الحوار نهج إنساني حضاري وأداة فاعلة لفهم الآخر
سعود بن علي الحارثي
” .. الإنسان ملزم بإجراء الحوار مع الآخر لالتماس الحقيقة والبحث عن المعلومة وفهم ما التبس عليه وتقييم هذا الآخر, فمن الخطأ أن نحكم على الآخر كان سلبا هذا الحكم أم إيجابا بمعزل عن الحوار الذي يكشف لنا حقيقته نواياه وسلوكه وثقافته ومبتغياته … وإلا لأصاب هذا الحكم الجهل والقصور والذي قد يصل إلى مرتبة الظلم أحيانا,”
لماذا تسعى دائما إلى غلق نوافذ الحوار في الوقت الذي أقوم أنا فيه بفتحها ؟ لا أبتغي من ذلك سوى الوصول إلى حل توافقي يرضي كلا الطرفين يعالج أسباب الخلاف الذي وقع وينهي أسابيع طويلة من الخصام والقطيعة ويعيد المياه إلى مجاريها صافية مثلما كانت , ذاك من منطلق أن أبواب الحوار المشرعة تساعد على ولوج الهواء النقي إلى النفوس وتهدئة الخواطر وتنقية الأجواء من الشوائب والملوثات … لماذا تعمل جاهدا على إجهاض الخطوات المباركة والمبادرات الطيبة التي يتبناها المخلصون من الزملاء والأصدقاء بهدف حل المعضلة الناشئة من خلال الحوار البناء بعيدا عن الصيغ الرسمية والتعقيدات الناشئة؟ لماذا تتعالى على الكلمة الطيبة وتقابل كل جهد مبعثه الخير ومبتغاه تحقيق الصلح تقابله بصلف وكبرياء وتظن بنفسك عن الجلوس على طاولة المفاوضات وتعتقد في قرارة نفسك بأن كل تنازل أو تراجع أو خطوة تتم في هذا الإطار وبأن القبول بمبدأ الحوار إنما هو ضعف وقصور وسوف يؤدي بك إلى اعتراف بخطأ بدر منك , فتأخذ المعنى وتقلبه وتصوغه بمعرفتك وتصنفه بعد ذلك في غير محله وتسلك الطريق الخطأ وفقا لاجتهادك القاصر فترى في ذلك كسبا وانتصارا لقضيتك في حين أن الحقيقة تنافي ما وقر في نفسك , أو تدري بأن سلوكك هذا يفسره الكثيرون على أنه ضعف أو جهل أو تكبر أو جميع ذلك … ما يعني أن الانتصار إلى أي أسلوب آخر مخالف للحوار في فك الخلافات وإنهاء حالة سوء الفهم دائما ما تنتج عنه عواقب وخيمة والرافض لهذا النهج الإنساني الراقي سوف يتعرض للندم إن آجلا أو عاجلا وسوف يصنف ضمن الفئة الساعية إلى خلق المشاكل وتأزيمها بدلا من معالجتها ومحاصرتها بتبني ثقافة الحوار … إنني أوجه لك الدعوة للجلوس على طاولة الحوار لمعالجة الأزمة الناشئة والتفكير بروية ومنطق للخروج من الأجواء المعادية للحوار التي خلقتها أنت بسلوكك المنافي للذوق.
الحوار باب من الأبواب الواسعة للتلاقي وصورة مشرقة من صور التفاهم وبالحوار الذي يتم بين أطراف شتى يتبادل الناس المعلومات وتتضح الكثير من الحقائق المجهولة وتنتقل الثقافات ومن خلال هذا الانتقال تختفي الحواجز وتتلاشى الصراعات وتتعمق المعرفة, والحوار نهج إنساني حضاري لعلاج العديد من المشاكل وفض الخصام وإزالة اللبس وسوء الفهم وإزالة العوالق التي تظهر مسببة العديد من المشكلات والخلافات بصور متعددة وصيغ مختلفة فينجح الحوار في تعزيز الأواصر وتهدئة الخواطر, وعلى طاولة المفاوضات يلتقي أهل العلم والثقافة وأصحاب الفكر والزعماء والساسة وقادة المفاوضات وزعماء أحزاب وتيارات ومذاهب وقبائل وأناس عاديون كثر للتحاور فيما بينهم حول أمور شتى ولمعالجة مشاكلهم وتصفية حساباتهم ومناقشة قضاياهم والبحث في العديد من المواضيع التي تهم مجتمعاتهم والتعاون البناء حرصا على التطوير والارتقاء والتنمية وبغرض التوصل إلى نقاط مشتركة وتفاهمات تنهي الخلافات الناشئة, ومتى ما صدقت النية وتعززت الثقة في الحوار ونحيت المصالح الشخصية جانبا وحسنت النوايا والمقاصد وغلبت صيغ التفكير والرؤى المطروحة المستندة على العقل والمنطق فسوف تسود بيئة المفاوضات والمناقشات أجواء الطمأنينة والوئام وسينتصر وجه الحقيقة وستقترب نقاط الالتقاء والتصالح والتراضي والاتفاق وتبتعد نقاط الاختلاف والخصام وسوء المقصد السائدة في مرحلة ما قبل الحوار , والإنسان في حاجة ماسة إلى الحوار مع الآخر للخروج من حالة الانعزال والوحدة والغربة والاضطراب والضعف والخصام ففي الحوار القوة والمنطق والتواصل والاطمئنان والعمل المشترك والنتائج المرضية .. والإنسان ملزم بإجراء الحوار مع الآخر لالتماس الحقيقة والبحث عن المعلومة وفهم ما التبس عليه وتقييم هذا الآخر, فمن الخطأ أن نحكم على الآخر كان سلبا هذا الحكم أم إيجابا بمعزل عن الحوار الذي يكشف لنا حقيقته نواياه وسلوكه وثقافته ومبتغياته … وإلا لأصاب هذا الحكم الجهل والقصور والذي قد يصل إلى مرتبة الظلم أحيانا, وفي عالمنا العربي حيث تسود الخلافات والصراعات المذهبية والقبلية والسياسية والشخصية … فإننا في أمس الحاجة إلى الأخذ بمبدأ الحوار لفك التأزمات ومعالجة الخلافات وتهدئة الخواطر والتعرف على خفايا بعضنا البعض وما يفسد الحوار في الحقيقة هو تغليب المصالح الخاصة وإتباع الهوى والتأثر السريع بالمواقف الناشئة والتسرع في الحكم والاستسلام للعاطفة … وهو ما لا يتوافق مع أسس الحوار.
المصدر: http://alwatan.com/details/34455