرة " وكذا القواسم الثقافية والإنسانية واعتمادها كمنطلق . كما يعمل في هذا التوجه على تحديد الثقافة أو الحضارة باعتبارها منطلق الحوار.
المطلب الثاني : تحديد الثقافة أو الحضارة كأولوية للحوار
تعتبر ماهية الثقافة من الأمور ذات العلاقة الوثيقة بالحوار الثقافي أو الحضاري والتي بغيابها أو وجودها تتأثر جودة هذا المسار والخيار مما يقتضي تحديد الثقافة المراد التحاور منها / معها / فيها. وشروطها ومستوياتها. حيث تعتبر الثقافة " قوة فاعلة من قوى البناء الحضاري في مدلوله الشامل الفلسفي والأدبي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي والثقافة طاقة للإبداع في شتى حقول النشاط الإنساني " بها تمتاز شعوب عن أخرى وفيها تلتقي مع غيرها، مما يتنج عنه تعدد الثقافات وتنوعها بتنوع عقول مكوناتها، هذا التنوع جعل بعض الغربيين و " بعض الباحثين يصنف العالم إلى جزئين شرق/ غرب وذلك حسب الثقافات و الحضارات التي تسود كل جزء من الجزأين: إلا أن هذا التقسيم لا يقف عند هذا الحد، بل هم يقولون إن ثقافة الغرب أوجدت عقلا تحليليا، بينما الثقافة الشرقية أوجدت عقلا تركيبيا وفي هذا التصنيف أمر خطير إذ أنه يعيد التطور والنمو المادي والعلمي الذي يشهده العالم إلى الحضارة الغربية المعاصرة وكأن العلم وليد العصر الحاضر" . مما يدعوا إلى وضع شروط للثقافة للتمييز بين الثوابت الحضارية، ذات الاستمرارية والاستقرار والرسوخ . وتلك الأمور التي قد تصنف على أنها قابلة للتغيير، والتعديل حسب ما يستجد من ظروف على المجتمع، كنتيجة للانفتاح على الحضارات الأخرى، والاتصال بها ودخول آدابها وفنونها للمجتمع " . " أول هذه الشروط أن تكون الثقافة ذات مرتكزات تستند إليها ومبادئ تقوم عليها فلا تكون ثقافته منبتة الجذور لا هوية لها ولا خصائص لديها تميزها . ثاني هذه الشروط أن تكون الثقافة ذات أفق مفتوح ورؤية شاملة لها قابلية للتفاعل مع الثقافات الأخرى ولها استعداد كامن في أصولها للتعامل مع الثقافات الإنسانية من هذه المنطلقات. أما ثالث هذه الشروط فهو أن تكون الثقافات ذات منحى إنساني تتخطى به المجال المحلي والإقليمي إلى الآفاق العالمية من دون أن ينال ذلك من خصوصيتها أو يؤثر طبيعتها فتكون بذلك ثقافة تواصل بشري وتحاور إنساني وثقافة تفاهم يؤدي إلى التعايش بين الأمم وثقافة يحقق التضامن بين الشعوب " إضافة إلى هذه الشروط لابد من الأخذ بعين الاعتبار كذلك " أن الثقافة لها مستويات متعددة فهناك الثقافة أو الحضارة الوطنية أو العامة التي تشمل كل أفراد المجتمع ، وتصدق عليهم جميعا وهناك الثقافة الإقليمية والتي تخص إقليما بعينه، والثقافة العرقية والتي تكون ملتصقة بفئة بشرية معينة وهناك الثقافة اللغوية . والتي تكون حسب اللغة أو اللهجة التي يتحدث بها الأفراد " .
