عندما يكون المجرم بطلاً

يوسف الكويليت

    في تاريخ العالم هناك قتلة وسفاحون تنظر لهم شعوبهم وقبائلهم وعائلاتهم بأنهم أبطال عظماء، ولذلك لم يكن الإنسان أقل وحشية من الحيوان المفترس، حتى إن رفع مستوى المجرم إلى النموذج العظيم صار جزءاً من تقديس الأشخاص ورفعهم إلى المستويات العليا..

موت شارون خلّف حزناً عظيماً في الوجدان العام للإسرائيليين رغم أن سلوكه وشخصه وأفعاله الدموية تشهد بأنه لو لم يكن إسرائيلياً يحميه الأوروبيون والأمريكان لأصبح مثل أي مجرم حرب تطارده الوقائع التي تعرضه للمحاكمات، وإصدار الأحكام، لكن توفير هذه الحماية حوّله إلى أسطورة في تاريخ إسرائيل..

في نفس الوقت نجد هتلر وستالين ويلحقهما على نفس الدرجة «لون نول» جزار كمبوديا، وغيرهم في منطقتنا العربية ممن قدمتهم شعوب وأجناس على حساب الحق الإنساني.. والمعيار مختلف ما بين الضحية والقاتل، فالأول يعلن شواهده من منطق القانون، بينما الآخر يرى فعله مشروعاً يقوم على حماية الأكثرية من بطش الأقلية، وتسويغ القتل في ثقافة الشعوب قائم إلى اليوم، وغداً وإلى آخر جثة تحكم بالموت المتعمد..

فشارون على سبيل المثال لا يقل في ممارسة وحشيته مع العرب عن هتلر مع اليهود، وإذا كان مبرر الإسرائيليين أن بطلهم الوطني كان يرد على البادئ بالعنف، ورافض الاعتراف بالحق التاريخي لإنشاء دولتهم وبقائهم، فالمسوغ نفسه ينطبق على هتلر بتصرفاته حماية العرق والمال، والحق الألماني، وقد يُجرم عند اليهود من يضع هذا التماثل بالعداء للسامية، لكن من قتلهم شارون هم ساميون أبناء عمومة لليهود، وبالتالي فالتاريخ سوف يُظهر الحقيقة وقد لا يكون الآن وبوثائق تصدرها إسرائيل نفسها عن دوره في الجرائم التي لا تسقط بالتقادم أسوة بهتلر وغيره..

الحديث عن عدالة إنسانية تبعاً لوقائع التاريخ ليس صحيحاً، فالدماء التي سالت وحالات الاغتصاب، وبناء العنصرية وتطبيقها على شعوب لا تتلاقى مع جنس آخر، وحالات الاستعمار والاستيطان وبناء الامبراطوريات على جماجم الآخرين، لا تزال يسوّغها قانون القوة وشريعتها، وحتى مع ولادة عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة، ومبادئ الحقوق الإنسانية، لم تمنع القوى العظمى الحديثة من اجتياح الأراضي واحتلالها، وتحويل ساكنيها إلى أقنان وعبيد يقادون بالسخرة في خدمتها، وكل الديمقراطيات التي لا تنطبق على غيرها تواجه هذا الأسلوب للحكم، أُخضعت للاحتلال باسم تثقيف الشعوب وتأهيلها، وحماية مصالح القوى ولم يكن مجلس الأمن رغم تنافر أعضائه، إلاّ قاضياً لحماية وتأييد سلوك القوة..

فأحداث العنف في القرن الماضي، رغم وقف الحروب العالمية المدمرة، كانت فترة إشعال الحروب الصغيرة بدعاوى لا تخضع لأي مبرر حقوقي أو قانوني، إلاّ فقط تقاسم النفوذ، وهو ما حدث مع القوتين البريطانية والفرنسية، قبل أن تخليا الساحة لوراثة أمريكا والاتحاد السوفياتي لاحتلال مقاعدهما الشاغرة، وكل تلك الدول لا يوجد في سجلها الإنساني ما يشفع لها الادعاء أنها حامية الحريات أو تساوي الشعوب معها في ميزان العدالة، بل إن القرار يُتخذ بصيغة المصلحة لا الحق، وهنا تحول الجزار من شخص إلى عنف الدولة وبطشها..

عموماً أخلاقيات التعامل لا تُبنى على المثل العليا التي دعا إليها المصلحون وإنما ما تقرره القوة وحدها، فكان الإنسان ضحية ابن جنسه، وسلسلة القتلة من كل الأرومات والأجناس هي نتاج تاريخ الإنسان الدموي في كل المراحل..

 المصدر" جريدة الرياض

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك