مفهوم استخدام القوة في ظل النظام العالمي الـجديد

أمين هويدي

بدأت ملامح اتجاه العالم إلى بناء نظام جديد في منتصف الثمانينيات بالتحولات الهائلة في الاتحاد السوفييتي, والتي يمكن أن نطلق عليها (الثورة المضادة) للاشتراكية والنظام الشيوعي في مجموعة الكتلة الشيوعية, والتي أدت في النهاية إلى سقوطها, ونحن نبدأ أولى خطواتنا نحو نهاية القرن العشرين.

          بعد معركة (عاصفة الصحراء) التي خاضتها (قوات التحالف) ضد النظام البعثي برئاسة صدام حسين إثر استيلائه على الكويت في عملية عدوانية لم تشهدها المنطقة من قبل تحددت ملامح هذا النظام العالمي الجديد بطريقة أكثر وضوحا.

          وهناك معالم كثيرة لهذا التحول العالمي الجديد أهمها دور القوة  في هذا النظام وتشكيله, مما يحتاج إلى رصد مستمر, خاصة في الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط, والتي تعتبر بؤرة قلقة غير مستقرة تتفجر فيها الأزمات بمعدلات سريعة غير متوقعة.

          في كتابه (عام 1999 - نصر بلا حرب Victory without war) حدثنا ريتشارد نيكسون الرئيس الأسبق للولايات المتحدة عن مفهوم السلام حديثا لابد من أن نعيه ونضعه في الحسبان, فقد ألغت الأسلحة النووية الحروب على المستوى العالمي كوسيلة لحل النزاع, ولكن ليس معنى ذلك وصول العالم إلى ما يسمى بالسلام الكامل  الذي تنتهي فيه المنازعات والتناقضات, فهذا مجرد وهم, ولكن السلام الحقيقي  معناه التعايش مع التناقضات والخلافات إلى ما لا نهاية, ومحاولة حلها دون اللجوء إلى استخدام القوة, ولذلك فكلتا القوتين العظميين سوف تعيشان معا تحت ما يسمى حرب السلام. الأسلحة المستخدمة بينهما هي الدعاية والدبلوماسية والمفاوضات والمساعدات الخارجية والمناورات السياسية والعمليات السرية, أو الحروب بالوكالة على المستوى الإقليمي.

          في (فترة حرب السلام) تلك وتحت مظلة الرعب النووي, أصبح القتال وخوض الحروب لحل النزاع بين القوتين العظميين مستحيلا, فكان عليهما التعايش (كما يتعاش عقربان في أنبوب واحد إذ لدغ أحدهما الآخر فإن هذا الآخر سيلدغه قبل أن يموت) ولم يكن هذا يعني عدم استخدام القوة على الإطلاق مادام القتال أصبح مستحيلاً, بل كان التسابق على التسلح قائما على قدم وساق, والجهود لملء المخازن بالأسلحة المتطورة مستمرة ليل نهار لتحقيق الفوز في (الردع) Deterrence أي استخدام أدوات الحرب ووسائلها لمنع الحرب, وذلك باستخدام القوة في حال السكون لمنع الحرب والقتال, ولكن إذا تحرّكت القوة لخوض المعركة يكون هذا فشلا كاملا للردع.

          ومعنى ذلك أن القوتين العظميين كانتا تخوضان حرب السلام باستخدام الردع, وهذا دليل على أن السلام لا يمكن أن يستقر - حتى لو كان سلاما مفروضا - إلا بتوافر القوة التي تسانده وتردع العدو والصديق عن إقدامه على العدوان.

          ولكن لم يكن معنى الاستقرار ومنع القتال على المستوى العالمي استحالته على المستويات الإقليمية... أبداً لم يكن الأمر كذلك, فقد كان السلام يعني سلاماً بين القوتين العظميين, يعني لا قتال مباشراً بينهما, الأمر الذي أدى إلى وجود آلية  أخرى للصراع بينهما في المجالات المختلفة, عدا استخدام القوات المسلحة, ثم التوسع في نقل الصراع إلى المستويات الإقليمية على كل ساحة الكوكب الذي نعيش فيه, بل إلى الكواكب الأخرى بما في ذلك المجال الجوي, وأصبح الصراع ليس (كوكبيا) على الأرض بل (كواكبياً) في الكواكب الأخرى أيضاً.

          ونتيجة لاستحالة القتال بين القوتين العظميين في ظل الرعب النووي, فقد كان من اللازم إيجاد مخرج لاستخدام القوة في الصراعات الإقليمية, تحقيقا لما كان ينادي به كارل كلاوزفيتز في كتابه (في الحرب On-war) من أن (الحرب هي استمرار للسياسة بطريقة أخرى) وإلا حدث انفجار من عدم استخدام القوة في ظل القوانين التي كانت تنظم الصراع وقتئذ, فاتبعت وسائل متعددة لنقل الصراع إلى المستويات الإقليمية:

          - استقطاب الدول الإقليمية Polarization.

          - السماح باستخدام القوات المسلحة في الصراعات الإقليمية, فليس معنى القتال على المستوى الإقليمي عدم استقرار على المستوى العالمي, وهنا تشترك الدول الإقليمية في القتال بطريقة مباشرة, وتشترك القوى العظمى بطريقة غير مباشرة من وراء ستار, أي أن الحروب الإقليمية أصبحت حروباً إقليمية عالمية أو حروباً بالوكالة.

          - نقل السلاح والتكنولوجيا من الدول المركزية إلى الدول الهامشية  الذي سمي بسباق التسلح.

          - إدارة الأزمات وليس حلها  حتى لو أدى ذلك إلى تكاثر النقط الساخنة وانتشار أقواس الأزمات كما حدث في الشرق الأوسط.

          كان استخدام القوة إذن يتم في صورتين مختلفتين: على المستوى العالمي يتم استخدامها في حال الثبات, أي بالردع لاستحالة المواجهات المباشرة في ظل التدمير المؤكد المتبادل الناتج عن الرعب النووي المتبادل, وعلى المستوى الإقليمي يتم باستخدام القوة في حال الثبات أي الردع, وأيضاً في حال تحرّكها أي القتال, ولكن بسيطرة كاملة من القوة المركزية لأنها هي المنبع الرئيسي لنقل السلاح والتكنولوجيا, وكانت القوى العظمى تحصل على الانتصارات والهزائم (بالنقط) وليس بالضربة القاضية, نصر هنا وهزيمة هناك في خطوات مسحوبة بدقة, حتى لا تحدث المواجهة المباشرة التي تتفاداها القوى المتصارعة.

          وفي المرات القليلة التي اضطرت فيها القوة الأعظم للتدخل تدخلا مباشرا في أزمات إقليمية (ليبيا - جرينادا - أفغانستان - تشيكوسلوفاكيا) كانت هناك قواعد تتحكم في السيطرة على اللعبة الدائرة لمنع المواجهة المباشرة. فالقوة (خارج الملعب) تحترم تماما القوة الأخرى (داخل الملعب) بأن تظل في الخارج تجنبا للاصطدام, ولكنها تحاول زيادة (توريط) القوة المتدخلة بإثارة المتاعب في المجال الدبلوماسي والإمداد بالسلاح, وربما بفتح جبهات جديدة في نقط ساخنة قابلة للانفجار, ويتم اللعب هنا على المكشوف فلا يجوز تخبئة أي أوراق تحت الطاولة.

          وفي كتابه (الحرية هي المستقبل) كتب إدوارد شيفرنادزه وزير الخارجية السوفييتي الأسبق يقول: (يعمل مبدأ التعايش السلمي حالياً بطريقة جديدة تماما, فبعد أن تخطى الزمن مرحلة المواجهة بين الشرق والغرب ومرحلة الحرب الباردة, وفيما نحن نعمل على إقامة أوربا الجديدة يبدو أن تعبير التعايش السلمي يفي بالحاجة, ذلك أن مبدأ الشراكة الكونية والتعاون والتفاهم المتبادل والعمل المشترك هو الذي يتصدّر المواجهة الآن. كل الناس أيّاً كانت اختلافاتهم معنيون بالسلام والرخاء والتقدم وبصحة المجتمع والإنسان وبحماية الحضارة. لقد تخلينا عن المواجهة كقاعدة أساسية في سياستنا الخارجية, مع تجاوز الشعارات الأيديولوجية بتجريد العلاقات الدولية من الأيديولوجيا, والبحث عن نقاط التقاء). ثم يقص علينا حكاية تناقلها الناس عنه بأنه في هلسنكي وضع خنجره أمام وزير الخارجية الأمريكي الذي يجلس قبالته وقال له (لقد نزعت سلاحي والآن جاء دورك) ويقول: (مع الأسف لم يحصل شيء من ذلك, وما حصل أنه خلال لقائي الثاني في نيويورك في سبتمبر 1985 مع جورج شولتز قلت له إن أموراً كثيرة في العالم ترتبط بحال العلاقات بين بلدينا, وإنني أنوي أن أكون شريكاً شريفاً وموثوقاً به وصديقا إذا كنت ترغب في ذلك, فاندفع شولتز ليصافحني ويشد على يدي).

          وكان ميخائيل جورباتشوف قد كتب قبل ذلك يقول: (إن الحروب النووية لا يمكن أن تكون وسيلة للحصول على أهداف سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية أو أي أهداف أخرى, وهذا الاستنتاج سيبعد الأفكار التقليدية للحرب والسلام, فلن يكون هناك منتصرون أو منهزمون في الحرب النووية, إذ إنها فناء وانتحار للحضارة العالمية, وبالمثل فقد تطورت التكنولوجيا العسكرية لتجعل الحرب غير النووية أقرب ما تكون إلى الحرب النووية, وبذلك ظهر وضع مختلف تماماً تشكل خلال القرون من طريقة للتفكير والسلوك تستند إلى استخدام القوة في السياسة العالمية وقد انقضى القول المأثور لكلاوزفيتز: (إن الحرب استمرار للسياسة, ولكن بوسائل أخرى). فقد كان هذا القول كلاسيكياً في زمانه, فأصبح الآن محفوظاً في المكتبات, ولأول مرة في التاريخ يتحتم وضع السياسة الدولية على أساس معايير معنوية وأخلاقية مشتركة لكل البشرية, وكذا إضفاء الطابع الإنساني في العلاقات الدولية, وأصبح من المؤكد استحالة الحل العسكري للخلافات الدولية, ولم يعد من الممكن ضمان الأمن بالوسائل العسكرية باستخدام الأسلحة أو الردع أو بمواصلة إتقان السيف والدرع, فسباق التسلح لا يحول موارد ضخمة بعيداً عن أولويات أخرى فقط, ولكنه يخفض من مستوى الأمن أيضا. ويضعفه, فهو في حد ذاته عدو للسلام وأصبح الطريق الوحيد إلى الأمن هو من خلال القرارات السياسية ونزع السلاح). وفي إطار هذه المفاهيم حدث الزلزال في دول الكتلة الشرقية وانسحب الجيش السوفييتي من بعض مواقعه التقليدية هناك, كما انسحب من أفغانستان وأنجولا والحبشة, وكان قد انسحب قبل ذلك من الصومال, ثم عقدت اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية التي كان من المستحيل التوقيع عليها قبل هذه النظرة الجديدة, وقبل الطرفان - الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي - مبدأ التفتيش على الترسانات العسكرية وتدمير ما اتفق بينهما على تخفيضه.

          وبدأ سوق السلاح يهتز بدلا من (الرتابة) التي كان يعيش في ظلها, وبدأ الاتحاد السوفييتي يخفف قبضته عن حلف وارسو حتى تم حله, كما بدأ يركز على الإصلاحات الداخلية ويخفف من تدخله في الصراعات الإقليمية.

          وبين إقدام الاتحاد السوفييتي على تنفيذ نظرته الجديدة وإعادة البناء على أسس هذه النظرة الجديدة وتشكك الولايات المتحدة في حقيقة نوايا الاتحاد السوفييتي وإبقائها على حلف الأطلنطي, ومساندتها لحلفائها الإقليميين, لم يقرأ بعض قادة دول العالم الصورة الجديدة على المسرح العالمي وفاتهم مقارنة استخدام القوة قبل البيريسترويكا وبعدها, وكان أكبر مثل على ذلك هو الرئيس صدام حسين التكريتي, فاته أن يقرأ ويتعلم ويتخيل الأوضاع الجديدة والدروس التي تعطيها, وقع الرجل تحت شعور ما يسمى (بغرور القوة) في وقت تغيرت فيه معانيها ووزنها في ممارسة السياسة, لم يتنبه إلى أن امتلاك القوة شيء والخطأ في حسابات استخدامها شيء آخر, لم يعرف الرجل القيود الحقيقية التي بدأ العالم بوضعها على قوانين انتشار القوة وتدخلها لحسم الصراعات الإقليمية, والسبب في ذلك - في تقديري - هو الولايات المتحدة الأمريكية.

          - فهي التي استمرت في مضاعفة صادراتها من الأسلحة إلى الأسواق العالمية.

          - وهي التي شجعت إسرائيل على ممارسة استخدام القوة في السيطرة على أرض الغير.

          - وهي التي حتى تلك الفترة كانت تسعى إلى تفتيت المنظمات الدولية ونزع إرادتها عنها بشكل أهدر القانون الدولي وهزّ مفاهيم السيادة وحط من قدر العدالة والشرعية.

          واستمر الوضع هكذا حتى عملية (عاصفة الصحراء) فكما ترددت الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واحتكارها حينئذ للقوة النووية - إذ لم يكن الاتحاد السوفييتي قد وصل إلى حال التعادل معها في هذا المجال - في صياغة نظام عالمي جديد يبنى على توازن المصالح, كما حدث في اتفاقية فيينا عام 1814 والتي أعقبها (سلام المائة عام) فإنها عادت وترددت مرة أخرى حينما بدأ الاتحاد السوفييتي يرسل الرسالة تلو الرسالة بمفاهيمه الجديدة في البيريسترويكا, لم تحاول هذه المرة أيضاً أن تفهم حقيقة الأوضاع وتكلمت كثيراً عن (العالم الذي يراد بناؤه A World Restored) ولكنها لم تفعل شيئا لبناء النظام العالمي الجديد.. رفعت الشعارات وترددت في تحمل مسئوليتها في عالم جديد, وظنت أن الأفكار التي تتردد عن ذلك ما هي إلا نوع من (اليوتوبيا). بعد الحرب العالمية الثانية لم تفهم خطورة السلاح النووي الذي تحتكره وعاملته على أنه سلاح جديد أشد تدميراً وتجاهلت قوته في صياغة سياسة العالم, وفي آخر الثمانينيات لم تفهم خطورة البيريسترويكا.

          لقد وضعت (عاصفة الصحراء) المفاهيم الاستراتيجية في مأزق حقيقي - خاصة في مفهوم استخدام القوة - ولابد من دراستها... فاستخدام القوة وسيلة من وسائل الصراع العالمي والإقليمي, ولابد أن نفرّق بين الصراع والقتال لأن الأخير إحدى وسائل الأول, وعلينا أن نفهم القيود الثقيلة التي تنظم استخدام القوة, والتي يجب أن يعيها ويتفهمها أصحاب القرار ويتعاملوا معها بكل احتراس واحترام.

          فليس هناك أي قيود عالمية أو إقليمية على من يريد إطلاق الطلقة الأولى, حتى بعد عملية عاصفة الصحراء, فيمكن لأي دولة أن تبدأ القتال في المكان الذي تريده وفي الوقت الذي تختاره وبالطريقة التي تحلو لها, ولكن بعد إطلاق الطلقة الأولى تفقد الدولة حريتها في إنهاء القتال في المكان الذي تريده وفي الوقت الذي تختاره وبالطريقة التي تحلو لها ليس فقط لتحكم الدول المصدرة للسلاح في تصديره ولكن لاحتمال تدخل (الشرعية الدولية) لحسم الموقف بالشكل الذي تريده أيضا.

          والشرعية الدولية المعاصرة تعمل في عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وعلاوة على ذلك فهي شرعية انتقائية تكيل بأكثر من مكيال لتحكم واشنطن في مجلس الأمن بعد غياب (الفيتو السوفييتي) الأمر الذي فتح الباب أمام إصدار قرارات التدخل في النقاط الملتهبة أو عدم التدخل تبعا لمصالحها, فما هو مفهومنا لاستخدام القوة تحت هذه الظروف? كيف نواجه العدوان الحالي والمستقبلي الذي يقع علينا من هنا أو هناك في ظل هذه الشرعية الدولية التي تغير لونها كالحرباء?

          ثم ما مفهومنا لاستخدام القوة في ظل مبادرة الرئيس بوش لتنظيم نقل السلاح والتكنولوجيا في المنطقة والتي وافق عليها مؤتمر لندن للدول المصدرة للسلاح? المبادرة تمزج بين تحريم إنتاج واستخدام  الصواريخ والأسلحة فوق التقليدية - وهي التي أطلقها في كتاباتي على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والحارقة - وتقييد تصدير السلاح التقليدي, وليس تحريمه, بدعوى تلبية الحاجة المشروعة لكل دولة للدفاع عن نفسها ضد أي عدوان, ولكن من الذي يحدد هذه التهديدات? من الذي يحدد حجم ونوع السلاح اللازم? مفهوم المبادرة ينبئ بأن واشنطن سوف تتولى هذه المسئولية لتشكيل العالم في إطار مفهوم للعالم الذي تتخيله عن طريق تشكيل توازنات القوى, فالسلاح هو الأداة الحاسمة لتشكيل السياسات وفرضها, لأن نقله يتم من دول المركز إلى الدول الهامشية تبعا لقوانين من وضع الدول المركزية.

          وإذا كنا نسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي فإن محاولاتنا سوف تبقى مجرد وهم  في غياب تعادل  موازين القوى بين دول المنطقة لأن توازن القوى هو الذي يحقق توازن المصالح, وهو القاعدة الوطيدة التي يبنى عليها الاستقرار. وليس أخطر على الاستقرار من وجود دولة قوية وسط دول ضعيفة لأن ذلك يخلق ما يسمى بـ(غرور القوة), فالقوة لها صفة الانتشار في غياب قوة أخرى تتصدى لها.. كيف نحقق الاستقرار العادل في ظل السيطرة الأمريكية على سوق السلاح وتحيّزها لإسرائيل! كيف نتعامل مع استيراد سلاح من دول المركز وقد أصبحت قواعد ذلك سياسية أكثر منها تجارية كما كان الحال في الماضي? هل أصبح السلاح في يد صانعه أم في يد مستخدمه? وفي ظل هذه التطورات ما مفهومنا للقوة كعامل من عوامل إدارة الصراع? كيف نستخدم القوة في ظل الخلل في موازين القوى وفي ظل شرعية دولية تتلون حسب الظروف والمصالح?

          وأخيرا ما مفهوم المفكرين العرب للقوة في ظل عالم بلا تناقضات عقائدية وبلا حروب, ويتجه تدريجيا إلى تعميم التعاون المتبادل في ظل رايات السلام? فالسلام الذي نعنيه هو السلام الواقعي الذي يعترف بوجود الصراعات والتناقضات, مع العمل على حلها دون استخدام القوة, وليس السلام الكامل الخالي من التناقضات والصراعات? كيف ندير أزماتنا في عالم بلا حروب, قد يسمح بامتلاك القوة بأحجام وأنواع معينة ويحرم استخدامها, إلا إذا غير ذلك, وفي ظل غياب العدالة وتجاهل الحقوق التاريخية? كيف نحصل على قوة رادعة تمنع العدوان وتعيد الحقوق دون قتال في ظل قوانين الرئيس بوش التي تحدد موازين القوى للدول الإقليمية بحسابات انتقائية في ظل شرعية دولية ليست ثابتة?

          وسؤال أخير خطير, ما مصير الصناعات الحربية الوطنية أو الإقليمية في ظل القيود الجديدة على تصدير التكنولوجيا, علما بأن كل هذه الصناعات قائمة على (التجميع) وليس (الابتكار)... يعني (تجميع) القطع التي يصنعها الغير وليس (ابتكار) قطع من صنع أيدينا? ومن يقدر على صنع الكل يقدر على صنع الجزء.

          هذه تحديات حقيقية أمام الأمن القومي العربي المستباح, الذي يعاني من فجوات كثيرة أهمها أصحاب القرار العرب الذين فشلوا في بناء الإرادة العربية الجماعية, والمفكرون العرب الذين لا ينطلقون بأفكارهم إلى المستقبل لتطويع التحديات المتجددة لصالحنا, ويعتنقون أفكارا قديمة حطمتها الزلازل.

المصدر: http://www.alarabimag.com/Book/Article.asp?ART=1390&ID=47

الأكثر مشاركة في الفيس بوك