نحن والغرب

الناصر خشيني

يتبين لنا أن الحضارة العربية الاسلامية تحمل في طياتها مخزونا ثقافيا رائدا في كل المجالات الفكرية و الحضارية يجعلنا في غنى عن استيراد قوالب جاهزة في هذه المجالات من الغرب أو حتى العودة الى أزمنة غابرة ظهرت فيها اتجاهات فكرية صحيح أنتجتها الأمة عبر علمائها و مفكريها ولكنها كانت تناسب ظروفها في ذلك الوقت ولذلك فان أي فكرة أو موقف مهما كان هو في الواقع نابع عن منظومة فكرية متكاملة من النظرية الى الاستراتيجيا الى التكتيك بحيث لابد من فهمها بشكل جيد حتى تكون لنا عبارة عن أسلحة في مواجهة التحديات التي تحيط بأمتنا والا فاننا معرضون لخطر الافناء الذي تمارسه يوميا القوى الباغية التي تنتهك حرمات الأمة وتقتل يوميا من أعزاء لنا في وضح النهار ودون أي ردة فعل في مستوى العدوان ولهذا لابد من الاتطلاق من مسلمات بديهية كنظرية نحتكم اليها ونستند اليها عند الخلاف ونجعلها أساسا لنا في أي تحرك بحيث لا يمكن الحديث عن أي نصر أو انتصار دون تحقيق هذا الجانب النظري في مقابل مواجهة أعدائنا ومواصلة الاشتباك معهم ليس الى غاية تحرير أوطاننا من اعتداءاتهم بل مواصلة النضال ضدهم الى غاية أن يقتنعوا أنهم غير قادرين على انهاء هذه الأمة والكف عن انتهاب خيراتها فنحن لسنا في معرض المصارعة الفردية و العبرة بالفوز بل نحن أمة مسالمة تريد التحرر من الاستعمار المباشر و غير المباشر و لا نريد شيئا غير أن نعيش أحرارا على أرضنا نمارس سيادتنا عليها ونقوم بدورنا الحضاري الذي اختاره الله لنا في كتابه العزيز وهو دور الاستخلاف في الأرض وتوجيه البشرية نحو القيم العليا من العدل وكرامة الانسان دون الضغط على أحد أو اكراهه عل شيىء لا يريده .

وبناء عليه فالأمة العربية الاسلامية قائمة تاريخيا منذ ظهور الاسلام بحيث تشكلت نهائيا لتقود البشرية نحو تلك القيم التي ذكرتها منذ حين ومعظم المنتمين اليها من المسلمين وان وجد عدد غير قليل من المسيحيين وغيرهم من المذاهب و الديانات فان أغلب المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط من الكنيسة الشرقية الأورتودكسية القريبة من الاسلام ولذلك فان العرب المسيحيين حضارتهم الحضارة الاسلامية وقد أسهموا بشكل جيد في الدفاع عن وطنهم ابان الغزو الصليبي و المغولي كما أسهموا في كل الحركات الوطنية في مواجهة الغرب الاستعماري في العصور الحديثة وما ينسب من خيانة لبعضهم في هذه المواجهات لايمكن قصره عليهم فقط فقد تعامل من المسلمين مع هؤلاء الأعداء كثير منهم كما فعل البعض من الشيعة عندغزو المغول لبغداد وكما يفعلون اليوم في وقوف البعض منهم الى الصف المعادي لأمتهم و الوقوف الى جانب أمريكا .



