صناعة الخطابة

فهد عامر الأحمدي

    ليس الغريب أن يكون الحديث أمام الجمهور من أكثر أنواع الفوبيا انتشاراً، بل أن لا يكون كذلك وأن لا يتملكنا الهلع من مئات الأعين التي تنظر إليه بشكل مباشر..

وبقدر ما وقفت أنا أمام الناس سواء لإلقاء كلمة أو محاضرة لم أستطع التخلص من شعوري بالخوف والتردد وأن انشقاق الأرض وابتلاعي أهون علي من الوقوف أمامهم..

غير أن هذه ليست حال جميع الناس، كون هناك من تحول إلى "محترف خُطب" يجيد الحديث والارتجال في مختلف المواقف.. ومن هؤلاء فئة أكثر ندرة حولت مهاراتها في الخطابة إلى مهنة تدر أموالاً (وأحيانا شرهات) لا يتصور وجودها أحد..

أما حين تجتمع موهبة الإلقاء، مع الشهرة والمنصب المرموق، يحقق الخطيب ثروات صغيرة بمعنى الكلمة.. وحسب علمي أعلى أجر ناله إنسان من أجل خطبة كان الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجن الذي نال مليوني دولار من شركة فوجي سانكي نظير محاضرتين في اليابان عن السياسة الخارجية (والطريف أن مواهبه السابقة في التمثيل كانت تلقي على محاضراته طابعاً مميزاً وفرت له المزيد من العروض)!!

ويأتي بعده رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترمب الذي نال مليوناً ونصف المليون دولار على محاضرة ألقاها في مؤتمر العقار العالمي الذي أقيم في نيويورك عام 2007 ...

أما بيل كلينتون فنال مليون ريال مقابل المحاضرة التي ألقاها في منتدى جدة الاقتصادي عام 2002.. ويُعتقد ان بيل كلينتون كسب من محاضراته في أول عام (من مغادرته البيت الأبيض) اكثر من الثماني سنوات التي قضاها فيه.. وهو يتعامل مع مؤسسة علاقات متخصصة في تنظيم المحاضرات والندوات للمشاهير ويقدر انه تلقى حتى الآن 1500 دعوة لايقل عائدها عن 150 مليون دولار..

وكان قد سبقه في مهنة الخطابة سياسيون متقاعدون ساهموا في إدارة العالم.. فمارجريت تاتشر، وجون ميجر، وميخائيل جورباتشوف، ورونالد ريجان، وهيلموت شميت، والرئيس الفرنسي السابق ميتران؛ كسبوا بعد تقاعدهم مبالغ تفوق التي حصلوا عليها خلال فترة رئاستهم..

وبالطبع لا يمكن لهذه الظاهرة أن تحدث في عالمنا العربي لسببين أساسيين؛ الأول عدم مهارة معظم الرؤساء العرب في فنون الخطابة، والثاني أنه لايوجد أصلاً زعيم عربي متقاعد!!

ويمكن القول إن هنري كيسنجر (وزير خارجية أمريكا السابق) هو أول من رسم الخطوط العريضة لهذه الصناعة. فخبرته الأكاديمية السابقة (كأستاذ في العلوم السياسية) أتاحت له الحصول على 80000 دولار مقابل كل محاضرة سياسية يلقيها. أما في أوروبا فقد عمل الرئيس الفرنسي السابق ميتران على تقاضي 75ألف دولار لتلبية أي دعوة من هذا النوع.. أما في ألمانيا فلا تتحرج المستشارة الحالية ميركل من تقاضي 50 ألف يورو عن كل محاضرة تلقيها داخل البلاد و100 ألف خارجها !!

.. بقي أن أخبركم بأن بعض الخطباء لدينا يأخذ ألف ريال على الخطبة، في حين يكتفي شخصي المتواضع باحتساب الإفطار ضمن إيجار الفندق !!

http://www.alriyadh.com/938283

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك