ويسألونك عن المستقبل

شاكر مصطفى

 

هل تستطيع أن تواجه المستقبل وعيناك في عينيه؟

أما أنا فليست لي هذه الجرأة "النيتشوية" على النظر في العدم، أو على الأقل لا أستطيع حتى النظر إلى المستقبل في غير استحياء وأمل قتيل، فورائي في الماضي القريب سلسلة من الهزائم تعوي فيها والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع.. سورية المائدة الآية 3.

والمستقبليات بعامة رجم بالغيب. لعلها البديل والتعزية عن المستنقع الذي نعيش. إنها أقرب إلى صنعة منجمات الغجر منها إلى الحديث الجدي، وانما يلجأ الإنسان إليها في الأزمات، لعله يتبين لنفسه مهربا، أو يجد الطريق إلى غد، فهي أفيون المعذبين! ودعونا هنا من التخطيط العلمي للمستقبل، فذلك من دنيا أخرى كم نتمناها ونركض وراءها، ولكننا نقع دوما في التنجيم، وفي إسقاط بعض العناصر الأساسية من الصورة، لعلها تبدو أكثر قبولا!

بين التنجيم والتفاؤل المستقبلي جعلت أقرأ الكثير عن المستقبل العربي. كنت أستعيد دون أن أدري أجواء الخمسينيات والستيتيات، وأبني لنفسي بدوري - ولو من المقوى - تصورا مستقبليا للتسعينيات المطلة من هذا القرن، لا أريد أن أنتهي في آخر العمر ومرارة اليأس في فمي.

ومضيت بإرادتي مع المتفائلين

إنهم يتحدثون عن مؤشرات التغيير ونحن على مشارف التسعينيات، يعدونها طيور كولومبوس التي أرقصت قلوب ملاحيه!

يتحدثون عن الانتفاضة المباركة في تلك الأرض المنكوبة المباركة. يعلقون عليها من الآمال ما تنوء به. يصرخون بها أن تتقد وتستمر وهم على مقاعدهم جلوس يدخنون، يودون أن يعتقدوا أن حركة آلاف من الأطفال قادرة على أن تحرك 190 مليونا من النيام، نوم الخدر! وأن حجرا يلقى في القدس أو غزة سوف يزلزل الطغيان الجاثم مابين المحيطين.

ولعلهم يرددون ذلك باقتناع يشبه القناعة بالبديهيات. ولقد كان ذلك في الستينيات، في عصر الرومانسيات والمثاليات المطلقة صحيحا وممكنا، أما اليوم، ألم يختلف "العصر"؟ فالناس غير الناس، والحجارة غير الحجارة.

ويتحدثون، في تفاؤل، عن توقف النزيف في حرب الخليج، وعن النصر، وماكسب الجيش العراقي من الخبرة المرة في القتال الطويل، وماعانت الجماهير من أهوال الحرب ومن التكاليف، وما اقتطع من خبزها ودمائها فيه.

إن ركام الشهداء وسهد الليالي البيض من الغم، وصراخ اليتامى المجروح لم يذهب سدى. لقد اختزنت تجاربها بين الشغاف والقلب ليوم موعود.

وإذا كثرت الملاءات السود في الأسواق وهي أكياس مملوءة حزنا فهي عائدة إلى بيوتها ملأى بالفرح!

ويتحدثون برضا لايخفونه عن عودة مصر إلى أقطار الجامعة العربية أو عودة هذه الأقطار إليها.

الابن البار عاد أخيراً إلى ظل البيت الأبوي، أو عاد البيت إليه، لافرق! والشمل التأم بعد جرح دام 12 سخة، والشقاق الأخوي انهار بين الزغاريد. وتركنا "لكامب ديفيد" أن تموت على مهل في الزاوية كالكلاب. لم نقتلها عمليا ولكن قتلناها صفحاً وغفراناً لتقود الشقيقة الكبرى بعد طول توقف معركة السلام.

ويتحدثون عن تزحزح بعض النظم عن "دوغماتية" الحزب الواحد، وعن استعدادها المتزايد لسماع الرأي الآخر، ويستشهدون بانقلابات السودان واليمن الجنوبي وتونس، للبرهنة على أن ثمة انعطافا واضحا في مسيرة الوطن العربي. "البيرسترويكا" العربية بدأت إذن، والرأي الآخر لن يكون من بعد حبيسس الصدور أو السجون أو القبور!

ويتحدثون عن التكتلات الإقليمجة التي بدأت تتجمع، ولو من وراء الجامعة العربية وبعيدا عن جدرانها المتهدمة ووظائفها التي أكلها العث بعد خمس وأربعين سنة! دول مجلس التعاون الخليجي الست جاءت في الطليعة، ثم جاء مجلس التعاون العربي في المشرق، والوحدة المغاربية في المغرب في يوم واحد، كأنما كانا على موعد. والتق النار والحطب والثوري بالرجعي على مائدة واحدة. وتنزل التفاهم الأخوي عليهم من السماء، فهم على الإجماع والتنسيق، وانتهي عهد النزاع والفرقة إلى غير رجعة. الزمن العربي الرديء انقشع. ومن حق العصافير أن تنطلق منتظرة الفجر الجديد. إن شيئا في الأفق يشع لايتجاهله إلا الأعمى أو المكابر.

إذن فماذا سيكون في المستقبل؟

لقد تحول الجو العربي اليوم إلى إشارة استفهام كبيرة. ولايكثرالسؤال إلا في أيام الأزمات والتحول.

وكثير من السؤال اشتياق

وكثير من رده تعليل!

كل جمديات القطب التي كانت تشل العمل العربي بدأت تذوب ويلتقي بعضها ببعض، حتى طيور النورس! ويتدفق التفاؤل مخدرا ناعما كنور القمر في الدروب "إن كل شيء على مايرام يا سيدتي المركيزة"! فماذا في الغد؟

ولست أنكر كل هذا الذي عنه يتحدثون. كله حسن وجميل ويملأ الصدر تفاؤلا. ولعلي أقدس الأيدي التي تعمل على بعضه وتصنعه. إنها دون شك تصنع الغد الأفضل!

لكن! وكم أكره لكن هذه التي تفرض نفسها بعد كل عمل طيب! لكن ألا تلاحظون أن كل هذه الإرهاصات "سياسية"؟ وهذا الدفق من التفاؤل والنور يدخل من باب واحد هو باب السياسة والأبواب الأخرى مغلقة أو تكاد؟

والسياسة بنت الشيطان، وجانب التفاؤل فيها رواغ زئبقي. وقد يصور ما نريد أن يكون أكثر بكثير مما يصور ما هو كاثن؟ وكل هذه التطورات التي سلفت نابعة من أرض المفاجآت وليس نتيجة تطور الواقع الذي نعيشه!

ولست أدري فيم يتراكض الناس إلى السياسة الطافية على السطح، ويتركون، أو ينسون، تيارات الأعماق، وهي صانعة السياسة. فهل ثم ديمقراطية مع الأمية والفقر، أو ثم وحدة مع التمزق الطائفي والتصادم الإقليمي المتزايدين، أو ثم تعاون جماعي مع وجود النظم الاستبدادية؟ وهل ثم تنمية دون قواعد لها في المجتمع؟ أضف إلى هذا أن سياستنا - ككل دول العالم الثالث - مستعارة!! متقلبة على الرغم منا.

ولست في هذا أميل إلى التفاؤل أو التشاؤم ولا التكذيب أوا التصديق أو الجدل ولكنني أعرف أن خيوط السياسة في المنطقة ليست كلها في أيدينا، ولأنني أعرف فإنني أخشى رقصات الشيطان. إنها قوى ليست أبدا بالمحايدة ولا مجنونة، ولكنها محسوبة بالحاسوب " الكمبيوتر"، تلعب بمستنقعات الدم والنار في أرضنا الشاسعة، وترسم لها مصائر غير المصائر، وأقدارا غير الأقدار، وقد تصل - ولعلها واصلة غدا - حد تغيير الخرائط واعادة الترتيب! وكل شيء جاهز لذلك ما دامت اللوحة السياسية لدينا معلقة في ليل الأهواء "الشخصية"، غير مرتبطة الجذور بالأعماق الحقيقية والثابتة للتطور السياسي، ولا صلة لها بها، فبعد أكثر من ستين سنة من آخر تخطيط للمنطقة الخطرة بيد قوتين لم يعد لهما اليوم شيء من القوة، وبعد أن نضجت العصا الأمريكية الغليظة "إسرائيل"، واستعدت ككل عميل رخيص، حتى لإطلاق الصواريخ البعيدة المدى والنووية، في حين تكبح الصواريخ في باقي العالم، وبعد أن وصلت المنطقة بالإرهاق السياسي والاقتصادي والقتل والقتال حد السيولة والعجينة القابلة لأي تشكل، لم يعد لتسويات الحرب العالمية الأولى أن تصلح لأطماع الإمبراطوريات الكبرى الناشئة وهي على عتبة القرن الحادي والعشرين! إن شيئا ينضج على المطابخ الأمريكية الهادئة، ولنا أن نشوي نحن على نار هادئة أو حامية. ماذا في ذلك؟

وكنت أتمنى لو أقنعتني المؤشرات التي يتحدثون عنها، ولكنني أرددها ويدي على قلبي: أليس ثم قبل الفجر فجر كاذب؟ وأخشى ما أخشاه أن يكون تلمسها نوعا من التعامل مع المخدرات، أو بعضا من محاولات غريق يستنجد بقشة طافية!

كنت أقتنع أكثر وأطمئن لو بنوا تفاؤلهم على أرض أخرى: من الحلم أو من الواقع. لو بنوا المستقبل العربي القادم في التسعينيات من خلال حلم قبلت الحلم، فليس الحلم ممنوعا، ثم إنه صناعة مجانية على حساب الواقع، ولعب في الهواء المحايد، ولا تثريب عليك فيه إن وضعت بينك وبينه مسافة كافية من الثلج والأفيون، ولكنه يظل حلما، سكة ضلال تقودك من باب إلى باب، حتى تجد نفسك أخيرا على رصيف الشارع نفسه!

ولكنهم يتحدثودن في الواقع، وهنا الخطر وموقع القلق، وهنا نتمنى لو بنوا تفاؤلهم على مواقع أخرى أكثر صلادة وصلابة! وحين أتأمل الواقع أجدني كارها للتفاؤل وللأحلام معا، وأجد ما يشبه الخيول الشاردة في جبيني تسير خببا، لتضع بدل الصور المتفائلة صورا أخرى هي منابع التفاؤل الصحيح.

كان ممكنا أن يكونوا أكثر واقعية وإقناعا لو تحدثوا بأشياء أخرى معها تكون سندا لها وقاعدة صلدة ومنبعا للتفاؤل الحقيقي بثبات التطورات السياسية.

- لو تحدثوا وحدثونا مثلا عن التنمية ومؤشرات نجاحها في هذه السنوات العشر المقبلة. هل ثمة ما ينبئ أن الخطط لم تعد تقتصر على العنصر الاقتصادي، وأنها بدأت اعتماد فلسفة شاملة لتخطيط شامل متكامل؟ هل انقضى وهم التنمية بالاعتماد على الخارج وعلى النماذج المستوردة؟ هل وضعت للتنمية استراتيجية وضاحة؟ هل اقتنعنا أن استيراد التقنية لا يغني عنها فتيلا إن لم يغرقنا أكثر في الاستهلاك والتخلف؟ أسئلة معلقة في الهواء، تنتظر جوابا، ولاجواب!

- ولو تحدثوا وحدثونا عن الأمية المتوطنة في قاع المجتمع الحربي، وبخاصة الأمية الحضارية، هل ثم مايشير إلى أنها منقرضة خلال العقد القادم، أو أن منابعها على الأقل سوف تسد وتتخلص جماهير المواطنين من حياة الديدان والبهائم التي تعيشها؟ إن 60% من المواطنين "والنسبة بازدياد" يدبون كالعميان في ليل الجهل، فهل ثم مشروع مضيء في هذا الليل المتسع؟

- ولو تحدثوا وحدثونا عن التقسم الطائفي الذي زرع، والذي تفجر في المجتمع العربي بعد خمود، ونما كنباتات الشوك المرة، وقسمه عموديا إلى تجمعات يزداد التناحر بينها، وقسمه عموديا إلى تجمعات يزداد التناحر بينها، وأحيا إحناً مضى على بعضها ألف وثلاثمائة سنة ونيف أو ألفان! ومع ذلك فنحن ندفع ثمنها المتزايد إلى اليوم. هل ثم مايشير إلى انقشاعها أو أن نبتتها الأخيرة في نمو مذهل، كبعض الباتات الشيطاينة، لا تقطع رأسا من رؤوسها إلا ونبتت بدلا عنه سبعة رؤوس.

