أنواع الحوار وبيان حكم كل نوع منها
أنواع الحوار وبيان حكم كل نوع منها
أنواع الحوار وبيان حكم كل نوع منها حتى يتضح الحق:
أولاً :حوار التعريف بالإسلام
وهو المرتبة الأولى من مراتب الحوار ويعني الحوار مع أتباع الأديان الأخرى لبيان صحة الدين الإسلامي وأنه ناسخ لكل الأديان السابقة وإيضاح صحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومحاسن الإسلام وبيان باطل الأديان الأخرى. ولا غرو أن هذا النوع من الحوار هو الذي ينادي به الإسلام وهو المطلوب شرعاً وهو ثابت بآيات وأحاديث كثيرة. وقد أسلفنا الكلام عن هذا النوع في مراتب الحوار وأوضحنا حكمه وطريقته.
ثانياً: حوار التعايش
هذا النوع من الحوار يعرف على أنه "الحوار الذي "يهدف إلى تحسين مستوى العلاقة بين شعوب أو طوائف، وربما تكون أقليات دينيّة، ويُعنى بالقضايا المجتمعيّة كالإنماء، والاقتصاد، والسلام، وأوضاع المهجّرين، واللاجئين ونحو ذلك، ومن أمثلة هذا اللون من الحوار: (الحوار العربي الأوروبي)، و (حوار الشمال والجنوب)". وقد يطلق عليه البعض اسم "التسامح" .
وهذا هو المقصود من قوله عز وجل ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))(الممتحنة: 8). وهو نوع من التعايش والتسامح مع أهل الأديان الأخرى لا يرفضه الإسلام ولا يزيد في مفهومه عن حسن المعاملة والعيش بصورة ملائمة بين كافة المجتمعات مع الاختلاف الديني والفكري والثقافي. ولكن هناك ضوابط لهذا التسامح والتعايش حتى لا يخرج من حقل الحل إلى الوقوع فيما يرفضه الإسلام وهي: مراعاة الولاء والبراء وإقامة العدل والإنصاف والتزام الحكمة في المعاملة. هذه ضوابط ثلاثة لابد من العمل بها عند التعامل مع أهل الأديان الأخرى. فيجب عدم الانسياق في الإحسان والعيش الكريم والتسامح في المعاملة بشكل يؤدي إلى موالاتهم أو ترك البراءة منه فهو أصل شرعي ثابت بأدلة كثيرة. كما يجب إقامة العدل عند التعامل معهم حتى تستقر المجتمعات وتنمو.
يتميز هذا النوع من الحوار بخصائص تميزه عن النوع الأول من الحوار وهي:
1. حوار التعايش يقتصر على الحوار فيما يتعلق بالمعيشة البحتة بين أهل الأديان التي تفرضها طبيعة الحياة البشرية وحاجاتها الفطرية.
2. حوار التعايش لا يتضمن اعترافاً بصحة دين الآخر أو تزكية له فهو قاصر على الأمور الدنيوية فقط.
3. حوار التعايش لا يتضمن التنازل عن أحكام الدين وأوامره بحجة ترغيب أهل الأديان في الدخول في الإسلام أو إعطاء صورة حسنة عن الإسلام.
قلنا فيما سبق أن هذا النوع من الحوار لا يرفضه الإسلام وهو وارد في الكتاب والسنة إذا سار على ضوابطه الصحيحة. وهذا النوع من الحوار يقرر أركانه ومدى التعامل به أهل الحل والعقد والخبرة العلم. وهو وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد عاهد يهود المدينة وتفاوض معهم وصالح أهل مكة في الحديبية وتفاوض مع أهل الأديان الأخرى بشأن معيشتهم وحياتهم دون الخوض في أديانهم أو التنازل عن شيء من أحكام الدين الإسلام.
ثالثاً: حوار التقارب
هذا النوع من الحوار لا يمكن قصره على مدلول اصطلاحي بعينه فلفظ التقارب والتقريب مأخوذ من القرب وهو أمر نسبي يتفاوت حقيقته وتطبيقه. وهو أوسع أنواع الحوار بين الأديان فهو يتدرج من أدنى المجاملات الشكلية إلى درجة الاندماج الكاملة والوحدة التامة. وهذا النوع هو الأشهر بين كل أنواع الحوار بين الأديان وتعقد له المؤتمرات المتعددة. وهذا النوع من الحوار له من الخصائص التي تميزه عن غيره من أنواع الحوار ويمكن إجمالها فيما يلي:
1. الإعتراف بالطرف الأخر وإن لم يبلغ تمامه أما القول بكفر الآخر فقد يصرح به البعض ونفيه الأكثر.
2. الامتناع عن التلفيق بين عناصر الأديان وتجنب البحث والمناقشة في المسائل العقدية الشائكة.
3. نسيان الماضي التاريخي والتخلص من آثاره والاعتذار عن أخطائه.
4. إبراز أوجه الاتفاق وترك نقاط الخلاف.
5. التعاون على تحقيق القيم المشتركة والتي تشتمل على التعاون لصد الإلحاد في العقيدة والوقوف ضد دعاة الإباحية والتعاون حول قضايا العدل والمستضعفين والشعوب المضطهدة والأوطان المحتلة وغيرها من القضايا.
6. الاعتراف بالآخر وتبادل الزيارات والمجاملات والصداقة والثقة والاحترام.
7. البعد عن جعل الحوار دعوة سواء للإسلام أو لغيره.
وبناء على هذه الخصائص مراد قولنا أن هذا النوع من الحوار نسبي فدرجة القرب فيه متدرجة وغير محددة فقد يقتصر على المجاملات الشكلية وقد يمتد ليصل إلى الوحدة الكاملة المحظورة.
رابعاً: حوار وحدة الأديان
يعرف هذا النوع من الحوار على أنه "الاعتقاد بصحة جميع المعتقدات الدينيّة، وصواب جميع العبادات، وأنها طرق إلى غاية واحدة". وهو ظاهر البطلان فلا يحتاج لسوق الأدلة على بطلان. ويتميز هذا النوع من الحوار ببعض الخصائص تحدد أركانه وتبرز معالمه وهي كل خصائص حوار التقارب التي سبق ذكرها إلى جانب ما يلي من خصائص:
1. اعتقاد صحة عقائد الأديان الأخرى وعباداتها وأنها طرق موصلة إلى الله.
2. اعتبار الخصائص المميزة بين الأديان ظواهر وتقاليد تاريخية لشعب بعينه أو حقبة ما.
3. العمل على المساواة بين كتاب المسلمين وعباداتهم ومساجدهم مع ما يقابلها عند الأديان الأخرى ومن ذلك الدعوة إلى طباعة المصحف الشريف و التوراة والإنجيل في كتاب واحد وبناء مجمع لأماكن العبادة يضم مسجداً وكنيسة وتبادل الزيارات بين عمار المساجد ومرتادي المعابد مما يولد الحب والاحترام وإقامة الصلوات المشتركة في أماكن العبادة لمختلف الأديان.
ومن الواضح بطلان هذا النوع من الحوار لأمور منها:
1. أن هذا النوع من الحوار تكذيب لصريح القرآن والسنة أن الإسلام هو الدين الحق يقول تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85). ويقول تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران: 19). فمن أصول العقيدة في دين الإسلام "" اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام، من اليهود والنصارى وغيرهم ، وأنه من أهل النار قال تعالى: "لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ" (البينة: 1).
2. هذا النوع يطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من حيث شمولها وكفايتها وختمها لسائر النبوات.
3. حوار وحدة الأديان يطعن في أصول الإسلام وجذوره الأساسية مثل شهادة أن لا إله إلا الله والتي تقتضي الكفر بكل ما عدا الله يقول صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل) .
وبناء على ما سبق، فإن الدعوة إلى (وحدة الأديان) تبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان فهي فكرة مرفوضة تماماً.
خامساً: حوار توحيد الأديان
يقصد بهذا النوع من الحوار دمج جملة من الأديان والملل في دين واحد مستمد منها جميعاً بحيث ينخلع أتباع تلك الأديان منها وينخرطون في الدين الملفق الجديد. والفارق بين هذا النوع والنوع الذي سبقه هو أن هذا النوع عبارة عن دين جديد مخلوط من عناصر الأديان مع الترك والخروج من الدين القديم والدخول في هذا الخليط. أما النوع السابق فلا زال كل واحد على دينه القديم لكن كل دين صواب يوصل إلى المقصود مع إبداع إطار عام يبرر توجهات الأديان جميعاً. وينقسم هذا النوع إلى قسمين أساسيين وهما:
1. الإنتقائية وهي عملية دمج عناصر من الأديان دون إيجاد نسق منهجي بينها ومن هذا النوع الديانة "المونية" التي اخترعها صن مون.
2. التلفيقية وهي عملية دمج بين عناصر من الأديان مع محاولة إيجاد نسق منهجي يربط بينها وقد تمثل هذا النوع في محاولات الأب الإسباني إيميلو غاليندور آغيلار ومجموعته المسماة "كريسلام".
ولا شك في بطلان هذا النوع من الحوارات. ولا نحتاج لسوق الأدلة على ذلك فهي واضحة حيث يعمل ذلك على تقويض أركان الدين.