لماذا كان التقاء الثقافة الإسلامية بالثقافة الغربية متذبذبا ؟
ومن هذا كله يمكن القول بأن الثقافة الإسلامية توفر فيها كل الشروط السابقة، في حين يبقى السؤال العريض لماذا كان التقاء الثقافة الإسلامية بالثقافة الغربية متذبذبا ؟ السبب أن " الثقافة الإسلامية قائمة على الإيمان والتوحيد لذاته وصفاته وأفعاله والالتزام الأخلاقي واقتران العلم بالعمل، وتحقيق الفضيلة الإنسانية في أعمق معانيها وأوسعها . بينما الثقافة الغربية لا تعترف بشيء من هذه المبادئ من ألوهية أو توحيد أو التزام أخلاقي بأي قيم ثابتة، لأنها تؤله العقل و تفصل بين الدين والدولة حتى في العقيدة التي تدين بها، ولا تقوم بغير النسبي والمتطور والنافع في الحياة المادية وتعتبر الأخلاق نظاما من القيم النسبية الآيلة إلى مواصفات الناس " وتضع نموذج خاص بها من الثقافة تريد فرضه على العالم وجعله " ماركة مسجلة " لا يجوز اختراقه في إطار العالم قرية صغيرة أو ما يسمى بالعولمة من أجل توحيد الحضارات على ما لا توحد فيه ومنه يتبين الفرق الكبير بين " حوار الحضارات وتوحيدها . فالحوار ممكن بل واجب لكن لا يملك أحد سلطة قهر الآخرين لتوحيدها في إطار رؤيته ومصالحه . ومهما كانت السلطة الاستكبارية قوية فهي مؤقتة في فعاليتها . إذ بإمكانها أن تتسلط على البلاد والعباد لكنها لا تستطيع تغيير القيم والمبادئ بمجرد السيطرة " ولكن السلطة التي تعلو ولا يعلى عليها هي سلطة العدل والقيم الفاضلة التي توجد في القلوب النظيفة ، و أصحاب هذه القلوب هم الذين يجب أن تتحاور ثقافاتهم ويعقد لها الندوات والمحاضرات وغيرها من الأمور التي تجمع ولا تفرق ولا أن ترفع تجاهها البنادق والدبابات .
خاتمة ونتائج
هكذا وبفضل من الله ونعمة، تم الانتهاء من هذا البحث المتواضع الذي لا يدعى فيه أن الحوار أصيل في الإسلام: نبع منه وترعرع¯الإحاطة والشمول، والذي من نتائجه: أن الحوار بدون آداب¯ أن الحوار الإسلامي مورس في مجالات ومستويات متعددة ¯فيه أن الحوار بالمفهوم الغربي¯وضوابط لا يمكن أن يستمر أو يفضي إلى نتائج إيجابية أن الحوار الغربي وليد و رهين المصلحة الخاصة وليس¯يتوافق ونظرات الغرب للآخر أن العلاقة بين الأديان لا يمكن أن تصبح حوارا إلا بمناقشة¯ثابت المعنى والهدف أن الصراع بين¯العلاقة بين الأديان عن طريق ضوابط علمية في إطار الاحترام. أن الحوار الثقافي لا يمكن أن¯الحضارات تحصيل حاصل لنظرة الغرب للعلاقات الحضارية أن أي حوار شعاره الغاية تبرر الوسيلة¯يستقيم إلا من خلال احترام الآخر وثقافته. أن الفرق بين الحوار الإسلامي والحوار الغربي كالفرق بين ما ينتجه¯حوار فاشل الدين واللادين. كما يمكن إثارة موضوع له علاقة بالبحث وهو المرتبط بتفعيل الحوار الإسلامي الداخلي أو الحوار بين المكونات العقدية من ملل ونحل ومذاهب وتيارات وفرق على شتى المستويات وهذا النوع من الحوار الداخلي يمكن أن يزيد من توحيد الصف وتمتين تماسك الأمة الإسلامية القوية في مواجهة التحديات . ومنه أسأل الله أن يجمع كلمتنا على الحق وأن يهدينا صراطه المستقيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المراجع والمحتويات
1- القرآن الكريم
2- أساس البلاغة ابن منظور محمد بن مكرم دار صادر بيروت 1412 ه
3- آداب الحوار في الإسلام د سيد طنطاوي : نهضة مصر يونيو 1997
4- آداب الحوار والمناظرة المستشار الدكتور علي جريشة دار الوفاء ط 2 / 1412 ه 1991 م
5- آداب الدنيا والدين أبي الحسن الموردي دار الفكر ط 3 ( تحقيق مصطفى السقا )
6- الإسلام. .. والغرب قضايا ومواقف د حسن عزوزي أنفو برانت ط 2 1999
7- الإسلام والغرب والعولمة حسن أوريد كتاب الجيب منشورات جريدة الزمن الكتاب 6 ط 2 2005
8- الإسلام والعالم بين التسامح والتعصب رمضان أحمد عبد ربه عصفور مكتبة وهبة مصر ( 1423 ه – 2002 م )
9- الإسلام وأوروبا تعايش أم مجابهو انجمار كالسون ( ترجمة سمير يوناني ) مكتبة الشروق الدولية ط 1 1424 ه / 2003 م
10- أصول الجدل وآداب المجادلة في القرآن الكريم محمد علي نوح قوجيل جمعية الدعوة الإسلامية طرابلس 1426
11- التحرير والتنوير ابن عاشور محمد الطاهر الدار التونسية تونس 1984 م
12- جامع البيان عن تأويل القرآن الطبري أبو جعفر محمد بن جرير مؤسسة الرسالة بيروت 1415 – 1994 م
13- الجدل القرآني بين أساليب الدعوة الإسلامية د. يوسف عبيد دار الطباعة المحمدية القاهرة ط 2 1401 – 1987
14- الحكومة الإسلامية أبو الأعلى المؤدودي الدار السعودية للنشر والتوزيع بالسعودية 1404 ه -1984 م
15- الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية المغامسي خالد محمد مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني 1425 ه
16- الحوار الإسلامي المسيحي : عجك بسام دار قتيبة دمشق ط 1 1418 ه
17- الحوار أصوله وآدابه السلوكية : الضويان أحمد عبد الله دار الوطن الرياض ط 1
18- حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرون رؤية إسلامية للحوار العليان عبد الله علي المؤسسة العربية للدراسات والنشر عمان ط 1 2004
19- الحوار في القرآن قواعده أساسه معطياته فضل الله محمد حسين دار المنصورة للنشر الجزائر
20- الدعوة إلى الله : الرسالة – الهدف مكتبة الفلاح – الكويت ط 1 1406 ه 1986 م
21- روح الدين الإسلامي : عفيف عبد الفتاح طبارة دار العلم للملاين بيروت 1394 ه – 1974 م ط12
22- كتاب جمهرة اللغة : ابن دريد أبو بكر محمد بن الحسين ( تحقيق رمزي بعلبكي ) دار الملايين نونبر 1987
23- مباحث علوم القرآن - مناع القطان مؤسسة الرسالة – بيروت ط 7 1400ه- 1980 م
24- محيط المحيط قاموس مطول للغة العربية : البستاني المعلم بطرس مكتبة لبنان بيروت 1987
25- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ( مجموعة المؤلفين ) مكتبة بريل في ليدن 1936
26 معجم المقاييس في اللغة ابن فارس أبو الحسن أحمد: مؤسسة الرسالة 2 1406- 26مكررا - معجم المقاييس في اللغة ابن فارس دار الفكر بيروت ط 2 1418
27- معجم ألفاظ القرآن الكريم مجمع اللغة العربية جمهورية مصر العربية دار إحياء التراث 1409 ه 1989 م
28- مقدمة ابن خلدون : عبد الرحمان ابن خلدون دار مكتبة الهلال بيروت 1986 29- مناهج الجدل في القرآن : الألمعي زاهر عواض : مطابع الفرزدق ( د ت ط )
30- النص الإسلامي في قراءات الفكر العربي المعاصر د سعيد شبار منشورات الفرقان ط 1 1990
31- صحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري 31 مكررا - صحيح مسلم: الإمام مسلم
32- الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف د يوسف القرضاوي كتاب الأمة ع 6 شوال 1406 ه
33- العقل العربي وإعادة التشكيل د عبد الرحمان الطريري كتاب الأمة ع 35 ط 1 مركز البحوث والمعلومات بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت شوال .....
34- الغرب والإسلام والصراع الحضاري : حميد السعدون دار وائل 2002
35- فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة محمد سعيد رمضان اليوطي دار الفكر – دمشق سورية ط 11 ( 1412 ه – 1991 م )
36- الفروق ( وبهامشه القواعد الستة في الأسرار الفقهية لابن الشاط ) للإمام العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمان الصنهاجي المشهور بالقرافي ( تحقيق د عبد الحميد هنداوي ) المكتبة العصرية بيروت ط 1 1423 ه – 2002 م
37- في البناء الحضاري للعالم الإسلامي د عبد العزيز بن عثمان التويجري منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم د والثقافة : إيسيسكو 1418 ه 1997 م
38- في ظلال القرآن سيد قطب دار الشروق بيروت ط 7 – 1978 م
39- في العقيدة والحياة الإسلام والمسيحية بحوث في نظام القيم المعاصرة سماحة نعيم قاسم: معهد الدراسات الإسلامية للمعارف العلمية دار الهادي لبنان ط 1 1423 ه – 2003 م
40- هل يشكل الإسلام خطر على الغرب عبد الله فهد النفيسي : سلسلة مقالة عني بتحريرها وإضافة هوامشها ساجد العبولي المطيري المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط 1 2003
41- الوجيز في المدخل إلى دراسة تفسير القرآن الكريم د محمد يعقوبي خبيزة مطبعة انفوبرنيت
42- لسان العرب ابن منظور محمد بن مكرم دار صادر بيروت 1412 هـ.