النفاق اساس الحكم في بلاد العرب
النِّفاق الديني و السياسي هو الداء العُضال الَّذي اصاب الأمة العربية من محيطها الى خليجها ، والمحزن أن الشخص لا يشعر بنفاقه؛ لأن النفاق أمرٌ خفيٌّ علىٰ النَّاس، وكثيرًا ما يُخفىٰ علىٰ من تلبّس به فيزعم أنَّهُ مُصلح وهُو مُفسد. هذا حالنا حكاما و محكومين ، افرادا و جماعات و تنظيمات غالبيتها مردت على النفاق . و ورد بحق المنافقين ثلاث عشرة آية في سورة البقرة لكثرتهم و افرد الله لهم سورة كاملة و ذكرهم في سور القرأن الكريم، وعموم الابتلاء بهم وشدَّة فتنتهم علىٰ الإسلام وأهله، فإنَّ بليَّة الإسلام بهم شديدة جدًّا لأنَّهم منسوبون إليه وإلىٰ نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة؛ يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنَّهُ علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد. و هتكَ الله سُبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن، وجلىٰ لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها علىٰ حذر. لكن النفاق ساد و حكم و وجد له اعوانا ينصرونه من المشايخ و المشيخات و بررت دور الإفتاء النفاق بانه لزوم الحكم هذه الأيام. فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من علم له قد طمسوه! وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه! وكم ضربوا بمعاول الشُّبه في أصول غراسه ليقلعوها! وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها!.
لا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية؛ لم يقبلوا هُدى الله الَّذي أرسل به رسُوله؛ ولم يرفعوا به رأسًا، ولم يروا بالإعراض عنه إلىٰ آرائهم وأفكارهم بأسًا، خلعوا نصوص الوحي عن الحقيقة، والبسوها لحكام و امراء حرب مردوا على النفاق. لبسوا ثياب أهل الإيمان ؛ فالظَّواهر ظواهر المسلمين، والبواطن قد تحيزت إلىٰ الظالمين، فألسنتهم ألسنة المسالمين، وقلوبهم قلوب المحاربين، ويقولون: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. رأس مالهم الخديعة والمكر، وبضاعتهم الكذب ، وعندهم العقل المعيشي أن المواطنين عن امرائهم راضين، وهم بينهم آمنون، ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
للمنافق عبر التاريخ و جهان ، وجهٌ يلقى به المؤمنين، ووجهٌ ينقلب به إلىٰ إخوانه الشياطين، ولهُ لسانان: أحدهما يقبله بظاهره المسلمون، والآخر يترجم به عن سرّه المكنون، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾. قد أعرضوا عن الكتاب والسُّنة استهزاءً بأهلهما، واستحقارًا، وأبوا أنْ ينقادوا لحكم الله و هم بصريح الوحي يستهزئون، ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. لهم علامات يعرفون بها مبينة في السُّنة والقرآن، بادية لمن تدبرها من أهل بصائر الإيمان، قام بهم -والله- الرِّياء وهُو أقبح مقام قامه الإنسان، وقعد بهم الكسل عمَّا أمروا به من أوامر الرَّحمن، فأصبحَ الإخلاص عليهم لذلك ثقيلًا، ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
يتربصون الدَّوائر بأهل السُّنة والقرآن، فإنْ كان لهم فتح من الله قالوا: ألم نكن معكم؟ وأقسموا على ذلك بالله جهد ايمانهم وان كان لأعداء الكتاب والسُّنة من النُّصرة نصيب قالوا: ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم، وإنْ النّسب بيننا قريب؟ فيا من يريد معرفتهم! خذ صفتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلا: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾. يُعجب السَّامع قول أحدهم لحلاوته ولينه!، ويشهد الله علىٰ ما في قلبه من كذبه ومينه، فتراه عند الحق نائمًا، وفي الباطل علىٰ الأقدام، فخذ وصفهم من قول رب العزة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾. أوامرهم الَّتي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد!، ونواهيهم عمَّا فيه صلاحهم في المعاش والمعاد، وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصَّلاة والذِّكر والزُّهد والاجتهاد، ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾.
فهم جنس، بعضه يشبه بعضًا يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه، وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه، ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أنْ ينفقوه، كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه، وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه، فاسمعوا أيُّها المؤمنون: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. إنْ حاكمتهم إلىٰ صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين؛ وإنْ دعوتهم إلىٰ حكم كتاب الله وسُنَّة رسوله رأيتهم عنه معرضين، فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدىٰ أمدًا بعيدًا، ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضًا شديدًا، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾. فكيف لهم بالفلاح والهدى بعد ما أصيبوا في عقولهم وأديانهم وأنّىٰ لهم التَّخلص من الضَّلال والرَّدىٰ!؟ وقد اشتروا الكفر بإيمانهم؛ فما أخسر تجارتهم البائرة! وقد استبدلوا بالرَّحيق المختوم حريقًا؛ ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقًا﴾.
تبًّا لهم ما أبعدهم عن حقيقة الإيمان! وما أكذب دعواهم للتَّحقيق والعرفان! فالقوم في شأن وأتباع الرَّسول صل الله عليه وسلم في شأن، لقد أقسم الله جَلَّ جلاله في كتابه بنفسه قسمًا عظيمًا يعرف مضمونه أولو البصائر، فقلوبهم منه علىٰ حذر إجلالًا له وتعظيمًا، فقال تعالىٰ تحذيرًا لأوليائه وتنبيهًا علىٰ حال هؤلاء وتفهيمًا: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. تسبق يمين أحدهم كلامه من غير أن يعترض عليه؛ لعلمه أنَّ قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه، فيتبرأ بيمينه من سوء الظَّن به، وكشف ما لديه، وكذلك أهل الرّيبة يكذبون ويحلفون ليحسب السَّامع أنَّهم صادقون، ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. تبًّا لهم خرجوا الى الميادين مع ركب الإيمان، فلمَّا رأوا طول الطَّريق وبُعد الشُّقة نكصوا علىٰ أعقابهم ورجعوا! باعوا ضمائرهم بدراهم معدودة و سلكوا دروب المنافقين و سجدوا لإبليس و هتفوا بحياة جنودة و رفعوا رايات المنافقين و رقصوا على انغام نشوة النصر و هو سراب لا حقيقة له و و ساروا خلف بهتان عظيم و سحر ابليس اللعين.
أسرُّوا سرائر النِّفاق فأظهرها الله علىٰ صفحات الوجوه منهم وفلتات اللِّسان، ووسمهم لأجلها بسيماء لا يخفون بها علىٰ أهل البصائر والإيمان، وظنوا أنَّهم إذ كتموا كفرهم وأظهروا إيمانهم راجت بضاعتهم على واجهات الصحف و على شاشات القنوات الفضائية، كيف والنّاقد البصير قد كشفها لكم؟، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ، وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾. و اخيرا نقول حبل الكذب قصير و ان طال و النفاق مثل خيط العنكبوت و هو على الله هين و الظلم هو ظلمات في الدنيا و الآخرة و الله مطلع على السرائر