و لابد من التأكيد على أن الاسلام الدين العالمي و الشامل و النهائي خلاص للبشرية من كافة أمراضها المستعصية على الحل لو علم الناس ما فيه من بلسم لاستساغوه بكل حرية و دون اكراه و ذلك أنه الدين الذي يسمح بأكبر هامش من الحرية لكل الناس و ذلك أنه جاء علاجا لكل هموم الانسان بقطع النظر عن الجنس و اللون و الأصل الاجتماعي فكلها عوامل تفرقة بين البشرية الغى الاسلام اعتبا رها وأكد على معيار جديد في التفاضل بين الناس وهو التقوى و العمل الصالح وبذلك يدشن الاسلام عهدا جديدا من الوسطية و الاعتدال نابذا بذلك كل أشكال التطرف معتبرا اياها مرفوضة وغير مقبولة في كل شيىء من العقيدة الى العبادات الى المعاملات الى الأخلاق بحيث يصبح الاعتدال موقفا ثابتا غير قابل للتغيير او التجزئة بحيث هو علامة مميزة لهذا الدين العظيم الذي جاء به أفضل مخلوق على هذه البسيطة و هو محمد صلى الله عليه و سلم فما هي عناصر هذه الوسطية ؟

في العقيدة

لا بد أن ننطلق من العقيدة وهي في الدين الاسلامي بسيطة و واضحة كل الوضوح بعيدة كل البعد عن تعقيدات الفلاسفة وعلماء الكلام والفقهاء فهي لا تعدو كونها الاعتقاد بوجود الاه واحد متفرد بالخلق وله القدرة التامة على فعل أي شيىء مهما كان اضافة الى بقية عناصر العقيدة الأخرى كالايمان باليوم الآخر و الملائكة والمرسلين جميعا دون تفرقة بينهم بحيث يكون هناك فهم واضح لحقيقة العقيدة وعناصرها مباشرة لعموم الناس دون الحاجة لوسائط من رجال الدين الذين لعبوا دورا مشبوها في الديانات الأخرى بما أخفوه عن الناس من المعطيات حفاظا على مكاسبهم المادية لذا فان الاسلام يعلن صراحة أن هذا الدين متاح للجميع دون تفرقة و هنا تظهر وسطيته و اعتداله في مسالة العقيدة بحيث يمكن لكل انسان أن يدرك مباشرة من خلال القرآن وصحيح السنة و بدون واسطة ان كان ذلك ممكنا له أن يدرك التوحيد و بقية عناصر التوحيد و يفهمها مباشرة دون تأثير عليه من أحد كما أنه حاسم في رفض التقليد الأعمى للآباء و الأجداد فيما يتعلق بالعقيدة بل يصل الى أكثر من ذلك حيث يرفض هذا التقليد و ينفر منه بل يطالب أتباعه باعمال عقولهم توصلا الى المعتقد السليم الذي يمكن ادراكه من خلال تأمل الكون و النفس .

كما أكد على حرية التدين بشكل لا لبس فيه من خلال قوله تعالى ( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة كما وردت آيات أخرى تدعم هذه الحرية وقد فهم المسلمون الأوائل هذا المعنى العميق للحرية الدينية من خلال تناولهم لمسألة العقيدة حيث انهم لم يصلوا الى موقف موحد بهذا الخصوص بل افترقوا الى عدة فرق كلامية كل منها يدعي أنه الفرقة التي وصلت الى الحقيقة و يذلك نصل الى قناعة هامة في فهم الدين الاسلامي وهي أنه أول من شرع للتعددية الفكرية وفي مجال هام و هو العقيدة بالرغم مما قدمه من توضيحات بهذا الخصوص واصلاح للخلل الذي وقعتفيه الديانات الأخرى بسبب الممارسات الخاطئة لرجال الدين فيها و الذين كانت لهم الكلمة العليا فيها في حين لا وجود في الاسلام لمؤسسة رجال الدين أو ما يسمى بالاكليروس وذلك أن الاسلام لا يجعل واسطة بينه وبين الناس ومن ذلك ان الله يعلن في القرآن أنه قريب من كل المؤمنين و يستجيب لدعائهم مباشرة ( واذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعاني ) البقرة بحيث تظهر في هذه الآية عدة عناصر أهمها أن الله قد ذكر العباد قبل ذاته العلية و هذا منتهى التكريم لعباده المؤمنين كما نسبهم لنفسه كما أنه تولى الاجابة بنفسه مباشرة ولم يقل مثلا قل لهم كما أكد القرب منهم ووعد اجابة الدعاء فلسنا بحاجة الى من يقربنا من الله بل نمارس هذه القربى مباشرة ودون وساطة وبذلك يرفض الاسلام قطعيا تلك المظاهر السلبية من التوجه للأولياء و الصالحين لأنها تعبير بشكل أو بآخر عن مظهر من مظاهر الشرك التي جاء الاسلام أساسا لمحاربتها

أما بخصوص مسالة الردة وما ورد في المنظومة الفقهية التقليدية من ضرورة قتل المرتد وقد استندوا في ذلك الى ما قام به الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق عندما قاتل المرتدين و مانعي الزكاة و قد ثار وقتها جدل محتدم بين المسلمين هل يكون القتال للجميع أم للخارجين عن الدين فقط و الذي حصل وقتها وبعد وفاة الرسول هو تمرد سياسي على سلطة الدولة المركزية في المدينة المنورة وعندما حصل الخلاف بين المسلمين حسمه أبو بكر الصديق بقوله ( والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه وان أبى الناس لقاتلتهم لوحدي )فعند ذلك استجاب كل المترددين من الصحابة لموقفه فلا يمكن بعد الآن القول بأن الردة تواجه بالقتل بل المسألة سياسية بالدرجة الأولى و الا بماذا نفسر عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد بمجرد توليه الخلافة و ذلك أنه من بين الأسباب لهذا العزل خلاف بينهما في وجهات النظر من حروب الردة و مانعي الزكاة لأن عمر يعتبر أن خالدا قاتل أناسا مسلمين و سبى نساءهم دون وجه حق في حين أن خالدا و من معه يرون موقفا آخر و لذلك اذا اختلفت الآراء فتكون المسالة المختلف فيها ليست دينا وانما هي أساسا موقف سياسي لا غير . 

كما شدد الاسلام على حرية الدين والمعتقد باعتبارها ارقى صور الحرية الفكرية وأشدها حساسية فقد ورد بالنص القرآني الكريم "ولو شاء ربك لآمن من في الارض جميعا, افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين", وبالحديث النبوي "احب الدين الى الله الحنفية السمحة" للدلالة على سماحة الاسلام. وقد نزلت الآية الكريمة "وما ارسلناك الا رحمة للعالمين" لتؤكد ان رحمة النبي محمد شملت الناس اجمعين, فقد دعا الرسول بـ"اللهم اهد دوسا وائت بهم" حين جاءه خبر كفرهم ولم يدعُ عليهم كما توقع المسلمون, ومثلها ايضا قال صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد ثقيفا". بل انه كان يقول لمن يعطس عنده من اليهود "يهديكم الله ويصلح بالكم" وعندما وقف الرسول لجنازة يهودي مرت بمجلسه قالوا: يارسول الله انها جنازة يهودي فقال عليه السلام "أليست نفسا منفوسة".

ولهذا فالعلاقة مع غير المسلم في الاسلام يؤطرها التكريم الالهي للانسان والكرامة الانسانية, فترجمها فعلا من خلال الاحترام المتبادل والتأدب في المعاملة والمخاطبة والمساواة في القيمة الانسانية, فقد روي عن الرسول قوله "من ظلم معاهدا او كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه"، فيما امر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإدخال اليهودي العاجز عن الكسب في الضمان الاجتماعي وصرف له ما يكفيه من بيت المال.

وقد فتحت البلاد دون ان تهدم كنيسة او معبد, بل ان اهل الشام والحيرة سألوا ابا عبيدة ان يجعل لهم يوما في السنة هو يوم عيدهم يخرجون فيه بصلبانهم, فأجابهم الى ذلك. فلما رأى اهل الذمة تسامح الاسلام صاروا عونا للمسلمين على اعدائهم.

لم يكن التسامح الديني في الدولة الاسلامية شكليا, بل انه اثمر عن تقارب لصيق بين غير المسلمين والخلفاء والأمراء والولاة وصل حد الاغداق عليهم نظير جهودهم العلمية, الشراكة المعرفية الخروج بفهم عام وكان ان ظهرت المكتبة بمفهومها العام واصبحت مجامع وحلقات للعلم نتيجة هذه الشراكة المعرفية , وبرزت حركة النقل والترجمة.

وقد تلقى خالد بن يزيد بن معاوية علوم الاوائل على معلمه مار يوحنا الدمشقي او (مريانوس) كما كان يسمى. وقد ترجم مريانوس لخالد بن يزيد عن اليونانية, وترجم له ايضا راهب يقال له اصطفن الحصري كتبا اخرى.

وكان للمؤتمن بن المقتدر علاقات وصلات ثقافية وعلمية ببعض العلماء اليهود من معاصريه رغم التباعد في الاعتقاد, وقد كان ذلك سببا دفع العلامة اليهودي موسى بن عبدالله بن ميمون القرطبي لدراسة كتاب "الاستكمال" للمؤتمن فوضع له شرحا وافيا لمسائله وقال فيه "انه جدير بأن يدرس بنفس العناية التي تدرس بها كتابات اقليدس..".

وحافظت العلاقة الثقافية والتبادل العلمي بين الخلفاء المسلمين وغير المسلمين على وتيرتها بعد المؤتمن, فقام الطبيب اليهودي يونس بن اسحق بن بكلارش بتصنيف كتاب "المستعيني" في الادوية المفردة للخليفة المستعين بن المؤتمن. وقد حظي هذا الكتاب لأهميته بدراسة العالم الفرنسي رينو.

ويقول محمد بن اسحق النديم في كتابه "الفهرست": "انه كان بين الخليفة المأمون وملك الروم مراسلات بالشأن الثقافي والعلمي, فقد كتب المأمون الى ملك الروم يطلب اليه انقاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزنة والمدخرة ببلاده فأجابه الى ذلك".

كما استقدم من قبلُ ابو جعفر المنصور جورجيوس بن بختيشوع من مدرسة جند يسابور مع تلميذيه ابراهيم وعيسى ابني شهلا لدعم حركة التبادل الثقافي والعلمي والترجمة, وكلف يوحنا بن البطريق بنقل بعض الكتب القديمة, وترجم له منكه الهندي كتاب شاناق في السموم وعرب كتبا في الطب والفلك.

فقد كتب نصارى الشام الى ابي عبيدة بن الجراح يقولون "يا معشر المسلمين انتم احب الينا من الروم وان كانوا ديننا, فانتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا".

وقد قال في ذلك ايضا المستشرق الانجليزي توماس ارنولد "ان المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على تسامح هذا الدين". وقالت المستشرقة الالمانية زيغريد هونكة "ان العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الاسلام, فالنصارى واليهود والزرادشتية الذين لاقوا قبل الاسلام ابشع امثلة التعصب الديني وأفظعها سمح لهم جميعا دون اي عائق بممارسة شعائر دينهم, وترك لهم المسلمون اديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون ان يمسوهم بأي اذى.. او ليس هذا منتهى التسامح؟ واين روى التاريخ مثل هذا التسامح؟".

والى ذلك يقول ايضا آندرو باترسون,احد الكتاب الاميركيين المعاصرين "ان العنف باسم الاسلام ليس من الاسلام في شيء بل انه نقيض لهذا الدين الذي يعني السلام لا العنف". 

ان عودة المسلمين الى تعاليم دينهم واصوله ينبغي ان لا تكون مدعاة لمخاوف غير المسلمين, لان الدين الاسلامي هو الحاضنة الطبيعية لعلاقة ايجابية وسوية بين الجميع على اختلاف اديانهم.

وهكذا كان الاسلام دينا للعدل و الحرية و التسامح العقائدي لا يمكن أن نجد مثيلا له في الديانات و المذاهب الأخرى التي ضاقت حتى بأتباعها فكان في ظلها الفرقة و التناحر في حين أن السلام و الأمن هو السائد في ظل سيادة الاسلام و سيطرته الحضارية و السياسية على العالم .

كلمة سواء مع أهل الكتاب

يدعونا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إلى معاملة اليهود والنصارى الواقعين تحت حكم

لدولة الإسلامية معاملة كريمة و تركهم أحرارا في معتقداتهم بالرغم من تحريفها وضلالها و ذلك أن الإسلام يؤمن حقيقة بحرية المعتقد كما يسمح لهم بأداء شعائرهم و طقوسهم الدينية بكل تسامح و حرية وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الرسول عليه السلام و الخلفاء الراشدون وأئمة المسلمين كانوا يوصون خيرا قادة الجيوش الفاتحة بكنائس و بيع اليهود و النصارى مؤكدين على ضرورة أن لا يمسها أحد بسوء و قد عاش هؤلاء مع المسلمين في أمن و تسامح إلى حد أن هؤلاء قد قاتلوا إلى جانب المسلمين في مواجهة الصليبيين كما ناضلوا معهم ضد المستعمرين في العصر الحديث بالرغم من أنهم يدينون بدين واحد ولكن المشكلة الآن قائمة مع الغرب المسيحي المتصهين أي الجهات اليمينية والموغلة في التطرف والتي تعادي الإسلام والمسلمين والأمة العربية و يظهر ذلك بشكل سافر ظاهر للعيان لا غبار عليه ومع ذلك فإن القرآن يسلك معهم أسلوب التهدئة و الأسلوب الحضاري المتميز بقوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين .إن عاقبتم

فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين و اصبر وما صبرك إلا بالله و لا تحزن عليهم و لا تكن في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون ) 125 . 127 النحل فإنه تعالى في هذه الآيات يدعونا إلى جملة من المبادىء و قيم التعامل الحضاري مع المخالفين في الدين بالدعوة إلى الله بالحكمة مع العلماء و الحكماء و الموعظة الحسنة مع المؤمنين سواء من المسلمين أو أهل الكتاب وهي تسمية توحي بضرورة التعامل معهم على أساس أنهم متدينون بدين سماوي يعترف به المسلمون بل لا يكونوا مؤمنين دون هذا الإعتراف ثم إن المعاندين والمخالفين منهم نجادلهم بالتي هي أحسن لأن المسلمين دعاة إلى الله بالكلمة الطيبة و الأخلاق الفاضلة وقد انتشر الإسلام و ينتشر ليس بحد السيف كما يدعي الكثير من المستشرقين غير الموضوعيين لأن هناك بلدانا عديدة و هي الآن مسلمة و أعداد مسلميها بعشرات أو مئات الملايين في إفريقيا و آسيا لم تصل إليهم سنابك خيول الفاتحين و إنما أسلم الناس في هذه الربوع تأثرا بأخلاق الدعاة و التجار المسلمين الذين وصلوا بلدانهم بغير سلاح سوى سلاح التقوى و الدعوة الصادقة إلى الله .

كما يدعونا القرآن الكريم من ناحية أخرى إلى التعامل الحضاري البناء مع أهل الكتاب من اليهود





و النصارى عبر كلمة سواء أي كلمة عدل وحق قال تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ونينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون . يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم و ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون .) 64. آل عمران حيث يدعونا الله تعالىإلى ألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله تعالى ونتوجه له جميعا بالولاء و الطاعة و لا يستعبد بعضنا بعضا كما يفعل الغرب اليوم بإمكانياته المادية و البشرية حين يريد أن يفرض على العرب و المسلمين عبر القوة المسلحة و الإكراه الإقتصادي و الهيمنة الثقافية و الغزو الإعلامي بحيث يحولوننا إلى عبيد لهم 

و سوق إستهلاكية لبضائعهم و منتجاتهم كما وصل بهم الأمر إلى حد الإذلال لرموز هذا الدين كتدنيس القرآن الكريم في معتقلات العار والخزي لهم في أبو غريب و باغرام و غوانتانامو وكذلك 

الإساءة للرسول عليه الصلاة و السلام عبر تلك الرسوم السيئة والتي نشرتها الصحف الأوروبية

في الآونة الأخيرة .

ثم نواصل مع القرآن في قوله تعالى في الآية الموالية : (. يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم و ما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون .) 5 6 . آل عمران حيث تشير هذه الآية الكريمة إلى ما هو حاصل اليوم من تصرفات اليهود و النصارى في مسألة قلب الحقائق و إزدواجية المعايير إذ يعلمون الكثير من الحقائق علم اليقين و لكنهم يتعامون عليها كما كان يفعل أجدادهم عندما كانوا يحاجون في إبراهيم عليه السلام هل هو يهودي أو نصراني و الواقع أنه قد سبق هذين الديانتين بقرون عديدة فإن القرآن يقدم لنا درسا من التاريخ في فساد معدنهم و معاندتهم منذ القديم من أجل المصالح الدنيوية المادية فاليوم يحاجون باطلا في العراق و فلسطين و غيرهما من القضايا السياسية و الإقتصادية و يستعملون في ذلك أعتى وسائل الإعلام و الثقافة تأثيرا في النفوس من أجل الوصول إلى غاياتهم ثم إن الله يؤكد علنا و بكل وضوح أنهم : ( يا أهل الكتاب

لم تكفرون بآيات الله و أنتم تشهدون ) 70 آل عمران بحيث إنهم إذا استمروا على هذا العناد فإنهم كافرون بالله و لن تنفعهم أموالهم و لا تفوقهم المادي و العلمي المؤقت في هذه الدنيا ومع ذلك يدعونا الله تعالىإلى أقصى ما يمكن من حسن التعامل الحضاري إلى حد بعيد لا يتصورونه وهو حد المؤاكلة و المصاهرة حيث يقول تعالى في محكم تنزيله وهم به متجاهلون : ( اليوم أحل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم و المحصنات من المؤمنات 

و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين و لا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ) 5 المائدة أي إن

طعامهم حل لنا معشر المسلمين أي مشاركتهم الحياة وعلاقة حميمية تصل في النهاية إلى حد المصاهرة و الزواج منهم بعقود زواج شرعية دون الدخول في متاهات الفساد التي يفتحونها على العالم تحت دعاوى زائفة من الحرية الشخصية و العلاقات االمفتوحة وغيرها بل يدعونا القرآن الكريم إلى أفضل علاقات معهم تصل إلى حد تبادل الأكل و مصاهرتهم وائتمانهم على الخصوصيات الذاتية في البيوت و مع ذلك لا يتورعون عن مناصبتنا و ديننا العداء إلى خد التهكم على الرسول عليه الصلاة و السلام .

الصراع الحضاري بين الغرب المسيحي المتصهين والأمة العربية الإسلامية

لقد انتهت الحرب العالمية الثانية كما هو معلوم للقاصي و الداني بهزيمة ساحقة لقوى اوروبية كانت

تنافس على السيطرة الكلية على العالم وانتصرت قوى أخرى هي أساسا قوى إستعمارية و هيمنية

إلا أن العالم قد انقسم وقتها إلى كتلتين شيوعية أو إشتراكية وتضم الإتحاد السوفياتي و منظومة الدول الإشتراكية و مجموعة من دول العالم الثالث وجدت في هذه المنظومة من يساعدها في مواجهة الغطرسة 

الإستعمارية ورأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية وتنتهج الفكر الليبرالي كفلسفة في الحياة والرأسمالية كنمط إقتصادي و الديمقراطية الغربية كأسلوب سياسي وقد تمكنت هذه المجموعة 

و بوسائل متعددة أثناء الحرب الباردة مع منظومة القوى الإشتراكية أن تطيح بهذه المنظومة وتتمكن من القضاء على رمز الإقتدار في هذه المنظومة أي الإتحاد السوفياتي حيث أمكن نهائيا القضاء على وحدته إلى الأبد وتفكيك المنظومة بالثورات التلفزيونية والبيضاء و البرتقالية إلى آخر الألوان التي اخترعها الغرب لهم فكان ماكان من انتصاب قطب عالمي واحد بإمكانه أن يتصرف في العالم على هواه فكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي التي صعدت على الركح واستلمت بطريقة الكوبوي قيادة العالم فتصرفت فيه كما تشاء ودون رادع إلى أن جاءت أحداث 11 09 2001 سواء كانت بفعل القاعدة أو كانت بفعل غيرها فإن الغرب استغلوا هذه الأحداث لشن حرب صليبية جديدة على الإسلام و المسلمين بدعوى محاربة الإرهاب وذلك أن العالم قد أسلم نهائيا أموره بيد الغرب و لم يبق لهم اي منافس من شأنه أن يزعجهم سوى الإسلام فلا بد من القضاء عليه واخترعوا ذريعة الإرهاب باعتبار أن الإرهاب مدان لدى الجميع و لاأحد في العالم يقبل به و لكن ماهو الإرهاب 

و هل هناك تعريف موحد للإرهاب متفق عليه فالجهاد في فلسطين والعراق إرهاب بالمنطق الغربي والصهيوني وبنفس هذا المنطق الأعرج فإن الوجود الصهيوني في فلسطين مشروع و الوجود الأمريكي في العراق مشروع وكل من يتصدى لهما فهو إرهابي أما تقتيل الناس و إبادتهم بالأسلحة الفتاكة وتدمير بيوتهم على رؤوسهم فهو عمل حضاري بمثل هذا المنطق يتعامل معنا الغرب بحيث إنهم بعد الإطاحة بالمنظومة الإشتراكية لم يعد أمامهم سوى الإجهاز على هذا العدو الماثل أمامهم وهو الإسلام والمسلمين فإذا انهوه استقام لهم حكم العالم نهائيا وحسب رغباتهم ومصالحهم .

إن معظم الدول الغربية والصهيونية العالمية تتربص بالإسلام شرا و تتحرك في مواجهة أمتنا في إطار ديني و بمؤثرات دينية ظاهرة أو مستترة و إن اختلفت التسميات ( 1)فالأحزاب المسيحية موجودة

في كل دول العالم المسيحي وإسرائيل موجودة استنادا إلى خرافات وأساطير دينية لا تقبلها علمانيتهم و مع ذلك تجد المساندة منهم وبكل قوة وذلك أن هذه الأساطير الدينية اليهودية وهي تشويه للشريعة ومعارضة لله هي التي تحرك معظم السياسة الأمريكية و الأوروبية الرأسمالية التي ترتدي على حضارتها وسياستها و استعمارها الجديد رداء الديانة المسيحية .

ثم إذا نظرنا إلى هذه المنطقة منذ بضعة آلاف من السنين وعلى ضفاف النيل و الفرات فإن قصص الملوك و المجتمعات و حركة الحياة و العمارة تدور كلها حول الدين وفي القرآن إشارة إلى أول قتال نشب على وجه الأرض بين قابيل و أخيه هابيل ولدي آدم عليه السلام على عقيدتهما الدينية قال 

تعالى ( وآتل عليهم نبأبني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك

قال إنما يتقبل الله منالمتقين لئن بسطت إلي يديك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) 27 و28 المائدة

تتضمن هذه القصة تصورا كاملا لحياة الإنسان من وجهة النظر الدينية كان حول العقيدة الدينية حيث

إن القربان هو دلالة الشكر لله ولكنه في شكله ومادته ثمرة عمل في موارد الطبيعة التي أنعم الله بها على الإنسان وقاعدة العمل هي دار الإقامة الأرض أو الوطن وهكذا كان صراع الأخوين محوره الخلاف على العقيدة و الوطن وإن أحد الأخوين أراد أن يحقق الأمن لنفسه بأن يزيح عن الأرض من يعتقد أن له عقيدة مقبولة غير عقيدته وإن الأخ الآخر أراد أيضا أن يحقق الأمن لنفسه عند الله الذي آمن به فرفض أن يقتله وهو قادر عليه .

ونواصل مع القرآن الكريم في هذا السياق حيث يحدثنا أن الصراع ضرورة اجتماعية تلجأ إليها المجتمعات البشرية لحل مشكلاتها المادية و المعنوية قال تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين ) 251 البقرة لذلك فالقتال مشروع إذا كان يستهدف إلغاء الباطل و إقامة الحق قال تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون و يقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) 111 التوبة في هذه الآية نص صريح على شرعية القتال في سبيل الله و غن هذا يشمل حكم الدين في الإسلام و المسيحية و اليهودية و سبيل الله معناها العقيدة و الوطن وما نتج عنهما من قيم حضارية في مختلف مجالات الحياة لأن ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطانكان ضعيفا ) 76 النساء

فالقتال في سبيل الله تعني القتال من أجل المؤمنين ليقيموا عقيدتهم على أرضهم دون عدوان منهم أو 

عليهم ولذلك لم يأذن الإسلام بقتال غير المسلمين إلا في حالتين حددهما قوله تعالى ( لا ينهاكم الله

عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب

المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين و أخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) 8 . 9 الممتحنة 

فالحالة الأولى محاولة غير المسلمين إكراه المسلمين بالقتال على الردة عن دينهم و التخلي عن قيمهم 

و حضارتهم والثانية قيام غير المسلمين بإخراج المسلمين من ديارهم أو المساعدة على ذلك أو نهب ثرواتهم وكل هذا حاصل من الغرب جهارا نهارا ولا يحتاج إلى أدلة فالشواهد العديدة ماثلة أمام أعيننا في فلسطين و العراق بما لا يدع مجالا للشك ولكن هل المسلمون و العرب اليوم طلاب حرب وقتال ؟

لا و ألف لا وذلك أن الإسلام دين السلام والتسامح والمحبة وفي نفس الوقت يضمن لمنتسبيه حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم إذا ما استهدفوا بأي عدوان كما يحقق لهم العزة والكرامة ومن ذلك أن تخبط إسرائيل في فلسطين وعدم قدرتها على إحكام السيطرة على الأوضاع الأمنية وغيرها سواء في الأرض المحتلة في فلسطين أو في لبنان حيث خرجت مهزومة مدحورة من قبل مجموعة صغيرة من شباب المقاومة اللبنانية الباسلة وكذلك تخبط الولايات المتحدة الأمويكية في العواق وأفغانستان حيث أذاقها رجال المقاومة البواسل الأمرين وأسقطوا كل أحلامها في أوحال دجلة و الفرات لذا فإن مسألة توازن القوة العسكوية لم تعد واردة بشكل موضوعي أمام إرادة الشعوب و خاصة إذا كانت مسلحة بسلاح معنوي هام جدا كالإسلام .

ولكن مع ذلك نقول لكل هؤلاء المعتدين لسنا طلاب حرب فنحن نريد أن نعيش على أرضنا آمنين

ومستثمرين لكل خيراتها لأنفسنا دون عدوان منكم علينا أومنا عليكم فقط ندعوكم إلى الإنسحاب من أراضينا طوعا وتقديم كل التعويضات عن الخسائر المادية و المعنوية التي تسببتم فيها ولا عداوة بيننا وبينكم

المصدر: http://www.atida.org/forums/showthread.php?t=8642

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك