تقول أساطير الجدات.. كنا نفوز ونشارك
لاتصدق الإعلام إذا أخبرك أن العالم مشغول بتحركات الأسطول الأمريكي على بوابات الخليج، أو تبختر الأسطول الروسي أمام جزيرة القرم، ولاتصدق أن عيني الاقتصاديين معلقة بمؤشر الأسهم أو بورصة النفط أو التضخم الاقتصادي في الصين.
فلا شيء يستقطب انتباه العالم الآن ويلهب حماسهم ويبرمج جدولهم، وتخطيط إجازاتهم، واجتماعات متعتهم، وأمسيات ترفيههم، ومواعيد صحوهم ونومهم.. سوى تلك المستديرة المغوية التي تتقاذفها الأرجل، وتتقاذف معها قلوب ملايين من المتابعين والمشجعين وسماسرة اللاعبين وغاسلي الأموال وقناصي الفرص ودوائر استثمار عالمية ضخمة.
يقول المثل التشيلي (الرابح في التجارة هو الخاسر بالحب) وهناك في القارة اللاتينية.. حيث أرّث الاستعمار والسامبا والحياة المحتدمة وسط عشوائيات الفقر، وحكومات العسكر الفاشية، وقبعة تشي غفيارا، جمهوريات الموز، وعصابات المخدرات تشاغب الرأسماليات المهيمنة، هناك حينما تختطف منهم العدالة الاجتماعية ينسحبون إلى ملعب الكرة ليؤسسون عدالة وفضيلة مختلفة وفوزاً يغيب عن الحياة العامة.
من يشهد فرق اللاتينية وهي تلعب يشاهد لاعبي أكروبات أو لاعبي خفة وسحرة سيخرجون لك من القبعة أرانب وأهدافاً، أمريكا اللاتينية تداوي أوجاعها بالكرة، حيث من يخسر في الشارع والاقتصاد يربح في الملعب.
الدول والشعوب تستعرض طاقاتها ومقدراتها الحضارية فوق تلك البقعة الخضراء، الشعوب تبرز مزايا بطولاتها في النزال داخل معركة قديمة لم تتوقف، ولكن انكمشت عن مضمار الحرب وانحسرت في تلك البقعة الخضراء، بينما أوروبا تتبختر هناك عالياً في الكوكب الأبيض المتفوق، حيث أسعار صفقات اللاعبين توازي ميزانية إحدى الدول الفقيرة، وحيث صناعة الكرة دخلت دائرة رأس المال القوي وتلتف بين البنوك والسماسرة والإعلانات التجارية جالبة الملايين، الرأسمالية سلّعت الرياضة فتداخلت السياسة مع التجارة مع مراكز القوى والسيولة المتناقلة مابين الأقدام والأيدي تنشر الغسيل المتسخ على حبال النادي، وبيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي السابق يمتلك نادي ميلان الإيطالي، وشيخ قطري امتلك نادي مالقا الأسباني..
أنصح بعدم متابعة النشرات السياسية أو الصفحات الأولى للصحف فحتى أهل السياسة قرروا التوقف عن نكباتهم وحماقتهم وتعلقت أعينهم بملاعب السامبا، فنادق العالم هيئت متكأ للمتابعة، وكذلك مقاهي الميادين، حتى المطارات تغاضت قليلاً عن الوقار الأمني والحرص والانضباط الذي يتطلبه مطار(مقارنة بملعب كرة القدم ) وخصصت قاعات وشاشات عملاقة للمتابعة يهدر حولها المشجعون.
الجديد الطريف في الموضوع على المستوى المحلي أن المغوية وسعت دائرة جماهيرها التقليدية وباتت تستقطب النساء، فكثيرة هي الدعوات التي باتت تصل للمشاركة في المشاهدة إما بين صديقات، أو في المقاهي النسوية.. لانجاة اليوم من الطوفان الكروي.
إذا حاولنا أن نفسرها أنثربولوجياً فهم أحد عشر راكضاً يلاحق كرة أو هدفاً متحركاً، هم الأحفاد تختزن جيناتهم إرث الصياد القديم الذي يطارد فريسته قبل ترسخ الحضارات الزراعية، لذا سيبدو مناخ من هذا النوع خانقاً نوعاً ما لأولئك الذين لايرون أي متعة في مشاهدة تلك المطاردة التي لاتتوقف، وفي وسط منزل يعج باحتدام الذكور وصيحاتهم ومزاج تستسرون القتال المرتفع.. لاأجد سوى أن أستعين بالدور الذي أتقنه.. الجدة الحكاءة، فأحكي لأولادي حكايات تبدو الآن كأساطير الجدات المستحيلة، حيث في زمن يفاعتي كان منتخبنا يفوز في كأس آسيا لعدة مرات، ويشارك في بطولات كأس العالم ويصل لمراحل متقدمة.. وكان اسمنا في الملعب الصقور الخضر.. ولأنها حكايات في وقتنا الحاضر باتت تشبه العنقاء والخل الوفي.. فلا أحد يحاول أن يتثبت من صدقها.. بعد أن دخل العالم برمته غيمة هيستيرية تلتف حول المستديرة المغوية.