- ولو تحدثوا وحدثونا عن النظم الاستبدادية الفردانية التي تستهلم عمامة السلطان القديمة وسوطه. هل فهمت معنى الدولة؟ هل بدأت فهم الفرد على أنه "مواطن" فعلا وليس "رعية"، أو أدخلت أبجدية حقوق الإنسان بين حروفها؟ وهل تركت ولو هوامش يعيش فيها الإنسان بكرامته مبرءا من الخوف، ومن زائري الليل، ومن أن تسمع جدرانه دقات قلبه، وتنقل سرائر نفسه؟ أليس غريبا أنني وأنا أمشي في الستينيات من عمري لا أذكر أنني دعيت إلى الاقتراع أو ذهبت إلى صندوق الانتخاب سوى مرة واحدة في حياتي؟ وفي هذه المرة نفسه كان الانتخاب مزوراً، بدليل أن عدد المقترعين فيه كان أربعة آلاف، وجمعت الأصوات فإذا هي ستة آلاف.

- ولو تحدثوا وحدثونا عن ذئاب الرعب التي تتجول بيننا هل خفت أعدادها، أو قصرت أظافرها والأنياب؟ إن هذا الخوف أضحي يسكن تحت جلودنا، يأكل معنا ويشرب وينام. فهل بدأ ينزاح عن قلوبنا وأقلامنا وشفاهنا المتقلصة، أو أن ثم أملاً في أن ينزاح ليشر الفرد منا أنه إنسان؟ وهل ثمة أمل، مجرد أمل، في أن يسمع الذئب المتسلطن صوت الأغنام التي تئن في ظلمة الأقبية؟

- ولو تحدثوا وحدثونا عن الفقر الذي يأكل جذورنا أكلا كفئران الحقل، هل بدأ الوعي لمكافحته بالإنتاج؟ نحن نستورد الآن " 75%- 80% " من لقمتنا التي نأكلها، وكنا قبل أربعين سنة نصدر منها للآخرين، فهل تنبهنا إلى أننا سوف نذبح بخنجر من الخبز عن قريب، وأن التبعية الاقتصادية سوف تضطرنا أن نكون كالكلب:إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ولن نستجدي السلاح ولا التقنية، ولكن سوف نستجدي الخبز، ونضع خدودنا على الأرض من أجل حفنة قمح؟

- والنفط لو تحدثوا وحدثونا عنه، هل سيعود سلاحا أو يظل كما حوله المنتفعون نكبة؟ هل ثمة ما يدل على أنه سيعود قاعدة اقتصادية متينة لأهله؟ وهل الذين دمروه جعلوه كماء البحر بين أيدينا فأسعاره بانخفاض، وأسواقه بتقلص؟ هل ثابوا وأنابوا ومشى الذئب مع الحمل؟

- والديون الخارجية التي تسحقنا وتثقب جيوبنا وتزداد كل يوم تضخما، وتحملنا من أمرنا رهقاً، وتتركنا راكعين على سلم صندوق النقد الدولي تارة والبنك الدولي أخرى، والتي تضع أنوفنا في الرغام لا تباع سياسة "التقشف"، ولنأكل النخالة والشعير بدل الخبز، هل بدأت شرتها تنحسر وأشواكها الذابحة توحي بالاطمئنان للغد؟ وهل جاءنا عنها خبر يوحي بأن فوائدها سوف تلغى أو تنخفض فلا تهدد بالإفلاس الاقتصادي ولا بالدمار السياسي مجتمعاتنا الهشة؟!

- و"إسرائيل"، ذابحة الأطفال، وما أدراك ما "إسر ائيل"، فاشية مابعد الفاشية، ما الموقف العسكري منها؟ وما الموقف السلمي؟ هل عسانا أمنا سكينها، فنحن نمد إليها اليد المسالة، وهي تتأبى، ونحن نبذل لها الأرض وهي ليست على استعداد لقبول السلام؟ هذه الدويلة التي تكلفنا - ومازالت - المليارات من الديون في السلاح دون طائل، وتأكل عيوننا فلا نستطيع التنمية، ولانكاد نقوم بمشروع منتج وهي في خاصرتنا شوكة ممتدة. "إسرائيل "، هذه الأجيرة الأمريكية بامتياز التي ترتع في أرضنا دون رادع، هل ثمة مايشير إلى أن التوازن الاستراتيجي معها مضمون، أو أنه يقترب؟ وهل ثمة توازن بين من يصنع المسدس والرشاش حتى الآن ومن يصنع طائرة "لافي" المقاتلة، ويجرب الصاروخ البعيد المدى "اريحا - 2"؟ ويطلق القمر الصناعي، ويدخر في ترساناته عشرات القنابل النووية؟

لقد أطلقت هذه الأخبار تباعا خلال السنتين الأخيرتين، فلم يهتز جفن عربي لخطورتها. أهل الكهف سبقونا إلى النوم الطويل، لكننا ننام كأننا محميون من كل خطر، فهل هزت هذه الأخبار المتفجرة سرائرنا؟ الحيوانات تستشعر الخطر وتهرب منه، ولها ردود أفعالها واستجاباتها له، فهل دفع هذا كله العق العربي إلى الحركة، أو أنه "واحدي التفكير"، لايستوعب الأمر ونقيضه، ولايستوعب البدائل؟ وما دمنا على الخط السلام فمن "العيب" أن نفكر بخط الحرب، مع أنهما وجهان لعملة واحدة، وأحدهما يخرج من صلب الآخر!

- والإقليمية؟ حدثونا عنها، وقد بلغت حدها من التجذر والتبجح، وبعد أن ازدادت الحواجز بين الأقطار العربية فمن يريد العبور حتى ولو كان كتابا فهو في حاجة إلى سلالم عالية تعبر به من فوق الأسوار العالية، وتتجاوز أنانية الحكام وقلم الرقيب وسكين الجمارك وسياج المخابرات وسطوة الإرهاق الفكري، هل بدأت هذه الإقليمية تتصدع؟ لقد قامت الاتحادات الإقليمية الثلاثة، وصفقنا لها، فهل أقنعتنا أن بناء المستقبل القومي لايقوم على أساس قطري خالص، وأن التوحد القومي لايصطدم أبدا مع التوجه الإسلامي؟ وهل استوعبنا - على الأقل - تجارب أوربا التي تتساند لنقابل التسعينيات كتلة واحدة؟ وهل آمنا أن هذا التوجه ضرورة قومية مصيرية؟ لن أجادل ففي هذه التكتلات أهي أضعفت الجامعة العربية أم زاداتها مرونة وقوة، فالأمر في النتيجة سواء، ولكنني أتساءل: هل أعددنا - أو نحن في السبيل - إلى إعداد العدة لاستقبال القرن المقبل وفيه خمس كتل كبرى متزاحمة بإضافة اليابان والصين وأوربا إلى العملاقين الموجودين اليوم؟ وهل ثمة من يعنى بفهم معنى الغد وفيه هذه القوى الضخمة، ويعد نفسه للتعامل معها؟

دعونا بعد كل هذا من التساؤل عن بؤر الخطر والتوتر في الوطن العربي والعالم الإسلامي، بين أقصى جنوب السودان وأقصى الصحراء الموريتانية وأقصى الجبال في المشرق العراقي الإيراني، هل ثمة موقف موحد يتبلور لمواجهة هذه البؤر؟

ولننس مؤسسة القمة العربية التي بدأت منذ خمس وعشرين سنة "أو أكثر من ذلك "، وهل في الأفق ما يؤكد أنها ستصبح أكثر فاعلية وأصلب قرارا، فيما يجاوز العناق والقبلات عند اللقاء والفراق.

ودعونا من الحديث عن العصافير المهاجرة والأدمغة الهاربة أيان مرساها؟ وعن التردي الصحي متى يكافح، وعن جبروت التقنية والهوة القائمة بيننا وبينها ومتى تردم، وعن.. وعن.

إن الحديث ذو شجون، ولقد كنا نتذاكر بعضه أو مثله، فقام أحد الحضور وقد مل التشاؤم ليقول:

- "لاتفكر! الله يدبر، بكرة يدبره رب بكرة!"

ومن تفكر في الدنيا ومهجته

أقامه الفكر بين العجز والتعب!

 المصدر: http://www.alarabimag.com/Book/Article.asp?ART=994&ID=63

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك