الأفكار المهدرة بين الإعلام والمؤسسات!

غسان بادكوك

على مدى سنوات من متابعتي لمختلف وسائل الإعلام لفت نظري حقيقة هامة تتمثـل في عدم وجود تفاعل كافٍ بين الأجهـزة الحكومية من جانب وبين ما يطرحه الكثيرون من الكتاب من الجانب الآخر لاسيما الخبراء منهم في مختلف الاختصاصات ممن دأبوا على طرح آراء حصيفة ومتزنة وموضوعية حول التحديات الوطنية التي تواجهـها البلاد بكافة أشكالها سواء التنموية منها أو الاقتصادية والاجتماعية وذلك على الرغم مما تنطوي عليه الكثير من تلك الطروحات من حلول تبدو جيدة ويمكن الاستفادة منها في التعامل بكفاءة مع تلك التحديات.
وفي تقديري فإن العديد من التصورات التي تحفل بها وسائل الإعلام سواء التقليدي منه أو الجديد قد تشكل نقطة انطلاق مناسبة لحلحلة عدد لا بأس به من قضايانا الشائكة لو أن مستوى الوعي لدى أجهـزتنا المعنية يرقى إلى المستوى الذي يؤهلها لإدراك أهمية وفعالية الكثير مما يتم طرحه، والحرص على الاستفادة منه عبر تشكيل فريق عمل في كل جهاز حكومي يرتبط إداريا بالمسؤول الأول ويكون من بين مهامه متابعة وتقيـيم جدوى ما ينشر حول نطاق اختصاصات هذه الجهة أو تلك، ومن ثـم التواصل مع أصحاب تلك الآراء أو استضافتهم بشكل دوري لمعرفة المزيد عن آرائهم ومقترحاتهم التي قد لا تكفي مساحة الزوايا الصحافية أو البرامج التواصلية لعرضها بشكل واف.
وغني عن القول فإن الأمثـلة على ذلك أكثر من أن تعد، ولو أن كلا منا استعرض في ذهنه عدد الآراء المنشورة التي سبق له أن اطلع عليها وبدت عملية وقابلة للتنفيذ، لأدركنا حجم الفرص الضائعة التي كان من الممكن أن تكون قاعدة يمكن البناء عليها لمواجهـة مصاعبنا المزمنة ومن تلك الأمثـلة مئات المقالات التي كتبت للتحذير من تنامي مشكلة العمالة الوافدة وتضمنت وجهات نظـر جيدة لكيفية التعامل معها ومع الفوضى العارمة التي لا يمكن أن تخطئها عين في سوق العمل منذ عقود، أيضا كان هناك الكثير من التصورات المنشورة التي حملت ما يمكن اعتباره حلولا مبتكرة ومبكرة للتغلب على تحدي تنامي استهـلاك الطاقة محليا أو التعامل مع ضعف مخرجات نظامنا التعليمي وتدريبنا التقني والمهني، وعدم مواكبتـهـما للاحتياجات الوطنية.
ويبدو أن السبب وراء عدم حرص الكثير من الجهات الرسمية على التجاوب مع ما يطرحه الإعلام هو العلاقة المتوتـرة غالبا بين الطرفين والتي تستند على قناعة قديمة مغلوطة مفادها محاولة الكتاب تصيد الأخطاء وتضخيمـها دون بذل أية جهـود للتأكد من المعلومات من مصادرها الرسمية قبل نشر انتقاداتهم أو آرائهم، وفي المقابل يرى بعض الكتاب بأن لامبالاة الجهات الرسمية بما يكتبون قد أسهم في استمرار أوجه القصور في بعض مجالات التنمية فضلا عن اعتقادهم بأن القضية تـتجاوز كثيرا جانب التمويـل والإمكانات المالية التي لم تبخل الدولة بتوفيرها بقدر ما تـتركز في الفساد وسوء الإدارة وضيق الأفق.
وحتى يمكن ردم هذه الفجوة بين الطرفين فقد يكون من المناسب قيام الأجهـزة الحكومية بمبادرات من نوعٍ ما لترميم العلاقات الدائمة التوتـر مع الإعلام وزيادة انفتاحها وتفاعلها مع طروحات أصحاب الرأي باعتبارهم شركاء في التنمية الوطنية ومعنيـين بنقل تطلعات ورؤى المواطنين إلى المسؤولين ومتخذي القرار لاسيما في القطاعات ذات الصلة بالحياة اليومية للناس، وقد تكون البداية لإصلاح هذا الخلل هو قيام بعض الوزارات المعروف عنها التفاعل الجيد مع الإعلام بتعليق جرس التواصل مع الكتاب والمتخصصين عبر استضافتهم في ندوات أو لقاءات وورش عمل ينقلها الإعلام للمجتمع بشكل مباشر وشفاف.
وفي النهاية فإن استمـرار تجاهل بعض مسؤولينا الحكوميـين للكثير مما تنشره وسائل إعلامنا هو بمثابة هدر للأفكار التي يمكن توظيفها لإصلاح الكثير من أحوالنا المائلة عبر استـثـمار خلاصة رؤى وتجارب المتخصصين والخبراء التي لو كانت أجهـزتنا الحكومية قد أحسنت الإصغاء إليها منذ عقود لكنا في وضع أفضل..

المصدر: صحيفة عكاظ.

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك